قراءة سياسية للحدث الأبرز "عملية القدس" ووقفة كفاحية لها ما بعدها
عمان جو - حمادة فراعنة
تتدفق المشاعر، وتتلبد الكلمات، وتزوغ مفاهيم المنطق أمام قوة الاندفاع، وأمام صلابة الاختيار في المواجهة، ونُبل الهدف، وقدسية الموت، تلك الصورة الانطباعية التي ولدها شباب أم الفحم، باختيارهم ساحات الحرم القدسي الشريف لممارسة قناعاتهم، وايمانهم، ووطنيتهم، وفلسطينيتهم علناً بحد السكين التي وظفونها كأداة في رفض سائر مظاهر الاحتلال، وجنوده، ومستوطنيه، وتفوقه، وعنجهيته، وغرابته على أرض ومكان وتاريخ أصروا أن يبقى امتداداً لتراثهم، وأنه لهم، ولهم وحدهم، كمكان لأداء فريضة الصلاة للمسلمين فقط كما هي الكنيسة للمسيحيين، وكما هي الكنس لليهود، وكما هي الخلوة للدروز .
محاولات تبديد المكان، واستبدال صورته، وتضليل التعامل معه باعتباره قاسماً مشتركاً للجميع، لم يكن مطلوباً ولم يكن مقبولاً ولم يكن مرغوباً، تلك هي الحصيلة التي جسدها أداء ومبادرة شباب أم الفحم يوم الجمعة 14/ تموز / 2017 ورسالتهم، بعملهم غير المسبوق كفعل شجاع خلاق في مكان مقدس للمسلمين، وللمسلمين فقط، بدلالة ما أقرته اليونسكو، وأفادت به أن الحرم القدسي الشريف بمساجده الثلاثة : الأقصى، وقبة الصخرة، والمرواني للمسلمين، كان ولا يزال وسيبقى، فهي أولى القبلتين قبل مكة، وهي ثالث الحرمين، مكة والمدينة والقدس، ثالوث متماسك كما هي كنائس المسيحيين الثلاثة، مترابطة متكاملة في المهد والقيامة والبشارة .
ما فعلوه شباب أم الفحم من عائلة جبارين، أعاد المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي الى حقيقته، وعراه تماماً، وكشف ما لا يرغب نتنياهو أن يراه أو يسمع به أو يقر بوجوده، فالقراءة السياسية الحاذقة للفعل تدلل على مظهرين :
أولهما : أن شعب فلسطين مازال موجوداً حياً معطاء على أرض وطنه الذي لا وطن له سواه، وأن عمليات التهجير والاقتلاع والاستئصال والتشريد لنصف الشعب العربي الفلسطيني في سنتي النكبة 1948، والنكسة 1967، لم تلغ البقاء والصمود والتشبث بالوطن كما هي الحياة، فالمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي قام على فلسفة « أرض بلا شعب « فحصل على الأرض، كل الأرض وأحتلها وأقام مشروعه عليها، ولكنه أصطدم مع الواقع القاسي بعد سبعين سنة، إن شعب هذه الأرض مازال باقياً كما هي الأرض بلا تزويق وتطوير ومداهنة وتشويه، لأن فيها كما يقول شاعرها الأكبر محمود درويش « ما يستحق الحياة « و « كان اسمها فلسطين ولا تزال « .
وثانيهما : أن هذا الشعب رغم الأدارة والتسلط والتكبر والتفوق والأسرلة والتهويد وتشويه المعالم والإفقار وتبديد الهوية، مازال فلسطينياً عربياً مسلماً مسيحياً درزياً، تتكامل مكوناته لتؤكد أنه شعب واحد متماسك، حتى ولو تخلى عنه أغلبية الأشقاء، وعجز عن دعمه الأصدقاء، فالارادة لديه مازالت هي الأقوى والأفعل والأثبت .
تلك هي الحصيلة التي أذهلت نتنياهو وبددت أوهامه أن اسرائيل انتصرت على فلسطين، وأن العرب لم يعد لهم وزناً، وأن المسلمين لا قيمة لهم، وأن قطاعاً من المسيحيين تصهينوا معهم، وأن عدوهم ايران وليس اسرائيل، وأن ما بطشت بهم داعش والقاعدة يفوق ما فعلته اسرائيل، لذا فالانتصار الاسرائيلي تحول الى أبدي مستديم بفعل هذه الوقائع، فجاءته « الفكرة بعد السكرة « أن شعب فلسطين حي وضرباته موجعة وأنه لا يستكين، مهما علت مزامير يهوذا وتفوقت على قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وتجمد تنفيذها .
عملية القدس في الرابع عشر من تموز تدلل على أن سياسات الاحتلال رغم فداحة ومرارة أفعالها، مازال لها الفضل على الفلسطينيين، فقد حفزتهم لاعادة التأكيد على ما يلي :
أولاً : أنهم شعب واحد سواء أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، مع أبناء الضفة والقدس والقطاع .
ثانياً : أن التدجين والتطبيع لتجربتي مناطق 48 ومناطق 67 فاشلة
ثالثاً : ان الحل الواقعي الذي لا فكاك منه، استحقاق مطلوب مهما جرى التهرب عنه، وهو يسير باتجاهين لا ثالث لهما : اما تقاسم الأرض بدولتين، أو تقاسم السلطة بدولة واحدة ثنائية القومية، متعددة الديانات، تقوم على افرازات نتائج صناديق الاقتراع .
رابعاً : ان الحروب البينية العربية وتدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا ومن قبلهم الصومال وتمزيق السودان واضعاف مصر، وان تركت أثارها السلبية المقيتة على الفلسطينيين، فانها لم تدفعهم بعد نحو الاستكانة والهزيمة والهروب من مواجهة الواقع، واقع الاحتلال، وقسوة افرازاته وخيار مواجهته بكل السبل والأدوات المتاحة .
ففي الخمسينيات والستينيات حينما بادر ياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف وسليم الزعنون وفاروق القدومي ومحمود عباس، كانوا فقراء لا حول لهم ولا قوة، ولكنهم بادروا حتى تحولوا الى قادة لشعبهم يحسب لهم العالم حساباً ويقر لهم بما سلم به اسحق رابين في أوسلو ووقع عليه في ساحة الورود في البيت الأبيض، باعترافه المثلث : بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير، وبحقوقهم السياسية على أرض وطنهم .
خامساً : ان الفعل الفلسطيني هو فعل من الذات والوعي والرغبة في الحياة، وأن لا عدو للفلسطينيين سوى ذاك الذي يحتل أرضهم، ويسرق حقوقهم، وينتهك كرامتهم، وأن لا خيار لهم وأمامهم سوى الصمود والمقاومة، وثمة خبرات أمامهم علّمتهم، تتمثل بما يلي :
الخبرة الأولى هي حصيلة تجربتين هما :
1 – نتائج الانتفاضة المدنية الشعبية عام 1987، انتفاضة الحجارة التي أعطت نتائج بالاقرار الاسرائيلي الأميركي بجزء من حقوق الشعب الفلسطيني، والتي فرضت الانسحاب الاسرائيلي التدريجي متعدد المراحل من فلسطين بدءاً من غزة وأريحا أولاً، وعودة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني، عادوا الى وطنهم، وولادة السلطة الوطنية، كمقدمة لقيام الدولة المنشودة على أرض فلسطين .
2 – نتائج الانتفاضة شبه المسلحة عام 2000، والتي أرغمت شارون على ترك قطاع غزة والرحيل عنها عام 2005، بعد أن فكفك المستوطنات، وأزال قواعد جيش الاحتلال، عن كامل قطاع غزة .
أما الخبرة الثانية فهي حصيلة خيار المفاوضات من خلال أربع محطات تفاوضية برعاية الولايات المتحدة، وكانت كما يلي :
1 – مفاوضات كامب ديفيد في تموز عام 2000، بين أبو عمار ويهود براك برعاية كلينتون وفشلت بسبب تمسك أبو عمار بقضيتي القدس واللاجئين .
2 – مفاوضات أنابوليس بين محمود عباس ويهود أولمرت في نهاية عام 2007، وفشلت رغم كل مساومات وواقعية وضعف أبو مازن .
3 – مفاوضات واشنطن وما تلاها خلال ولاية أوباما الأولى 2009 – 2012، برعاية السيناتور الأميركي جورج ميتشيل، وفشلت لأن نتنياهو ليس لدية الرغبة في اعطاء الفلسطينيين جزءاً من حقوقهم على أرض « اسرائيل «، فالحل الليكودي للقضية الفلسطينية خارج الضفة الفلسطينية .
4 – مفاوضات مماثلة خلال ولاية أوباما الثانية 2013 حتى نيسان 2014، برعاية وزير الخارجية جون كيري وفشلت لنفس الأسباب .
5 – والأن في عهد ترامب اليميني الذي فرض في مؤتمرات الرياض الثلاثة 20 و 21 و 22 أيار 2017، أن عدو العرب والمسلمين هو ارهاب داعش والقاعدة وحماس وحزب الله و2- ايران، وليس العدو الوطني والقومي والديني : المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي الذي يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، وأن من سيقود المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية من الجانب الأميركي ثلاثة من قيادات حملة ترامب الانتخابية، هم من اليهود الصهاينة المتعصبين وهم : جيرارد كوشنر زوج ابنته، وجيسين جرينبلات مسؤول المفاوضات، وفريدمان سفيره المعين في تل أبيب .
سادساً : أن الفلسطينيين مازال لهم أشقاء يقفون الى جانبهم في طليعتهم الأردن ومصر، وأصدقاء عبرت عنهم مندوبة كوبا في اليونسكو حينما ردت على المندوب الاسرائيلي بعد أن طالب بالوقوف دقيقة صمت على أرواح ضحايا المحرقة النازية ضد اليهود، واستجاب رئيس الجلسة والحضور لذلك، فكان رد الكوبية أن صاحب القرار بالوقوف هو رئيس الجلسة وليس المندوب الاسرائيلي، ولذلك وطالما سمح له بذلك وتجاوب معه، فهي تطالب أيضاً بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الفلسطينيين ضحايا الاحتلال والقتل الاسرائيلي، فاستجاب الحضور ليقظة السفيرة الكوبية التي دللت أنها مع فلسطين والعرب والمسلمين والمسيحيين، لأن قضيتهم عادلة ونضالهم مشروع، ويستحقون التضامن والتذكير والاحترام، وعلينا التأكيد والتذكر بقرارات المؤسسات الدولية الثلاثة وهي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/2012، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية والتي حصلت على 138 دولة ضد 9 دول فقط، وقرارات اليونسكو المتتالية التي اعتبرت الحرم القدسي الشريف للمسلمين فقط، وأخيراً قرار مجلس الأمن 2334 الصادر يوم 23/12/2016، ضد الاستيطان والمستوطنين بالاجماع من قبل 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، هذه جميعها وغيرها يدلل على مدى عدالة القضية الفلسطينية وعلى مدى انحياز المجتمع الدولي لشرعية المطالب والحقوق الفلسطينية .
عملية الأقصى ليست البداية ولن تكون النهاية، ولكنها وقفة أمام الحدث، ومحطة على الطريق الطويل الصعب، وتدلل بالنتيجة على أن شعب فلسطين مازال ممسكاً بقضيته وحريته وانسانيته وحقه في البقاء من أجل نيل حقوقه الثلاثة، التي لا تحتمل التبديد أو التلاشي أو المساومة وهي :
1 – حقه في المساواة في مناطق 48 .
2 – حقه في الاستقلال في مناطق 67 .
3 – حق اللاجئين في العودة الى اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها، وبغير ذلك، فهو عبث وفوضى وظلم لن يصمد أمام عظمة شعب فلسطين وتضحياته، ورسالة أم الفحم واضحة، صارخة، قوية، ستكون فاعلة وكما فعل قادة الثورة من خارج فلسطين، أبو عمار وأبو جهاد وأبو اياد، في الخمسينيات والستينيات سيفعلها أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة جنباً الى جنب مع أبناء القدس والضفة والقطاع، الذي لا خيار لهم سوى مواجهة الوحش المتفوق والانتصار عليه .
h.faraneh@yahoo.com
كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية
عمان جو - حمادة فراعنة
تتدفق المشاعر، وتتلبد الكلمات، وتزوغ مفاهيم المنطق أمام قوة الاندفاع، وأمام صلابة الاختيار في المواجهة، ونُبل الهدف، وقدسية الموت، تلك الصورة الانطباعية التي ولدها شباب أم الفحم، باختيارهم ساحات الحرم القدسي الشريف لممارسة قناعاتهم، وايمانهم، ووطنيتهم، وفلسطينيتهم علناً بحد السكين التي وظفونها كأداة في رفض سائر مظاهر الاحتلال، وجنوده، ومستوطنيه، وتفوقه، وعنجهيته، وغرابته على أرض ومكان وتاريخ أصروا أن يبقى امتداداً لتراثهم، وأنه لهم، ولهم وحدهم، كمكان لأداء فريضة الصلاة للمسلمين فقط كما هي الكنيسة للمسيحيين، وكما هي الكنس لليهود، وكما هي الخلوة للدروز .
محاولات تبديد المكان، واستبدال صورته، وتضليل التعامل معه باعتباره قاسماً مشتركاً للجميع، لم يكن مطلوباً ولم يكن مقبولاً ولم يكن مرغوباً، تلك هي الحصيلة التي جسدها أداء ومبادرة شباب أم الفحم يوم الجمعة 14/ تموز / 2017 ورسالتهم، بعملهم غير المسبوق كفعل شجاع خلاق في مكان مقدس للمسلمين، وللمسلمين فقط، بدلالة ما أقرته اليونسكو، وأفادت به أن الحرم القدسي الشريف بمساجده الثلاثة : الأقصى، وقبة الصخرة، والمرواني للمسلمين، كان ولا يزال وسيبقى، فهي أولى القبلتين قبل مكة، وهي ثالث الحرمين، مكة والمدينة والقدس، ثالوث متماسك كما هي كنائس المسيحيين الثلاثة، مترابطة متكاملة في المهد والقيامة والبشارة .
ما فعلوه شباب أم الفحم من عائلة جبارين، أعاد المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي الى حقيقته، وعراه تماماً، وكشف ما لا يرغب نتنياهو أن يراه أو يسمع به أو يقر بوجوده، فالقراءة السياسية الحاذقة للفعل تدلل على مظهرين :
أولهما : أن شعب فلسطين مازال موجوداً حياً معطاء على أرض وطنه الذي لا وطن له سواه، وأن عمليات التهجير والاقتلاع والاستئصال والتشريد لنصف الشعب العربي الفلسطيني في سنتي النكبة 1948، والنكسة 1967، لم تلغ البقاء والصمود والتشبث بالوطن كما هي الحياة، فالمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي قام على فلسفة « أرض بلا شعب « فحصل على الأرض، كل الأرض وأحتلها وأقام مشروعه عليها، ولكنه أصطدم مع الواقع القاسي بعد سبعين سنة، إن شعب هذه الأرض مازال باقياً كما هي الأرض بلا تزويق وتطوير ومداهنة وتشويه، لأن فيها كما يقول شاعرها الأكبر محمود درويش « ما يستحق الحياة « و « كان اسمها فلسطين ولا تزال « .
وثانيهما : أن هذا الشعب رغم الأدارة والتسلط والتكبر والتفوق والأسرلة والتهويد وتشويه المعالم والإفقار وتبديد الهوية، مازال فلسطينياً عربياً مسلماً مسيحياً درزياً، تتكامل مكوناته لتؤكد أنه شعب واحد متماسك، حتى ولو تخلى عنه أغلبية الأشقاء، وعجز عن دعمه الأصدقاء، فالارادة لديه مازالت هي الأقوى والأفعل والأثبت .
تلك هي الحصيلة التي أذهلت نتنياهو وبددت أوهامه أن اسرائيل انتصرت على فلسطين، وأن العرب لم يعد لهم وزناً، وأن المسلمين لا قيمة لهم، وأن قطاعاً من المسيحيين تصهينوا معهم، وأن عدوهم ايران وليس اسرائيل، وأن ما بطشت بهم داعش والقاعدة يفوق ما فعلته اسرائيل، لذا فالانتصار الاسرائيلي تحول الى أبدي مستديم بفعل هذه الوقائع، فجاءته « الفكرة بعد السكرة « أن شعب فلسطين حي وضرباته موجعة وأنه لا يستكين، مهما علت مزامير يهوذا وتفوقت على قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وتجمد تنفيذها .
عملية القدس في الرابع عشر من تموز تدلل على أن سياسات الاحتلال رغم فداحة ومرارة أفعالها، مازال لها الفضل على الفلسطينيين، فقد حفزتهم لاعادة التأكيد على ما يلي :
أولاً : أنهم شعب واحد سواء أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، مع أبناء الضفة والقدس والقطاع .
ثانياً : أن التدجين والتطبيع لتجربتي مناطق 48 ومناطق 67 فاشلة
ثالثاً : ان الحل الواقعي الذي لا فكاك منه، استحقاق مطلوب مهما جرى التهرب عنه، وهو يسير باتجاهين لا ثالث لهما : اما تقاسم الأرض بدولتين، أو تقاسم السلطة بدولة واحدة ثنائية القومية، متعددة الديانات، تقوم على افرازات نتائج صناديق الاقتراع .
رابعاً : ان الحروب البينية العربية وتدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا ومن قبلهم الصومال وتمزيق السودان واضعاف مصر، وان تركت أثارها السلبية المقيتة على الفلسطينيين، فانها لم تدفعهم بعد نحو الاستكانة والهزيمة والهروب من مواجهة الواقع، واقع الاحتلال، وقسوة افرازاته وخيار مواجهته بكل السبل والأدوات المتاحة .
ففي الخمسينيات والستينيات حينما بادر ياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف وسليم الزعنون وفاروق القدومي ومحمود عباس، كانوا فقراء لا حول لهم ولا قوة، ولكنهم بادروا حتى تحولوا الى قادة لشعبهم يحسب لهم العالم حساباً ويقر لهم بما سلم به اسحق رابين في أوسلو ووقع عليه في ساحة الورود في البيت الأبيض، باعترافه المثلث : بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير، وبحقوقهم السياسية على أرض وطنهم .
خامساً : ان الفعل الفلسطيني هو فعل من الذات والوعي والرغبة في الحياة، وأن لا عدو للفلسطينيين سوى ذاك الذي يحتل أرضهم، ويسرق حقوقهم، وينتهك كرامتهم، وأن لا خيار لهم وأمامهم سوى الصمود والمقاومة، وثمة خبرات أمامهم علّمتهم، تتمثل بما يلي :
الخبرة الأولى هي حصيلة تجربتين هما :
1 – نتائج الانتفاضة المدنية الشعبية عام 1987، انتفاضة الحجارة التي أعطت نتائج بالاقرار الاسرائيلي الأميركي بجزء من حقوق الشعب الفلسطيني، والتي فرضت الانسحاب الاسرائيلي التدريجي متعدد المراحل من فلسطين بدءاً من غزة وأريحا أولاً، وعودة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني، عادوا الى وطنهم، وولادة السلطة الوطنية، كمقدمة لقيام الدولة المنشودة على أرض فلسطين .
2 – نتائج الانتفاضة شبه المسلحة عام 2000، والتي أرغمت شارون على ترك قطاع غزة والرحيل عنها عام 2005، بعد أن فكفك المستوطنات، وأزال قواعد جيش الاحتلال، عن كامل قطاع غزة .
أما الخبرة الثانية فهي حصيلة خيار المفاوضات من خلال أربع محطات تفاوضية برعاية الولايات المتحدة، وكانت كما يلي :
1 – مفاوضات كامب ديفيد في تموز عام 2000، بين أبو عمار ويهود براك برعاية كلينتون وفشلت بسبب تمسك أبو عمار بقضيتي القدس واللاجئين .
2 – مفاوضات أنابوليس بين محمود عباس ويهود أولمرت في نهاية عام 2007، وفشلت رغم كل مساومات وواقعية وضعف أبو مازن .
3 – مفاوضات واشنطن وما تلاها خلال ولاية أوباما الأولى 2009 – 2012، برعاية السيناتور الأميركي جورج ميتشيل، وفشلت لأن نتنياهو ليس لدية الرغبة في اعطاء الفلسطينيين جزءاً من حقوقهم على أرض « اسرائيل «، فالحل الليكودي للقضية الفلسطينية خارج الضفة الفلسطينية .
4 – مفاوضات مماثلة خلال ولاية أوباما الثانية 2013 حتى نيسان 2014، برعاية وزير الخارجية جون كيري وفشلت لنفس الأسباب .
5 – والأن في عهد ترامب اليميني الذي فرض في مؤتمرات الرياض الثلاثة 20 و 21 و 22 أيار 2017، أن عدو العرب والمسلمين هو ارهاب داعش والقاعدة وحماس وحزب الله و2- ايران، وليس العدو الوطني والقومي والديني : المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي الذي يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، وأن من سيقود المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية من الجانب الأميركي ثلاثة من قيادات حملة ترامب الانتخابية، هم من اليهود الصهاينة المتعصبين وهم : جيرارد كوشنر زوج ابنته، وجيسين جرينبلات مسؤول المفاوضات، وفريدمان سفيره المعين في تل أبيب .
سادساً : أن الفلسطينيين مازال لهم أشقاء يقفون الى جانبهم في طليعتهم الأردن ومصر، وأصدقاء عبرت عنهم مندوبة كوبا في اليونسكو حينما ردت على المندوب الاسرائيلي بعد أن طالب بالوقوف دقيقة صمت على أرواح ضحايا المحرقة النازية ضد اليهود، واستجاب رئيس الجلسة والحضور لذلك، فكان رد الكوبية أن صاحب القرار بالوقوف هو رئيس الجلسة وليس المندوب الاسرائيلي، ولذلك وطالما سمح له بذلك وتجاوب معه، فهي تطالب أيضاً بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الفلسطينيين ضحايا الاحتلال والقتل الاسرائيلي، فاستجاب الحضور ليقظة السفيرة الكوبية التي دللت أنها مع فلسطين والعرب والمسلمين والمسيحيين، لأن قضيتهم عادلة ونضالهم مشروع، ويستحقون التضامن والتذكير والاحترام، وعلينا التأكيد والتذكر بقرارات المؤسسات الدولية الثلاثة وهي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/2012، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية والتي حصلت على 138 دولة ضد 9 دول فقط، وقرارات اليونسكو المتتالية التي اعتبرت الحرم القدسي الشريف للمسلمين فقط، وأخيراً قرار مجلس الأمن 2334 الصادر يوم 23/12/2016، ضد الاستيطان والمستوطنين بالاجماع من قبل 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، هذه جميعها وغيرها يدلل على مدى عدالة القضية الفلسطينية وعلى مدى انحياز المجتمع الدولي لشرعية المطالب والحقوق الفلسطينية .
عملية الأقصى ليست البداية ولن تكون النهاية، ولكنها وقفة أمام الحدث، ومحطة على الطريق الطويل الصعب، وتدلل بالنتيجة على أن شعب فلسطين مازال ممسكاً بقضيته وحريته وانسانيته وحقه في البقاء من أجل نيل حقوقه الثلاثة، التي لا تحتمل التبديد أو التلاشي أو المساومة وهي :
1 – حقه في المساواة في مناطق 48 .
2 – حقه في الاستقلال في مناطق 67 .
3 – حق اللاجئين في العودة الى اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها، وبغير ذلك، فهو عبث وفوضى وظلم لن يصمد أمام عظمة شعب فلسطين وتضحياته، ورسالة أم الفحم واضحة، صارخة، قوية، ستكون فاعلة وكما فعل قادة الثورة من خارج فلسطين، أبو عمار وأبو جهاد وأبو اياد، في الخمسينيات والستينيات سيفعلها أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة جنباً الى جنب مع أبناء القدس والضفة والقطاع، الذي لا خيار لهم سوى مواجهة الوحش المتفوق والانتصار عليه .
h.faraneh@yahoo.com
كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية