لماذا التطرق للتهجير و«الوطن البديل»؟ خلفيات الاحتراز الأردني وخطاب الملك الأممي بصيغة «اقتضى التنويه»
عمان جو - بسام البدارين - الخلفيات والتصورات عن التداعيات المحتملة في جملة التحفيز الأردنية المباشرة قد تكون لا تقل أهمية في الواقع عن محتوى ومضمون العناصر التي شكلت خطاب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مساء الثلاثاء في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث عدة رسائل لكل الجهات المعنية فيما تبقى من المجتمع الدولي، وحيث احتراز أردني من طراز رفيع وظيفته العملية الآن إبلاغ كل الأطراف، سواء داخل الكيان الإسرائيلي أو في الولايات المتحدة أو في الدول الأوروبية والمجتمعات الغربية، بأن الأردن بصدد معادلة مختلفة وأولوياتها واضحة.
عملياً، رسم العاهل الملك عبد الله الثاني بخطاب استثنائي تحت قبة الأمم المتحدة حدوداً لمقاربة أردنية مختلفة عن كل التصورات والتحليلات وبعض التأويلات فيما يتعلق بالأزمة التي ينتجها الاحتلال الإسرائيلي، وظهرت في ثنايا الخطاب رسائل مباشرة تخص ممارسات حكام تل أبيب اليوم، الذين درج سياسيون كبار من بينهم الرئيس علي أبو الراغب على وصفهم بـ “المجانين الذين يحكمون إسرائيل”.
في كل حال، شكل خطاب العاهل الأردني إطاراً للمقاربة الأردنية القائمة الآن على قناعة راسخة بأن الخبرة كانت دوماً تمثل العمق في متابعة الصراع الإسرائيلي العربي أو ملف القضية الفلسطينية، وهي ذاتها الخبرة التي تتدهور أحوال المنطقة والإقليم بسبب “تجاهلها”، وفقاً لرئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز.
تلك الخبرة قالت كلمتها على المنبر الأممي وبصورة صاخبة وعميقة، مردها في السياق المعلوماتي التحضيرات الجدية التي اتخذها كل من نتنياهو وسموتريتش لتعزيز الاستيطان في الأغوار وبناء جدار عازل.
جملة الخطاب الملكي الاعتراضية في نيويورك كانت “غير مسبوقة” من حيث الاتهام المباشر لليمين الإسرائيلي، ليس على صعيد “الممارسات” فقط ولكن أيضاً على صعيد “التواطؤ الأمريكي والدولي” أيضاً، بدلالة أن العاهل الأردني رسم خطوطاً محددة يخاطب فيها الداخل في شعبه والخارج في العالم والمنطقة والإقليم تحت عناوين الموقف الأردني الثابت من تداعيات ما يفعله اليمين الإسرائيلي.
بوضوح شديد، لم يتحدث العاهل الأردني عن بلاده في خطابه بالأمم المتحدة لا من قريب ولا من بعيد.
ولم يتحدث عن المصالح التي يتحدث الزعماء بالعادة عنها بقدر ما تحدث عن مستقبل المنطقة وأمنها واستقرارها، لا بل عن مستقبل استقرار المجتمع الدولي، ما دفع الخطاب للتفرد والتعرض لبند واحد حصراً، هو “القضية الفلسطينية”.
في مناخات الأمم المتحدة، تركز خطاب الملك الأردني فقط في تطورات القضية الفلسطينية وتطورات المعركة ضد أهل قطاع غزة وضد الشعب اللبناني حديثاً، مع أكبر جمل التضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني في هذه المرحلة، ومع جملة انتقادات صلبة وشرسة مباشرة تخللتها إيماءات ونظرات حادة، كما تخللها إشارة مباشرة باليد إلى من يمثل حكومة إسرائيل اليمينية وتلاعباتها وعبثها بالمنطقة.
دفع العاهل الأردني الجميع إلى أقصى نقاط التوقع والتكهن عندما تجنب أي حديث لا علاقة له بالملف الفلسطيني في خطابه، فكرسه للحديث عن إسرائيل الجديدة التي فيها من التوحش والإجرام والممارسات العنيفة ما لا يمكن للعالم الصمت عليه وجعلها منبوذة.
وطلب من جميع الدول الانتباه إلى أن المجتمع الدولي بدأ ينظر إلى إسرائيل بأعين ضحاياها، خصوصاً في غزة، وهي معادلة كانت قد تضمنتها حوارات سابقة في القصر الملكي لفتت النظر إلى الخيار المتاح مرحلياً، وهو العمل على المزيد من ملاحقة إسرائيل دولياً.
غزة وما يجري فيها حظيت بالحصة الأكبر من حديث العاهل الأردني الحاد والساخن والسياسي بامتياز في توجيه انتقادات مباشرة لليمين الإسرائيلي، لا بل تجاوز ذلك باتجاه انتقاد مباشر أو غير مباشر لتواطؤ المجتمع الدولي والأسرة الدولية مع ما يرتكبه اليمين الإسرائيلي من جرائم الآن.
النقطة الأهم التي تظهر وجود مشكلة وأزمة عميقة في العلاقة ما بين الأردن وحكومة اليمين الإسرائيلي هي تلك التي تشير لأول مرة إلى أن القيادة الأردنية اضطرت وعلى منبر الأمم المتحدة وتحت قبة الجمعية العمومية للأمم، لترديد قول كلمة لا للسيناريوهات البديلة أو للوطن البديل.
هنا كانت عبارة واضحة من العاهل الأردني فيها قدر كبير من التحدي، الأمر الذي يعكس حتى برأي الخبراء ومراقبين ودبلوماسيين، إحساس الأردن العام وتراكم انطباعاته بأن جهة من مجانين تل أبيب تفكر فعلاً بالسيناريوهات البديلة التي قال الملك إن بلاده لن تقبلها، كما لن تقبل بتهجير الفلسطينيين، مكرراً اعتبار أي تهجير للفلسطينيين بمثابة إعلان حرب.
لا يقال ذلك “من فراغ” برأي الخبير الدكتور جواد العناني، الذي استفسرت منه “القدس العربي” قبل أن يكون من أوائل السياسيين الذين يتصورون بأن إبلاغ العالم بمنطوق إعلان حرب إسرائيلي على الأردن يعني ضمناً التلويح باستعداد الأردن للاشتباك حتى عسكرياً إن لزم الأمر.
يعكس هذا الخطاب الحاد وغير المألوف في اللهجة الأردنية الانهيار الشامل للاتصالات ومنظومتها مع حكام إسرائيل، بل يعكس أيضاً ضعف ثقة المؤسسة الأردنية بعد الآن في منظومة الرعاية الأمريكية للخطط الإسرائيلية بقدر ما يعكس أيضاً – وهذا ما لاحظه سياسيون في عمان بعد الخطاب – ارتفاع مستوى الشعور بالمخاطر في الأردن، وقبل ذلك التوقف عن سياسة إنكارها والاستعداد لمرحلة اشتباك أكبر، أو قد تصبح أبعد من المستوى والمنسوب الدبلوماسي إذا ما أصر الإسرائيليون على التمسك بأطماعهم.
تلك نقاط في المقاربة الأردنية عكست الانطباع بأن الأردن ينظر عملياً على المستوى المعلوماتي لقرار بنيامين نتنياهو إقامة جدار على حدوده في منطقة الأغوار باعتباره خطوة في قمة العداء للمصالح الأردنية، والمسألة قد لا تقف عند هذه الحدود؛ فالجانب الإسرائيلي يكثر من العبث الحدودي مع الأردن… لذلك “اقتضى التنويه”.
«القدس العربي»
عملياً، رسم العاهل الملك عبد الله الثاني بخطاب استثنائي تحت قبة الأمم المتحدة حدوداً لمقاربة أردنية مختلفة عن كل التصورات والتحليلات وبعض التأويلات فيما يتعلق بالأزمة التي ينتجها الاحتلال الإسرائيلي، وظهرت في ثنايا الخطاب رسائل مباشرة تخص ممارسات حكام تل أبيب اليوم، الذين درج سياسيون كبار من بينهم الرئيس علي أبو الراغب على وصفهم بـ “المجانين الذين يحكمون إسرائيل”.
في كل حال، شكل خطاب العاهل الأردني إطاراً للمقاربة الأردنية القائمة الآن على قناعة راسخة بأن الخبرة كانت دوماً تمثل العمق في متابعة الصراع الإسرائيلي العربي أو ملف القضية الفلسطينية، وهي ذاتها الخبرة التي تتدهور أحوال المنطقة والإقليم بسبب “تجاهلها”، وفقاً لرئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز.
تلك الخبرة قالت كلمتها على المنبر الأممي وبصورة صاخبة وعميقة، مردها في السياق المعلوماتي التحضيرات الجدية التي اتخذها كل من نتنياهو وسموتريتش لتعزيز الاستيطان في الأغوار وبناء جدار عازل.
جملة الخطاب الملكي الاعتراضية في نيويورك كانت “غير مسبوقة” من حيث الاتهام المباشر لليمين الإسرائيلي، ليس على صعيد “الممارسات” فقط ولكن أيضاً على صعيد “التواطؤ الأمريكي والدولي” أيضاً، بدلالة أن العاهل الأردني رسم خطوطاً محددة يخاطب فيها الداخل في شعبه والخارج في العالم والمنطقة والإقليم تحت عناوين الموقف الأردني الثابت من تداعيات ما يفعله اليمين الإسرائيلي.
بوضوح شديد، لم يتحدث العاهل الأردني عن بلاده في خطابه بالأمم المتحدة لا من قريب ولا من بعيد.
ولم يتحدث عن المصالح التي يتحدث الزعماء بالعادة عنها بقدر ما تحدث عن مستقبل المنطقة وأمنها واستقرارها، لا بل عن مستقبل استقرار المجتمع الدولي، ما دفع الخطاب للتفرد والتعرض لبند واحد حصراً، هو “القضية الفلسطينية”.
في مناخات الأمم المتحدة، تركز خطاب الملك الأردني فقط في تطورات القضية الفلسطينية وتطورات المعركة ضد أهل قطاع غزة وضد الشعب اللبناني حديثاً، مع أكبر جمل التضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني في هذه المرحلة، ومع جملة انتقادات صلبة وشرسة مباشرة تخللتها إيماءات ونظرات حادة، كما تخللها إشارة مباشرة باليد إلى من يمثل حكومة إسرائيل اليمينية وتلاعباتها وعبثها بالمنطقة.
دفع العاهل الأردني الجميع إلى أقصى نقاط التوقع والتكهن عندما تجنب أي حديث لا علاقة له بالملف الفلسطيني في خطابه، فكرسه للحديث عن إسرائيل الجديدة التي فيها من التوحش والإجرام والممارسات العنيفة ما لا يمكن للعالم الصمت عليه وجعلها منبوذة.
وطلب من جميع الدول الانتباه إلى أن المجتمع الدولي بدأ ينظر إلى إسرائيل بأعين ضحاياها، خصوصاً في غزة، وهي معادلة كانت قد تضمنتها حوارات سابقة في القصر الملكي لفتت النظر إلى الخيار المتاح مرحلياً، وهو العمل على المزيد من ملاحقة إسرائيل دولياً.
غزة وما يجري فيها حظيت بالحصة الأكبر من حديث العاهل الأردني الحاد والساخن والسياسي بامتياز في توجيه انتقادات مباشرة لليمين الإسرائيلي، لا بل تجاوز ذلك باتجاه انتقاد مباشر أو غير مباشر لتواطؤ المجتمع الدولي والأسرة الدولية مع ما يرتكبه اليمين الإسرائيلي من جرائم الآن.
النقطة الأهم التي تظهر وجود مشكلة وأزمة عميقة في العلاقة ما بين الأردن وحكومة اليمين الإسرائيلي هي تلك التي تشير لأول مرة إلى أن القيادة الأردنية اضطرت وعلى منبر الأمم المتحدة وتحت قبة الجمعية العمومية للأمم، لترديد قول كلمة لا للسيناريوهات البديلة أو للوطن البديل.
هنا كانت عبارة واضحة من العاهل الأردني فيها قدر كبير من التحدي، الأمر الذي يعكس حتى برأي الخبراء ومراقبين ودبلوماسيين، إحساس الأردن العام وتراكم انطباعاته بأن جهة من مجانين تل أبيب تفكر فعلاً بالسيناريوهات البديلة التي قال الملك إن بلاده لن تقبلها، كما لن تقبل بتهجير الفلسطينيين، مكرراً اعتبار أي تهجير للفلسطينيين بمثابة إعلان حرب.
لا يقال ذلك “من فراغ” برأي الخبير الدكتور جواد العناني، الذي استفسرت منه “القدس العربي” قبل أن يكون من أوائل السياسيين الذين يتصورون بأن إبلاغ العالم بمنطوق إعلان حرب إسرائيلي على الأردن يعني ضمناً التلويح باستعداد الأردن للاشتباك حتى عسكرياً إن لزم الأمر.
يعكس هذا الخطاب الحاد وغير المألوف في اللهجة الأردنية الانهيار الشامل للاتصالات ومنظومتها مع حكام إسرائيل، بل يعكس أيضاً ضعف ثقة المؤسسة الأردنية بعد الآن في منظومة الرعاية الأمريكية للخطط الإسرائيلية بقدر ما يعكس أيضاً – وهذا ما لاحظه سياسيون في عمان بعد الخطاب – ارتفاع مستوى الشعور بالمخاطر في الأردن، وقبل ذلك التوقف عن سياسة إنكارها والاستعداد لمرحلة اشتباك أكبر، أو قد تصبح أبعد من المستوى والمنسوب الدبلوماسي إذا ما أصر الإسرائيليون على التمسك بأطماعهم.
تلك نقاط في المقاربة الأردنية عكست الانطباع بأن الأردن ينظر عملياً على المستوى المعلوماتي لقرار بنيامين نتنياهو إقامة جدار على حدوده في منطقة الأغوار باعتباره خطوة في قمة العداء للمصالح الأردنية، والمسألة قد لا تقف عند هذه الحدود؛ فالجانب الإسرائيلي يكثر من العبث الحدودي مع الأردن… لذلك “اقتضى التنويه”.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات