قراءة سياسية للموقف من فلسطين الواجب والتقصير العربي الحلقة الثانية
عمان جو - حمادة فراعنة
في اطار الاهتمام الأردني بالقضية الفلسطينية واعطائها الأولوية، وفق امكانات الأردن المتواضعة، يعمل هذا البلد محدود الموارد على توظيف علاقاته الوطيدة مع الولايات المتحدة الأميركية وبلدان المجموعة الأوروبية، على تحقيق غرضين هما :
أولاً : خدمة المصالح الوطنية الأردنية، وحماية الأمن الوطني من مخططات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي الذي لازال يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية : كامل فلسطين، والجولان السوري، ويحتل جزءًا من جنوب لبنان، اضافة الى برنامج مطبخ صنع القرار الاسرائيلي المتطرف الذي يعمل تدريجياً وتراكمياً على تهويد فلسطين وأسرلتها، وخاصة في القدس والغور، وتمزيق الضفة بالمستوطنات، وقطع الاتصال الجغرافي والسكاني بين الضفة والقدس والقطاع، وجعلها طاردة لشعبها، بما ينسجم مع برنامجه الهادف الى رمي القضية الفلسطينية مرة أخرى خارج فلسطين، والبحث عن ذرائع حلها على حساب الأردنيين .
ثانياً : دعم نضال الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده على أرضه، منعاً لأي تهجير قسري، وأن تبقى المشكلة الفلسطينية بتعقيداتها وتداعياتها هناك على أرضها، الى جانب احباط أي مشاريع لا تستجيب لحقوق الشعب الفلسطيني في المساواة والاستقلال والعودة .
من هنا تبدأ المقارنة بين أداء الواجب الأردني حماية لأمنه ودعماً منه لشعب شقيق، رغم الامكانات المتواضعة المتوافرة، مع التقصير العربي من طرف أو أطراف متمكنة وقادرة على وضع مصالحها في موضع الأولوية، وهي محقة بذلك ولكن يجب تحفيزها للتعاطي مع الحقوق الفلسطينية بشكل يسمح لها التأثير المعنوي والمادي وهي تملك ذلك، وتوجيهها نحو توظيف سلوكها السياسي وتأثيرها في دفع حليفها الأكبر الولايات المتحدة نحو اتخاذ خطوات عملية باتجاه قضية شعب فلسطين الذي يستحق من العرب والمسلمين والمسيحيين بذل المدى الممكن في الاهتمام والرعاية المطلوبين، ان لم يكن لصالحه مباشرة، فليكن بسبب ما لدى فلسطين من قدسية تستوجب ممارسة الضغط والتأثير لازالة الظلم عن شعبها والحفاظ على مقدساتها ، وعلينا أن نسجل أن مصر وسوريا ولبنان يشاركون الأردن القلق والدور، بشكل متفاوت وفق معطيات وظروف كل بلد منهم .
مقارنة بين قمتي عمان والرياض
ولكن حينما ندقق بالمقارنات الصادرة عن قمتي عمان 29/3 والرياض 21/5، نلحظ الفرق بينهما، مما يعكس الفجوة في النتائج السياسية، ففي البحر الميت حظيت قضية فلسطين بالاهتمام الأكبر في بيان وقرارات القمة، فقد قفزت كي تكون البند الأول من بين خمسة عشر بنداً اهتمت بها القمة، وقد شمل بيانها مختلف القضايا بدءاً من سوريا التي احتلت البند الثاني بقولها « نشدد على تكثيفنا العمل على ايجاد حل سلمي يُنهي الأزمة السورية «، وثالثاً العراق ونصه « نجدد التأكيد على أمن العراق واستقراره وتماسكه ووحدة أراضيه «، ورابعاً نحو « مساندة جهود التحالف العربي في دعم الشرعية في اليمن، وانهاء الأزمة اليمنية على أساس المبادرة الخليجية وألياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني «، وخامساً نحو « ضرورة تحقيق الأستقرار الأمني والسياسي في ليبيا «، وسادساً نحو « الالتزام وتكريس جميع الأمكانات اللازمة للقضاء على العصابات الارهابية وهزيمة الأرهابيين في جميع ميادين المواجهة العسكرية والأمنية والفكرية «، وسابعاً الاعراب عن بالغ القلق ازاء تنامي ظاهرة الاسلاموفوبيا ومحاولات الربط بين الدين الاسلامي الحنيف والارهاب «، ثامناً « تأكيد الحرص على بناء علاقات حسن الجوار والتعاون مع دول الجوار العربي بما يضمن تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والتنمية الاقليمية، كما أننا نرفض كل التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية وندين المحاولات الرامية الى زعزعة الأمن وبث النعرات الطائفية والمذهبية أو تأجيج الصراعات، وما يمثله ذلك من ممارسات تنتهك مبادئ حسن الجوار وقواعد العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي وميثاق منظمة الأمم المتحدة «، وتاسعاً « اعادة التأكيد على سيادة دولة الامارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأبو موسى) وتأييد جميع الاجراءات والوسائل السلمية التي تتخذها لاستعادة سيادتها عليها، وندعو ايران الى الاستجابة لمبادرة دولة الامارات العربية المتحدة ايجاد حل سلمي لقضية الجزر الثلاث من خلال المفاوضات المباشرة أو اللجوء الى محكمة العدل الدولية «، وعاشراً « توجيه التهنئة لجمهورية الصومال على استكمال العملية الانتخابية ونؤكد دعمنا لهم في جهودهم لاعادة البناء ومواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية ومحاربة الارهاب «، والنقاط الخمس المتبقية كان مضمونها يخص قضايا التعليم والاقتصاد والتنمية .
في التدقيق بمجمل البيان الصادر عن قمة البحر الميت تبين معالجة كافة القضايا التي تواجه العرب، بدون المس والاساءة لدول الجوار مع العالم العربي وخاصة ايران وتركيا واثيوبيا التي تمت معالجتها في البند الثامن الذي أكد على مبادئ حُسن الجوار وقواعد العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي وميثاق منظمة الأمم المتحدة، مثلما حظيت فلسطين بالأولوية ونالت فقرتها 395 كلمة من أصل البيان المكون من 1682 كلمة .
قمم الرياض الثلاث
في خطوة غير مسبوقة من حيث الأهمية والحشد، لم تتوفر الفرصة كما أُتيح للعربية السعودية في دعوة خمسة وخمسين دولة اسلامية، استجابت جميعها لمبادرة الرياض للاجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدءاً من القمة الثنائية الأميركية السعودية والخليجية من بلدان الخليج العربي الستة مع رئيس الولايات المتحدة، وتوجت بالقمة الاسلامية الأميركية .
في بداية الحضور الأميركي يوم 20 / مايو أيار /2017، صدر « اعلان الرؤية الاستراتيجية المشتركة « بين العربية السعودية والولايات المتحدة بتوقيع الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس دونالد ج ترامب ونص على ما يلي حرفياً :
« تكرس كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية نفسيهما لتعزيز شراكتهما الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين، ولرسم مسار مجدد نحو شرق أوسط ينعم بالسلام حيث التنمية الاقتصادية، والتجارة، والدبلوماسية سمات العمل الاقليمي والعالمي. تحقيقاً لهذه الغاية يرحب البلدان بحقبة جديدة من شراكتهما الاستراتيجية مبنية على ثقتهما المستمرة ومصالحهما المشتركة. اضافة الى ذلك، يخطط البلدان لتشكيل مجموعة استراتيجية تشاورية مشتركة يستضيفها خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أو من ينوب عن كل منهما من المسؤولين الملائمين، لرسم مسار هذه الشراكة الاستراتيجية. ستجتمع المجموعة مرة واحدة على الأقل في السنة، بالتناوب بين بلدينا، لمراجعة مجالات التعاون.
تشترك دولتانا العظيمتان في رغبتهما في التصدي لتهديدات مصالح أمنهما المشتركة. ومن ثم فان المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تسعيان لاطلاق مبادرات جديدة لمكافحة خطاب التطرف العنيف، وتعطيل تمويل الارهاب، وتعزيز التعاون الدفاعي. سيجد من ينتهجون التطرف العنيف ويهددون السلام في الشرق الأوسط عددا متزايداً من الشركاء الاقليميين وقد اصطفوا ضدهم يتصدون لعدوانهم ويزرعون بذور السلام. تأمل كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم الحكومات المسؤولة التي ترغب في الالتزام بالسلام بالبناء على هذه الجهود تحقيقاً لهذه الأهداف.
ان ايجاد هيكل أمني اقليمي موحد وقوي أمر بالغ الضرورة لتعاوننا. تنوي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية توسيع رقعة عملهما مع بلدان أخرى في المنطقة خلال الأعوام القادمة لتحديد مجالات جديدة للتعاون. لقد طورت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية على مدى تاريخهما شراكة بناءة مبنية على الثقة، والتعاون، والمصالح المشتركة. اننا نقف اليوم معا للتصدي لأعدائنا المشتركين وتوثيق أواصر الروابط بيننا، ورسم مسار نحو السلام والازدهار للجميع « .
ويتضح من بيان الرؤية الاستراتيجية عدم التطرق اطلاقاً من قريب أو بعيد للاحتلال الاسرائيلي لأراضي ثلاثة بلدان عربية، بينما نص البيان السعودي الأميركي المشترك الصادر في أعقاب زيارة الرئيس ترامب للعربية السعودية وحوى على 1051 كلمة و28 بنداً، حظيت فلسطين بالبند رقم 24 أي أن هناك 23 قضية أهم من فلسطين وعلى 27 كلمة منه فقط هذا نصها « كما أكد الجانبان على أهمية الوصول الى سلام شامل بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وتعهد القائدان ببذل كل ما في وسعهما لتشجيع ايجاد مناخ يساعد على تحقيق السلام « بينما تضمن بيان القمة الاستثنائية لمجلس التعاون لدول الخليج العربي والولايات المتحدة على 1110 كلمة و 29 بنداً شغلت فلسطين البند رقم 22، أي أنها تقدمت ببندين على بيان القمة الثنائية الأميركية السعودية، وعلى 23 كلمة فقط هذا نصها « التزم القادة بالعمل سوياً لتحقيق سلام شامل بين فلسطين واسرائيل. واتفق القادة على القيام بما في وسعهم لتوفير البيئة المناسبة للتقدم بعملية السلام « .
في بيان القمة الأميركية الاسلامية الذي لم يقتصر على حضور بلدان الخليج العربي بل شمل مشاركة أغلبية البلدان العربية وبما يوازيهم عدداً من البلدان الاسلامية بحضور وفد فلسطين ومشاركة رئيسها محمود عباس، لم تكن فلسطين أكثر حظاً من تناول ذكرها كما حصل في القمتين الأميركية السعودية والأميركية الخليجية .
ففي البيان الختامي للقمة الاسلامية الأميركية الذي حوى 1098 كلمة عالج البيان الذي أعتبر أن هذه القمة تمثل منعطفاً تاريخياً في علاقة العالمين العربي والاسلامي مع الولايات المتحدة، الموضوعات الخمسة التالية :
أولاً : الشراكة الوثيقة بين قادة الدول العربية والاسلامية والولايات المتحدة الأميركية لمواجهة التطرف والارهاب، وتضمن ثماني نقاط فرعية .
ثانياً : تعزيز التعايش والتسامح البناء بين مختلف الدول والأديان والثقافات، وتضمن أربع نقاط فرعية .
ثالثاً : التصدي للأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول، وتضمن خمس نقاط فرعية .
رابعاً : مواجهة القرصنة وحماية الملاحة .
خامساً : آليات التنفيذ، وتضمن ثلاث نقاط فرعية .
في هذا البيان الختامي للقمة الاسلامية الأميركية، لم يتطرق البيان اطلاقاً الى أي موقف أو اشارة عن فلسطين ومقدساتها والمسجد الأقصى ومكانته، وعن المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي واحتلاله لأراضي ثلاثة بلدان عربية، أو الى الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الأجنبي الاسرائيلي بحق الشعب العربي الفلسطيني بما يتعارض مع القانون الدولي، وعدم اذعانه لقرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة .
نتائج مخيبة للأمال
قرارات قمم الرياض ونتائجها أيار 2017، رسالة عربية اسلامية للأميركيين أمام العالم تعكس تراجع اهتمام بعض أطراف النظام العربي والاسلامي لقضيتهم المفترض أنها مركزية !
وهي رسالة، سبقتها رسائل أو اشارات لها مغزى وتحول سلبي في الأداء والموقف من قبل بعض أطراف النظام العربي نحو فلسطين ونحو مشروع تثبيت احتلال فلسطين، فقد صوتت أربعة بلدان عربية منها ثلاثة خليجية لصالح إنضمام المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي لعضوية لجنة الإستخدامات السلمية للفضاء يوم 29/10/2015 لدى الأمم المتحدة ، وغابت باقي الدول العربية عن التصويت ومنها الأردن، ولم يقتصر التصويت على هذه اللجنة وحسب، بل صوتت أيضاً البلدان العربية نفسها لصالح فوز المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، لرئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة يوم 13/6/2016، ، وتدلل حصيلة هذا التحول في المواقف والسياسات لبعض النظم العربية، على فداحة الخسارة وتراجع الانحياز لعدالة القضية الفلسطينية من طرف بعض البلدان العربية الشقيقة .
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية
عمان جو - حمادة فراعنة
في اطار الاهتمام الأردني بالقضية الفلسطينية واعطائها الأولوية، وفق امكانات الأردن المتواضعة، يعمل هذا البلد محدود الموارد على توظيف علاقاته الوطيدة مع الولايات المتحدة الأميركية وبلدان المجموعة الأوروبية، على تحقيق غرضين هما :
أولاً : خدمة المصالح الوطنية الأردنية، وحماية الأمن الوطني من مخططات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي الذي لازال يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية : كامل فلسطين، والجولان السوري، ويحتل جزءًا من جنوب لبنان، اضافة الى برنامج مطبخ صنع القرار الاسرائيلي المتطرف الذي يعمل تدريجياً وتراكمياً على تهويد فلسطين وأسرلتها، وخاصة في القدس والغور، وتمزيق الضفة بالمستوطنات، وقطع الاتصال الجغرافي والسكاني بين الضفة والقدس والقطاع، وجعلها طاردة لشعبها، بما ينسجم مع برنامجه الهادف الى رمي القضية الفلسطينية مرة أخرى خارج فلسطين، والبحث عن ذرائع حلها على حساب الأردنيين .
ثانياً : دعم نضال الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده على أرضه، منعاً لأي تهجير قسري، وأن تبقى المشكلة الفلسطينية بتعقيداتها وتداعياتها هناك على أرضها، الى جانب احباط أي مشاريع لا تستجيب لحقوق الشعب الفلسطيني في المساواة والاستقلال والعودة .
من هنا تبدأ المقارنة بين أداء الواجب الأردني حماية لأمنه ودعماً منه لشعب شقيق، رغم الامكانات المتواضعة المتوافرة، مع التقصير العربي من طرف أو أطراف متمكنة وقادرة على وضع مصالحها في موضع الأولوية، وهي محقة بذلك ولكن يجب تحفيزها للتعاطي مع الحقوق الفلسطينية بشكل يسمح لها التأثير المعنوي والمادي وهي تملك ذلك، وتوجيهها نحو توظيف سلوكها السياسي وتأثيرها في دفع حليفها الأكبر الولايات المتحدة نحو اتخاذ خطوات عملية باتجاه قضية شعب فلسطين الذي يستحق من العرب والمسلمين والمسيحيين بذل المدى الممكن في الاهتمام والرعاية المطلوبين، ان لم يكن لصالحه مباشرة، فليكن بسبب ما لدى فلسطين من قدسية تستوجب ممارسة الضغط والتأثير لازالة الظلم عن شعبها والحفاظ على مقدساتها ، وعلينا أن نسجل أن مصر وسوريا ولبنان يشاركون الأردن القلق والدور، بشكل متفاوت وفق معطيات وظروف كل بلد منهم .
مقارنة بين قمتي عمان والرياض
ولكن حينما ندقق بالمقارنات الصادرة عن قمتي عمان 29/3 والرياض 21/5، نلحظ الفرق بينهما، مما يعكس الفجوة في النتائج السياسية، ففي البحر الميت حظيت قضية فلسطين بالاهتمام الأكبر في بيان وقرارات القمة، فقد قفزت كي تكون البند الأول من بين خمسة عشر بنداً اهتمت بها القمة، وقد شمل بيانها مختلف القضايا بدءاً من سوريا التي احتلت البند الثاني بقولها « نشدد على تكثيفنا العمل على ايجاد حل سلمي يُنهي الأزمة السورية «، وثالثاً العراق ونصه « نجدد التأكيد على أمن العراق واستقراره وتماسكه ووحدة أراضيه «، ورابعاً نحو « مساندة جهود التحالف العربي في دعم الشرعية في اليمن، وانهاء الأزمة اليمنية على أساس المبادرة الخليجية وألياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني «، وخامساً نحو « ضرورة تحقيق الأستقرار الأمني والسياسي في ليبيا «، وسادساً نحو « الالتزام وتكريس جميع الأمكانات اللازمة للقضاء على العصابات الارهابية وهزيمة الأرهابيين في جميع ميادين المواجهة العسكرية والأمنية والفكرية «، وسابعاً الاعراب عن بالغ القلق ازاء تنامي ظاهرة الاسلاموفوبيا ومحاولات الربط بين الدين الاسلامي الحنيف والارهاب «، ثامناً « تأكيد الحرص على بناء علاقات حسن الجوار والتعاون مع دول الجوار العربي بما يضمن تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والتنمية الاقليمية، كما أننا نرفض كل التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية وندين المحاولات الرامية الى زعزعة الأمن وبث النعرات الطائفية والمذهبية أو تأجيج الصراعات، وما يمثله ذلك من ممارسات تنتهك مبادئ حسن الجوار وقواعد العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي وميثاق منظمة الأمم المتحدة «، وتاسعاً « اعادة التأكيد على سيادة دولة الامارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأبو موسى) وتأييد جميع الاجراءات والوسائل السلمية التي تتخذها لاستعادة سيادتها عليها، وندعو ايران الى الاستجابة لمبادرة دولة الامارات العربية المتحدة ايجاد حل سلمي لقضية الجزر الثلاث من خلال المفاوضات المباشرة أو اللجوء الى محكمة العدل الدولية «، وعاشراً « توجيه التهنئة لجمهورية الصومال على استكمال العملية الانتخابية ونؤكد دعمنا لهم في جهودهم لاعادة البناء ومواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية ومحاربة الارهاب «، والنقاط الخمس المتبقية كان مضمونها يخص قضايا التعليم والاقتصاد والتنمية .
في التدقيق بمجمل البيان الصادر عن قمة البحر الميت تبين معالجة كافة القضايا التي تواجه العرب، بدون المس والاساءة لدول الجوار مع العالم العربي وخاصة ايران وتركيا واثيوبيا التي تمت معالجتها في البند الثامن الذي أكد على مبادئ حُسن الجوار وقواعد العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي وميثاق منظمة الأمم المتحدة، مثلما حظيت فلسطين بالأولوية ونالت فقرتها 395 كلمة من أصل البيان المكون من 1682 كلمة .
قمم الرياض الثلاث
في خطوة غير مسبوقة من حيث الأهمية والحشد، لم تتوفر الفرصة كما أُتيح للعربية السعودية في دعوة خمسة وخمسين دولة اسلامية، استجابت جميعها لمبادرة الرياض للاجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدءاً من القمة الثنائية الأميركية السعودية والخليجية من بلدان الخليج العربي الستة مع رئيس الولايات المتحدة، وتوجت بالقمة الاسلامية الأميركية .
في بداية الحضور الأميركي يوم 20 / مايو أيار /2017، صدر « اعلان الرؤية الاستراتيجية المشتركة « بين العربية السعودية والولايات المتحدة بتوقيع الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس دونالد ج ترامب ونص على ما يلي حرفياً :
« تكرس كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية نفسيهما لتعزيز شراكتهما الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين، ولرسم مسار مجدد نحو شرق أوسط ينعم بالسلام حيث التنمية الاقتصادية، والتجارة، والدبلوماسية سمات العمل الاقليمي والعالمي. تحقيقاً لهذه الغاية يرحب البلدان بحقبة جديدة من شراكتهما الاستراتيجية مبنية على ثقتهما المستمرة ومصالحهما المشتركة. اضافة الى ذلك، يخطط البلدان لتشكيل مجموعة استراتيجية تشاورية مشتركة يستضيفها خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أو من ينوب عن كل منهما من المسؤولين الملائمين، لرسم مسار هذه الشراكة الاستراتيجية. ستجتمع المجموعة مرة واحدة على الأقل في السنة، بالتناوب بين بلدينا، لمراجعة مجالات التعاون.
تشترك دولتانا العظيمتان في رغبتهما في التصدي لتهديدات مصالح أمنهما المشتركة. ومن ثم فان المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تسعيان لاطلاق مبادرات جديدة لمكافحة خطاب التطرف العنيف، وتعطيل تمويل الارهاب، وتعزيز التعاون الدفاعي. سيجد من ينتهجون التطرف العنيف ويهددون السلام في الشرق الأوسط عددا متزايداً من الشركاء الاقليميين وقد اصطفوا ضدهم يتصدون لعدوانهم ويزرعون بذور السلام. تأمل كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم الحكومات المسؤولة التي ترغب في الالتزام بالسلام بالبناء على هذه الجهود تحقيقاً لهذه الأهداف.
ان ايجاد هيكل أمني اقليمي موحد وقوي أمر بالغ الضرورة لتعاوننا. تنوي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية توسيع رقعة عملهما مع بلدان أخرى في المنطقة خلال الأعوام القادمة لتحديد مجالات جديدة للتعاون. لقد طورت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية على مدى تاريخهما شراكة بناءة مبنية على الثقة، والتعاون، والمصالح المشتركة. اننا نقف اليوم معا للتصدي لأعدائنا المشتركين وتوثيق أواصر الروابط بيننا، ورسم مسار نحو السلام والازدهار للجميع « .
ويتضح من بيان الرؤية الاستراتيجية عدم التطرق اطلاقاً من قريب أو بعيد للاحتلال الاسرائيلي لأراضي ثلاثة بلدان عربية، بينما نص البيان السعودي الأميركي المشترك الصادر في أعقاب زيارة الرئيس ترامب للعربية السعودية وحوى على 1051 كلمة و28 بنداً، حظيت فلسطين بالبند رقم 24 أي أن هناك 23 قضية أهم من فلسطين وعلى 27 كلمة منه فقط هذا نصها « كما أكد الجانبان على أهمية الوصول الى سلام شامل بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وتعهد القائدان ببذل كل ما في وسعهما لتشجيع ايجاد مناخ يساعد على تحقيق السلام « بينما تضمن بيان القمة الاستثنائية لمجلس التعاون لدول الخليج العربي والولايات المتحدة على 1110 كلمة و 29 بنداً شغلت فلسطين البند رقم 22، أي أنها تقدمت ببندين على بيان القمة الثنائية الأميركية السعودية، وعلى 23 كلمة فقط هذا نصها « التزم القادة بالعمل سوياً لتحقيق سلام شامل بين فلسطين واسرائيل. واتفق القادة على القيام بما في وسعهم لتوفير البيئة المناسبة للتقدم بعملية السلام « .
في بيان القمة الأميركية الاسلامية الذي لم يقتصر على حضور بلدان الخليج العربي بل شمل مشاركة أغلبية البلدان العربية وبما يوازيهم عدداً من البلدان الاسلامية بحضور وفد فلسطين ومشاركة رئيسها محمود عباس، لم تكن فلسطين أكثر حظاً من تناول ذكرها كما حصل في القمتين الأميركية السعودية والأميركية الخليجية .
ففي البيان الختامي للقمة الاسلامية الأميركية الذي حوى 1098 كلمة عالج البيان الذي أعتبر أن هذه القمة تمثل منعطفاً تاريخياً في علاقة العالمين العربي والاسلامي مع الولايات المتحدة، الموضوعات الخمسة التالية :
أولاً : الشراكة الوثيقة بين قادة الدول العربية والاسلامية والولايات المتحدة الأميركية لمواجهة التطرف والارهاب، وتضمن ثماني نقاط فرعية .
ثانياً : تعزيز التعايش والتسامح البناء بين مختلف الدول والأديان والثقافات، وتضمن أربع نقاط فرعية .
ثالثاً : التصدي للأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول، وتضمن خمس نقاط فرعية .
رابعاً : مواجهة القرصنة وحماية الملاحة .
خامساً : آليات التنفيذ، وتضمن ثلاث نقاط فرعية .
في هذا البيان الختامي للقمة الاسلامية الأميركية، لم يتطرق البيان اطلاقاً الى أي موقف أو اشارة عن فلسطين ومقدساتها والمسجد الأقصى ومكانته، وعن المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي واحتلاله لأراضي ثلاثة بلدان عربية، أو الى الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الأجنبي الاسرائيلي بحق الشعب العربي الفلسطيني بما يتعارض مع القانون الدولي، وعدم اذعانه لقرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة .
نتائج مخيبة للأمال
قرارات قمم الرياض ونتائجها أيار 2017، رسالة عربية اسلامية للأميركيين أمام العالم تعكس تراجع اهتمام بعض أطراف النظام العربي والاسلامي لقضيتهم المفترض أنها مركزية !
وهي رسالة، سبقتها رسائل أو اشارات لها مغزى وتحول سلبي في الأداء والموقف من قبل بعض أطراف النظام العربي نحو فلسطين ونحو مشروع تثبيت احتلال فلسطين، فقد صوتت أربعة بلدان عربية منها ثلاثة خليجية لصالح إنضمام المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي لعضوية لجنة الإستخدامات السلمية للفضاء يوم 29/10/2015 لدى الأمم المتحدة ، وغابت باقي الدول العربية عن التصويت ومنها الأردن، ولم يقتصر التصويت على هذه اللجنة وحسب، بل صوتت أيضاً البلدان العربية نفسها لصالح فوز المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، لرئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة يوم 13/6/2016، ، وتدلل حصيلة هذا التحول في المواقف والسياسات لبعض النظم العربية، على فداحة الخسارة وتراجع الانحياز لعدالة القضية الفلسطينية من طرف بعض البلدان العربية الشقيقة .
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية