صفقة بما لا تشتهي سفن نتنياهو: إطلاق أسرى وبقاء “حماس” ونهاية الحرب بلا “نصر مطلق”
عمان جو - طبقاً للتسريبات الكثيرة، تبدو ملامح الصفقة المطروحة الآن شبه متطابقة مع تلك التي طرحتها إسرائيل وأعلنها بايدن في 27 مايو/أيار الماضي، ورفضها وعطلها نتنياهو بشروط جديدة، مثل السيطرة على محوري فلدلفي ونيتساريم.
فلماذا تنطلق الآن وما الذي تغير؟
تفيد الإحاطات والتسريبات الإسرائيلية أن الوسطاء وإسرائيل ينتظرون موافقة رسمية من قبل “حماس” على صيغة الصفقة التي تم إحرازها في مداولات الدوحة بقيادة قطر.
صحيفة: فوجئ مساعدو نتنياهو باللغة الصارمة الفظّة التي تحدث بها ويتكوف. إذن، ترامب هو من قام بليّ ذراع نتنياهو
وحسب المصادر الإسرائيلية أيضًا، فإن الاتفاق الآن على بعد لمسة إصبع، كما تعنون صفحتها الأولى صحيفة “يديعوت أحرونوت”. تأتي هذه الصفقة على مرحلتين، في الأولى، والمعرفة بـ “الصفقة الإنسانية”، ستطلق سلطات الاحتلال 1200 أسير فلسطيني، منهم 300 من ذوي أحكام السجن المؤبد، مقابل الإفراج عن 33 رهينة هم من المسنين، المرضى، الجرحى والأطفال، منهم 9 رهائن كانت إسرائيل تلحّ عليهم، وترفض “حماس” الحديث عنهم.
في اليوم الأول، تفرج “حماس” عن 3 رهائن، ويبدأ إطلاق سراح الأسرى، وتستمر المرحلة الأولى 42 يومًا، تتوقف فيها الحرب بالكامل، ويبدأ انسحاب تدريجي من المناطق المكتظة داخل القطاع وعودة الغزيين لشمال القطاع بعد اجتيازهم حاجز رقابة أمني. في هذه المرحلة، تبدأ المفاوضات على اللمسات النهائية للمرحلة الثانية التي ستستكمل عملية تبادل إطلاق أسرى (بما في ذلك أسرى فلسطينيون أسروا خلال الحرب الحالية) وجثامين، ربما تشمل الأسرى القدامى من فلسطينيي الداخل، ممن يقبعون خلف القضبان منذ نحو أربعة عقود.
وبعد انتهاء المرحلة الثانية، بحال تم تطبيق مضمون الاتفاق، ستبدأ المرحلة الأخيرة، وهي “الهدنة المستدامة”، وهذا مصطلح تريده إسرائيل عوضًا عن “وقف الحرب”، والانسحاب من القطاع، بما في ذلك محورا فيلادلفيا ونيتساريم، بعدما كان نتنياهو يعتبر السيطرة عليهما مصلحة أمنية عليا، على أن يبقى شريط أمني في حدود القطاع لفترة معينة. وأخيرًا بدء إعمار غزة.
وحسب تسريبات إسرائيلية، تجري مداولات بين كافة الأطراف حول سيطرة فلسطينية مشتركة للسلطة الفلسطينية و”حماس” في القطاع. وحاليًا يتحفظ الرئيس عباس، وبعض الدول العربية من مشاركة “حماس” في الحكم، ما دام لم ينزع سلاحها، وفق ما أشارت له الإذاعة العبرية العامة أمس.
لماذا الآن؟
بعد شهور من تغني نتنياهو بـ “النصر المطلق” باستعادة كل الرهائن وإسقاط حكم “حماس”، تقبل حكومة الاحتلال باتفاق تتنازل فيه إسرائيل عن تحطيم نظام “حماس” بشكل كامل في القطاع، ويشمل الإفراج عن عدد كبير من الأسرى، وعودة الغزيين للشمال، ووقف الحرب، والانسحاب من القطاع في نهاية المسيرة.
جاء هذا التغيير في موقف نتنياهو وائتلافه نتيجة متغيّرين: الأول أن حسابات واشنطن والإدارة الأمريكية الجديدة مختلفة عن اعتبارات تل أبيب.
وعبّرَ رسمُ كاريكاتير “يديعوت أحرونوت” عن حقيقة ما جرى، حيث بدا نتنياهو وقائد حمساوي حول طاولة مفاوضات عليها صورة رأس ترامب على شكل قنبلة موقوتة.
واليوم تكشف صحيفة “هآرتس” تفاصيل أوفى عن الضغط الأمريكي الفعّال على نتنياهو، بقولها إن مبعوثه ستيف فيتكوف هاتف من الدوحة مكتب نتنياهو، ليلة الجمعة، وأبلغهم بأنه قادم قبيل ظهر السبت لتل أبيب للاجتماع بنتنياهو، لكنهم حاولوا إقناعه بإرجاء اللقاء من صباح السبت إلى مساء السبت، كونه يومًا مقدسًا لليهود.
صمود الغزيين رغم نكبتهم الثانية
فيتكوف، وهو أمريكي من أصل يهودي، وهو رجل أعمال في مجال تسويق الشقق السكنية، ومقرب من ترامب. وحسب صحيفة “هآرتس”؛ فإن فيكتوف ليس دبلوماسيًا، ولا يتحدث بلغة دبلوماسية؛ إنه رجل عملي لا يكترث بالطقوس الدبلوماسية.
وتتابع الصحيفة: “فوجئ مساعدو نتنياهو باللغة الصارمة الفظّة التي تحدث بها ويتكوف. إذن، ترامب قام بليّ ذراع نتنياهو وليس سموتريتش أو بن غفير”.
يشار إلى أن سموتريتش قال، أمس، إن الصفقة كارثة على أمن إسرائيل، ولن يؤيدها عند طرحها للتصويت في الحكومة، بيد أنه لم يقل إنه سيغادر الائتلاف.
وقبل قليل، قال بن غفير إنه وحزبه لا يملكون القدرة على منع الصفقة، داعيًا سموتريتش للذهاب معًا لنتنياهو وتهديده بالانسحاب من الحكومة، بحال صادق على هذه الصفقة، التي وصفها حاخام صفد، أحد أنصار حزب بن غفير (العظمة اليهودية) بالاستسلام لـ “حماس”، حاملاً على نتنياهو بشدة.
وكان ترامب قد ألمح إلى أن تهديده بالجحيم لم يوجّه لـ “حماس” فحسب بإقدامه، قبل أيام، بمشاركة منشور لأكاديمي أمريكي يتهم نتنياهو بتوريط أمريكا في الحرب على العراق، والآن يحاول جرّها لحرب ضد إيران.
والسبب الثاني لماذا الآن هو أن الغزيين نهضوا من الرماد كطائر العنقاء، رغم النكبة التي حلت بهم بعد “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر؛ فلم يهاجروا، وكابدوا الموت اليومي والجوع والبرد والغرق في مياه الشتاء، مثلما نجحت “حماس” بمواصلة استنزاف جيش الاحتلال في عمليات نوعية آخرها في بيت حانون، أمس، القائمة على الحد بين 1948 و1967.
وهكذا هبت رياح غزة بما لا تشتهيه سفن نتنياهو. من جهة، وأمام النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل في الحرب الإقليمية، وفي تدمير القطاع دون اكتراث بالعالم. ليّنت “حماس” موقفها، وتنازلت عن شرطها بوقف فوري للحرب، وبانسحاب كامل من القطاع، وفي المقابل نجحت، وفق التسريبات، بانتزاع موافقة على تحرير عدد كبير من الأسرى (مقابل احتفاظ إسرائيل بعدد من رموز الأسرى كمروان البرغوثي وغيره)، والسماح بعودة الغزيين للشمال وبوقف الحرب والانسحاب من القطاع تدريجيًا.
في السابق، كان نتنياهو يرفض كل ذلك، ويريدها حربًا طويلة كي يبقى في الحكم وفي التاريخ، وربما داخل القطاع، وهكذا ولدت فكرة “الصفقة الجزئية” بمبادرة مصر، ولاحقًا أضيفت عليها إضافات، حتى باتت مقدمة لصفقة كبرى فيها انسحاب وترتيبات سياسية، وفق الصيغة المتوافق عليها الآن. وفيها لم يعد محور فيلادلفيا “قلعة صمود إسرائيل ووجودها”، كما كان يتغنى نتنياهو ضمن الحديث عن “النصر المطلق” وعدم وقف الحرب حتى إسقاط حماس بالكامل”.
الثمن باهظ
وحسب عدد كبير من المراقبين في إسرائيل، فإن الثمن الذي تسدده إسرائيل في الصفقة كبير. منهم المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، الذي أشار، اليوم، إلى أن “حماس” باقية، وإن كانت تنزف.
وأضاف: “هذه الصفقة ستعزز حماس في المجتمع الفلسطيني، لكنها صفقة ضرورية: لم يبق وقت للمخطوفين داخل الأنفاق”. سيجد نتنياهو نفسه أمام كابوس كان يسعى لتفاديه، يتمثّل بخروج مئات من الأسرى الفلسطينيين يرفعون شارات النصر وهم يغادرون الزنازين، مئات منهم محكوم بالمؤبد، وما زاد، وسيزيد من حرج حكومة نتنياهو، في هذا اليوم، الثلاثاء، حيث تجتاح أخبار الصفقة المحتملة الشارع الإسرائيلي والعالم، الحادثة الأمنية في بيت حانون، أمس، بمقتل وإصابة عدد كبير من الجنود مع صواريخ من اليمن. كثير من الإسرائيليين لاموا وسيلومون نتنياهو لماذا لم تتم الصفقة قبل شهور، ما دامت شبه متطابقة لصيغة 27 مايو/أيار، وعندها كنا سنتحاشى مقتل الكثير من الجنود والرهائن”.
المعركة على الوعي.. على الصورة
يعي نتنياهو خطورة مثل هذه الصورة، ويدرك أن ظهور ترامب كعامل ضاغط حاسم خلف الصفقة الآن سينعكس سلبًا على صورته ومكانته وعلى هيبة إسرائيل، كونها ستبدو دولة قرارها ليس بيدها، بل بيد رئيس دولة أخرى لم يدخل بعد لمكتبه في البيت الأبيض. ولذا بدأت، منذ أمس، أبواق نتنياهو في السياسة والإعلام تزعم أن الصفقة تمت بعدما تنازلت “حماس”، وعقب انهيار محور المقاومة. وتنضم مصادر صحفية وسياسية إسرائيلية، منها معارضون بارزون لنتنياهو، لكنهم يحاولون حماية صورة وهيبة إسرائيل، من خلال الزعم أن الصفقة تأتي ثمرة تراجع “حماس” بالأساس، وتقزيم دور الضغط الأمريكي.
في المقابل، هناك جهات إسرائيلية قليلة تلتزم الحقيقة، وتنطق بالحقيقة بقولها إن ترامب أجبر نتنياهو، كما قال الصحفي حاييم لافنسون، في تقريره في “هآرتس”، منوهًا أن مبعوث ترامب ألزم نتنياهو بقبول صيغة رفضها قبل نصف عام، ومن الصعب أن نعلم إذا ما كان نتنياهو حُشر بالزاوية، أم أنه راضٍ من ضغط شديد عليه يعينه في إقناع مريديه وجمهوره بأن ترامب يريد ذلك، وأننا لا نقوى على رفض طلبه، لأن إسرائيل على موعد مع “هدايا وعطايا كثيرة”، مثل ضمّ مناطق من الضفة الغربية، وضم السعودية للتطبيع، ومشاركة أمريكية مباشرة في مهاجمة مفاعلات نووية في إيران.
من جهته، يرى المحلل الإسرائيلي بن درور يميني أن الصفقة مهمة إنسانيًا وإستراتيجيًا لإسرائيل، خاصة أنها توقف حرب الاستنزاف. ليس من السهل أن ينجح نتنياهو في المعركة الجديدة على الوعي، خاصة وعي الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا إذا انقلب ترامب على نفسه مجددًا، وأغدق على إسرائيل أكثر مما تتوقعه، ما يعين نتنياهو في تحسين صورته، وربما البقاء في سدّة الحكم وفي التاريخ.
فلماذا تنطلق الآن وما الذي تغير؟
تفيد الإحاطات والتسريبات الإسرائيلية أن الوسطاء وإسرائيل ينتظرون موافقة رسمية من قبل “حماس” على صيغة الصفقة التي تم إحرازها في مداولات الدوحة بقيادة قطر.
صحيفة: فوجئ مساعدو نتنياهو باللغة الصارمة الفظّة التي تحدث بها ويتكوف. إذن، ترامب هو من قام بليّ ذراع نتنياهو
وحسب المصادر الإسرائيلية أيضًا، فإن الاتفاق الآن على بعد لمسة إصبع، كما تعنون صفحتها الأولى صحيفة “يديعوت أحرونوت”. تأتي هذه الصفقة على مرحلتين، في الأولى، والمعرفة بـ “الصفقة الإنسانية”، ستطلق سلطات الاحتلال 1200 أسير فلسطيني، منهم 300 من ذوي أحكام السجن المؤبد، مقابل الإفراج عن 33 رهينة هم من المسنين، المرضى، الجرحى والأطفال، منهم 9 رهائن كانت إسرائيل تلحّ عليهم، وترفض “حماس” الحديث عنهم.
في اليوم الأول، تفرج “حماس” عن 3 رهائن، ويبدأ إطلاق سراح الأسرى، وتستمر المرحلة الأولى 42 يومًا، تتوقف فيها الحرب بالكامل، ويبدأ انسحاب تدريجي من المناطق المكتظة داخل القطاع وعودة الغزيين لشمال القطاع بعد اجتيازهم حاجز رقابة أمني. في هذه المرحلة، تبدأ المفاوضات على اللمسات النهائية للمرحلة الثانية التي ستستكمل عملية تبادل إطلاق أسرى (بما في ذلك أسرى فلسطينيون أسروا خلال الحرب الحالية) وجثامين، ربما تشمل الأسرى القدامى من فلسطينيي الداخل، ممن يقبعون خلف القضبان منذ نحو أربعة عقود.
وبعد انتهاء المرحلة الثانية، بحال تم تطبيق مضمون الاتفاق، ستبدأ المرحلة الأخيرة، وهي “الهدنة المستدامة”، وهذا مصطلح تريده إسرائيل عوضًا عن “وقف الحرب”، والانسحاب من القطاع، بما في ذلك محورا فيلادلفيا ونيتساريم، بعدما كان نتنياهو يعتبر السيطرة عليهما مصلحة أمنية عليا، على أن يبقى شريط أمني في حدود القطاع لفترة معينة. وأخيرًا بدء إعمار غزة.
وحسب تسريبات إسرائيلية، تجري مداولات بين كافة الأطراف حول سيطرة فلسطينية مشتركة للسلطة الفلسطينية و”حماس” في القطاع. وحاليًا يتحفظ الرئيس عباس، وبعض الدول العربية من مشاركة “حماس” في الحكم، ما دام لم ينزع سلاحها، وفق ما أشارت له الإذاعة العبرية العامة أمس.
لماذا الآن؟
بعد شهور من تغني نتنياهو بـ “النصر المطلق” باستعادة كل الرهائن وإسقاط حكم “حماس”، تقبل حكومة الاحتلال باتفاق تتنازل فيه إسرائيل عن تحطيم نظام “حماس” بشكل كامل في القطاع، ويشمل الإفراج عن عدد كبير من الأسرى، وعودة الغزيين للشمال، ووقف الحرب، والانسحاب من القطاع في نهاية المسيرة.
جاء هذا التغيير في موقف نتنياهو وائتلافه نتيجة متغيّرين: الأول أن حسابات واشنطن والإدارة الأمريكية الجديدة مختلفة عن اعتبارات تل أبيب.
وعبّرَ رسمُ كاريكاتير “يديعوت أحرونوت” عن حقيقة ما جرى، حيث بدا نتنياهو وقائد حمساوي حول طاولة مفاوضات عليها صورة رأس ترامب على شكل قنبلة موقوتة.
واليوم تكشف صحيفة “هآرتس” تفاصيل أوفى عن الضغط الأمريكي الفعّال على نتنياهو، بقولها إن مبعوثه ستيف فيتكوف هاتف من الدوحة مكتب نتنياهو، ليلة الجمعة، وأبلغهم بأنه قادم قبيل ظهر السبت لتل أبيب للاجتماع بنتنياهو، لكنهم حاولوا إقناعه بإرجاء اللقاء من صباح السبت إلى مساء السبت، كونه يومًا مقدسًا لليهود.
صمود الغزيين رغم نكبتهم الثانية
فيتكوف، وهو أمريكي من أصل يهودي، وهو رجل أعمال في مجال تسويق الشقق السكنية، ومقرب من ترامب. وحسب صحيفة “هآرتس”؛ فإن فيكتوف ليس دبلوماسيًا، ولا يتحدث بلغة دبلوماسية؛ إنه رجل عملي لا يكترث بالطقوس الدبلوماسية.
وتتابع الصحيفة: “فوجئ مساعدو نتنياهو باللغة الصارمة الفظّة التي تحدث بها ويتكوف. إذن، ترامب قام بليّ ذراع نتنياهو وليس سموتريتش أو بن غفير”.
يشار إلى أن سموتريتش قال، أمس، إن الصفقة كارثة على أمن إسرائيل، ولن يؤيدها عند طرحها للتصويت في الحكومة، بيد أنه لم يقل إنه سيغادر الائتلاف.
وقبل قليل، قال بن غفير إنه وحزبه لا يملكون القدرة على منع الصفقة، داعيًا سموتريتش للذهاب معًا لنتنياهو وتهديده بالانسحاب من الحكومة، بحال صادق على هذه الصفقة، التي وصفها حاخام صفد، أحد أنصار حزب بن غفير (العظمة اليهودية) بالاستسلام لـ “حماس”، حاملاً على نتنياهو بشدة.
وكان ترامب قد ألمح إلى أن تهديده بالجحيم لم يوجّه لـ “حماس” فحسب بإقدامه، قبل أيام، بمشاركة منشور لأكاديمي أمريكي يتهم نتنياهو بتوريط أمريكا في الحرب على العراق، والآن يحاول جرّها لحرب ضد إيران.
والسبب الثاني لماذا الآن هو أن الغزيين نهضوا من الرماد كطائر العنقاء، رغم النكبة التي حلت بهم بعد “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر؛ فلم يهاجروا، وكابدوا الموت اليومي والجوع والبرد والغرق في مياه الشتاء، مثلما نجحت “حماس” بمواصلة استنزاف جيش الاحتلال في عمليات نوعية آخرها في بيت حانون، أمس، القائمة على الحد بين 1948 و1967.
وهكذا هبت رياح غزة بما لا تشتهيه سفن نتنياهو. من جهة، وأمام النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل في الحرب الإقليمية، وفي تدمير القطاع دون اكتراث بالعالم. ليّنت “حماس” موقفها، وتنازلت عن شرطها بوقف فوري للحرب، وبانسحاب كامل من القطاع، وفي المقابل نجحت، وفق التسريبات، بانتزاع موافقة على تحرير عدد كبير من الأسرى (مقابل احتفاظ إسرائيل بعدد من رموز الأسرى كمروان البرغوثي وغيره)، والسماح بعودة الغزيين للشمال وبوقف الحرب والانسحاب من القطاع تدريجيًا.
في السابق، كان نتنياهو يرفض كل ذلك، ويريدها حربًا طويلة كي يبقى في الحكم وفي التاريخ، وربما داخل القطاع، وهكذا ولدت فكرة “الصفقة الجزئية” بمبادرة مصر، ولاحقًا أضيفت عليها إضافات، حتى باتت مقدمة لصفقة كبرى فيها انسحاب وترتيبات سياسية، وفق الصيغة المتوافق عليها الآن. وفيها لم يعد محور فيلادلفيا “قلعة صمود إسرائيل ووجودها”، كما كان يتغنى نتنياهو ضمن الحديث عن “النصر المطلق” وعدم وقف الحرب حتى إسقاط حماس بالكامل”.
الثمن باهظ
وحسب عدد كبير من المراقبين في إسرائيل، فإن الثمن الذي تسدده إسرائيل في الصفقة كبير. منهم المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، الذي أشار، اليوم، إلى أن “حماس” باقية، وإن كانت تنزف.
وأضاف: “هذه الصفقة ستعزز حماس في المجتمع الفلسطيني، لكنها صفقة ضرورية: لم يبق وقت للمخطوفين داخل الأنفاق”. سيجد نتنياهو نفسه أمام كابوس كان يسعى لتفاديه، يتمثّل بخروج مئات من الأسرى الفلسطينيين يرفعون شارات النصر وهم يغادرون الزنازين، مئات منهم محكوم بالمؤبد، وما زاد، وسيزيد من حرج حكومة نتنياهو، في هذا اليوم، الثلاثاء، حيث تجتاح أخبار الصفقة المحتملة الشارع الإسرائيلي والعالم، الحادثة الأمنية في بيت حانون، أمس، بمقتل وإصابة عدد كبير من الجنود مع صواريخ من اليمن. كثير من الإسرائيليين لاموا وسيلومون نتنياهو لماذا لم تتم الصفقة قبل شهور، ما دامت شبه متطابقة لصيغة 27 مايو/أيار، وعندها كنا سنتحاشى مقتل الكثير من الجنود والرهائن”.
المعركة على الوعي.. على الصورة
يعي نتنياهو خطورة مثل هذه الصورة، ويدرك أن ظهور ترامب كعامل ضاغط حاسم خلف الصفقة الآن سينعكس سلبًا على صورته ومكانته وعلى هيبة إسرائيل، كونها ستبدو دولة قرارها ليس بيدها، بل بيد رئيس دولة أخرى لم يدخل بعد لمكتبه في البيت الأبيض. ولذا بدأت، منذ أمس، أبواق نتنياهو في السياسة والإعلام تزعم أن الصفقة تمت بعدما تنازلت “حماس”، وعقب انهيار محور المقاومة. وتنضم مصادر صحفية وسياسية إسرائيلية، منها معارضون بارزون لنتنياهو، لكنهم يحاولون حماية صورة وهيبة إسرائيل، من خلال الزعم أن الصفقة تأتي ثمرة تراجع “حماس” بالأساس، وتقزيم دور الضغط الأمريكي.
في المقابل، هناك جهات إسرائيلية قليلة تلتزم الحقيقة، وتنطق بالحقيقة بقولها إن ترامب أجبر نتنياهو، كما قال الصحفي حاييم لافنسون، في تقريره في “هآرتس”، منوهًا أن مبعوث ترامب ألزم نتنياهو بقبول صيغة رفضها قبل نصف عام، ومن الصعب أن نعلم إذا ما كان نتنياهو حُشر بالزاوية، أم أنه راضٍ من ضغط شديد عليه يعينه في إقناع مريديه وجمهوره بأن ترامب يريد ذلك، وأننا لا نقوى على رفض طلبه، لأن إسرائيل على موعد مع “هدايا وعطايا كثيرة”، مثل ضمّ مناطق من الضفة الغربية، وضم السعودية للتطبيع، ومشاركة أمريكية مباشرة في مهاجمة مفاعلات نووية في إيران.
من جهته، يرى المحلل الإسرائيلي بن درور يميني أن الصفقة مهمة إنسانيًا وإستراتيجيًا لإسرائيل، خاصة أنها توقف حرب الاستنزاف. ليس من السهل أن ينجح نتنياهو في المعركة الجديدة على الوعي، خاصة وعي الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا إذا انقلب ترامب على نفسه مجددًا، وأغدق على إسرائيل أكثر مما تتوقعه، ما يعين نتنياهو في تحسين صورته، وربما البقاء في سدّة الحكم وفي التاريخ.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات