بعد مفاوضات شملت النفط والجيش .. ماهو مستقبل الإدارة الذاتية شرقي سوريا وذراعها العسكري “قسد”؟
عمان جو - في أول لقاء تمهيدي بعد سقوط نظام الأسد، التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، الإثنين، وفدا من قوات سوريا الديموقراطية، الجناح العسكري للإدارة الذاتية الكردية.
ونقل المرصد السوري عن مصادر خاصة أن قيادات من قسد توجهوا عبر طائرة مروحية أمريكية إلى مطار الضمير العسكري لعقد اجتماع مع أحمد الشرع وقيادات الإدارة العامة.
وأفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن ومقره لندن، أن مظلوم عبدي وأحمد الشرع التقيا في مطار عسكري برعاية أمريكية.
قيادات من “قسد” يتقدهم مظلوم عبدي توجهوا عبر طائرة مروحية أمريكية إلى مطار الضمير العسكري لعقد اجتماع مع أحمد الشرع وقيادات الإدارة العامة.
ويدلل نقل مروحية أمريكية وفد من قسد بطائراته إلى مطار الضمير، على رغبة واشنطن في الوصول إلى حل بين الأطراف، وبحسب مصادر أمنية لـ “القدس العربي” فإن اللقاء الأول بين الطرفين وضع أسس الحوار، إذ أبدت قسد وافقة على التوصل لحل مع الإدارة الجديدة بعدما وجدت نفسها بشكل مفاجئ مضطرة للتعامل مع الهيئة كسلطة بديلة عن نظام الأسد”.
وقال المصدر المطلع إن “قسد أبدت تعاونها مع الهيئة بهدف إضعاف الفصائل المدعومة من تركيا، وبالتالي تخفيف دور تركيا بالضغط على قسد شرق سوريا”.
وأضاف: طرحت قسد في اجتماع الضمير “إعادة هيكلة قواتها تحت مسمى فيلق معين ضمن الجيش الجديد وتحديد نسبة لها من الموارد التي تسيطر عليها خاصة النفط” لافتا إلى أن “الأمر لم يتم حسمه أو البت فيه، ولم يبرز في الاجتماع أي ملامح للموافقة عليه من عدمه”.
وبحسب معلومات “القدس العربي” فإن “الإدارة العامة تعمل على التواصل مع الإدارة الذاتية، لإبلاغ كافة الأطراف، أن المشكلة سورية، ويمكن حلها سوريا سوريا، والتوصل إلى صيغة حل لشمال شرق سوريا، يكون مبني على قواعد أساسية، أولها ألا يكون هناك تقسيم للدولة السورية، بأي شكل من الأشكال، بما فيه الشكل الفيدرالي”، نظرا لعدم تأهل المجتمع لطبيعة الفيدراليات، وذهابه إلى حالة التقسيم تحت عنوان الفيدرالية، وذلك وفق تصريحات لقائد الإدارة الانتقالية السورية أحمد الشرع.
مبادرة من “قسد”
طرحت الإدارة الذاتية مبادرتها للقيادة العامة الجديدة في دمشق، لعقد حوار سوري- سوري، من أجل “بناء سوريا الجديدة”، ولا تتضمن هذه المبادرة بحسب المصادر المطالب التي كانت تتقدم بها إلى نظام الأسد المخلوع في مفاوضاتها معه كـ “الاحتفاظ بقواتهم العسكرية والإدارة الذاتية ضمن الدستور السوري، واعتماد النظام اللامركزي في سوريا”. الأمر الذي ينبئ بإمكانية الوصول إلى توافق يرضي كافة الأطراف.
وجه آخر للعلاقة بين الطرفين
تنظر الإدارة الذاتية وذراعها العسكرية “قسد” بعين الرضا والقبول لعلاقاتها مع هيئة تحرير الشام، حيث تبادل الطرفان على مدار السنوات الأخيرة، زيارات للوفود، ناقشا خلالها أسس التعاون في ملفات أمنية تتعلق بعناصر تنظيم الدولة “داعش” حيث عملت هيئة تحرير الشام منذ انتهاء معركة الباغوز في آذار/ مارس 2024، وفرار العشرات من عناصر التنظيم إلى شمالي غربي سوريا، عملت الهيئة آنذاك على ملاحقتهم، واحتجازهم والتحقيق معهم، إلى جانب الملفات الاقتصادية التي تتعلق بمحاولات الهيئة إقناع “قسد” تخصيص منتجات بعض آبار النفط لصالحها وبأسعار مخصصة، وشملت تلك المناقشات بين الطرفين الملفات السياسية، ومحاولة الهيئة تحسين علاقاتها مع “قسد” بانخراطها رسميا في جهود مكافحة الإرهاب التي تشارك فيها قسد بدعم من التحالف الدولي، بهدف إقناع داعمي “قسد” الدوليين برفع الهيئة من قوائم الإرهاب، وصولا إلى إمكانية تشكيل إدارة مدنية مشتركة بينهما في حال نجحت الهيئة في السيطرة على مناطق الجيش الوطني، وكل ذلك في ظل استياء الطرفين من الضغوطات التركية.
في حديثه لـ”القدس العربي” يقول الباحث المختص في الشأن الكردي “بدر ملا رشيد” إن مقاربة الإدارة الذاتية لا تقوم على الاصطدام مع الهيئة، وهذه المقاربة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى العام 2016، عندما كانت الهيئة في إدلب، حيث كانت “قسد تسيطر على مدينة عفرين شمالي حلب، بناء على اتفاق غير واضح المعالم، وتكرر عدم الاصطدام بين الطرفين خلال عملية ردع العدوان، وانسحاب قوات “قسد” من مناطق سيطرتها داخل مدينة حلب في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، بالمقابل تأخذ العلاقة بين قسد والجيش الوطني شكل الطابع العدائي الممتد من العمليات العسكرية التي نفذها بدعم من الجيش التركي في “درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام”، وأدركت قسد أن غرفة عمليات ردع العدوان تتوسع بشكل أكبر للسيطرة على مساحات في جنوب حلب الشرقي، ولذلك حاولت التوسع في مناطق ليست الهدف الأول للهيئة، وتتبع للجيش الوطني. وبعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية على دمشق، باتت قسد ترى فيها الجهة الرسمية، ومن المفترض أن تكون علاقتها مع الجيش الوطني علاقة دولة لها دورها في تهدئة الأوضاع.
يؤكد تلك العلاقة ما أعلن عنه قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن وجود اتفاق بين قواته مع “هيئة تحرير الشام” بخصوص محافظتي حلب ودير الزور، ووجود اتفاق على شرق دير الزور وغربها، مؤكدا أن مناطق سيطرة “قسد” ليست هدفًا لها. إضافة إلى ما أعلنته الإدارة الذاتية في تعقيبها حول ما تم تداوله عن تفاهم بينها وبين دمشق، أن ما يجري حاليا هو الإعداد لمرحلة اللقاءات والحوار بهدف توحيد الآليات والجهود خدمة لسوريا وشعبها.
تنازلات الإدارة الذاتية في الطريق للوصول إلى توافق
لم تقف الإدارة الذاتية عند حدود علاقاتها مع هيئة تحرير الشام التي تشكل النواة الرئيسية لإدارة العمليات العسكرية، التي تمكنت من إسقاط النظام في الثامن من تشرين كانون الأول/ ديسمبر 2024، بل أقدمت على العديد من الخطوات، تزامن بعضها مع التغيرات الميدانية الحاصلة على الأرض، واستمر بعضها بعد سقوط النظام، وفرار رئيسه، بهدف التماهي مع الحالة الجديدة، وتعكس تلك الخطوات في الوقت نفسه دلالات لإيجاد مشتركات مع السلطة الجديدة في دمشق للوصول إلى حل يرضي الطرفين. ونستعرض فيما يلي أبرز تلك الخطوات:
• أعلن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية قبل سقوط النظام في دمشق بيومين عن استعداد قواته للحوار مع جميع الأطراف، أنه يجب مشاركتهم في الاجتماعات الدولية الخاصة بسوريا، وأبدى تخوفه حينها من الفراغ الذي شكله انسحاب قوات النظام في عدة مناطق في البادية السورية.
• أعلن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” بعد سقوط النظام عن استعدادهم للتواصل مع السلطة الجديدة في دمشق، والمشاركة مع القوى الجديدة في العملية السياسية في سوريا، مشددًا على ضرورة تمثيل جميع المناطق والمكونات من خلال الحوار، وأنه يوجد تواصل مع إلى وجود تواصل مع “هيئة تحرير الشام” عبر الأمريكيين.
• أعلنت الإدارة الذاتية عن رفع علم الثورة السورية على جميع المجالس والإدارات والمرافق التابعة لها في مناطق سيطرتها، بمناسبة انتهاء حقبة القمع والتسلط التي فرضها النظام السوري على الشعب لأكثر من نصف قرن، وأن العلم يمثل رمزا للمرحلة الجديدة من التحول التاريخي، مؤكدة التزامها بالعمل على تعزيز الوحدة الوطنية في إطار سوريا ديمقراطية تقوم على أسس العدالة والمساواة بين جميع مكوناتها.
• ألغت الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى بين مناطق سيطرتها وباقي المناطق السورية، حرصا منها حرصًا على وحدة الأراضي السورية وتماشيًا مع المتغيرات التي حدثت في سوريا المتمثلة بسقوط النظام، الذي فرض حصارا على مناطقها.
• أعلن مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” استعداد قواته المكونة من /100/ عنصر لحل نفسها، والانضمام إلى جيش سوريا الجديد، بشرط ضمان حقوق الأكراد والأقليات الأخرى، وجاء ذلك بعد الإعلان عن اتفاق لحل جميع الفصائل العسكرية ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع.
• الاستعداد لتسليم الحدود في مناطق قسد إلى حكومة دمشق الجديدة، ونقل مسؤوليات أمن الحدود لها، إضافة إلى وعود “قسد” بإخراج المقاتلين الأجانب من صفوفها وإعادتهم إلى بلدانهم، ورغم أن ذلك الوعد يدل على الاعتراف بوجود هؤلاء المقاتلين بعد نكران استمر لسنوات، لكنه يحمل من جانب آخر ملامح وصول إلى تفاهم يفضي لتطبيق مطالب تركيا في المنطقة، ويعود سبب ذلك الوضع الجديد المختلف في سوريا، وضرورة البدء بمرحلة سياسية يحل فيها السوريين مشاكلهم بأنفسهم، ويؤسسون لإدارة جديدة.
غرفة عمليات مشتركة مع إيران في السليمانية
تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من استخدم تنظيم “الدولة” في التسويق لنفسها لدى التحالف الدولي الباحث عن عنصر بري سوري “معتدل” يقوم بالمهام القتالية الميدانية، وتقديم نفسها على أنها القوة الوحيدة التي تستطيع دحر الإرهاب نظرا لوجود مشروع سياسي لديها، إلا أنها تعاني من خلل داخلي يمكن حصره في اتجاهين أساسيين.
يتمثل الأول في الجانب العسكري وعدم كفاءتها العسكرية، في حال عدم تقديم دعم لقواتها من قبل التحالف الدولي، وهي بذلك تشبه في حالة ترهلها العسكري، حالة قوات النظام السوري قبل سقوطه، والميليشيات الإيرانية الموالية له، عند غياب الدعم الجوي من قبل الطيران الروسي، فقد حاولت مع حصول التغيرات الميدانية لصالح إدارة العمليات العسكرية مهاجمة قوات النظام والميليشيات الإيرانية المتمركزة في القرى السبع شرق نهر الفرات ” الصالحية وطابية وحطلة وخشام ومرّاط ومظلوم وحسينية” ، إلا أن هجومها فشل لأسباب متعددة كشفها أحد القادة في مجلس دير الزور العسكري أبرزها عدم القدرة على مجابهة قوات النظام حتى وهو في أضعف حالاته.
والسبب الآخر هو سحب “قسد” قواتها وعدم السماح لها بالمشاركة في العمل، إضافة إلى منع مقاتلين عشائريين من أبناء المنطقة بالمشاركة في الهجوم، نظرا للتعاون القائم بين قسد وإيران من خلال غرفة عمليات مشتركة بين الطرفين في السليمانية، وفق مصدر أمني عراقي خاص لـ “القدس العربي”.
كما لم تستطع قوات قسد تحقيق إنجاز عسكري في مواجهتها غرفة عمليات “فجر الحرية” على الرغم من تفوقها من ناحية التسليح على فصائل الجيش الوطني المدعومة تركياً.
الإدارة الذاتية وذراعها العسكري “قسد”
من جانب آخر سيطر حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) وأدواته على الشارع الكردي في سوريا، نتيجة قوته العسكرية التي حصل عليها بدعم من قوى خارجية، فيما القوى الأخرى ليست مدعومة ولا تملك الإمكانات العسكرية لملء الفراغ، وبالتالي فإنه لا يمتلك حاضنة شعبية قوية سواء من قبل المكون العربي أو الكردي في مناطق سيطرته، وليس أدل على ذلك من الأصوات التي علت في مناطقها، والمطالبة بدعم إدارة العمليات العسكرية، ودعوتها لاستكمال السيطرة على كافة المناطق السورية، بما فيها المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، الأمر الذي دفع العديد من المجالس العسكرية إلى الانشقاق عنها كمجلس هجين العسكري، وانشقاق العديد من الشخصيات القيادية المنضوية تحت مظلة قسد، منها انشقاق رئيس الأمن الداخلي في منطقة البصيرة بريف دير الزور، محمد الأحمد وانضمامه لإدارة العمليات العسكرية، وانشقاق القيادي في مجلس دير الزور العسكري تركي الضاري، مطالبا في بيان انشقاقه التحالف الدولي لرفع الغطاء عنها، وانشقاق قائد مجلس البصيرة العسكري موسى الصلاح.
ناهيك عن خروج السكان المحليين في كل من الرقة ودير الزور والحسكة رافعة علم الثورة بمظاهرات ضدها، مستغلين التقدم التي تحرزه إدارة العمليات العسكرية، في محاولة لإرسال رسائلهم أن قسد تعيش في بيئة رافضة لها، وترحب بالبديل المحلي الذي تمكن من إسقاط النظام في دمشق.
العوامل المؤثرة على الإدارة الذاتية
أعلنت الإدارة الأمريكية على لسان مسؤوليها أكثر من مرة عن طبيعة العلاقة مع قسد، وماهية الدعم الأمريكي المقدم لها حيث اعتبر المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا “جيمس جيفري” في جلسة لمجلس النواب التابع للكونغرس الأمريكي أن العلاقة مع قوات قسد تندرج تحت إطار الشراكة العسكرية في محاربة تنظيم الدولة إرساء الاستقرار في المنطقة، وأن أمريكا لا تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية على أي مشروع حول المستقبل السياسي (للأكراد السوريين).
ومع وصول إدارة العمليات العسكرية إلى مدينة دمشق وإسقاطها لنظام الأسد بدا واضحا أن عوامل جديدة باتت تؤثر على الإدارة الذاتية يتلخص أبرزها في التغير الذي لا يزال في بداياته من قبل كل من أمريكا وألمانيا، حيث صرحت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، باربارا ليف بعد إجراء أول محادثات رسمية مع “القيادة العامة” والولايات المتحدة منذ سقوط نظام بشار الأسد “أن الظروف التي دفعت الكرد في شمال شرقي سوريا للدفاع عن أنفسهم تغيرت بشكل كبير للغاية، وأكدت مع الوفد الأمريكي أهمية الإدماج والتشاور الواسع خلال الفترة الانتقالية في سوريا.
بالمقابل صرحت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك “أنه يجب نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وضمها إلى قوات حكومة تسيير الأعمال في دمشق، إضافة لما أعلنه المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك عن رؤية بلاده لـ “سوريا ديمقراطية” مؤلفة من ثماني نقاط أبرزها وقف شامل لإطلاق النار، ودمج الميلشيات في جيش وطني، وضع معايير واضحة للتعامل “هيئة تحرير الشام” وذراعها السياسية غير الخاضع للعقوبات (حكومة الإنقاذ)، مع ضمان حماية الأقليات وإطلاق سراح السجناء. كما دعا مجلس الأمن من جانبه في اجتماعه الطارئ لبحث الوضع في سوريا عقب سقوط النظام السوري، إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها، وضمان حماية المدنيين، واستمرار المراقبة والتقييم، وبالتالي تدل المواقف الدولية المرنة مع السلطة الجديدة في دمشق على مرونة في التعاطي معها، وإمكانية القبول بها إن اجتازت ما يمكن تسميته بالاختبار، وهو ما تحاول الإدارة الذاتية التماهي معه.
ويضاف لما سبق الموقف التركي الذي أعلن وزير الدفاع أن الإدارة الجديدة في سوريا، والجيش الوطني السوري الذي يشكل جزءًا من قواتها، سيحرران مع الشعب السوري جميع الأراضي التي احتلتها التنظيمات الإرهابية. واعتبر أن ما حدث في العام 2011، وما تلاها نجم عنه بيئة غير مستقرة أعطت تنظيمات حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وتنظيم الدولة الإسلامي الفرصة لكسب مساحة في سوريا وتهديد أمن الحدود.
من جانب آخر أضاف الباحث في الشأن العسكري النقيب رشيد الحوراني في حديث مع لـ “القدس العربي” عاملا مؤثرا هاما، إذ أن “أن الحلول لن تكون سريعة خلال الفترة القادمة نظرا لوجود الكثير من الأطراف المتدخلة في سوريا، أو تنتظر التدخل فيها بناء على معطيات المرحلة القادمة، فعامل الوقت مهم كثيرا، حيث تنتظر بعض الأطراف بدء عمل الإدارة الأمريكية الجديدة لتضع خطوات عملها مع شرق الفرات، وبنفس الوقت الموقف الأمريكي وبعض الدول العربية تنتظر ماذا سيحدث في سوريا؟ وما هي الخطوات القادمة من الإدارة الجديدة لتحدد موقفها، وعلى الأغلب لن تقف موقف المتفرج “أمريكا – إسرائيل – فرنسا – مصر – الإمارات العربية”، ولإيران أيضا سياق تدخل مختلف، وعليه فهناك الكثير من الدول من مصلحتها أن لا تحسم الأمور إلا بمعرفة خطوات الإدارة الجديدة في سوريا، وبهذه الحالة فإن منطقة شرق سوريا هي المنطقة شبه الوحيدة أو الملف الوحيد تقريبا الذي من خلاله يمكن الضغط على الإدارة السورية الجديدة، مع وجود ملفات أخرى للضغط عليها، خاصة أن المنطقة تعتبر خزان الدولة من النفط والغاز والموارد الزراعية، التي يصعب على الإدارة السورية الجديدة القدرة على النهوض بالاقتصاد وإعادة الإعمار من دون هذه الموارد، ولذلك من الممكن الضغط على الإدارة الجدية بهذا الاتجاه، وبالتالي يكون الحل من خلال الضغط على الطرفين للوصول إلى التوافق”.
ويخلص مراقبون إلى أن الإدارة الذاتية تعيش بشكل عام حالة من الترقب، ووسائل المواجهة المتعددة والتي هي مزيج بين أساليب القوة الناعمة التي تتمثل في تشجيع إدارة العمليات العسكرية لعناصر قسد على الانشقاق، والالتحاق بوحداتها التي ستعمل على السيطرة على دير الزور، وكامل المنطقة الشرقية بالتدريج، إضافة إلى الحراك الدبلوماسي التركي الذي يحاول إقناع الدول الأوربية وأمريكا برفع دعمهم عن قسد، وأساليب القوة الخشنة المتمثلة بالعمل العسكري وتفتيتها بالتدريج.
ونقل المرصد السوري عن مصادر خاصة أن قيادات من قسد توجهوا عبر طائرة مروحية أمريكية إلى مطار الضمير العسكري لعقد اجتماع مع أحمد الشرع وقيادات الإدارة العامة.
وأفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن ومقره لندن، أن مظلوم عبدي وأحمد الشرع التقيا في مطار عسكري برعاية أمريكية.
قيادات من “قسد” يتقدهم مظلوم عبدي توجهوا عبر طائرة مروحية أمريكية إلى مطار الضمير العسكري لعقد اجتماع مع أحمد الشرع وقيادات الإدارة العامة.
ويدلل نقل مروحية أمريكية وفد من قسد بطائراته إلى مطار الضمير، على رغبة واشنطن في الوصول إلى حل بين الأطراف، وبحسب مصادر أمنية لـ “القدس العربي” فإن اللقاء الأول بين الطرفين وضع أسس الحوار، إذ أبدت قسد وافقة على التوصل لحل مع الإدارة الجديدة بعدما وجدت نفسها بشكل مفاجئ مضطرة للتعامل مع الهيئة كسلطة بديلة عن نظام الأسد”.
وقال المصدر المطلع إن “قسد أبدت تعاونها مع الهيئة بهدف إضعاف الفصائل المدعومة من تركيا، وبالتالي تخفيف دور تركيا بالضغط على قسد شرق سوريا”.
وأضاف: طرحت قسد في اجتماع الضمير “إعادة هيكلة قواتها تحت مسمى فيلق معين ضمن الجيش الجديد وتحديد نسبة لها من الموارد التي تسيطر عليها خاصة النفط” لافتا إلى أن “الأمر لم يتم حسمه أو البت فيه، ولم يبرز في الاجتماع أي ملامح للموافقة عليه من عدمه”.
وبحسب معلومات “القدس العربي” فإن “الإدارة العامة تعمل على التواصل مع الإدارة الذاتية، لإبلاغ كافة الأطراف، أن المشكلة سورية، ويمكن حلها سوريا سوريا، والتوصل إلى صيغة حل لشمال شرق سوريا، يكون مبني على قواعد أساسية، أولها ألا يكون هناك تقسيم للدولة السورية، بأي شكل من الأشكال، بما فيه الشكل الفيدرالي”، نظرا لعدم تأهل المجتمع لطبيعة الفيدراليات، وذهابه إلى حالة التقسيم تحت عنوان الفيدرالية، وذلك وفق تصريحات لقائد الإدارة الانتقالية السورية أحمد الشرع.
مبادرة من “قسد”
طرحت الإدارة الذاتية مبادرتها للقيادة العامة الجديدة في دمشق، لعقد حوار سوري- سوري، من أجل “بناء سوريا الجديدة”، ولا تتضمن هذه المبادرة بحسب المصادر المطالب التي كانت تتقدم بها إلى نظام الأسد المخلوع في مفاوضاتها معه كـ “الاحتفاظ بقواتهم العسكرية والإدارة الذاتية ضمن الدستور السوري، واعتماد النظام اللامركزي في سوريا”. الأمر الذي ينبئ بإمكانية الوصول إلى توافق يرضي كافة الأطراف.
وجه آخر للعلاقة بين الطرفين
تنظر الإدارة الذاتية وذراعها العسكرية “قسد” بعين الرضا والقبول لعلاقاتها مع هيئة تحرير الشام، حيث تبادل الطرفان على مدار السنوات الأخيرة، زيارات للوفود، ناقشا خلالها أسس التعاون في ملفات أمنية تتعلق بعناصر تنظيم الدولة “داعش” حيث عملت هيئة تحرير الشام منذ انتهاء معركة الباغوز في آذار/ مارس 2024، وفرار العشرات من عناصر التنظيم إلى شمالي غربي سوريا، عملت الهيئة آنذاك على ملاحقتهم، واحتجازهم والتحقيق معهم، إلى جانب الملفات الاقتصادية التي تتعلق بمحاولات الهيئة إقناع “قسد” تخصيص منتجات بعض آبار النفط لصالحها وبأسعار مخصصة، وشملت تلك المناقشات بين الطرفين الملفات السياسية، ومحاولة الهيئة تحسين علاقاتها مع “قسد” بانخراطها رسميا في جهود مكافحة الإرهاب التي تشارك فيها قسد بدعم من التحالف الدولي، بهدف إقناع داعمي “قسد” الدوليين برفع الهيئة من قوائم الإرهاب، وصولا إلى إمكانية تشكيل إدارة مدنية مشتركة بينهما في حال نجحت الهيئة في السيطرة على مناطق الجيش الوطني، وكل ذلك في ظل استياء الطرفين من الضغوطات التركية.
في حديثه لـ”القدس العربي” يقول الباحث المختص في الشأن الكردي “بدر ملا رشيد” إن مقاربة الإدارة الذاتية لا تقوم على الاصطدام مع الهيئة، وهذه المقاربة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى العام 2016، عندما كانت الهيئة في إدلب، حيث كانت “قسد تسيطر على مدينة عفرين شمالي حلب، بناء على اتفاق غير واضح المعالم، وتكرر عدم الاصطدام بين الطرفين خلال عملية ردع العدوان، وانسحاب قوات “قسد” من مناطق سيطرتها داخل مدينة حلب في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، بالمقابل تأخذ العلاقة بين قسد والجيش الوطني شكل الطابع العدائي الممتد من العمليات العسكرية التي نفذها بدعم من الجيش التركي في “درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام”، وأدركت قسد أن غرفة عمليات ردع العدوان تتوسع بشكل أكبر للسيطرة على مساحات في جنوب حلب الشرقي، ولذلك حاولت التوسع في مناطق ليست الهدف الأول للهيئة، وتتبع للجيش الوطني. وبعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية على دمشق، باتت قسد ترى فيها الجهة الرسمية، ومن المفترض أن تكون علاقتها مع الجيش الوطني علاقة دولة لها دورها في تهدئة الأوضاع.
يؤكد تلك العلاقة ما أعلن عنه قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن وجود اتفاق بين قواته مع “هيئة تحرير الشام” بخصوص محافظتي حلب ودير الزور، ووجود اتفاق على شرق دير الزور وغربها، مؤكدا أن مناطق سيطرة “قسد” ليست هدفًا لها. إضافة إلى ما أعلنته الإدارة الذاتية في تعقيبها حول ما تم تداوله عن تفاهم بينها وبين دمشق، أن ما يجري حاليا هو الإعداد لمرحلة اللقاءات والحوار بهدف توحيد الآليات والجهود خدمة لسوريا وشعبها.
تنازلات الإدارة الذاتية في الطريق للوصول إلى توافق
لم تقف الإدارة الذاتية عند حدود علاقاتها مع هيئة تحرير الشام التي تشكل النواة الرئيسية لإدارة العمليات العسكرية، التي تمكنت من إسقاط النظام في الثامن من تشرين كانون الأول/ ديسمبر 2024، بل أقدمت على العديد من الخطوات، تزامن بعضها مع التغيرات الميدانية الحاصلة على الأرض، واستمر بعضها بعد سقوط النظام، وفرار رئيسه، بهدف التماهي مع الحالة الجديدة، وتعكس تلك الخطوات في الوقت نفسه دلالات لإيجاد مشتركات مع السلطة الجديدة في دمشق للوصول إلى حل يرضي الطرفين. ونستعرض فيما يلي أبرز تلك الخطوات:
• أعلن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية قبل سقوط النظام في دمشق بيومين عن استعداد قواته للحوار مع جميع الأطراف، أنه يجب مشاركتهم في الاجتماعات الدولية الخاصة بسوريا، وأبدى تخوفه حينها من الفراغ الذي شكله انسحاب قوات النظام في عدة مناطق في البادية السورية.
• أعلن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” بعد سقوط النظام عن استعدادهم للتواصل مع السلطة الجديدة في دمشق، والمشاركة مع القوى الجديدة في العملية السياسية في سوريا، مشددًا على ضرورة تمثيل جميع المناطق والمكونات من خلال الحوار، وأنه يوجد تواصل مع إلى وجود تواصل مع “هيئة تحرير الشام” عبر الأمريكيين.
• أعلنت الإدارة الذاتية عن رفع علم الثورة السورية على جميع المجالس والإدارات والمرافق التابعة لها في مناطق سيطرتها، بمناسبة انتهاء حقبة القمع والتسلط التي فرضها النظام السوري على الشعب لأكثر من نصف قرن، وأن العلم يمثل رمزا للمرحلة الجديدة من التحول التاريخي، مؤكدة التزامها بالعمل على تعزيز الوحدة الوطنية في إطار سوريا ديمقراطية تقوم على أسس العدالة والمساواة بين جميع مكوناتها.
• ألغت الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى بين مناطق سيطرتها وباقي المناطق السورية، حرصا منها حرصًا على وحدة الأراضي السورية وتماشيًا مع المتغيرات التي حدثت في سوريا المتمثلة بسقوط النظام، الذي فرض حصارا على مناطقها.
• أعلن مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” استعداد قواته المكونة من /100/ عنصر لحل نفسها، والانضمام إلى جيش سوريا الجديد، بشرط ضمان حقوق الأكراد والأقليات الأخرى، وجاء ذلك بعد الإعلان عن اتفاق لحل جميع الفصائل العسكرية ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع.
• الاستعداد لتسليم الحدود في مناطق قسد إلى حكومة دمشق الجديدة، ونقل مسؤوليات أمن الحدود لها، إضافة إلى وعود “قسد” بإخراج المقاتلين الأجانب من صفوفها وإعادتهم إلى بلدانهم، ورغم أن ذلك الوعد يدل على الاعتراف بوجود هؤلاء المقاتلين بعد نكران استمر لسنوات، لكنه يحمل من جانب آخر ملامح وصول إلى تفاهم يفضي لتطبيق مطالب تركيا في المنطقة، ويعود سبب ذلك الوضع الجديد المختلف في سوريا، وضرورة البدء بمرحلة سياسية يحل فيها السوريين مشاكلهم بأنفسهم، ويؤسسون لإدارة جديدة.
غرفة عمليات مشتركة مع إيران في السليمانية
تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من استخدم تنظيم “الدولة” في التسويق لنفسها لدى التحالف الدولي الباحث عن عنصر بري سوري “معتدل” يقوم بالمهام القتالية الميدانية، وتقديم نفسها على أنها القوة الوحيدة التي تستطيع دحر الإرهاب نظرا لوجود مشروع سياسي لديها، إلا أنها تعاني من خلل داخلي يمكن حصره في اتجاهين أساسيين.
يتمثل الأول في الجانب العسكري وعدم كفاءتها العسكرية، في حال عدم تقديم دعم لقواتها من قبل التحالف الدولي، وهي بذلك تشبه في حالة ترهلها العسكري، حالة قوات النظام السوري قبل سقوطه، والميليشيات الإيرانية الموالية له، عند غياب الدعم الجوي من قبل الطيران الروسي، فقد حاولت مع حصول التغيرات الميدانية لصالح إدارة العمليات العسكرية مهاجمة قوات النظام والميليشيات الإيرانية المتمركزة في القرى السبع شرق نهر الفرات ” الصالحية وطابية وحطلة وخشام ومرّاط ومظلوم وحسينية” ، إلا أن هجومها فشل لأسباب متعددة كشفها أحد القادة في مجلس دير الزور العسكري أبرزها عدم القدرة على مجابهة قوات النظام حتى وهو في أضعف حالاته.
والسبب الآخر هو سحب “قسد” قواتها وعدم السماح لها بالمشاركة في العمل، إضافة إلى منع مقاتلين عشائريين من أبناء المنطقة بالمشاركة في الهجوم، نظرا للتعاون القائم بين قسد وإيران من خلال غرفة عمليات مشتركة بين الطرفين في السليمانية، وفق مصدر أمني عراقي خاص لـ “القدس العربي”.
كما لم تستطع قوات قسد تحقيق إنجاز عسكري في مواجهتها غرفة عمليات “فجر الحرية” على الرغم من تفوقها من ناحية التسليح على فصائل الجيش الوطني المدعومة تركياً.
الإدارة الذاتية وذراعها العسكري “قسد”
من جانب آخر سيطر حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) وأدواته على الشارع الكردي في سوريا، نتيجة قوته العسكرية التي حصل عليها بدعم من قوى خارجية، فيما القوى الأخرى ليست مدعومة ولا تملك الإمكانات العسكرية لملء الفراغ، وبالتالي فإنه لا يمتلك حاضنة شعبية قوية سواء من قبل المكون العربي أو الكردي في مناطق سيطرته، وليس أدل على ذلك من الأصوات التي علت في مناطقها، والمطالبة بدعم إدارة العمليات العسكرية، ودعوتها لاستكمال السيطرة على كافة المناطق السورية، بما فيها المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، الأمر الذي دفع العديد من المجالس العسكرية إلى الانشقاق عنها كمجلس هجين العسكري، وانشقاق العديد من الشخصيات القيادية المنضوية تحت مظلة قسد، منها انشقاق رئيس الأمن الداخلي في منطقة البصيرة بريف دير الزور، محمد الأحمد وانضمامه لإدارة العمليات العسكرية، وانشقاق القيادي في مجلس دير الزور العسكري تركي الضاري، مطالبا في بيان انشقاقه التحالف الدولي لرفع الغطاء عنها، وانشقاق قائد مجلس البصيرة العسكري موسى الصلاح.
ناهيك عن خروج السكان المحليين في كل من الرقة ودير الزور والحسكة رافعة علم الثورة بمظاهرات ضدها، مستغلين التقدم التي تحرزه إدارة العمليات العسكرية، في محاولة لإرسال رسائلهم أن قسد تعيش في بيئة رافضة لها، وترحب بالبديل المحلي الذي تمكن من إسقاط النظام في دمشق.
العوامل المؤثرة على الإدارة الذاتية
أعلنت الإدارة الأمريكية على لسان مسؤوليها أكثر من مرة عن طبيعة العلاقة مع قسد، وماهية الدعم الأمريكي المقدم لها حيث اعتبر المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا “جيمس جيفري” في جلسة لمجلس النواب التابع للكونغرس الأمريكي أن العلاقة مع قوات قسد تندرج تحت إطار الشراكة العسكرية في محاربة تنظيم الدولة إرساء الاستقرار في المنطقة، وأن أمريكا لا تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية على أي مشروع حول المستقبل السياسي (للأكراد السوريين).
ومع وصول إدارة العمليات العسكرية إلى مدينة دمشق وإسقاطها لنظام الأسد بدا واضحا أن عوامل جديدة باتت تؤثر على الإدارة الذاتية يتلخص أبرزها في التغير الذي لا يزال في بداياته من قبل كل من أمريكا وألمانيا، حيث صرحت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، باربارا ليف بعد إجراء أول محادثات رسمية مع “القيادة العامة” والولايات المتحدة منذ سقوط نظام بشار الأسد “أن الظروف التي دفعت الكرد في شمال شرقي سوريا للدفاع عن أنفسهم تغيرت بشكل كبير للغاية، وأكدت مع الوفد الأمريكي أهمية الإدماج والتشاور الواسع خلال الفترة الانتقالية في سوريا.
بالمقابل صرحت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك “أنه يجب نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وضمها إلى قوات حكومة تسيير الأعمال في دمشق، إضافة لما أعلنه المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك عن رؤية بلاده لـ “سوريا ديمقراطية” مؤلفة من ثماني نقاط أبرزها وقف شامل لإطلاق النار، ودمج الميلشيات في جيش وطني، وضع معايير واضحة للتعامل “هيئة تحرير الشام” وذراعها السياسية غير الخاضع للعقوبات (حكومة الإنقاذ)، مع ضمان حماية الأقليات وإطلاق سراح السجناء. كما دعا مجلس الأمن من جانبه في اجتماعه الطارئ لبحث الوضع في سوريا عقب سقوط النظام السوري، إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها، وضمان حماية المدنيين، واستمرار المراقبة والتقييم، وبالتالي تدل المواقف الدولية المرنة مع السلطة الجديدة في دمشق على مرونة في التعاطي معها، وإمكانية القبول بها إن اجتازت ما يمكن تسميته بالاختبار، وهو ما تحاول الإدارة الذاتية التماهي معه.
ويضاف لما سبق الموقف التركي الذي أعلن وزير الدفاع أن الإدارة الجديدة في سوريا، والجيش الوطني السوري الذي يشكل جزءًا من قواتها، سيحرران مع الشعب السوري جميع الأراضي التي احتلتها التنظيمات الإرهابية. واعتبر أن ما حدث في العام 2011، وما تلاها نجم عنه بيئة غير مستقرة أعطت تنظيمات حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وتنظيم الدولة الإسلامي الفرصة لكسب مساحة في سوريا وتهديد أمن الحدود.
من جانب آخر أضاف الباحث في الشأن العسكري النقيب رشيد الحوراني في حديث مع لـ “القدس العربي” عاملا مؤثرا هاما، إذ أن “أن الحلول لن تكون سريعة خلال الفترة القادمة نظرا لوجود الكثير من الأطراف المتدخلة في سوريا، أو تنتظر التدخل فيها بناء على معطيات المرحلة القادمة، فعامل الوقت مهم كثيرا، حيث تنتظر بعض الأطراف بدء عمل الإدارة الأمريكية الجديدة لتضع خطوات عملها مع شرق الفرات، وبنفس الوقت الموقف الأمريكي وبعض الدول العربية تنتظر ماذا سيحدث في سوريا؟ وما هي الخطوات القادمة من الإدارة الجديدة لتحدد موقفها، وعلى الأغلب لن تقف موقف المتفرج “أمريكا – إسرائيل – فرنسا – مصر – الإمارات العربية”، ولإيران أيضا سياق تدخل مختلف، وعليه فهناك الكثير من الدول من مصلحتها أن لا تحسم الأمور إلا بمعرفة خطوات الإدارة الجديدة في سوريا، وبهذه الحالة فإن منطقة شرق سوريا هي المنطقة شبه الوحيدة أو الملف الوحيد تقريبا الذي من خلاله يمكن الضغط على الإدارة السورية الجديدة، مع وجود ملفات أخرى للضغط عليها، خاصة أن المنطقة تعتبر خزان الدولة من النفط والغاز والموارد الزراعية، التي يصعب على الإدارة السورية الجديدة القدرة على النهوض بالاقتصاد وإعادة الإعمار من دون هذه الموارد، ولذلك من الممكن الضغط على الإدارة الجدية بهذا الاتجاه، وبالتالي يكون الحل من خلال الضغط على الطرفين للوصول إلى التوافق”.
ويخلص مراقبون إلى أن الإدارة الذاتية تعيش بشكل عام حالة من الترقب، ووسائل المواجهة المتعددة والتي هي مزيج بين أساليب القوة الناعمة التي تتمثل في تشجيع إدارة العمليات العسكرية لعناصر قسد على الانشقاق، والالتحاق بوحداتها التي ستعمل على السيطرة على دير الزور، وكامل المنطقة الشرقية بالتدريج، إضافة إلى الحراك الدبلوماسي التركي الذي يحاول إقناع الدول الأوربية وأمريكا برفع دعمهم عن قسد، وأساليب القوة الخشنة المتمثلة بالعمل العسكري وتفتيتها بالتدريج.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات