المطلوب من «لوبي» البنوك الأردني: تعويض «فاقد ترامب» وتأجيل «أقساط» والتحول إلى «التيسير الكمي»… كيف يتصرف «الحيتان»؟
عمان جو - بسام البدارين - ساعات قليلة فصلت بين حدثين في الأردن لهما ارتباط مباشر بالسياسة النقدية وقطاع البنوك في البلاد.
في الحدث الأول، يشكر رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان على مأدبة إفطار رمضانية، ممثلي قطاع البنوك لأنهم تبرعوا بتقديم مبلغ يصل إلى 90 مليون دينار لدعم الخزينة ونفقات الحكومة.
لذا، فالنفقات العامة خصصت حصراً للخدمات في قطاعي الصحة والتعليم.
لاحقاً وبعد ساعات فقط، وقع 24 عضواً في البرلمان مذكرة خاصة تطالب مجدداً الحكومة بالتدخل لتأجيل أقساط البنوك على الشعب الأردني قبيل عطلة العيد.
وهو أمر سبق أن فعلته البنوك عند مواجهة أزمة فايروس كورونا، لكنها رفضته عدة مرات وقاومته تحت عنوان ألا تبدأ حلول المشكلات الاقتصادية والمعيشية على حساب الخيار الأسهل، وهو قطاع المصارف والبنوك.
بالتزامن، وفي الأثناء، تطور آخر لافت في السياق نفسه، يطلب عبر رسالة من خبراء من نواب جبهة العمل الإسلامي الذين يمثلون المعارضة وعبر المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، عقد اجتماعات تنسيقية للتحرك برلمانياً وتشريعياً من أجل الانتقال في إدارة السياسة النقدية في البلاد إلى ما يسمى بسياسة «التيسير الكمي».
لا يعرف كثيرون ما الذي يعنيه سيناريو التيسير الكمي، لكن المسألة لها علاقة بزيادة حصة البنوك في تمويل المشاريع الإنتاجية وتخفيض الفوائد.
ولا يعرف المراقبون السياسيون لماذا يخاطب التيار الإسلامي ونوابه للخوض تشريعياً في أحد الملفات الحساسة المرتبطة بدور البنوك والمصارف، ولاحقاً بالسياسات النقدية.
لكن التعريفات التي تم تداولها بكثافة خلال اليومين الماضين عبر منصات التواصل الاجتماعي فيما يخص مفهوم التيسير الكمي كانت تلك التي تقترح على الحكومة والبنك المركزي تمويل المشاريع الإنتاجية الكبيرة، مثل الناقل الوطني للمياه من البنوك الوطنية مقابل فوائد أقل وقروض طويلة الأجل، وتسهيلات خاصة، ثم دفع أقساط هذه المشاريع من مداخيلها.
لم تعرض الحكومة والسلطات النقدية نقاشاً عاماً حول التيسير الكمي. والخبير الاقتصادي البارز الدكتور محمد الحلايقة، أبلغ «القدس العربي» بأن على البنوك واجب، وقد يكون المطلوب منها سياسات رشيدة ومنهجية بعيداً عن منطق «الفزعة» أو التبرع فقط.
ما يقترحه الحلايقة هو إجماع بنكي على تمويل مشاريع إنتاجية لتطبيق مفهوم أفقي للمسؤولية الاجتماعية، خلافاً لاتخاذ قرارات جريئة باسم القطاع المصرفي تؤدي إلى «تخفيض الفوائد» على المشاريع المتوسطة والصغيرة حتى تتحرك العجلة، بمعنى يتحرك الاستهلاك ويزيد إنتاج الصناعة وتعود للخزينة المزيد من الضرائب.
رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي، كان له رأي عارضته البنوك قبل سنوات بعنوان «الدينار في يد المواطن أفضل منه في المصرف».
أصبح السؤال فجأة بعنوان دور البنوك التي يمثلها لوبي نافذ جداً في عمان سياسياً ووطنياً، ولم يعد مصرفياً أو رقمياً.
النقاش سلط الضوء على ما سمته جمعية البنوك بالمسؤولية الاجتماعية لقطاع البنوك عند الإعلان عن التبرع الأخير بقيمة 90 مليون دينار.
وهو تبرع قد لا يتميز بالسخاء الحقيقي حتى وإن كانت الحكومة قد شكرته علناً؛ لأن طبيعة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعانيها الحكومة لأسباب سياسية دفعت الرأي العام وبعض الخبراء والنواب أيضاً لإلقاء الضوء على ما يسمى بالأرباح الضخمة لقطاع البنوك في الأردن قياساً في الخمود والركود الذي ضرب بقية القطاعات.
المعلوم، قبل مساهمة رئيس الوزراء بإلقاء بعض الضوء هنا، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف أعمال الوكالة الأمريكية للإنماء أدى إلى خسارة بمئات الملايين من الدولارات لقطاعات أردنية أوقف عنها التمويل فجأة.
بين تلك القطاعات مشاريع لها علاقة بمدارس حكومية كانت قيد الإنشاء، وبتطوير بعض الخدمات الصحية، فقد تعطلت مشاريع في القطاعين، ما دفع رئيس الحكومة إلى إجراء لقاءات ومشاورات مع كبار القطاع المصرفي طالبت فيها الحكومة -ولأول مرة يحصل ذلك بصيغة شبه علنية- بالتداخل على الخطوط لإكمال المشاريع العالقة في التربية والصحة جراء قرار الرئيس ترامب.
عملياً، لم يسبق للحكومة أن استعانت بقطاع البنوك بهذه الطريقة.
وعملياً، تردد في الأوساط المالية بأن طبقة الحيتان النافذة في المصارف والبنوك التقطت الرسالة وقررت التجاوب. وفي الوقت الذي تردد فيه أن الحكومة طلبت مبلغاً محدداً، ذكرت المصادر المختصة بأن استجابة القطاع البنكي ذهبت باتجاه دفع 3 أضعاف المبلغ المطلوب.
مسؤول بارز من المختصين همس في أذن «القدس العربي» قائلاً: البنوك فعلت ذلك حتى لا تسلط المزيد من الأضواء على أرباحها، ولتخفيف الجدل حول سلبية دورها، خصوصاً في مساعدة الحكومة.
لكن بصرف النظر عن النوايا والأهداف، برز عنصر تزامن الوقت القصير الذي يحتاج إلى تأمل ودراسة، حيث يطلب رئيس وزراء تبرعاً من بنوك لا تستطيع تجاهل هذا الطلب بطبيعة الحل، فيما يبرز في النقاش العام سيناريو يسمى بالتسيير الكمي يطالب علناً بانقلاب في السياسة النقدية، مع أنها تميزت طوال الوقت بحصافة بالغة؛ لأن سلامة القطاع المصرفي دقة أعمال البنك المركزي كانت لسنوات طويلة من أهم أسباب احتواء الصدمات في الاقتصاد الأردني.
السياسة النقدية الصلبة حافظت طوال عقود على قيمة الدينار. ووزير المالية الأسبق عمر ملحس، قال بحضور «القدس العربي» إن نجاح القطاع المصرفي قصة تستحق الفخر وتخدم الجميع، فيما ردد وزير الملية السابق الدكتور محمد العسعس الحديث عن سياسة مالية قادرة ومتمكنة ينبغي أن تسهم في حماية استقلال القرار السياسي للمملكة، خصوصاً في ظل مرحلة الاضطراب الإقليمي.
لم يسبق للرأي العام أن رصد رسائل خبراء توجه للإخوان المسلمين أو توابعهم في المسألة النقدية تحديداً، وقطاع البنوك بطبيعته لا يحب الأضواء ولا البقاء على المسرح السياسي والتشريعي، ويدير شؤونه مع الدولة والحكومة بصمت.
لكن أرباح البنوك الضخمة أصبحت مثاراً للنقاش، ليس من زاوية أنها تعكس الصلابة والتمكن ولكن من زاوية أن البنوك الوطنية لا تتقدم إلى مساحة كافية قياساً بأرباحها الكبيرة باتجاه القيام بأدوار منتجة في باب المسؤولية الاجتماعية.
القطاع البنكي الأردني بطبيعته لا يرحب بإثارة نقاش عام حول دوره، ولا حتى حول أرباحه. لكن يبدو مع الأزمة المالية والاقتصادية وفرص الاحتمالات، أن هذا القطاع في طريقه للتخلص من التحفظ، وعليه طرح أجوبة على أسئلة، والخروج للعلن أكثر من البقاء في الكمون، ومخاطبة الناس والنواب بعد الدولة.
ذلك مشهد مستجد تماماً في الإيقاع العام، لا أحد يستطيع فهم أو تحديد ما الذي ينتج عنه، لكن البنك المركزي تحديداً، هو مؤسسة تقوم بواجبها الوطني بدقة متناهية وحرص ومهنية. والحكومة إذا ما قطعت المزيد من المساعدات الأمريكية لأسباب سياسية لاحقاً، قد تجد نفسها مضطرة لفتح الدفاتر المحلية، ثم التحدث مع البنوك.
«القدس العربي»
في الحدث الأول، يشكر رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان على مأدبة إفطار رمضانية، ممثلي قطاع البنوك لأنهم تبرعوا بتقديم مبلغ يصل إلى 90 مليون دينار لدعم الخزينة ونفقات الحكومة.
لذا، فالنفقات العامة خصصت حصراً للخدمات في قطاعي الصحة والتعليم.
لاحقاً وبعد ساعات فقط، وقع 24 عضواً في البرلمان مذكرة خاصة تطالب مجدداً الحكومة بالتدخل لتأجيل أقساط البنوك على الشعب الأردني قبيل عطلة العيد.
وهو أمر سبق أن فعلته البنوك عند مواجهة أزمة فايروس كورونا، لكنها رفضته عدة مرات وقاومته تحت عنوان ألا تبدأ حلول المشكلات الاقتصادية والمعيشية على حساب الخيار الأسهل، وهو قطاع المصارف والبنوك.
بالتزامن، وفي الأثناء، تطور آخر لافت في السياق نفسه، يطلب عبر رسالة من خبراء من نواب جبهة العمل الإسلامي الذين يمثلون المعارضة وعبر المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، عقد اجتماعات تنسيقية للتحرك برلمانياً وتشريعياً من أجل الانتقال في إدارة السياسة النقدية في البلاد إلى ما يسمى بسياسة «التيسير الكمي».
لا يعرف كثيرون ما الذي يعنيه سيناريو التيسير الكمي، لكن المسألة لها علاقة بزيادة حصة البنوك في تمويل المشاريع الإنتاجية وتخفيض الفوائد.
ولا يعرف المراقبون السياسيون لماذا يخاطب التيار الإسلامي ونوابه للخوض تشريعياً في أحد الملفات الحساسة المرتبطة بدور البنوك والمصارف، ولاحقاً بالسياسات النقدية.
لكن التعريفات التي تم تداولها بكثافة خلال اليومين الماضين عبر منصات التواصل الاجتماعي فيما يخص مفهوم التيسير الكمي كانت تلك التي تقترح على الحكومة والبنك المركزي تمويل المشاريع الإنتاجية الكبيرة، مثل الناقل الوطني للمياه من البنوك الوطنية مقابل فوائد أقل وقروض طويلة الأجل، وتسهيلات خاصة، ثم دفع أقساط هذه المشاريع من مداخيلها.
لم تعرض الحكومة والسلطات النقدية نقاشاً عاماً حول التيسير الكمي. والخبير الاقتصادي البارز الدكتور محمد الحلايقة، أبلغ «القدس العربي» بأن على البنوك واجب، وقد يكون المطلوب منها سياسات رشيدة ومنهجية بعيداً عن منطق «الفزعة» أو التبرع فقط.
ما يقترحه الحلايقة هو إجماع بنكي على تمويل مشاريع إنتاجية لتطبيق مفهوم أفقي للمسؤولية الاجتماعية، خلافاً لاتخاذ قرارات جريئة باسم القطاع المصرفي تؤدي إلى «تخفيض الفوائد» على المشاريع المتوسطة والصغيرة حتى تتحرك العجلة، بمعنى يتحرك الاستهلاك ويزيد إنتاج الصناعة وتعود للخزينة المزيد من الضرائب.
رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي، كان له رأي عارضته البنوك قبل سنوات بعنوان «الدينار في يد المواطن أفضل منه في المصرف».
أصبح السؤال فجأة بعنوان دور البنوك التي يمثلها لوبي نافذ جداً في عمان سياسياً ووطنياً، ولم يعد مصرفياً أو رقمياً.
النقاش سلط الضوء على ما سمته جمعية البنوك بالمسؤولية الاجتماعية لقطاع البنوك عند الإعلان عن التبرع الأخير بقيمة 90 مليون دينار.
وهو تبرع قد لا يتميز بالسخاء الحقيقي حتى وإن كانت الحكومة قد شكرته علناً؛ لأن طبيعة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعانيها الحكومة لأسباب سياسية دفعت الرأي العام وبعض الخبراء والنواب أيضاً لإلقاء الضوء على ما يسمى بالأرباح الضخمة لقطاع البنوك في الأردن قياساً في الخمود والركود الذي ضرب بقية القطاعات.
المعلوم، قبل مساهمة رئيس الوزراء بإلقاء بعض الضوء هنا، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف أعمال الوكالة الأمريكية للإنماء أدى إلى خسارة بمئات الملايين من الدولارات لقطاعات أردنية أوقف عنها التمويل فجأة.
بين تلك القطاعات مشاريع لها علاقة بمدارس حكومية كانت قيد الإنشاء، وبتطوير بعض الخدمات الصحية، فقد تعطلت مشاريع في القطاعين، ما دفع رئيس الحكومة إلى إجراء لقاءات ومشاورات مع كبار القطاع المصرفي طالبت فيها الحكومة -ولأول مرة يحصل ذلك بصيغة شبه علنية- بالتداخل على الخطوط لإكمال المشاريع العالقة في التربية والصحة جراء قرار الرئيس ترامب.
عملياً، لم يسبق للحكومة أن استعانت بقطاع البنوك بهذه الطريقة.
وعملياً، تردد في الأوساط المالية بأن طبقة الحيتان النافذة في المصارف والبنوك التقطت الرسالة وقررت التجاوب. وفي الوقت الذي تردد فيه أن الحكومة طلبت مبلغاً محدداً، ذكرت المصادر المختصة بأن استجابة القطاع البنكي ذهبت باتجاه دفع 3 أضعاف المبلغ المطلوب.
مسؤول بارز من المختصين همس في أذن «القدس العربي» قائلاً: البنوك فعلت ذلك حتى لا تسلط المزيد من الأضواء على أرباحها، ولتخفيف الجدل حول سلبية دورها، خصوصاً في مساعدة الحكومة.
لكن بصرف النظر عن النوايا والأهداف، برز عنصر تزامن الوقت القصير الذي يحتاج إلى تأمل ودراسة، حيث يطلب رئيس وزراء تبرعاً من بنوك لا تستطيع تجاهل هذا الطلب بطبيعة الحل، فيما يبرز في النقاش العام سيناريو يسمى بالتسيير الكمي يطالب علناً بانقلاب في السياسة النقدية، مع أنها تميزت طوال الوقت بحصافة بالغة؛ لأن سلامة القطاع المصرفي دقة أعمال البنك المركزي كانت لسنوات طويلة من أهم أسباب احتواء الصدمات في الاقتصاد الأردني.
السياسة النقدية الصلبة حافظت طوال عقود على قيمة الدينار. ووزير المالية الأسبق عمر ملحس، قال بحضور «القدس العربي» إن نجاح القطاع المصرفي قصة تستحق الفخر وتخدم الجميع، فيما ردد وزير الملية السابق الدكتور محمد العسعس الحديث عن سياسة مالية قادرة ومتمكنة ينبغي أن تسهم في حماية استقلال القرار السياسي للمملكة، خصوصاً في ظل مرحلة الاضطراب الإقليمي.
لم يسبق للرأي العام أن رصد رسائل خبراء توجه للإخوان المسلمين أو توابعهم في المسألة النقدية تحديداً، وقطاع البنوك بطبيعته لا يحب الأضواء ولا البقاء على المسرح السياسي والتشريعي، ويدير شؤونه مع الدولة والحكومة بصمت.
لكن أرباح البنوك الضخمة أصبحت مثاراً للنقاش، ليس من زاوية أنها تعكس الصلابة والتمكن ولكن من زاوية أن البنوك الوطنية لا تتقدم إلى مساحة كافية قياساً بأرباحها الكبيرة باتجاه القيام بأدوار منتجة في باب المسؤولية الاجتماعية.
القطاع البنكي الأردني بطبيعته لا يرحب بإثارة نقاش عام حول دوره، ولا حتى حول أرباحه. لكن يبدو مع الأزمة المالية والاقتصادية وفرص الاحتمالات، أن هذا القطاع في طريقه للتخلص من التحفظ، وعليه طرح أجوبة على أسئلة، والخروج للعلن أكثر من البقاء في الكمون، ومخاطبة الناس والنواب بعد الدولة.
ذلك مشهد مستجد تماماً في الإيقاع العام، لا أحد يستطيع فهم أو تحديد ما الذي ينتج عنه، لكن البنك المركزي تحديداً، هو مؤسسة تقوم بواجبها الوطني بدقة متناهية وحرص ومهنية. والحكومة إذا ما قطعت المزيد من المساعدات الأمريكية لأسباب سياسية لاحقاً، قد تجد نفسها مضطرة لفتح الدفاتر المحلية، ثم التحدث مع البنوك.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات