الاثنين, 17 مارس, 2025 إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

الحياري تكتب: في فوضى الشرق الأوسط وصراع الهويات!


عمان جو - د . روان سليمان الحياري - تمر المنطقة بمرحلة إعادة تشكّل سياسيّ واستراتيجيّ غير مسبوقة، وفق مشاريع عالمية أكبر، حيث تتداخل العوامل الداخلية والخارجية في صياغة مستقبل المنطقة، ما بين التكيف مع نظام عالمي متغير والتعامل مع أزمات بنيوية حقيقية. فلم تعد الفوضى التي تجتاح الشرق الأوسط مجرد مخاض سياسي -هو جزء من نظام عالمي جديد- بل أصبحت تمس جميع الأبعاد الثقافية، والإقتصادية، والإجتماعية، مما يفرض تحديات غير مسبوقة على دول المنطقة وقدرتها على الصمود وإعادة التكيّف.

ولعل التحدي الأبرز في هذا السياق هو صراع الهويات، الذي يعيد رسم الملامح الوجودية والتحالفات السياسية وفق أسس و اعتبارات مذهبية وعرقية وإثنية . أخطر ما قد يفضي له صراع الهويات الفرعية، هو استغلالها كأدوات سياسية، أو أجندات لاستدامة نزاعات متفاقمة، تكمن خطورتها في مبرراتها الوجودية لكل طرف، وفي رؤيتها لفرصة سانحة لن تتكرر في فوضى الاقليم، غير مدركين أن التنوع فيه قوة حقيقية.

فمع إعادة تشكيل الخرائط الجيوسياسية للمنطقة، تتصاعد اليوم نماذج عدة لصعود الهويات الفرعية القائمة على التماهي مع الطائفة أوالعرق، على حساب الهوية الوطنية، وبشكل يفوق الانتماء للوطن. فلم يكن هذا نتيجة لعوامل داخلية فقط، بل لتأثيرات خارجية، شكَّل التشظي الداخلي أرضاً خصبة لها. -في مرحلة سياسية دقيقة- فلم تعد الهوية مجرد انتماء ثقافي أو تاريخي أو مذهبي، بل أصبحت أداة للصراع السياسي تُستخدم لفرض النفوذ وإعادة تشكيل الدول.

إن المرحلة الراهنة تتطلب إرادة ووعيًا استراتيجيًا قادرًا على قراءة الواقع ضمن مراجعات معمقة، تعيد تقييم فرصه وتحدياته، وتعزز رهان الجبهة الداخلية في مواجهة فوضى الإقليم، واتخاذ قرارات حاسمة تعزز الوحدة الوطنية، وتمنع أية مغامرات أو مقامرات تضعف الدولة في مواجهة عواصف الشرق الأوسط المتلاطمة.

ليبقى الرهان الحقيقي الحفاظ على الهوية الوطنية كأساس للاستقرار والمنعة، وتجنب الانزلاق في صراعات هويات فرعية تتعد اشكالها،عبر استراتيجية قائمة على ترسيخ الهوية الوطنية وتعزيز مفهوم الدولة المدنية. بحيث تكون الهوية الوطنية فيها وعاءً يحتضن جميع الهويات الفرعية بدلًا من أن يكون ضحية لها، وإنتاج فكر واع مسؤول، قادرعلى استيعاب التحولات، لا يستسلم لمنطق الانقسامات، ويعيد تشكيل الوعي الجمعي بعيدًا عن أية استقطابات.

ففي اقليم تتسم بيئتة الجيوسياسية بتصاعد الصراعات، بدءًا من تداعيات الحرب في العراق، مرورًا بالأزمة السورية، وصولًا إلى التحولات الإقليمية التي أفرزها ما يسمى بـ "الربيع العربي".و أخيرا حرب غزة. فقد تمكن الاردن -بالرغم من الضغوط والتحديات الإقليمية الهائلة- بوعي شعبه وحكمة قيادته واخلاص أجهزته الأمنية، عبور ذلك كله متماسكا، متجنبا انقسامات حادة عبر التركيز على تعزيز الولاء الوطني، فبرغم وجود تحديات اقتصادية كبرى، فإن استقرار الجبهة الداخلية الأردنية يستند إلى توازن دقيق بين احتواء مطالب مختلف المكونات الاجتماعية، والانفتاح السياسي المسؤول، مع الحفاظ على الخطوط الحمراء التي تمنع أي تهديد أو فتنة.

في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، فإن الخيار الان أمام مفترق طرق: إما الانجراف نحو مزيد من التفكك تحت وطأة الصراعات الهوياتية، أو بناء نهضوي عماده هوية وطنية تضع مصلحة الدولة فوق أية اعتبارات فرعية، فتحصين الجبهة الداخلية وتعزيز الدولة المدنية هو الطريق الأمثل لحماية استقرار المجتمعات في وجه الفوضى الإقليمية.

فلن تعبر هذا كله الا الاوطان القوية فقط !.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :