الاحد, 30 مارس, 2025 إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

بين الإبداع والملل .. هل أفسد جوارديولا متعة كرة القدم؟


عمان جو - يعتقد بعض الشخصيات البارزة في كرة القدم أن المدرب الإسباني بيب جوارديولا، تسبب دون قصد في إلحاق ضرر أكبر باللعبة بدلاً من تحسينها.

لا يحمل المدرب السابق لروما، فابيو كابيلو، ذكريات جيدة عن بيب جوارديولا خلال فترتهما القصيرة معًا في تريجوريا. حيث قال في مقابلة مع صحيفة "إل موندو": "جاء ليخبرني كيف يجب أن أقوم بعملي، فأجبته: (اذهب للركض، ثم يمكنك التحدث).. وانتهى النقاش عند هذا الحد".

لكن الحقيقة أن النقاش لم ينتهِ فعليًا، فالصدام بين كابيلو وجوارديولا حول فلسفة الأخير الكروية لا يزال قائمًا حتى اليوم.

وأضاف كابيلو: "تعرف ما الذي لا يعجبني في جوارديولا؟ غروره.. دوري الأبطال الذي فاز به مع مانشستر سيتي في 2023 هو الوحيد الذي لم يحاول فيه القيام بأي حيل في المباريات الحاسمة".

وأردف: "لكن في كل السنوات الأخرى، سواء في مانشستر أو ميونخ، كان يسعى دائمًا ليكون البطل الرئيسي في الأيام الحاسمة. كان يغير ويخترع خططًا ليقول: (ليس اللاعبون هم من يفوزون، بل أنا)".

وواصل: "هذا الغرور كلّفه عدة بطولات دوري أبطال أوروبا. أنا أحترمه، لكن بالنسبة لي، هذا واضح.. علاوة على ذلك، حتى لو لم يكن ذلك خطأه الآن، فقد تسبب في الكثير من الضرر لكرة القدم".

من الواضح أن هناك جانبًا شخصيًا في هذا الانتقاد، لكن كابيلو ليس الوحيد الذي يتحدى الاعتقاد السائد بأن جوارديولا كان مفيدًا للعبة فقط.



برشلونة الاستثنائي

رغم أن نجاحات جوارديولا مع مانشستر سيتي كانت دائمًا محل جدل بسبب العوامل المالية، إلا أن فريقه في برشلونة يُعتبر على نطاق واسع واحدًا من أعظم الفرق في التاريخ، إن لم يكن الأعظم. وكما أشار تشافي، لم يكن ذلك فقط لأنهم "فازوا بكل شيء، ولكن بسبب الطريقة التي فعلوا بها ذلك".

كان جوارديولا محظوظًا بتولي فريق يضم كارليس بويول، وتشافي، وأندريس إنييستا، وبالطبع ليونيل ميسي، الذين كانوا قد فازوا بدوري الأبطال قبل عامين.

لكن لا يمكن التقليل من دوره في حقبة النجاح غير المسبوقة لبرشلونة. فقد وضع أسلوب لعب أخرج أفضل ما في هؤلاء النجوم، حيث لم يكن الفريق يحتفظ بالكرة بشكل رائع فحسب، بل كان يعمل بجد لاستعادتها أيضًا. وكان هذا المزيج من الاستحواذ والضغط هو ما جعلهم فريقًا شبه مثالي.

الهزيمة (5-0) التي ألحقوها بريال مدريد في كامب نو عام 2010 كانت تحفة رياضية، وواحدة من أجمل عروض "كرة القدم الشاملة" على الإطلاق. لكن ربما كان هذا أيضًا بداية "المشكلة" مع بيب، حيث سعى كل مدرب تقريبًا في العالم لتقليد "التيكي تاكا".

"جوارديولا قتل اللعبة"

شهد باتريس إيفرا شخصيًا تألق برشلونة مرتين عندما لعب مع مانشستر يونايتد في نهائيي دوري الأبطال عامي 2009 و2011، حيث عانى فريقه من هزائم مؤلمة أمام فريق جوارديولا.

كما أنه اضطر لاحقًا لرؤية ناديه السابق يُهيمن عليه مانشستر سيتي تحت قيادة جوارديولا، مما جعله مدركًا أن انتقاداته قد تُفسر على أنها انحياز.

لكن إيفرا يصر على أن جوارديولا، رغم كونه "أحد أعظم المدربين"، قد "قتل اللعبة" بأسلوبه الهجومي التلقائي والمتكرر.

وأوضح الفائز بدوري الأبطال في حديثه لبرنامج "ريو فرديناند بريزنتس": "عندما أقول ذلك، أعني أننا الآن نملك روبوتات. الجميع يريد اللعب مثل جوارديولا. الحارس يجب أن يكون صانع ألعاب!".

وزاد: "الجميع يريد لعب كرة جميلة، لكن التيكي تاكا هذه لا يمكن لأحد تنفيذها سوى جوارديولا. لماذا يقلده الجميع؟ لم يعد هناك إبداع، لم يعد لدينا عباقرة في الملعب".

وواصل: "لن ترى لاعبًا مثل رونالدينيو مرة أخرى، لأنه عندما يكون شابًا، سيقول له المدرب: (إذا لم تمرر الكرة، سأضعك على الدكة). لكن كرة القدم كلها تأتي من الشارع".



هل لا يحب جوارديولا اللاعبين المهاريين؟

إشارة إيفرا إلى رونالدينيو تبدو متعمدة، رغم أنه يجب الاعتراف بأن الأسطورة القائلة بأن جوارديولا طرد البرازيلي فور وصوله إلى برشلونة في 2008 قد تم دحضها من الطرفين.

ورغم ذلك، من الصعب تخيل أن لاعبًا غير متوقع مثل رونالدينيو كان سينجح في الهيكل الصارم الذي وضعه جوارديولا في كامب نو.

كما أن زلاتان إبراهيموفيتش، وهو شخصية فريدة أخرى في كرة القدم الحديثة، شعر بأنه مقيد داخل منظومة برشلونة، على عكس لاعبي لا ماسيا مثل ميسي الذين كانوا معتادين على هذا النظام. ولا يزال جوارديولا يُواجه انتقادات بأنه لا يحب التعامل مع اللاعبين الأحرار والمبدعين.

جاك جريليش: من موهبة واعدة إلى لاعب غير مبالٍ؟

غالبًا ما يُستشهد بجاك جريليش كمثال بارز في هذا السياق. الجناح الهادئ لعب دورًا صغيرًا في تحقيق مانشستر سيتي للثلاثية، لكنه بلا شك خيب الآمال في ملعب الاتحاد ولم يعد يُشبه الموهبة المثيرة التي كان عليها في أستون فيلا.

من الواضح أن عدم احترافية جريليش قد ساهمت في تراجعه، لكن بيب جوارديولا نال نصيبه من اللوم أيضًا، حيث اتُهم بأنه قضى على كل لمسة إبداعية في اللاعب من أجل مصلحة الفريق.

"نرى سحرًا أقل وخيالًا أقل"

ومع ذلك، يبدو من الظلم إلقاء اللوم بالكامل على جوارديولا فيما يتعلق باختفاء صانع الألعاب التقليدي.

لقد ازدهر لاعبون وسط هجومي رائعون مثل كيفن دي بروين وبرناردو سيلفا تحت قيادة المدرب الإسباني، رغم أنهم مُطالبون ببذل مجهود بدني أكبر مقارنة بلاعبي الرقم 10 في الماضي. لكن هذا ليس بسبب جوارديولا فحسب، بل هو نتاج للتطور العام في كرة القدم خلال الـ15 عامًا الماضية.

وكما قال تياجو ألكانتارا، لاعب خط الوسط المميز والمفضل لدى جوارديولا، لصحيفة "الجارديان": "إيقاع اللعبة أصبح أسرع وأكثر تسارعًا وأكثر جسدية. لقد اختفى دور الرقم 10 تقريبًا. اللاعبون الآن يفعلون أكثر ولكن بسرعة أكبر، لذا نرى سحرًا أقل وخيالًا أقل".

وأضاف: "لقد فقدنا ذلك اللاعب المختلف، ذلك الذي يتنفس داخل الملعب. صانع الألعاب الذي كان أبطأ لم يعد يحصل على فرصة للدوران حتى لو كان يمتلك تقنية مذهلة".

أصبحت القوة البدنية والقدرات الرياضية من أهم العوامل في تقييم اللاعبين الشباب، ولا يمكن إلقاء اللوم على جوارديولا في هذا التحول، خاصة وأن فريقه في برشلونة لم يكن فريقًا يعتمد على القوة الجسدية.

بل على العكس، أثبت ميسي ورفاقه أنه من الممكن ليس فقط هزيمة الفرق الأكبر والأقوى، بل التفوق عليها تمامًا من خلال تحركات مدروسة بعناية. وقد كانت هذه نقطة تحول كبيرة في كرة القدم، خاصة بعد أسلوب اللعب الدفاعي الممل الذي قدمه جوزيه مورينيو ورافا بينيتيز قبل أن ينفجر جوارديولا على الساحة.



"الجميع حاولوا تقليده لمدة 10 سنوات"

لكن فابيو كابيلو يعتقد أن إنجازات برشلونة الاستثنائية أدت إلى ظهور العديد من المدربين الذين حاولوا استنساخ أسلوب جوارديولا، لا سيما في بلدان مثل إيطاليا التي كانت تمتلك هوية كروية مختلفة تمامًا عن إسبانيا.

وقال مدرب ميلان السابق لصحيفة "إل موندو": "الجميع أمضوا 10 سنوات في محاولة تقليده. لقد دمر ذلك كرة القدم الإيطالية، التي فقدت طبيعتها. قلت: (توقفوا، أنتم لا تمتلكون لاعبي جوارديولا!)".

وأضاف: "كانت هناك فكرة سخيفة بأن اللعب الجيد هو كل ما يهم - وكان ذلك كارثة وأيضًا مصدرًا للملل جعل الكثيرين يبتعدون عن كرة القدم. لماذا ستشاهد 90 دقيقة من التمريرات الأفقية دون قتال أو جري؟ يمكنك فقط مشاهدة ملخص الأهداف بدلاً من ذلك!".

على النقيض تمامًا، فإن خورخي فالدانو من أشد المعجبين بجوارديولا، لكنه يعترف بأننا نعيش في فترة مقلقة من "التوحيد" الكروي الذي يرتبط بشكل مباشر بتيكي تاكا.

وقال الفائز بكأس العالم: "الأكاديميات تحسن اللاعبين العاديين لكنها تُعيق المواهب الفريدة. الجميع يتدرب بنفس الطريقة الآن. هناك استخدام مفرط للعب بلمسة أو لمستين، مما يقضي على المراوغات واللحظات غير المتوقعة التي جعلت كرة القدم مثيرة".

بالطبع، عندما يتعلق الأمر بجماليات أسلوب اللعب، فإن الجمال يظل في عين الناظر.

هناك العديد من مشجعي كرة القدم الذين يتفقون مع المقولة الشهيرة لأنيبالي فروسي بأن "0-0 هو النتيجة المثالية"، ويفضلون مشاهدة تحفة دفاعية من مورينيو في كامب نو بدلاً من مشاهدة فريق جوارديولا يدور بلاعبي مانشستر يونايتد مثل "دوامة" تجعلهم يشعرون بالدوار.



"المدافعون لا يعرفون كيف يراقبون خصومهم"

لكن لا يمكن إنكار أن التحولات التكتيكية تشكل اللعبة وتؤثر على اللاعبين، وهذا ما دفع المدافع الأسطوري جورجيو كيليني لقول إن "جوارديوليزمو" أفسدت العديد من المدافعين الإيطاليين.

وقال أسطورة يوفنتوس: "الآن يعرفون كيف ينظمون اللعب وينقلون الكرة، لكنهم لا يعرفون كيف يراقبون خصومهم. عندما كنت صغيرًا، كنا نقوم بتدريبات لتطوير إحساسنا بالخصم الذي نراقبه. أما الآن، فعند الكرات العرضية، المدافعون الإيطاليون - ويمكنني التحدث فقط عن المدافعين الإيطاليين - لا يراقبون خصومهم".

وتابع: "هذا أمر مؤسف للغاية لأننا نفقد جزءًا من حمضنا النووي، تلك السمات التي جعلتنا نتميز عالميًا. لكننا لن نكون قادرين أبدًا على لعب التيكي تاكا مثل إسبانيا لأنها ليست جزءًا من فلسفتنا".

ولكن الحقيقة أن جوارديولا لم يجبر أحدًا على اتباع أسلوبه.

عندما بدأ مسيرته، كان هدفه الوحيد هو الفوز بالمباريات في كامب نو، وليس التأثير على المدربين في بلدان أخرى. ولا ننسى أن جوارديولا نفسه هو تلميذ لفلسفة يوهان كرويف الهولندية، كما تعلم الكثير أيضًا من الأرجنتيني مارسيلو بيلسا وغيرهم.

"كرة القدم تتغير دائمًا"

لا شك أن هناك مخاوف مشروعة بشأن الاتجاه الذي تسير فيه كرة القدم، لا سيما فيما يتعلق بتراجع أهمية الإبداع الفردي، ولا شك أيضًا أن جوارديولا كان أحد العوامل الرئيسية في هذا التطور.

ولكن هذا هو جوهر اللعبة: كرة القدم تتغير باستمرار، وكل أسلوب يولد رد فعل مضادًا، مثل أسلوب يورجن كلوب القائم على "كرة القدم السريعة والمباشرة".

وفي الواقع، رأينا خلال العام الماضي دلائل كثيرة على أن حتى جوارديولا قد يضطر إلى التكيف للتعامل مع الفرق التي أصبحت أكثر جرأة ومباشرة.

لذا، فإن حقيقة أن العديد من المدربين الشباب في إيطاليا وحول العالم درسوا أساليبه ليست "خطأه"، كما قال كابيلو، بل هي أعظم إنجازاته. فالتقليد هو أصدق أشكال الإعجاب، وقليل من المدربين في التاريخ تم تقليدهم بقدر ما تم تقليد جوارديولا.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :