الثلاثاء, 01 أبريل, 2025 إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

محلل بريطاني: يتعين على أوروبا صياغة دور جديد في الاقتصاد العالمي


عمان جو - في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، تواجه أوروبا تحديات جديدة تتطلب إعادة صياغة دورها على الساحة الدولية. ومن خلال تعزيز تعاونها الاقتصادي، وتطوير سياساتها المالية والتجارية، تسعى القارة إلى ترسيخ مكانتها كفاعل رئيسي في النظام الاقتصادي العالمي.

وقال المحلل البريطاني كريون بتلر، مدير برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي في المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قام بإعادة تشكيل دور الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي بشكل جذري. وأظهر استعداده لفرض رسوم جمركية كبيرة على معظم التجارة الأمريكية دون التقيد بأي قواعد دولية، وبالاعتماد على أسس قانونية محلية مشكوك فيها. كما وضع التحالفات الأمنية الأساسية للولايات المتحدة موضع شك، وهدد السلامة الإقليمية لحلفاء مقربين، بينما سحب الولايات المتحدة من الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي والأمراض والفقر.

وأضاف بتلر أنه بدلا من أن تكون الولايات المتحدة قوة لتحقيق الاستقرار الدولي وحل المشكلات، أصبحت الآن مصدرا رئيسيا لعدم اليقين الاقتصادي العالمي، إذ يبدو أن السياسة الأمريكية مدفوعة بمصالح وطنية ضيقة ونهج قائم على المعاملات، دون اعتبار للقيم والمبادئ والقواعد والتحالفات طويلة الأمد.

بدلا من أن تكون الولايات المتحدة قوة لتحقيق الاستقرار الدولي وحل المشكلات، أصبحت الآن مصدرا رئيسيا لعدم اليقين الاقتصادي العالمي

وحتى الآن، لا يبدو أن ترامب توقف عن نهجه في ظل التأثير السلبي لهذه السياسات على التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة، حيث قام مجلس الاحتياط الاتحادي الأمريكي بمراجعة توقعات النمو لعام 2025 وخفضها بمقدار 4ر0 نقطة مئوية إلى 7ر1%، في حين انخفض مؤشر “ستاندارد آند بورز 500” بنسبة 7% عن ذروته في فبراير/شباط الماضي.

ويقول بتلر إن الولايات المتحدة قامت في بعض الأوقات بتغيير القواعد الاقتصادية الدولية أو تجاهلها عندما كان ذلك ملائما لها في فترات سابقة. لكن طبيعة ومدى التغيير الحالي يتجاوزان أي شيء شهدناه منذ إنشاء نظام بريتون وودز قبل 80 عاما.

ويرى أنه يجب على الدول الأخرى أن تخطط على أساس أن التحول في النهج الأمريكي سيكون دائما، وألا تقتصر استراتيجياتها على إدارة علاقاتها الفردية مع إدارة ترامب في الوقت الحالي.

ويضيف بتلر أنه يمكن لهذه الدول ببساطة قبول النموذج القائم على “المصلحة الوطنية الضيقة” الذي ينتهجه ترامب، وتقليد السلوك الأمريكي. أو يمكنها السعي للحفاظ على نظام قائم على القواعد، من خلال إيجاد حلول بديلة للتعامل مع تصرفات الولايات المتحدة، غير المترابطة أو المعرقلة بشكل علني.

هذا الاختيار بالغ الأهمية بالنسبة لأوروبا، وخاصة الاتحاد الأوروبي. ويرجع ذلك جزئيا إلى العداء الواضح الذي يكنه الرئيس ترامب لفكرة الاتحاد الأوروبي نفسها. لكن أيضا بسبب أن الاتحاد الأوروبي يقوم على المبادئ الأساسية ذاتها التي تأسس عليها النظام الاقتصادي العالمي بعد الحرب، رغم أنه ذهب أبعد من ذلك بكثير في تطوير سياسات ومؤسسات وأطر قانونية مشتركة.

ويرى بتلر أن انهيار هذا النظام الاقتصادي يشكل تهديدا وجوديا للاتحاد الأوروبي. ولهذا، فإن التكتل لديه مصلحة قوية في الرد على سياسات ترامب من خلال قيادة جهد عالمي للحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القيم والمبادئ والقواعد.

التكتل الأوروبي لديه مصلحة قوية في الرد على سياسات ترامب من خلال قيادة جهد عالمي للحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القيم والمبادئ والقواعد

وعلاوة على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو الوحيد الذي يتمتع بالحجم الاقتصادي (18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث القيمة السوقية مقابل 26% للولايات المتحدة)، والعملات القابلة للتحويل بالكامل والقدرات الاقتصادية والعلمية والكفاءة التنظيمية ونظام الحوكمة القائم على القانون، ومجموعة التحالفات الاقتصادية الدولية اللازمة للقيام بمثل هذا الدور.

ويجب أن يتعامل الاتحاد الأوروبي مع العديد من الخلافات السياسية الداخلية بين الدول الأعضاء. لكنه قد يكون قادرا أيضا على استخدام الأزمة التي أثارها ترامب لتحفيز ما كان ينظر إليه سابقا على أنه تغيير لا يمكن تصوره.

ويقول بتلر إنه حتى الآن، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات حاسمة في ثلاثة مجالات. أولا، أعلنت المفوضية الأوروبية عن رد انتقامي قوي ضد الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألومنيوم، مع الإبقاء على عرض التفاوض. ثانيا، تحركت المفوضية بسرعة لطرح مقترحات للتمويل الجماعي للاتحاد الأوروبي اللازم لدعم نظام دفاع أوروبي مستقل عن الولايات المتحدة. ثالثا، تقوم ألمانيا، صاحبة الاقتصاد الرائد في الاتحاد الأوروبي، برفع قيود الاقتراض الدستورية التي تسمح لها بتمويل 500 مليار يورو من الإنفاق المحلي على البنية التحتية وإنفاق إضافي غير محدد بعد، ولكنه كبير، على الدفاع. وتشير بعض التوقعات إلى أن هذا قد يرفع معدلات النمو الألماني الضعيفة الحالية بما يصل إلى 5ر0 نقطة مئوية في عام 2026.

كل هذه الخطوات الثلاث تتسق مع مبادرة الحفاظ على النظام الاقتصادي الدولي. لكنها مجرد بداية. ويرى بتلر أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي الآن اتخاذ ثلاث خطوات أخرى.

أولا، يجب أن يبدأ في صياغة رؤية لما يجب أن يكون عليه النظام الاقتصادي الدولي الجديد والدور الذي سيلعبه الاتحاد الأوروبي فيه.

ثانيا، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعطي الأولوية لتنفيذ التوصيات بشأن تعميق وتوسيع الأسواق المالية الأوروبية ومطابقة ذلك بتنشيط الجهود الرامية إلى تعزيز وضع عملة الاحتياطي العالمي لليورو.

ثالثا، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى بناء الثقة والتعاون مع الدول الأخرى لدعم نظام عالمي جديد.

ولكن الأهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو علاقته مع المملكة المتحدة، سواء على أسس اقتصادية أو لأن المملكة المتحدة تشترك، أكثر من أي اقتصاد رئيسي آخر، في نفس المصلحة الأساسية في الحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القواعد ودور قيادي معزز لأوروبا محددة على نطاق واسع داخله.

وتم بالفعل تحديد العديد من الأولويات الرئيسية، بما في ذلك الاتفاق على اتفاقية أمنية (والتي من شأنها أن تسمح للمملكة المتحدة بأن تكون شريكا في الجهود الرامية إلى تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية)، والتعاون للحفاظ على قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، والاتفاقيات الاقتصادية بشأن معايير سلامة الأغذية وتجارة الانبعاثات والمواءمة التنظيمية الديناميكية للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي في قطاعات اقتصادية محددة.

ولكن هناك تهديدان رئيسيان لنجاح المفاوضات. الأول هو احتمال أن تحاول المملكة المتحدة التملص من الخيارات الصعبة التي لا مفر منها بين التعاون مع الرئيس ترامب وتقديم الدعم الكامل لجهود عموم أوروبا لمعالجة فجوة الحوكمة العالمية. والثاني هو احتمال ألا يكون الاتحاد الأوروبي مرنا بما فيه الكفاية بشأن عدم قابلية السوق الموحدة للتجزئة، غلى سبيل المثال، الأمر الذي من شأنه أن يحبط التعاون المتبادل المنفعة في مجالات حاسمة مثل تعميق وتوسيع الأسواق المالية الأوروبية.

ويخلص بتلر إلى أنه من المأمول أن يرى الجانبان مصلحتهما المشتركة القوية في التغلب على هذه العقبات وغيرها.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :