نحو تأمين صحي شامل وقطاع صحي موحد
عمان جو - النائب الدكتور شاهر شطناوي
رئيس لجنة الصحة والغذاء النيابية
في ظل التوجيهات الملكية السامية، نحو توفير مظلة تأمين صحي شامل لكافة المواطنين، تواجه الحكومة الأردنية تحديا كبيرا في بلورة هذه الرؤى، إلا أن التفكير خارج الصندوق قد يجعل الأمر أكثر سهولة، وأقرب إلى التنفيذ وجعله واقعا ملموسا، فكما نعلم أن القطاع الصحي في الأردن يمثل حجر الزاوية في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، لكن تجزئة مؤسساته بين وزارة الصحة وأذرعها الإدارية، والخدمات الطبية الملكية، والقطاع الخاص، وصناديق التأمين الصحي المختلفة، خلقت نظامًا معقدًا وغير متكافئ، بحيث أصبح المواطن يجد نفسه في متاهة إدارية بين المظلات الصحية المختلفة، بينما تبقى فئات واسعة من أبناء الوطن غير مشمولة بتأمين صحي شامل.
وفي ظل هذه التحديات، أصبح إنشاء مجلس وطني طبي مسؤول عن إدارة ورسم سياسات القطاع الصحي، وتنظيم عملية الدمج بين مؤسساته المختلفة، ووضع استراتيجية موحدة للتأمين الصحي الشامل، أمرًا ملحًا وليس مجرد خيار إصلاحي.
وإن أول خطوة يجب النظر إليها هي تشخيص الأزمة، ويمكننا تشخيصها من خلال طرح سؤال: لماذا نحتاج إلى دمج القطاع الصحي؟
أولًا: تعدد الجهات الصحية: لدينا وزارة الصحة، والخدمات الطبية الملكية، ومستشفيات الجامعات، والقطاع الخاص، ولكل منها أنظمة مختلفة، مما يسبب تداخلًا إداريًا وهدرًا في الموارد.
ثانيًا: عدم تكافؤ الخدمات وتفاوت جودة الخدمة الصحية المقدمة: حيث يتلقى بعض المواطنين خدمات رفيعة المستوى في مستشفيات متقدمة، بينما يعاني آخرون من نقص التجهيزات والكوادر الطبية.
ثالثًا: ضعف التنسيق بين المؤسسات: تشكل التحويلات الطبية بين المستشفيات تحديا كبيرًا أمام المواطن، فهي بطيئة وتعتمد على الإجراءات البيروقراطية، مما يؤثر على سرعة الاستجابة للحالات الطارئة.
رابعًا: نظام التأمين الصحي غير شامل: رغم الجهود المبذولة، لا يزال هناك مواطنون غير مشمولين بأي نوع من التأمين الصحي، مما يجعلهم عرضة للمخاطر الصحية والمالية.
وهنا أطرح تساؤلًا آخر: ما الحل للخروج من هذه الأزمة وتنفيذ الرؤية الملكية السامية؟
وللإجابة عن هذا السؤال وحل هذه الإشكاليات، أقترح إنشاء مجلس وطني طبي يكون بمثابة الجهة المرجعية العليا للقطاع الصحي، بحيث يتولى المهام التالية:
أولًا: وضع استراتيجية موحدة لدمج المؤسسات الصحية المختلفة تحت مظلة تنظيمية واحدة، مع الحفاظ على خصوصية بعض المؤسسات مثل: الخدمات الطبية الملكية التي تظل تحت إدارة القوات المسلحة مع تنسيق فعال مع النظام الصحي العام.
ثانيًا: إدارة وتنظيم التأمين الصحي الشامل، بحيث يصبح لكل مواطن أردني حق تلقائي في التأمين الصحي دون الحاجة إلى اشتراكات معقدة أو إجراءات استثنائية، وحق آخر في تلقي الخدمة الصحية في أي مستشفى داخل حدود المملكة.
ثالثًا: توحيد البروتوكولات الصحية والإجراءات العلاجية في جميع المستشفيات، مما يسهم في تحسين جودة الخدمات الطبية وتخفيف الضغط على المراكز المتخصصة.
رابعًا: إعادة توزيع الموارد والكوادر الطبية وفقًا لاحتياجات كل محافظة، لتقليل الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، وتعزيز المراكز الصحية الأولية والشاملة لتخفيف الأعباء عن المستشفيات،
خامسًا: تعزيز الثقافة الصحية الرقمية من خلال توفير منصة رقمية لتقديم الاستشارات الطبية، مما يسهم أيضا في تخفيف أعداد المراجعين داخل المستشفيات.
خامسًا: تفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص، لضمان مشاركة المستشفيات الخاصة في تقديم الخدمات للمؤمن عليهم بأسعار معقولة.
ويبقى السؤال الهاجسي الذي تطرحه الحكومة دائما: هل يشكل التأمين الصحي الشامل عبئًا على الموازنة؟
فعليًا قد يرى البعض أن تطبيق التأمين الصحي الشامل يشكل عبئًا ماليًا إضافيًا على الدولة، ولكن في الحقيقة، إن تحسين إدارة الموارد وتقليل الإنفاق غير الضروري سيساعد في تمويل هذا النظام دون تحميل الموازنة تكاليف إضافية ضخمة.
ويمكن تطبيق ذلك من خلال:
1- دمج جميع صناديق التأمين الصحي في صندوق واحد تحت إشراف المجلس الوطني الطبي، مما يقلل من الهدر المالي.
2- إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات الطبية ضمن إطار التأمين الموحد، مما يخفف الضغط على المستشفيات الحكومية ومستشفيات الخدمات الطبية الملكية.
3- تفعيل نظام التحويلات الإلكترونية بين المستشفيات، مما يقلل الفوضى الإدارية ويضمن سرعة الاستجابة للحالات الطارئة.
4- فرض مساهمات رمزية على الفئات القادرة، مع استمرار مجانية العلاج لذوي الدخل المحدود، مما يحقق العدالة الاجتماعية دون إرهاق الموازنة.
ففي هذا العالم الذي يزداد تعقيدًا، لا يمكن ترك النظام الصحي رهين الفوضى الإدارية والتجزئة المؤسسية، وبعد أن كان النظام الصحي في الأردن نموذجًا يُحتذى به على مستوى المنطقة، أصبح اليوم يعاني من تراجع ملحوظ مقابل التطور الذي تشهده الأنظمة الصحية في الدول المجاورة، لذا إن إنشاء مجلس وطني طبي سيكون نقطة تحول في تاريخ القطاع الصحي الأردني، حيث يوفر إطارًا إداريًا وتنظيميًا فعالًا، ويدمج الجهود الصحية تحت مظلة واحدة، ويضمن وصول التأمين الصحي الشامل لكل مواطن، شريطة وجود استراتيجية محكمة وتشريع نافذ يسمح بتطبيق هذه الرؤية.
هذا المشروع ليس مجرد إصلاح صحي، بل خطوة استراتيجية نحو تعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان الأمن الصحي، وتحقيق التنمية المستدامة في الأردن.
رئيس لجنة الصحة والغذاء النيابية
في ظل التوجيهات الملكية السامية، نحو توفير مظلة تأمين صحي شامل لكافة المواطنين، تواجه الحكومة الأردنية تحديا كبيرا في بلورة هذه الرؤى، إلا أن التفكير خارج الصندوق قد يجعل الأمر أكثر سهولة، وأقرب إلى التنفيذ وجعله واقعا ملموسا، فكما نعلم أن القطاع الصحي في الأردن يمثل حجر الزاوية في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، لكن تجزئة مؤسساته بين وزارة الصحة وأذرعها الإدارية، والخدمات الطبية الملكية، والقطاع الخاص، وصناديق التأمين الصحي المختلفة، خلقت نظامًا معقدًا وغير متكافئ، بحيث أصبح المواطن يجد نفسه في متاهة إدارية بين المظلات الصحية المختلفة، بينما تبقى فئات واسعة من أبناء الوطن غير مشمولة بتأمين صحي شامل.
وفي ظل هذه التحديات، أصبح إنشاء مجلس وطني طبي مسؤول عن إدارة ورسم سياسات القطاع الصحي، وتنظيم عملية الدمج بين مؤسساته المختلفة، ووضع استراتيجية موحدة للتأمين الصحي الشامل، أمرًا ملحًا وليس مجرد خيار إصلاحي.
وإن أول خطوة يجب النظر إليها هي تشخيص الأزمة، ويمكننا تشخيصها من خلال طرح سؤال: لماذا نحتاج إلى دمج القطاع الصحي؟
أولًا: تعدد الجهات الصحية: لدينا وزارة الصحة، والخدمات الطبية الملكية، ومستشفيات الجامعات، والقطاع الخاص، ولكل منها أنظمة مختلفة، مما يسبب تداخلًا إداريًا وهدرًا في الموارد.
ثانيًا: عدم تكافؤ الخدمات وتفاوت جودة الخدمة الصحية المقدمة: حيث يتلقى بعض المواطنين خدمات رفيعة المستوى في مستشفيات متقدمة، بينما يعاني آخرون من نقص التجهيزات والكوادر الطبية.
ثالثًا: ضعف التنسيق بين المؤسسات: تشكل التحويلات الطبية بين المستشفيات تحديا كبيرًا أمام المواطن، فهي بطيئة وتعتمد على الإجراءات البيروقراطية، مما يؤثر على سرعة الاستجابة للحالات الطارئة.
رابعًا: نظام التأمين الصحي غير شامل: رغم الجهود المبذولة، لا يزال هناك مواطنون غير مشمولين بأي نوع من التأمين الصحي، مما يجعلهم عرضة للمخاطر الصحية والمالية.
وهنا أطرح تساؤلًا آخر: ما الحل للخروج من هذه الأزمة وتنفيذ الرؤية الملكية السامية؟
وللإجابة عن هذا السؤال وحل هذه الإشكاليات، أقترح إنشاء مجلس وطني طبي يكون بمثابة الجهة المرجعية العليا للقطاع الصحي، بحيث يتولى المهام التالية:
أولًا: وضع استراتيجية موحدة لدمج المؤسسات الصحية المختلفة تحت مظلة تنظيمية واحدة، مع الحفاظ على خصوصية بعض المؤسسات مثل: الخدمات الطبية الملكية التي تظل تحت إدارة القوات المسلحة مع تنسيق فعال مع النظام الصحي العام.
ثانيًا: إدارة وتنظيم التأمين الصحي الشامل، بحيث يصبح لكل مواطن أردني حق تلقائي في التأمين الصحي دون الحاجة إلى اشتراكات معقدة أو إجراءات استثنائية، وحق آخر في تلقي الخدمة الصحية في أي مستشفى داخل حدود المملكة.
ثالثًا: توحيد البروتوكولات الصحية والإجراءات العلاجية في جميع المستشفيات، مما يسهم في تحسين جودة الخدمات الطبية وتخفيف الضغط على المراكز المتخصصة.
رابعًا: إعادة توزيع الموارد والكوادر الطبية وفقًا لاحتياجات كل محافظة، لتقليل الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، وتعزيز المراكز الصحية الأولية والشاملة لتخفيف الأعباء عن المستشفيات،
خامسًا: تعزيز الثقافة الصحية الرقمية من خلال توفير منصة رقمية لتقديم الاستشارات الطبية، مما يسهم أيضا في تخفيف أعداد المراجعين داخل المستشفيات.
خامسًا: تفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص، لضمان مشاركة المستشفيات الخاصة في تقديم الخدمات للمؤمن عليهم بأسعار معقولة.
ويبقى السؤال الهاجسي الذي تطرحه الحكومة دائما: هل يشكل التأمين الصحي الشامل عبئًا على الموازنة؟
فعليًا قد يرى البعض أن تطبيق التأمين الصحي الشامل يشكل عبئًا ماليًا إضافيًا على الدولة، ولكن في الحقيقة، إن تحسين إدارة الموارد وتقليل الإنفاق غير الضروري سيساعد في تمويل هذا النظام دون تحميل الموازنة تكاليف إضافية ضخمة.
ويمكن تطبيق ذلك من خلال:
1- دمج جميع صناديق التأمين الصحي في صندوق واحد تحت إشراف المجلس الوطني الطبي، مما يقلل من الهدر المالي.
2- إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات الطبية ضمن إطار التأمين الموحد، مما يخفف الضغط على المستشفيات الحكومية ومستشفيات الخدمات الطبية الملكية.
3- تفعيل نظام التحويلات الإلكترونية بين المستشفيات، مما يقلل الفوضى الإدارية ويضمن سرعة الاستجابة للحالات الطارئة.
4- فرض مساهمات رمزية على الفئات القادرة، مع استمرار مجانية العلاج لذوي الدخل المحدود، مما يحقق العدالة الاجتماعية دون إرهاق الموازنة.
ففي هذا العالم الذي يزداد تعقيدًا، لا يمكن ترك النظام الصحي رهين الفوضى الإدارية والتجزئة المؤسسية، وبعد أن كان النظام الصحي في الأردن نموذجًا يُحتذى به على مستوى المنطقة، أصبح اليوم يعاني من تراجع ملحوظ مقابل التطور الذي تشهده الأنظمة الصحية في الدول المجاورة، لذا إن إنشاء مجلس وطني طبي سيكون نقطة تحول في تاريخ القطاع الصحي الأردني، حيث يوفر إطارًا إداريًا وتنظيميًا فعالًا، ويدمج الجهود الصحية تحت مظلة واحدة، ويضمن وصول التأمين الصحي الشامل لكل مواطن، شريطة وجود استراتيجية محكمة وتشريع نافذ يسمح بتطبيق هذه الرؤية.
هذا المشروع ليس مجرد إصلاح صحي، بل خطوة استراتيجية نحو تعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان الأمن الصحي، وتحقيق التنمية المستدامة في الأردن.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات