الرفاعي: قمة عمان بارقة امل لتجاوز الواقع العربي الراهن
عمان جو-محرر الاخبار المحلية
اعرب رئيس الوزراء الاسبق العين سمير الرفاعي عن أمله في ان تشكل القمة العربية المقبلة التي يستضيفها الاردن في التاسع والعشرين من الشهر الحالي بارقة امل حقيقية لتجاوز الواقع العربي الراهن وبناء استراتيجية عربية تنطلق من تحديد مصالح الامة وبالذات الجيل الجديد .
وقال ان رئاسة جلالة الملك عبد الله الثاني للقمة ومكان وتوقيت انعقادها وزخم المشاركة المتوقع وحجم التحديات التي تواجهها تجعلها واحدة من اهم القمم العربية.
واضاف ان توفر افق لحلول سياسية لبعض قضايا الامة وكذلك الهزائم الميدانية التي تتعرض لها عصابة داعش الارهابية من جهة وتفاقم الازمات الاقتصادية تعطي مداولات القمة اهمية بالغة من حيث التوقيت.
واشار الرفاعي الى اهمية مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون الامة ولاسيما من اطراف اقليمية من خلال توافق عربي يفرض الاجندة والمصالح العربية ويضيق مساحات التباين العربي ازاء تلك التدخلات.
وقال ان اوضاع المنطقة يجب الا تحرف انتباهنا عن اولوية القضية الفلسطينية ومركزيتها خصوصا في ضوء محاولات اليمين الاسرائيلي الابتعاد عن قرارات الشرعية الدولية والتخلي عن مبدأ حل الدولتين.
وفيما يلي نص المقابلة :
س 1 - انعقاد القمة العربية الدورية في موعدها في المملكة الاردنية الهاشمية دليل استمرارية عمل مؤسسة القمة ولو من حيث الشكل، ما هي الشروط المطلوبة اليوم لجعل هذه المؤسسة ذات مضمون مؤثر في الاوضاع الراهنة للامة العربية وتسهم في لم شمل الامة ؟
جـ : ربما تكون قمّة عمان التي ستعقد في البحر الميت، أواخر الشهر الجاري، واحدة من أهم القمم العربية، إذا ما نظرنا إلى عدة عوامل، أبرزها: مكان انعقاد القمة، ورئاسة جلالة الملك عبدالله الثاني لها، وتوقيت انعقادها، وزخم الحضور والاهتمام المتوقع، وحجم التحديات والفرص.
من حيث التوقيت، تأتي القمة العربية بعد ست سنوات، على اندلاع أحداث "الربيع العربي"، في أكثر من دولة عربية، وحجم التغييرات والاختلالات التي شهدتها موازين القوى الإقليمية، من حيث؛
- استمرار النزاعات المسلحة في أكثر من بلد عربي، مع دخول لاعبين إقليميين ودوليين إلى ساحات الصراع العربية.. وتوفر أفق ممكن، تبلور خلال الأسابيع الماضية، لحلول سياسية لبعض هذه الأزمات وفي مقدمتها الأزمة السورية والأزمة في اليمن.
- هزائم تنظيم "داعش" الميدانية، وخسارته لبؤر عديدة ومصادر قوة وتمويل كان يسيطر عليها ويتحصّن بها، وانحسار مساحات سيطرة التنظيم الإرهابي، وترجيح انتقاله إلى مرحلة جديدة في العمل والتخطيط الإجرامي والعمل على إثارة الفتن الطائفية والمذهبية التي يتغذى عليها، والتسلل إلى المجتمعات العربية والإسلامية، عبر خطاب الكراهية، وتوظيف الأزمات الراهنة.
- تفاقم الأزمات الاقتصادية العربية، وعجز مشاريع التنمية، عن تحقيق نجاحات ملموسة يشعر بها جيل الشباب العربي تحديدا، ويمكن من خلالها إشاعة الروح الإيجابية، وثقافة الانفتاح والثقة بالذات، في مجابهة ثقافة الغلو والانغلاق والروح السلبية المحبطة التي تشيعُها التنظيمات الإرهابية.
هذه العناوين، وغيرها، هي ما تجعل من القمة العربية المقبلة، وبرغم زخم الملفات وتراكم التحديات، في أعلى مراتب الأهمية، بحيث تشكل بارقة أمل حقيقية لتجاوز الواقع العربي الراهن، وبناء استراتيجية عربية، تنطلق من تحديد دقيق لمصالح الأمة العربية، وبالذات الجيل الجديد من شبابها وشاباتها، والتفاعل مع المعطيات الدولية، بموقف منسجم، يضع على سلم أولوياته التمسك بالحقوق الفلسطينية الشرعية والعادلة، والمبنية على قرارات الشرعية الدولية، والبدء بالعمل الجماعي الموحد ضمن منهجية واضحة لمجابهة الفكر الظلامي واستحقاقات هزيمة تنظيم "داعش" ميدانياً، كما تأخذ بعين الاعتبار إعادة تفعيل العمل العربي المشترك في المجالات السياسية والتنموية والثقافية.
س 2 - تمر الامة العربية اليوم في وضع بالغ الخطورة حيث الاضطرابات والقتل والدمار وفوق ذلك الصراعات المذهبية والطائفية وغيرها، كيف ترون اولويات مواجهة هذا الوضع المعقد؟
جـ : من المحزن أنه قبل مئة عام كان العالم العربي موحدا لا فرق بين مذهب وعرق أو دين واليوم يمزق المجتمع العربي عرقياً وطائفياً ودينياً والقيود الأجنبية التي جاهد الأجداد للتحرر منها قد عادت تهددنا مرة أخرى، وبالرغم من كل التحديات والصراعات، وهذه الصورة القاتمة للواقع العربي، بإذن الله ستكون هناك فرصة حقيقية لتوافقات تاريخية، تستند إلى حجم التحديات، وحساسية اللحظة الإقليمية، وإمكانية التجسير وتجاوز التباينات في المواقف والرؤى، لبناء جبهة عربية موحدة تكفل أن لا يتعمق النفوذ والمصالح الإقليمية والدولية.. وتضع حداً حاسماً لتدخلات قوى إقليمية في الشؤون الداخلية العربية والانتهاء منها.
إن نجاح القمة العربية المقبلة، في بناء هذه التوافقات، والخروج بموقف عربي منسجم إزاء الأولويات، هو ما ينظر إليه الشارع العربي اليوم بعين الأمل، خصوصاً، وان سنوات الدمار والاقتتال الأهلي وانهيار المؤسسات والأمن في أكثر من دولة عربية، طالت كثيراً، ونقلت أزماتها واستحقاقاتها إلى أوروبا ودول عديدة في العالم، ولم يعد ممكناً استمرار هذه الأزمات، ونحن نعاين أوضاع اللاجئين ومعاناتهم، وتأثيرهم على البنى التحتية والاقتصادات العربية، ووجود جيل عربي كامل من الأطفال واليافعين، الذين شرّدتهم الصراعات وحرمتهم من أبسط حقوقهم الإنسانية في الصحة والتعليم والغذاء والأمن النفسي..
هذا الجيل المهدد بالضياع، والفاقد للمهارات والتعليم، بحاجة اليوم إلى برامج جدية لإعادة التأهيل، ولاستدراكه، وإعادة الأمل لديه، بأمته وشروط المستقبل الآمن؛ وإلا فسيتحول إلى تحدٍ جديد، خطير ووشيك، وستفقد أمتنا لا سمح الله، زمام المبادرة، في التعامل مع مثل هذا الاستحقاق الخطير.
من هنا، فأنا أعتقد أن ملفات القمة كثيرة، وذات أهمية بالغة، وانعقاد هذه القمة، هو دليل على وجود الإرادة العربية الصادقة للتعامل مع التحديات، ضمن عمل مؤسسي مسؤول.
س 3 - ما يشهده الوطن العربي من صراعات واختلافات تسبب في اضعاف النظام العربي ما اتاح المجال امام التدخلات الخارجية دوليا واقليميا، ما هو الدور المطلوب عربيا لوضع حد لهذه التدخلات في الشأن العربي؟
جـ : مواجهة التدخلات الخارجية، وبالذات من أطراف إقليمية، في الشؤون الداخلية العربية، هو أولوية قصوى، وهذه الأولوية، تستدعي موقفاً عربياً منسجماً ومتوافقاً، يستطيع أن يفرض الأجندة العربية ومصالحها، وأن يتحدث بلغة واحدة ومنطق واحد مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، والاستثمار بالتنوع العربي، بصفته عامل قوة وثراء للأمة العربية، وغير قابل للتفتيت أو الاختراق.
وبغير ذلك، لا سمح الله، سيجد البعض فرصتَه، في مساحات التباين العربي، أكثر وإحالة التنوعات إلى "تناقضات"، للتسلل والدخول من خلالها، ومن ثمَّ التدخل أكثر في شؤوننا العربية، لصالح أجندات واعتبارات أخرى.
تشرذم الواقع العربي، واتساع مساحات التباين العربي العربي، أتاحت لبعض القوى الإقليمية أن تمدَّ أيديها للتدخل هنا أو هناك، وعودة الوفاق العربي، ومأسسة التنسيق والتفاهم، والاتفاق على الأولويات، هو ما يكفل تحصين القضايا العربية الداخلية من التدخلات الخارجية وبالذات الإقليمية. وهذا ليس مستحيلاً، بل هو ممكن، وهو حق مشروع لهذه الأمة، ذات الإمكانات الهائلة، والثقافة الواحدة الأصيلة، أن تمنع الآخرين من التدخل بشؤونها الداخلية.. ولاسيما، أن الدول العربية، لم يُعهد عنها التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وبالذات لدول الجوار العربي.
س 4 - القضية الفلسطينية هي قضية العرب الاولى، ما هو المطلوب من القمة لإعادتها الى الواجهة الدولية من جديد ودعم حل الدولتين واحياء مبادرة السلام العربية؟
جـ : القضية الفلسطينية، هي قضيتنا المركزية، وكما دعا الأردن مراراً، ونادى جلالة الملك عبدالله الثاني في مختلف المحافل واللقاءات العربية والدولية؛ فإن أي تطور تشهده المنطقة لا يجوز أن يحرف انتباهنا عن أولوية هذه القضية ومركزيتها وخاصة في ضوء محاولات اليمين الإسرائيلي الابتعاد عن القرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية والتخلي عن حل الدولتين، وهذا الإحساس بالمسؤولية التاريخية هو إحساس عربي وإسلامي جمعي، يتفق عليه جميع القادة العرب.. وتتوحد عليه جميعُ الشعوب العربية.
ستكون القمة العربية فرصة لمواصلة الجهد وتركيزه وتكثيفه، في هذا المجال.. وبإذن الله أن القمة العربية ستكون لها كلمة حاسمة، تعبر عن مواقف الشعوب العربية إزاء القضية الفلسطينية، وتأكيد التمسك التام بالحقوق الفلسطينية الشرعية والعادلة والتاريخية.
مسألة أخرى، في غاية الأهمية، ألا وهي ضرورة إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، والتي أصبحت بكل أسف نقطة الضعف الرئيسية التي تواجه القضية الفلسطينية ومستقبلها، وتُضعف الموقف العربي بشكل عام، وهذا الانقسام يضرُّ اليوم، أكثر من أي وقت مضى بالحقوق الفلسطينية، ويلقي بظلاله على الواقع العربي برمّته، وهو يصب بالتأكيد في صالح اليمين الإسرائيلي المتطرف، وآن له أن ينتهي.
س 5 - ما هو المطلوب من الاردن -كدولة مستضيفة للقمة – لتهيئة الظروف المناسبة لانعقاد القمة العربية المقبلة؟ وكيف تنظرون الى دور الاردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني كرئيس للقمة العربية خلال المرحلة المقبلة ؟
جـ : من الناحية اللوجستية والفنية ومن جهة التنظيم والتحضيرات، فالأردن له تجربة عريقة، وخبرة كبيرة، في مؤسسة القمة العربية، منذ تأسيس جامعة الدول العربية، ومروراً بجميع مؤتمرات القمة العربية، التي كان الأردن على الدوام حاضراً وفاعلاً في مجرياتها، وهذه المرة الثانية التي يترأس بها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، مؤسسة القمة العربية، وأنا أقول هذا، تأكيداً لأهمية الاستعدادات والتنظيم واللوجستيات، في تهيئة البيئة المناسبة لنجاح القمة.
من الناحية السياسية، تعلمون أن الأردن بقيادته الهاشمية العروبية، كان دائماً وأبداً، مع التضامن العربي وداعماً ومنادياً بالعمل العربي المشترك، وهذا جزء أصيل من رسالة القيادة الهاشمية التي قامت على أساسها الدولة الأردنية، وتعمل مؤسساتها الوطنية ومن ضمنها الدبلوماسية الأردنية لخدمتها وتحقيقها، وفي جميع المحافل الدولية يتحدث الأردن بلسان الأمة العربية مدافعاً عن قضاياها العادلة وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية، كما، يؤكد الأردن دائماً دعمه وتأييده للحلول السياسية في الأزمات التي تشهدها أمتنا ومنطقتنا، وعلى مرّ العقود يتمسك الأردن دائماً بخيار الاعتدال، ويعمل مع أشقائه العرب، على الدفاع الشجاع عن صورة الإسلام الوسطي المنفتح، في كافة المحافل الدولية، ولذلك، فإن مكانة الأردن، وتقدير الأشقاء العرب للقيادة الهاشمية ولدور وجهود جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في الدفاع عن القضايا العربية؛ كل هذه العوامل ستساعد الأردن للقيام بما هو مطلوب منه وأكثر في خدمة التوافق العربي ومتابعة تنفيذ قرارات القمة وتنسيق الجهود لما فيه خدمة الأمة العربية وقضاياها العادلة.
لا شك، سيكون للأردن بقيادة جلالة الملك المعظم دور محوري في العمل العربي المشترك خاصة وأن رئاسة جلالة الملك للمؤتمر ستبقى إلى حين انعقاد مؤتمر القمة القادم.
س 6 - ما المطلوب عربيا للتأثير في الاوضاع الشائكة في سوريا واليمن وليبيا، وغيرها من القضايا العربية المعقدة ؟
جـ : التوافق، وتجسير المسافات، وتأجيل التباينات لصالح تعظيم الجوامع.. وهذا هو المدخل الرئيس لمعالجة هذه الأزمات، ووضع حد لمعاناة الشعوب العربية، التي ابتُليت بالصراعات والدمار والتشريد، وهذا التوافق، سيوقف حالة الاستنزاف القائمة، وسيكفل قيامنا بواجبنا في حماية صورة ديننا وأمن شعوبنا بالتصدي للتيارات والتنظيمات الظلامية، والقيام بمسؤولياتنا تجاه شبابنا وشاباتنا، بما في ذلك البعد التنموي، وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
إن الحل الوحيد للأزمات الداخلية التي تشهدها دولٌ عربية شقيقة هو فقط الحل السياسي، والذي يضمن وحدة وعروبة وسلامة هذه الدول وإعادة بناء مؤسساتها.. وهذا ما يضمن وضع حد للتدخلات الخارجية في قضايانا الداخلية، وأن تعود المبادرة في يد المنظومة العربية.
س7 - الجامعة العربية وآلية تطوير عملها في ظل التحديات التي تواجه الامة العربية؟
جـ : هذا موضوع على قدر كبير من الأهمية ويشكل ضرورة ملحة عند الحديث عن تكريس العمل العربي المشترك ومأسسته، والخطوة الأولى تبدأ من إصلاح جامعة الدول العربية، وهذا أمر يحتاج إلى الدعم المعنوي والمادي والسياسي، وإلى تطوير آليات الجامعة، والأذرع التابعة لها، وتعديل أنظمتها وتوسيع مساحات عملها ونشاطها، وأيضاً، من خلال رفدها دائماً بالكفاءات العربية.
وبالإضافة لما سلف، فأنا أؤمن أن الجامعة العربية بحاجة إلى تجديد شبابها، وإعادة الحيوية لها ولدورها، وهذا لا يكون إلا بتفعيل دور قطاع الشباب العربي داخل أجهزة ومنظومات الجامعة، وبالاستفادة من طاقات شبابنا وإمكاناتهم ودعم مبادراتهم، التي تنطلق من وعيهم بالحاضر والمستقبل، وتمكنهم من أدوات العصر ولغته، فيجب أن يكون للشباب العربي دور أكبر بالحاضر لكي يكون لهم جزء رئيسي في صياغة المستقبل الذي يريدونه وسيعيشون به.
(بترا)
عمان جو-محرر الاخبار المحلية
اعرب رئيس الوزراء الاسبق العين سمير الرفاعي عن أمله في ان تشكل القمة العربية المقبلة التي يستضيفها الاردن في التاسع والعشرين من الشهر الحالي بارقة امل حقيقية لتجاوز الواقع العربي الراهن وبناء استراتيجية عربية تنطلق من تحديد مصالح الامة وبالذات الجيل الجديد .
وقال ان رئاسة جلالة الملك عبد الله الثاني للقمة ومكان وتوقيت انعقادها وزخم المشاركة المتوقع وحجم التحديات التي تواجهها تجعلها واحدة من اهم القمم العربية.
واضاف ان توفر افق لحلول سياسية لبعض قضايا الامة وكذلك الهزائم الميدانية التي تتعرض لها عصابة داعش الارهابية من جهة وتفاقم الازمات الاقتصادية تعطي مداولات القمة اهمية بالغة من حيث التوقيت.
واشار الرفاعي الى اهمية مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون الامة ولاسيما من اطراف اقليمية من خلال توافق عربي يفرض الاجندة والمصالح العربية ويضيق مساحات التباين العربي ازاء تلك التدخلات.
وقال ان اوضاع المنطقة يجب الا تحرف انتباهنا عن اولوية القضية الفلسطينية ومركزيتها خصوصا في ضوء محاولات اليمين الاسرائيلي الابتعاد عن قرارات الشرعية الدولية والتخلي عن مبدأ حل الدولتين.
وفيما يلي نص المقابلة :
س 1 - انعقاد القمة العربية الدورية في موعدها في المملكة الاردنية الهاشمية دليل استمرارية عمل مؤسسة القمة ولو من حيث الشكل، ما هي الشروط المطلوبة اليوم لجعل هذه المؤسسة ذات مضمون مؤثر في الاوضاع الراهنة للامة العربية وتسهم في لم شمل الامة ؟
جـ : ربما تكون قمّة عمان التي ستعقد في البحر الميت، أواخر الشهر الجاري، واحدة من أهم القمم العربية، إذا ما نظرنا إلى عدة عوامل، أبرزها: مكان انعقاد القمة، ورئاسة جلالة الملك عبدالله الثاني لها، وتوقيت انعقادها، وزخم الحضور والاهتمام المتوقع، وحجم التحديات والفرص.
من حيث التوقيت، تأتي القمة العربية بعد ست سنوات، على اندلاع أحداث "الربيع العربي"، في أكثر من دولة عربية، وحجم التغييرات والاختلالات التي شهدتها موازين القوى الإقليمية، من حيث؛
- استمرار النزاعات المسلحة في أكثر من بلد عربي، مع دخول لاعبين إقليميين ودوليين إلى ساحات الصراع العربية.. وتوفر أفق ممكن، تبلور خلال الأسابيع الماضية، لحلول سياسية لبعض هذه الأزمات وفي مقدمتها الأزمة السورية والأزمة في اليمن.
- هزائم تنظيم "داعش" الميدانية، وخسارته لبؤر عديدة ومصادر قوة وتمويل كان يسيطر عليها ويتحصّن بها، وانحسار مساحات سيطرة التنظيم الإرهابي، وترجيح انتقاله إلى مرحلة جديدة في العمل والتخطيط الإجرامي والعمل على إثارة الفتن الطائفية والمذهبية التي يتغذى عليها، والتسلل إلى المجتمعات العربية والإسلامية، عبر خطاب الكراهية، وتوظيف الأزمات الراهنة.
- تفاقم الأزمات الاقتصادية العربية، وعجز مشاريع التنمية، عن تحقيق نجاحات ملموسة يشعر بها جيل الشباب العربي تحديدا، ويمكن من خلالها إشاعة الروح الإيجابية، وثقافة الانفتاح والثقة بالذات، في مجابهة ثقافة الغلو والانغلاق والروح السلبية المحبطة التي تشيعُها التنظيمات الإرهابية.
هذه العناوين، وغيرها، هي ما تجعل من القمة العربية المقبلة، وبرغم زخم الملفات وتراكم التحديات، في أعلى مراتب الأهمية، بحيث تشكل بارقة أمل حقيقية لتجاوز الواقع العربي الراهن، وبناء استراتيجية عربية، تنطلق من تحديد دقيق لمصالح الأمة العربية، وبالذات الجيل الجديد من شبابها وشاباتها، والتفاعل مع المعطيات الدولية، بموقف منسجم، يضع على سلم أولوياته التمسك بالحقوق الفلسطينية الشرعية والعادلة، والمبنية على قرارات الشرعية الدولية، والبدء بالعمل الجماعي الموحد ضمن منهجية واضحة لمجابهة الفكر الظلامي واستحقاقات هزيمة تنظيم "داعش" ميدانياً، كما تأخذ بعين الاعتبار إعادة تفعيل العمل العربي المشترك في المجالات السياسية والتنموية والثقافية.
س 2 - تمر الامة العربية اليوم في وضع بالغ الخطورة حيث الاضطرابات والقتل والدمار وفوق ذلك الصراعات المذهبية والطائفية وغيرها، كيف ترون اولويات مواجهة هذا الوضع المعقد؟
جـ : من المحزن أنه قبل مئة عام كان العالم العربي موحدا لا فرق بين مذهب وعرق أو دين واليوم يمزق المجتمع العربي عرقياً وطائفياً ودينياً والقيود الأجنبية التي جاهد الأجداد للتحرر منها قد عادت تهددنا مرة أخرى، وبالرغم من كل التحديات والصراعات، وهذه الصورة القاتمة للواقع العربي، بإذن الله ستكون هناك فرصة حقيقية لتوافقات تاريخية، تستند إلى حجم التحديات، وحساسية اللحظة الإقليمية، وإمكانية التجسير وتجاوز التباينات في المواقف والرؤى، لبناء جبهة عربية موحدة تكفل أن لا يتعمق النفوذ والمصالح الإقليمية والدولية.. وتضع حداً حاسماً لتدخلات قوى إقليمية في الشؤون الداخلية العربية والانتهاء منها.
إن نجاح القمة العربية المقبلة، في بناء هذه التوافقات، والخروج بموقف عربي منسجم إزاء الأولويات، هو ما ينظر إليه الشارع العربي اليوم بعين الأمل، خصوصاً، وان سنوات الدمار والاقتتال الأهلي وانهيار المؤسسات والأمن في أكثر من دولة عربية، طالت كثيراً، ونقلت أزماتها واستحقاقاتها إلى أوروبا ودول عديدة في العالم، ولم يعد ممكناً استمرار هذه الأزمات، ونحن نعاين أوضاع اللاجئين ومعاناتهم، وتأثيرهم على البنى التحتية والاقتصادات العربية، ووجود جيل عربي كامل من الأطفال واليافعين، الذين شرّدتهم الصراعات وحرمتهم من أبسط حقوقهم الإنسانية في الصحة والتعليم والغذاء والأمن النفسي..
هذا الجيل المهدد بالضياع، والفاقد للمهارات والتعليم، بحاجة اليوم إلى برامج جدية لإعادة التأهيل، ولاستدراكه، وإعادة الأمل لديه، بأمته وشروط المستقبل الآمن؛ وإلا فسيتحول إلى تحدٍ جديد، خطير ووشيك، وستفقد أمتنا لا سمح الله، زمام المبادرة، في التعامل مع مثل هذا الاستحقاق الخطير.
من هنا، فأنا أعتقد أن ملفات القمة كثيرة، وذات أهمية بالغة، وانعقاد هذه القمة، هو دليل على وجود الإرادة العربية الصادقة للتعامل مع التحديات، ضمن عمل مؤسسي مسؤول.
س 3 - ما يشهده الوطن العربي من صراعات واختلافات تسبب في اضعاف النظام العربي ما اتاح المجال امام التدخلات الخارجية دوليا واقليميا، ما هو الدور المطلوب عربيا لوضع حد لهذه التدخلات في الشأن العربي؟
جـ : مواجهة التدخلات الخارجية، وبالذات من أطراف إقليمية، في الشؤون الداخلية العربية، هو أولوية قصوى، وهذه الأولوية، تستدعي موقفاً عربياً منسجماً ومتوافقاً، يستطيع أن يفرض الأجندة العربية ومصالحها، وأن يتحدث بلغة واحدة ومنطق واحد مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، والاستثمار بالتنوع العربي، بصفته عامل قوة وثراء للأمة العربية، وغير قابل للتفتيت أو الاختراق.
وبغير ذلك، لا سمح الله، سيجد البعض فرصتَه، في مساحات التباين العربي، أكثر وإحالة التنوعات إلى "تناقضات"، للتسلل والدخول من خلالها، ومن ثمَّ التدخل أكثر في شؤوننا العربية، لصالح أجندات واعتبارات أخرى.
تشرذم الواقع العربي، واتساع مساحات التباين العربي العربي، أتاحت لبعض القوى الإقليمية أن تمدَّ أيديها للتدخل هنا أو هناك، وعودة الوفاق العربي، ومأسسة التنسيق والتفاهم، والاتفاق على الأولويات، هو ما يكفل تحصين القضايا العربية الداخلية من التدخلات الخارجية وبالذات الإقليمية. وهذا ليس مستحيلاً، بل هو ممكن، وهو حق مشروع لهذه الأمة، ذات الإمكانات الهائلة، والثقافة الواحدة الأصيلة، أن تمنع الآخرين من التدخل بشؤونها الداخلية.. ولاسيما، أن الدول العربية، لم يُعهد عنها التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وبالذات لدول الجوار العربي.
س 4 - القضية الفلسطينية هي قضية العرب الاولى، ما هو المطلوب من القمة لإعادتها الى الواجهة الدولية من جديد ودعم حل الدولتين واحياء مبادرة السلام العربية؟
جـ : القضية الفلسطينية، هي قضيتنا المركزية، وكما دعا الأردن مراراً، ونادى جلالة الملك عبدالله الثاني في مختلف المحافل واللقاءات العربية والدولية؛ فإن أي تطور تشهده المنطقة لا يجوز أن يحرف انتباهنا عن أولوية هذه القضية ومركزيتها وخاصة في ضوء محاولات اليمين الإسرائيلي الابتعاد عن القرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية والتخلي عن حل الدولتين، وهذا الإحساس بالمسؤولية التاريخية هو إحساس عربي وإسلامي جمعي، يتفق عليه جميع القادة العرب.. وتتوحد عليه جميعُ الشعوب العربية.
ستكون القمة العربية فرصة لمواصلة الجهد وتركيزه وتكثيفه، في هذا المجال.. وبإذن الله أن القمة العربية ستكون لها كلمة حاسمة، تعبر عن مواقف الشعوب العربية إزاء القضية الفلسطينية، وتأكيد التمسك التام بالحقوق الفلسطينية الشرعية والعادلة والتاريخية.
مسألة أخرى، في غاية الأهمية، ألا وهي ضرورة إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، والتي أصبحت بكل أسف نقطة الضعف الرئيسية التي تواجه القضية الفلسطينية ومستقبلها، وتُضعف الموقف العربي بشكل عام، وهذا الانقسام يضرُّ اليوم، أكثر من أي وقت مضى بالحقوق الفلسطينية، ويلقي بظلاله على الواقع العربي برمّته، وهو يصب بالتأكيد في صالح اليمين الإسرائيلي المتطرف، وآن له أن ينتهي.
س 5 - ما هو المطلوب من الاردن -كدولة مستضيفة للقمة – لتهيئة الظروف المناسبة لانعقاد القمة العربية المقبلة؟ وكيف تنظرون الى دور الاردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني كرئيس للقمة العربية خلال المرحلة المقبلة ؟
جـ : من الناحية اللوجستية والفنية ومن جهة التنظيم والتحضيرات، فالأردن له تجربة عريقة، وخبرة كبيرة، في مؤسسة القمة العربية، منذ تأسيس جامعة الدول العربية، ومروراً بجميع مؤتمرات القمة العربية، التي كان الأردن على الدوام حاضراً وفاعلاً في مجرياتها، وهذه المرة الثانية التي يترأس بها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، مؤسسة القمة العربية، وأنا أقول هذا، تأكيداً لأهمية الاستعدادات والتنظيم واللوجستيات، في تهيئة البيئة المناسبة لنجاح القمة.
من الناحية السياسية، تعلمون أن الأردن بقيادته الهاشمية العروبية، كان دائماً وأبداً، مع التضامن العربي وداعماً ومنادياً بالعمل العربي المشترك، وهذا جزء أصيل من رسالة القيادة الهاشمية التي قامت على أساسها الدولة الأردنية، وتعمل مؤسساتها الوطنية ومن ضمنها الدبلوماسية الأردنية لخدمتها وتحقيقها، وفي جميع المحافل الدولية يتحدث الأردن بلسان الأمة العربية مدافعاً عن قضاياها العادلة وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية، كما، يؤكد الأردن دائماً دعمه وتأييده للحلول السياسية في الأزمات التي تشهدها أمتنا ومنطقتنا، وعلى مرّ العقود يتمسك الأردن دائماً بخيار الاعتدال، ويعمل مع أشقائه العرب، على الدفاع الشجاع عن صورة الإسلام الوسطي المنفتح، في كافة المحافل الدولية، ولذلك، فإن مكانة الأردن، وتقدير الأشقاء العرب للقيادة الهاشمية ولدور وجهود جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في الدفاع عن القضايا العربية؛ كل هذه العوامل ستساعد الأردن للقيام بما هو مطلوب منه وأكثر في خدمة التوافق العربي ومتابعة تنفيذ قرارات القمة وتنسيق الجهود لما فيه خدمة الأمة العربية وقضاياها العادلة.
لا شك، سيكون للأردن بقيادة جلالة الملك المعظم دور محوري في العمل العربي المشترك خاصة وأن رئاسة جلالة الملك للمؤتمر ستبقى إلى حين انعقاد مؤتمر القمة القادم.
س 6 - ما المطلوب عربيا للتأثير في الاوضاع الشائكة في سوريا واليمن وليبيا، وغيرها من القضايا العربية المعقدة ؟
جـ : التوافق، وتجسير المسافات، وتأجيل التباينات لصالح تعظيم الجوامع.. وهذا هو المدخل الرئيس لمعالجة هذه الأزمات، ووضع حد لمعاناة الشعوب العربية، التي ابتُليت بالصراعات والدمار والتشريد، وهذا التوافق، سيوقف حالة الاستنزاف القائمة، وسيكفل قيامنا بواجبنا في حماية صورة ديننا وأمن شعوبنا بالتصدي للتيارات والتنظيمات الظلامية، والقيام بمسؤولياتنا تجاه شبابنا وشاباتنا، بما في ذلك البعد التنموي، وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
إن الحل الوحيد للأزمات الداخلية التي تشهدها دولٌ عربية شقيقة هو فقط الحل السياسي، والذي يضمن وحدة وعروبة وسلامة هذه الدول وإعادة بناء مؤسساتها.. وهذا ما يضمن وضع حد للتدخلات الخارجية في قضايانا الداخلية، وأن تعود المبادرة في يد المنظومة العربية.
س7 - الجامعة العربية وآلية تطوير عملها في ظل التحديات التي تواجه الامة العربية؟
جـ : هذا موضوع على قدر كبير من الأهمية ويشكل ضرورة ملحة عند الحديث عن تكريس العمل العربي المشترك ومأسسته، والخطوة الأولى تبدأ من إصلاح جامعة الدول العربية، وهذا أمر يحتاج إلى الدعم المعنوي والمادي والسياسي، وإلى تطوير آليات الجامعة، والأذرع التابعة لها، وتعديل أنظمتها وتوسيع مساحات عملها ونشاطها، وأيضاً، من خلال رفدها دائماً بالكفاءات العربية.
وبالإضافة لما سلف، فأنا أؤمن أن الجامعة العربية بحاجة إلى تجديد شبابها، وإعادة الحيوية لها ولدورها، وهذا لا يكون إلا بتفعيل دور قطاع الشباب العربي داخل أجهزة ومنظومات الجامعة، وبالاستفادة من طاقات شبابنا وإمكاناتهم ودعم مبادراتهم، التي تنطلق من وعيهم بالحاضر والمستقبل، وتمكنهم من أدوات العصر ولغته، فيجب أن يكون للشباب العربي دور أكبر بالحاضر لكي يكون لهم جزء رئيسي في صياغة المستقبل الذي يريدونه وسيعيشون به.
(بترا)