الثلاثاء, 01 أبريل, 2025 إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

مفهوم تمكين المرأة الجديد


عمان جو- نور الدويري

عملت في تمكين المرأة المتخصص بأحد الوزارات كضابطة إرتباط اعلامية متخصصة بشؤون المرأة ثم كموظفة مرتبطة رسميا بقسم تمكين المرأة الإقتصادي لأتمكن من العمل في البحث والمسائلة والرقابة واخيرا التنفيذ التي مكنت قدرتي على تأطير تجربة قبلية وأوسع تجربة بعدية فيما بعد ساهمت بأن أكون مطلعة على كل ما تعلق بتمكين المرأة وما يطلق عليه النوع الإجتماعي ومن كل وجهات النظر في المنظمات الدولية والمحلية والمؤسسات الرسمية لأتمكن من ترتيب كل هذه التجربة في ملف تمكين المرأة والشباب داخل الأحزاب والعمل السياسي أيضا لتساهم هذه الخبرة المكثفة التي لازلت اعيشها اليوم ان اضع نقاطا جديدة من وجهة نظري قد تتفقوا معي أو تختلفوا عليها للحديث عن ماهية تمكين المرأة وشكل النوع الإجتماعي في الأردن وربما في الشرق الأوسط.

أولا : جدلية مفاهيم تمكين المرأة و النوع الإجتماعي

تبنت المؤسسات الرسمية مفهوما دقيقا لتمكين المرأة والنوع الإجتماعي لفظ كل ما تعلق بالجندرية بمفهومه الفضفاض وركزت على ثنائية الذكر والأنثى فقط وإحقاق المساواة بينهما، وتعزيز دور المرأة القيادي وتركزت عمل المؤسسات الرسمية ضمن سياسات دمج المرأة في العمل وانشأت فيما بعد اللجنة الوزارية لتمكين المرأة التي حاولت تأطير كل الجهود الرسمية ضمن إستراتيجية متخصصة للمرأة تركزت على رفع نسبة المرأة في المؤسسات الرسمية وخططا لتطوير المهارات للمرأة.

من جانب اخر عرفت المنظمات الدولية تمكين المرأة والنوع الإجتماعي بشكل أكثر فضفاض ذهب للحديث في العديد من الجلسات عن حقوق الجندرية بمفهوم يصل للجنس الثالث رغم تحفظهم على هذه المصطلحات إذا كانت إجتماعيات رسمية نتيجة رفض الدولة تبني المفهوم الواسع للنوع الإجتماعي وتخصيص المطلوب من تمكين المرأة، ولحقت العديد من المنظمات المحلية أحد الطرفين بما يتوافق مع الرؤية الفردية لهذه المنظمات اولا ومع مصالحها ثانيا.

ليصبح هنالك جدل في مفهوم تمكين المرأة وماهية النوع الإجتماعي في الأردن.

ثانيا : مفهوم تمكين المرأة الجديد

من خلال عملي العام في تمكين المرأة وتدريبها على العديد من المهارات القيادية والسياسية لاحظت عدة نقاط على هذه المفهوم ومنها :

* تركيز المفهوم على المساواة بشكل أساسي وإلغاء كل ما يميز بين الجنسين وضعف التركيز على العدالة والتكامل وماهية الحقوق والواجبات.

* عدم توحيد جهود المؤسسات الرسمية فيما بينها لاختلاف قناعات المسؤولين الفردية أولا ثم لعدم مأسسة العمل في تمكين المرأة فحتى اللجنة الوزارية تعمل بشكل منفرد نوعا ما وتأطر المشورة والعمل مع المؤسسات الرسمية مما ساهم بالتركيز في تنفيذ إستراتيجية اللجنة الوزارية على أسس محددة، من جانب اخر ركزت إستراتيجية لجنة شؤون المرأة والمنظمات المحلية والدولية على البحث عن تفعيل المرأة في القطاعات الحيوية كدور بحثي أو نظري يقارن بتجارب تختلف نظامها الإجتماعي عن الأردن مما قد يدخل حيز نقاش بين موافق وغير موافق أو ممكن أو غير ممكن.

* القلق المجتمعي من مفهوم تمكين المرأة و النوع الإجتماعي في توسع ونهوض وجودية المرأة ليس في القطاعات إنما بدورها الأسري والإجتماعي لاسيما بعد مناداة العديد من النسويات التدخل بالشؤون العشائرية أو الدينية المتعلقة بحماية أو صورة المرأة في المجتمع الأردني مما خلق هالة تشكيك حول ماهية هذا المفهوم وصلت لاتهامية مجتمعية في فترات متعددة على العديد من المجالس المحلية الرسمية وصلت لجدل واسع منها الجدل حول دور مراكز حماية الأسرة!.

* قلة خبرة موظفين وموظفات المؤسسات الرسمية إذ ان معظمهم يعملون بدافع الوظيفة وليس بدافع الإيمان بالقضية وتصيبهم نوبات هلع بماهية تمكين المرأة لنفس سبب القلق المجتمعي، لذلك تقع بينهم أنفسهم خلط كبير في المفاهيم ورفض مباشر وغير مباشر لمفهوم تمكين المرأة وهذه الخبرة انعكست على ضعف العديد من الأبحاث او السياسات.

* تشتيت مفهوم تمكين المرأة في المنظمات المحلية إذ تذهب بعضها لتحرير المرأة المطلق واخرى تحاول تأطيرها بشكل محدد مما ساهم في تشتيت الجهود في تمكين المرأة الحقيقي في المجتمع.

* ضعف دور الإعلام في مفهوم تمكين المرأة وانشقاق الإعلام نفسه بين المفهوم الفضفاض والمفهوم المحدد الذي ساهم في خلق صورة مشوشة أكثر عن تمكين المرأة.

ثانيا : إعادة مفهوم تمكين المرأة

نستنتج مما سبق أن هنالك عدم وضوح في مفهوم تمكين المرأة إذ صار لزاما مراجعة كل الإستراتيجيات والسياسات الرسمية والخاصة لتأطير المفهوم ولا يعني امتلاك الأردن مفهوما خاصة للمرأة خروجها عن السياق الدولي طالما انه يحافظ على تعزيز دور المرأة في الشأن العام والقيادي وفي كافة القطاعات.
ويمكن تحديد مفهوم تمكين المرأة الجديد بما يلي :

تعزيز الدور التكافلي العادل في المجتمع من خلال توزين الحقوق والواجبات العامة والخاصة بين الجنسين وتعزيز الدور القيادي للمرأة في كافة القطاعات لاسيما السياسي ضمن إعادة تأطير نهج العقل الجمعي الذي يركز على تغير أولويات الحياة الإقتصادية والإجتماعية المشروعة وفقا لمتطلبات العصر والتي لا تتضارب مع الصورة الأصيلة للمرأة المحافظة ولا تلغي الدور الأسري بل تعزز مسؤولية الجنسين في بناء الأسرة وتساهم برفع مهارات المرأة وتولى أدوارها القيادية أسوة بالرجل في كافة القطاعات بما يناسب متطلبات الحداثة .

ثالثا : هل تحتاج المرأة الأردنية إلى تمكين؟

ان الجدلية العامة حول صورة المرأة في المجتمع شوهت هذا المفهوم وخلقت صراعا بين الفكر العشائري والديني والفكر المدني والنسوي فلم تحقق المرأة رغم الجهود الحثيثة منذ مطلع إنشاء جمعية الإتحاد النسائي في منتصف الأربعينيات وحتى عصر التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي لتكون الإجابة نعم لكن بشكل أكثر دقه ووضوحا حيث أن نسبة المرأة المتعلمة في الأردن تجاوز ال 92% وان أكثر من 85% ممن سبق لهن الزواج لمن يعملن بالمطلق أو تركن وظائفهن بقصد الاهتمام بالأسرة لاسيما ان هنالك ضعف حاد في نسب المشاركة الإقتصادية للمرأة لا يتجاوز ال 16% لعدة أسباب مثل مشاكل النقل ونوعية العمل وساعات العمل وفجوة الاجور وهي ترتفع في المحافظات الأطراف بمعنى ان جدلية ارتفاع نسب الطلاق بسبب عمل المرأة غير حقيقي وان نسبة إرتفاع العنوسة الحقيقي لا يتعلق بمتطلبات المهور وخلافه بقدر ما يتعلق بوظيفة المرأة التي صار يحتاجها الرجل نظرا لإرتفاع كلف المعيشة وتغيرات متطلبات الحياة، من جانب اخر قدمت التشريعات الأردنية تمهيدا ممتازا لتمكين المرأة وان كان هنالك بعض من الفواصل الجدلية في تشريعات المرأة لاسيما في دورها الشرعي في الأسرة.

رابعا : ما هو المطلوب من المرأة والرجل في الأردن اليوم؟

ان توضيح مفهوم تمكين المرأة وتعزيز أهمية الحقوق والواجبات في كافة أنواع العلاقات القائمة بين الرجل والمرأة هي التي ستكفل أولا حماية الدور المجتمعي والاسري في الأردن وان الإستمرار في رفض أو عدم تأطير المفهوم بشكل صحي يناسب العقد الإجتماعي في الأردن سيستمر في خلق فجوات فكرية كبيرة ستظل تأجج ماهية العلاقة بين الجنسين ودور المرأة القيادي المطلوب منها في المجتمع.
ثانيا تطوير المفهوم القيادي للمرأة إذ ان الأردنية اليوم أولت مناصب قيادية وتنفيذية في كافة القطاعات لتصنع صور ملهمة عديدة للمرأة الأردنية لكن كل هذه الصور لازالت تختزل بنيوية مجتمعية محددة وقليلة في العديد من القطاعات لذا صار لزاما توضيح المهارات القيادية للمرأة ولاسيما التركيز على تدريب و/أو توعية الشابات والشباب في كافة محافظات المملكة وضمن برنامج شامل مؤطر مركز على مهارات تعتمد على بناء المسؤولية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية بمعنى مراجعة كافة البرامج التدريبية والتوعوية بالخصوص.

ختاما ان تأطير مفهوم تمكين المرأة الجديد المتوافق مع العقد الإجتماعي للفكر الجمعي في الأردن مع دفع الفكر الجمعي نفسه نحو حقيقة المتغيرات والاولويات ستضمن العدالة التكافل الإجتماعي المطلوب في المجتمع الأردني والتي ستحقق ما يطلق عليه تمكين المرأة الجديد أو مشاركة المرأة وتمتين دورها في المجتمع كحاجة وليس ترفا لإحقاق توازن مجتمعي بين الرجل والمرأة نتيجة متطلبات الحياة والمجتمع .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :