إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية
  • الرئيسية
  • عربي و دولي

  • أحلام ترامب التوسعية وبناء أمريكا الإمبريالية ستزيد حروب العالم وتقربه نحو الهاوية

أحلام ترامب التوسعية وبناء أمريكا الإمبريالية ستزيد حروب العالم وتقربه نحو الهاوية


عمان جو - نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالًا للأستاذ في جامعة ييل، غريغ غراندين، قال فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحلم بإمبراطورية أمريكية. وقال إن الرئيس الأمريكي فاز بالبيت الأبيض مرتين بوعد إغلاق الحدود، ولكنه في خطاب التنصيب، يوم الإثنين، تحدث بشاعرية عن توسيع حدود أمريكا، وأن فتح الجبهات الأمريكية “محفور في قلوبنا”.

وفي هذا الشهر، تحدّثَ عن شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك، واستعادة قناة بنما، وإعادة تسمية خليج المكسيك بخليج أمريكا.. “يا إلهي، ما أجمل الاسم”، حيث نطق بالاسم الجديد بالتشديد على المقطع الأخير من كلمة أمريكا، وبالغَ في المدّ.

بوليتيكو: عدد من أنصار ترامب الأثرياء، وخاصة في مجال التكنولوجيا، ينظرون لغرينلاند باعتبارها ثمينة ليس لمعادنها أو موقعها الإستراتيجي، ولكن كحل روحي لمرض أمريكا الحالي

ويرى الكاتب أن النزعة التوسعية مفاجئة من سياسي ظل يدعو للتمترس داخل جدار الحدود الأمريكية. لكن ترامب، وهو سياسي ذكي، يعلم أن القومية الغاضبة والمنعزلة، التي وصل إلى البيت الأبيض على ظهرها، قد تكون مدمرة للنفس، كما حدث خلال فترة ولايته المحاصرة.

وعليه، فإن هذه الدعوات لجعل أمريكا ليست عظيمة فقط ولكن أكبر حجمًا تهدف لإنعاش نزعة الوطنية، ورؤية أمريكا التي تنمو وتكبر بشكل دائم وتتحرك للخارج.

وقد ألهبت تعليقات ترامب الأخيرة مشاعر عناصر حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” أو “ماغا”، حيث استخدم منصات التواصل الاجتماعي لنشر خطط المعركة من أجل السيطرة على كندا، ورسم خريطة أمريكا من المحيط المتجمد الشمالي، إلى بنما.

لكن ترامب يسترجع رؤى الآباء المؤسسين الذين رأوا أن ازدهار أمريكا مرتبط بتوسعها. فقد كتب جيمس ماديسون في 1787 عن “توسيع المجال”، و”وسع مجال الأرض” لكي تتخلص من التطرف السياسي، وتجميد صراع الطبقة.

وفي خطاب ألقاه توماس جيفرسون تحدث فيه عن شراء لويزيانا عام 1805 قال: “كلما كان اتحادنا ضخمًا، كلما تلاشت مخاطر تعرضه للعواطف المحلية”. وبعد سنوات من كلامه، توسعت أمريكا في القارة بسرعة مذهلة، حيث سيطرت معتمدة على عقيدة الغزو على إنديانا وأراضٍ مكسيكية، ووصلت إلى المحيط الهادئ، ثم سيطرت على جزر هاواي وبورتوريكو والجزر الأخرى.

وبحلول القرن العشرين، حتى بعد أن تخلت الولايات المتحدة، إلى جانب الكثير من دول العالم، عن مبدأ الغزو، ظل قادة أمريكا يستعيدون فكرة التوسع اللامحدود المحتمل من أجل فتح الأسواق أمام الصادرات الأمريكية، وشن الحروب لتطهير العالم من الشرور ودفع الحراك الاجتماعي المتصاعد، ودعم نمو الطبقة المتوسطة.

وفي العلوم والتكنولوجيا، قدّمَ “الغرب الأمريكي” ما وصفه المؤرخ فريدريك جاكسون تيرنر الحاضنة لهذه: “النهضة الدائمة”.

ويقول غراندين إن ترامب يستغل هذا التاريخ الاجتماعي، ويعد بـ “بمتابعة المصير الواضح حتى النجوم”، بل وحتى “المريخ”، لكنه يقدم هذا بأسلوب ساخر أتقنه ما يجعل الأفكار التقليدية تبدو وكأنها قادمة من كوكب آخر.

وقد يسخر منتقدوه من فكرة ضم غرينلاند. ولكن كما اتضح، كان هذا الضم هدفًا للسياسيين الأمريكيين منذ فترة طويلة، على الأقل منذ عام 1867، عندما فكر وزير الخارجية ويليام سيوارد، بعد وقت قصير من شراء ألاسكا، بشراء الجزيرة من الدنمارك، وكذا جزيرة أيسلندا. وكان فرانكلين روزفلت يتطلع لشراء الجزيرة، وبعد وفاته عرضت إدارة هاري ترومان في عام 1946 مبلغ 100 مليون دولار مقابل غرينلاند، وهو ما رفضه الدنماركيون. وفي وقت لاحق، اقترح نائب الرئيس جيرالد فورد، نيلسون روكفلر، الحصول على غرينلاند لثرواتها المعدنية.

وفي عام 1975، كتب سي أل سولزبرغر، مستشهدًا بالمصلحة الوطنية، وأن “غرينلاند يجب أن تعتبر مشمولة” بـ “مبدأ مونرو”، أي أنها واقعة ضمن محيط الأمن الأمريكي بالكامل.

أما بالنسبة لفكرة ترامب بإضافة المزيد من النجوم إلى العلم الأمريكي، فإن ويليام كريستول، المحافظ المتشدد الذي يعارض ترامب، يتفق مع هذه الفكرة، حيث اقترح إمكانية ضم كوبا إلى الولايات الأمريكية. وقد كتب تغريدة، بعد وقت قصير من مغادرة ترامب البيت الأبيض في عام 2021: “60 عامًا في 50 ولاية تكفي”، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تضع الترامبية وراء ظهرها، فيجب أن تنمو، وهو شعور كان ماديسون سيتفق معه.

والآن ها هو ترامب نفسه، يعود منتصرًا ويدافع عن التوسع. لكنه يتحرك في عالم مختلف جدًا عن عالم التوسع في الماضي.

الفرار للطموحات الإمبريالية هو المكان الذي يصبح فيه بحث ترامب عن صرخة حشد وتعبئة لأنصاره أمرًا خطيرًا

وفي العقود التي تلت، بعد قول الرئيس بيل كلينتون عام 1993 إن “الاقتصاد العالمي هو جبهتنا الجديدة”، عاشت أمريكا حالة من التجمد في إحساسها، وهذا بسبب صدمات الحروب، وتراجع الطبقة المتوسطة، والديون التي أثقلت كاهل الناس، والتكنولوجيا الخيالية، وسلسلة من الكوارث المناخية، وعصر ذهبي من تركز الثروة في أيدي مجموعة خاصة، وتراجع في متوسط العمر المتوقع، حيث يموت الشباب بمعدلات عالية ومثيرة للقلق، وكلها تجمعت لخلق حالة من الشلل السياسي.

ويبدو أن مقامرة ترامب الإمبريالية محاولةٌ للخروج من المأزق، والقول إنه “لا حدود لمستقبل البلاد. هل نريد غرينلاند؟ إننا سنسيطر عليها، وهل نريد كندا؟”.

وبحسب مجلة “بوليتيكو”، فإن عددًا من أنصار ترامب الأثرياء، وخاصة في مجال التكنولوجيا، ينظرون لغرينلاند باعتبارها ثمينة ليس لمعادنها أو موقعها الإستراتيجي، ولكن كحل روحي لمرض أمريكا الحالي، وطريقة لاستعادة الشعور بالهدف لبلد تائه. ولكن التحديات التي تواجهها هذه الدولة لن تحل بالفرار إلى حدود متخيلة على أمل أن يؤدي مناخها القاسي، كما قال أحد أنصار ترامب، إلى تشكيل “شعب جديد”.

ويعلق غراندون بأن الفرار للطموحات الإمبريالية هو المكان الذي يصبح فيه بحث ترامب عن صرخة حشد وتعبئة لأنصاره أمرًا خطيرًا. ذلك أنه يتعامل مع السياسة الدولية كما لو كانت لعبة مخاطرة، مشيرًا إلى أن العالم تحكمه قواعد جديدة، وهي قواعد قديمة حقًا: فالأقوياء يفعلون ما يريدون، والضعفاء يعانون مما كتب عليهم.

وعلى الرغم من كل أوجه القصور والنفاق، فإن النظام العالمي الذي نشأ في نهاية الحرب العالمية الثانية رَوَّجَ لفكرة مفادها أن التعاون، وليس العدوان، يجب أن يكون نقطة البداية المفترضة للدبلوماسية. إلا أن فانتازيا ترامب العدوانية، وتهديده بتوسيع “أرضنا”، كما قال يوم الإثنين، واستخدام التعريفات الجمركية كوسيلة عقابية، أو القوة العسكرية لإعادة ترتيب حدود العالم، هي عكس نبرته في خطاب التنصيب، الذي تحدث فيه بلهجة المهدد والمظلوم في وقت واحد “لن نسمح بغزونا”، و”لن يتم ترهيبنا”. وكان بهذا يرسل رسالة هيمنة وليس تعاونًا متبادلًا وأن المبدأ الجديد المنظم للعالم هو الغزو، الذي انتهى مفعوله، لكنه في عقيدة ترامب لا يزال مشروعًا وحيًا.

وفي الواقع، يعيش العالم اليوم حروبًا وحشية، ويرى الإستراتيجيون الكبار، بمن فيهم الذين أرشدوا سياسات بايدن، أن الحروب ليست أشياء ينبغي إنهاؤها، بل فرص لخلق مجالات نفوذ. ففي التعامل مع الصين مثلاً، اتبع جو بايدن نهج ترامب في التعامل مع التجارة، وكانت جهودهما المختلفة لاحتواء بكين سببًا في زيادة احتمالات الصراع، وخاصة بشأن تايوان أو بحر الصين الجنوبي.

ومع غزو روسيا لأوكرانيا، وهجوم إسرائيل ليس فقط على غزة، بل وأيضًا على لبنان وسوريا، ومع “تدخلاتنا العسكرية في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا وأماكن أخرى، باتت “أنقاض القانون الدولي تحيط بنا من كل جانب”، كما كتب المنظر القانوني إريك بوسنر.

هكذا، فإن تفكير ترامب لا يهدف إلى ضبط الوتيرة، بقدر ما يريد إضفاء الشرعية على شيء موجود بالفعل: نظام عالمي جديد لا يستبعد فيه العدوان. ولكن لغته غير المقيدة، واستعداده لاستفزاز الحلفاء وإجبارهم على الانخراط في ألعاب الهيمنة الصبيانية، كما يفعل مع كندا والدنمارك وبنما، تزيد من تقلّبات عالم غير مستقر بالفعل.

ومن الدروس التي يعلمنا إياها الماضي، وخاصة الماضي الإمبريالي الذي يستحضره ترامب، أن فتح نوع من توازن القوى العدواني المتعدد الجبهات، الذي يعمل اليوم مع قيام الولايات المتحدة بالضغط على الصين، والضغط على روسيا، وسعي كل البلدان، في كل مكان، إلى تحقيق نفس الميزة من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من المواجهة، والمزيد من سياسة حافة الهاوية، والمزيد من الحروب.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :