الجبهة اللبنانية بين وقف النار واستمرار النزيف ووهم الحسم
عمان جو - بخلاف ما يرد في الإعلام العبري والدولي، ورغم عودة المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين إلى المنطقة غدًا الخميس، ورغم رغبة المؤسسة الأمنية في الانتقال من القوة إلى المساعي السياسية الدبلوماسية، تبدو نهاية الحرب على الجبهة الشمالية أبعد مما تظهره الصورة الإعلامية. مردّ هذه التقديرات رغبة حكومة الاحتلال، برئاسة نتنياهو، بفرض شروط مُذلّة على لبنان لا يحتملها “حزب الله”، وكذلك رفض نتنياهو وعدد من الوزراء في ائتلافه، ممن يواصلون الانقياد وراء وهم الحسم العسكري، استنساخًا لتمسّكهم بمواصلة الحرب المتوحشة على غزة، طمعًا بـ “نصر مطلق مظفّر وتاريخي” يلبي شهوة الانتقام، ومشاعر العظمة والغطرسة.
رغم دخول العام الثاني للحرب، ورغم أنها باتت أكثر كلفة للإسرائيليين على كل المستويات، يواصل قادة حكومة الاحتلال السعي للإبقاء عليها لحسابات فئوية: استبعادًا ليوم حساب إسرائيلي داخلي على شكل لجنة تحقيق رسمية تقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة، لا سيّما أن استطلاعات الرأي لا تبتسم لنتنياهو ولحزبه وبقية الأحزاب الائتلافية، رغم اغتيال عدد كبير جدًا من قادة “حزب الله” و”حماس”، وغيرها من النجاحات الميدانية التي يشيد بها الإسرائيليون، لكنها لا تُنسيهم عار السابع من أكتوبر، المحفور في وعيهم وذاكرتهم، ويرفضون الصفح والغفران عن هذا الفشل الإستراتيجي الخطير، ويرغبون بالمحاسبة كونها الطريق الوحيد للتصحيح والاستشفاء.
مؤشرات على جدية النوايا
وفقًا لمصادر صحفية، سيصل هوكشتاين إلى المنطقة غدًا، بعدما كانت واشنطن قد بعثت برسالة إلى الجانبين الإسرائيلي واللبناني دعتهما فيها لإبداء مؤشرات جدية على النوايا بالتقدم وإنهاء الحرب. ونقلت وسائل إعلام عبرية، أمس، عن هوكشتاين قوله إنه على إسرائيل أن تقرر ماذا تريد، وتحدّد أهدافها، قبل أن يتخذ قرارًا بالعودة إلى المنطقة واستئناف مساعي التهدئة.
للوهلة الأولى، وعلى خلفية زيارة هوكشتاين المرتقبة، يبدو أن إسرائيل ترغب في إنهاء القتال والتحوّل للمسار الدبلوماسي، ولكن على الأرض، ما زالت تضع المزيد من العراقيل والتعقيدات. علاوة على اشتراطها الاتفاق ببند يكفل لها حق التدخل العسكري المباشر في كل مرة ينتهك “حزب الله” بند عدم الدخول إلى منطقة جنوب الليطاني ولا تقوم قوات حفظ السلام والجيش اللبناني بمنعه.
وكما جاء في تقرير “يديعوت أحرونوت”، أمس، تكشف مصادر إعلامية عبرية، اليوم، أن حكومة الاحتلال معنية بإضافة بند إشكالي جديد يتمثل بفرض رقابة دولية على الحدود السورية اللبنانية، وهذا يُضاف إلى حظر السلاح على “حزب الله” برًا وبحرًا وجوًا.
نتنياهو يؤجل حفل زفاف نجله
بعدما كشفت الصحيفة، أمس، عن “تقدم كبير” في المداولات من أجل وقف الحرب مع “حزب الله”، توضّح صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم، أن وزراء أعضاء في الكابنيت تحفّظوا، خلال اجتماعهم الليلة الماضية، على فكرة وقف الحرب، ويريدون مواصلة القتال لعدة أسابيع بهدف حسم “حزب الله” و”حماس” عسكريًا بشكل تام، ومنعهما لاحقًا من النهوض، وتشكيل تهديد على إسرائيل من جديد. مثل هذه الشعارات الشعبوية والأطماع الأيديولوجية لا تنمّ عن وزراء متشدّدين، أمثال سموتريتش وبن غفير فحسب، بل هي في صلب حسابات نتنياهو، الذي يواصل خلط الأوراق، وعيناه على الجبهة الداخلية الخاصة بهيبته، وصورته ومستقبله السياسي.
وتتجلى مخاوف نتنياهو من السقوط السياسي أيضًا في قلقه المعلن من هجمات المسيرات، حيث قال، أول أمس، إنه يستغرب عدم عقد الكنيست اجتماعها الافتتاحي للدورة الشتوية داخل قاعة محصنة.
واليوم، كشفت الإذاعة العبرية أنه قرّر تأجيل حفل زفاف ابنه الثاني، أفنير، من نهاية نوفمبر حتى إشعار آخر “بسبب مخاوف أمنية”، ويبدو أنه بذلك يمهّد الأرضية لمطالبته المحكمة المركزية بتأجيل جلستها القريبة للاستماع إلى شهادته في تهم الفساد.
الخوف من الاستنزاف
من جهة أخرى، يرى مراقبون إسرائيليون أن القضاء على آخر جندي للمقاومة هو ضرب من الوهم، ويعكس منطق الحروب التي لا تنتهي بإبادة العدو حتى آخر جنوده، كما يقول عدد من الجنرالات في الاحتياط.
في المقابل، وردًا على تهديدات إسرائيلية باغتيال الأمين العام الجديد نعيم قاسم، أكد “حزب الله” أنه ما زال يحتفظ بقدرات صاروخية كبيرة، وأنه لم يستخدم بعضها، خاصة تلك التي تصل إلى مدى بعيد.
الصحيفة ذاتها عنونت صفحتها الأولى بالقول: “الهدف إنهاء سريع في الشمال”، وإلى جانبها صورة خمسة جنود إسرائيليين قتلوا أمس، فيما بدت الصفحة الأولى لـ “هآرتس” مشابهة جدًا بالشكل والمضمون. وبذلك تعبّر الصحيفتان عن رغبة المؤسسة الأمنية وأوساط واسعة في إسرائيل بالانتقال لترجمة المكاسب العسكرية إلى ثمار دبلوماسية تتيح وقف النزيف، وتعيد النازحين إلى الشمال وترتب الأوراق في الجبهة الشمالية والجنوبية أيضًا. ينعكس هذا في رسم الكاريكاتير اليومي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وفيه يجلس إسرائيلي في صالون بيته مقابل تلفاز كُتب على شاشته بالعبرية “سُمح بالنشر” (مصطلح عبري للإنباء بقتل وإصابة جنود)، فيما تسأله زوجته وهي تدخل عليه: ما جديد الأخبار؟
حرب لبنان الرابعة
بخلاف حسابات نتنياهو ووزراء في الكابنيت، ورغم تهديداته المتكررة، يرى وزير الأمن في حكومة الاحتلال، يوآف غالانت، ضرورة التحول الآن إلى اتفاق في الجبهتين يكفل الأمن ويعيد النازحين والمخطوفين. وقد عبّر عن ذلك بقوله، أول أمس، إنه لا يمكن تحقيق كل شيء بواسطة القوة. وبذلك يعكس غالانت رؤية الجيش وكل المؤسسة الأمنية الراغبة بوقف النار الآن لعدة عوامل، منها حالة الإرهاق في جيش الاحتياط بعد عام من حرب متعددة الجبهات، الخوف من التورط في حرب استنزاف مكلفة تدفع إلى التورط في “الوحل اللبناني”، لا سيّما مع اقتراب الشتاء، إضافة إلى الرغبة في استعادة المخطوفين كون هذه المسألة تتجاوز البعد الإنساني وترتبط بالأمن القومي والحلم الصهيوني التاريخي.
في المقابل، هناك أوساط في المعارضة الإسرائيلية أيضًا ترفض فكرة وقف النار، إما من باب المزايدة على نتنياهو ومحاولة النيل من صورته، أو نتيجة مخاوف حقيقية من استعادة “حزب الله” عافيته سريعًا وتفويت فرصة لتغيير واقع الجبهة الشمالية. عبّرَ عن هذا الموقف رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” ووزير الأمن الأسبق، أفيغدور ليبرمان، الذي قال للإذاعة العبرية، اليوم، إن بقاء “حزب الله” مع خيار تلقي السلاح مجددًا يعني أن حرب لبنان الرابعة مسألة وقت. وتابع ليبرمان: “لا بد من مواصلة القتال رغم الثمن الموجع حتى الحسم العسكري، وبدون ذلك لن يعود النازحون إلى مستوطناتهم في الشمال. ونستطيع الرد على الضغط الأمريكي من أجل اتفاق مع حزب الله بالقول: نحن نريد أن نقوم بما قمتم به مع القاعدة”.
يُشار إلى أن ليبرمان سبق أن اتهم نتنياهو بردّ ضعيف على إيران، قبل أسبوع، وبـتفويت فرصة لضرب منشآتها النووية. فيما قالت “يديعوت أحرونوت”، أمس، إن طهران أعطت الضوء الأخضر لـ “حزب الله” للتوجه نحو اتفاق وقف النار، فهل فعلاً هذا هو موقفها؟ وكيف يستوي ذلك مع تهديداتها القاطعة بالرد على الرد؟ وهل يمكن فصل الجبهات عن بعضها؟ في كل الأحوال، يبدو أن مفتاح التغيير ما زال بيد رئيس حكومة الاحتلال وحده، وفقًا لأهوائه وحساباته المتنوعة.
رغم دخول العام الثاني للحرب، ورغم أنها باتت أكثر كلفة للإسرائيليين على كل المستويات، يواصل قادة حكومة الاحتلال السعي للإبقاء عليها لحسابات فئوية: استبعادًا ليوم حساب إسرائيلي داخلي على شكل لجنة تحقيق رسمية تقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة، لا سيّما أن استطلاعات الرأي لا تبتسم لنتنياهو ولحزبه وبقية الأحزاب الائتلافية، رغم اغتيال عدد كبير جدًا من قادة “حزب الله” و”حماس”، وغيرها من النجاحات الميدانية التي يشيد بها الإسرائيليون، لكنها لا تُنسيهم عار السابع من أكتوبر، المحفور في وعيهم وذاكرتهم، ويرفضون الصفح والغفران عن هذا الفشل الإستراتيجي الخطير، ويرغبون بالمحاسبة كونها الطريق الوحيد للتصحيح والاستشفاء.
مؤشرات على جدية النوايا
وفقًا لمصادر صحفية، سيصل هوكشتاين إلى المنطقة غدًا، بعدما كانت واشنطن قد بعثت برسالة إلى الجانبين الإسرائيلي واللبناني دعتهما فيها لإبداء مؤشرات جدية على النوايا بالتقدم وإنهاء الحرب. ونقلت وسائل إعلام عبرية، أمس، عن هوكشتاين قوله إنه على إسرائيل أن تقرر ماذا تريد، وتحدّد أهدافها، قبل أن يتخذ قرارًا بالعودة إلى المنطقة واستئناف مساعي التهدئة.
للوهلة الأولى، وعلى خلفية زيارة هوكشتاين المرتقبة، يبدو أن إسرائيل ترغب في إنهاء القتال والتحوّل للمسار الدبلوماسي، ولكن على الأرض، ما زالت تضع المزيد من العراقيل والتعقيدات. علاوة على اشتراطها الاتفاق ببند يكفل لها حق التدخل العسكري المباشر في كل مرة ينتهك “حزب الله” بند عدم الدخول إلى منطقة جنوب الليطاني ولا تقوم قوات حفظ السلام والجيش اللبناني بمنعه.
وكما جاء في تقرير “يديعوت أحرونوت”، أمس، تكشف مصادر إعلامية عبرية، اليوم، أن حكومة الاحتلال معنية بإضافة بند إشكالي جديد يتمثل بفرض رقابة دولية على الحدود السورية اللبنانية، وهذا يُضاف إلى حظر السلاح على “حزب الله” برًا وبحرًا وجوًا.
نتنياهو يؤجل حفل زفاف نجله
بعدما كشفت الصحيفة، أمس، عن “تقدم كبير” في المداولات من أجل وقف الحرب مع “حزب الله”، توضّح صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم، أن وزراء أعضاء في الكابنيت تحفّظوا، خلال اجتماعهم الليلة الماضية، على فكرة وقف الحرب، ويريدون مواصلة القتال لعدة أسابيع بهدف حسم “حزب الله” و”حماس” عسكريًا بشكل تام، ومنعهما لاحقًا من النهوض، وتشكيل تهديد على إسرائيل من جديد. مثل هذه الشعارات الشعبوية والأطماع الأيديولوجية لا تنمّ عن وزراء متشدّدين، أمثال سموتريتش وبن غفير فحسب، بل هي في صلب حسابات نتنياهو، الذي يواصل خلط الأوراق، وعيناه على الجبهة الداخلية الخاصة بهيبته، وصورته ومستقبله السياسي.
وتتجلى مخاوف نتنياهو من السقوط السياسي أيضًا في قلقه المعلن من هجمات المسيرات، حيث قال، أول أمس، إنه يستغرب عدم عقد الكنيست اجتماعها الافتتاحي للدورة الشتوية داخل قاعة محصنة.
واليوم، كشفت الإذاعة العبرية أنه قرّر تأجيل حفل زفاف ابنه الثاني، أفنير، من نهاية نوفمبر حتى إشعار آخر “بسبب مخاوف أمنية”، ويبدو أنه بذلك يمهّد الأرضية لمطالبته المحكمة المركزية بتأجيل جلستها القريبة للاستماع إلى شهادته في تهم الفساد.
الخوف من الاستنزاف
من جهة أخرى، يرى مراقبون إسرائيليون أن القضاء على آخر جندي للمقاومة هو ضرب من الوهم، ويعكس منطق الحروب التي لا تنتهي بإبادة العدو حتى آخر جنوده، كما يقول عدد من الجنرالات في الاحتياط.
في المقابل، وردًا على تهديدات إسرائيلية باغتيال الأمين العام الجديد نعيم قاسم، أكد “حزب الله” أنه ما زال يحتفظ بقدرات صاروخية كبيرة، وأنه لم يستخدم بعضها، خاصة تلك التي تصل إلى مدى بعيد.
الصحيفة ذاتها عنونت صفحتها الأولى بالقول: “الهدف إنهاء سريع في الشمال”، وإلى جانبها صورة خمسة جنود إسرائيليين قتلوا أمس، فيما بدت الصفحة الأولى لـ “هآرتس” مشابهة جدًا بالشكل والمضمون. وبذلك تعبّر الصحيفتان عن رغبة المؤسسة الأمنية وأوساط واسعة في إسرائيل بالانتقال لترجمة المكاسب العسكرية إلى ثمار دبلوماسية تتيح وقف النزيف، وتعيد النازحين إلى الشمال وترتب الأوراق في الجبهة الشمالية والجنوبية أيضًا. ينعكس هذا في رسم الكاريكاتير اليومي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وفيه يجلس إسرائيلي في صالون بيته مقابل تلفاز كُتب على شاشته بالعبرية “سُمح بالنشر” (مصطلح عبري للإنباء بقتل وإصابة جنود)، فيما تسأله زوجته وهي تدخل عليه: ما جديد الأخبار؟
حرب لبنان الرابعة
بخلاف حسابات نتنياهو ووزراء في الكابنيت، ورغم تهديداته المتكررة، يرى وزير الأمن في حكومة الاحتلال، يوآف غالانت، ضرورة التحول الآن إلى اتفاق في الجبهتين يكفل الأمن ويعيد النازحين والمخطوفين. وقد عبّر عن ذلك بقوله، أول أمس، إنه لا يمكن تحقيق كل شيء بواسطة القوة. وبذلك يعكس غالانت رؤية الجيش وكل المؤسسة الأمنية الراغبة بوقف النار الآن لعدة عوامل، منها حالة الإرهاق في جيش الاحتياط بعد عام من حرب متعددة الجبهات، الخوف من التورط في حرب استنزاف مكلفة تدفع إلى التورط في “الوحل اللبناني”، لا سيّما مع اقتراب الشتاء، إضافة إلى الرغبة في استعادة المخطوفين كون هذه المسألة تتجاوز البعد الإنساني وترتبط بالأمن القومي والحلم الصهيوني التاريخي.
في المقابل، هناك أوساط في المعارضة الإسرائيلية أيضًا ترفض فكرة وقف النار، إما من باب المزايدة على نتنياهو ومحاولة النيل من صورته، أو نتيجة مخاوف حقيقية من استعادة “حزب الله” عافيته سريعًا وتفويت فرصة لتغيير واقع الجبهة الشمالية. عبّرَ عن هذا الموقف رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” ووزير الأمن الأسبق، أفيغدور ليبرمان، الذي قال للإذاعة العبرية، اليوم، إن بقاء “حزب الله” مع خيار تلقي السلاح مجددًا يعني أن حرب لبنان الرابعة مسألة وقت. وتابع ليبرمان: “لا بد من مواصلة القتال رغم الثمن الموجع حتى الحسم العسكري، وبدون ذلك لن يعود النازحون إلى مستوطناتهم في الشمال. ونستطيع الرد على الضغط الأمريكي من أجل اتفاق مع حزب الله بالقول: نحن نريد أن نقوم بما قمتم به مع القاعدة”.
يُشار إلى أن ليبرمان سبق أن اتهم نتنياهو بردّ ضعيف على إيران، قبل أسبوع، وبـتفويت فرصة لضرب منشآتها النووية. فيما قالت “يديعوت أحرونوت”، أمس، إن طهران أعطت الضوء الأخضر لـ “حزب الله” للتوجه نحو اتفاق وقف النار، فهل فعلاً هذا هو موقفها؟ وكيف يستوي ذلك مع تهديداتها القاطعة بالرد على الرد؟ وهل يمكن فصل الجبهات عن بعضها؟ في كل الأحوال، يبدو أن مفتاح التغيير ما زال بيد رئيس حكومة الاحتلال وحده، وفقًا لأهوائه وحساباته المتنوعة.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات