انتهاكات قانونية وأخلاقية يمارسها أرباب بعض العمل
عمان جو - المرصد العمالي- منى حسن
الالتزامات المادية وضيق الحال أجبرت العشرينية زينة لطفي (اسم مستعار) على السكوت عن الانتهاكات العمالية التي يمارسها مديرها في العمل دون أن تطالب بأبسط حقوقها التي منحها اياها قانون العمل الأردني.
تعمل زينة كموظفة مقسم في إحدى الشركات الأردنية الكبرى براتب إجمالي يبلغ 250 ديناراً أردنياً فقط لاغير ، تحت سطوة مدير يمارس انتهكات عمالية بالجملة حسب ما أفادت ضارباً عرض الحائط قوانين العمل التي تكفل حقوق العمال مستغلاً حاجتهم المالية وتمسكهم بالعمل.
حالة من التوتر والقلق تسيطر على زينه طوال ساعات عملها، محاولة تمضية الوقت دون أن يحدث تصادم بينها وبين مديرها.
“عشر ساعات عمل متتالية يتخللها استراحة 55 دقيقة فقط وعلى الدقيقة الستين يجب التواجد على المكتب وإلا يكون هناك عقوبة ادارية”، ناهيك عن ورقة المخالفات التي يلصقها على باب القسم “تحرمنا من حقوقنا”.
يستمر مدير زينة بممارسة الانتهاكات العمالية، إذ يفرض مجموعة من المخالفات المالية على الموظفين في حال ارتكاب أحد الممنوعات التي تنص عليها ورقة مخالفات مطبوعة “غير قانونية” تلصق على جدار القسم، تفرض غرامة مالية في حال قامت بمحادثة زميلة لها في المكتب، إستخدام الهاتف الجوال، إطالة الخروج إلى الحمام، فضلاً عن من منعها من شرب الماء أو تناول الطعام خلال العمل، والتهديد الدائم بإلغاء حقها في الحصول على الاستراحة في حال لم يعجبه آداء الموظفات .
بحرقة شديدة، تروي زينة وزميلاتها في القسم معاناتهم بسبب الإهانات المتكررة والشتائم التي تنهال عليها من قبل مديرها “المزاجي” والذي لديه سلطة بانهاء خدماتهن جميعهن مباشرة.
حاجة زينة وزميلاتها للراتب جعلهن يلهثن وراء فرصة عمل من دون قراءة العقد ملياً أو طلب النظام الداخلي للمؤسسة أو حتى إستشارة محامي مستقل يوضح لهن حقوقهن العمالية.
وتقول “كل ما فكرت بأن أصرخ بوجهه واحتج على أسلوبه غير الأخلاقي الذي يمارسه علينا أتذكر التزاماتي وإيجار البيت وحليب طفلي الصغير فأصمت”.
“إللي مش عاجبه الشغل يروح”، بهذه الكلمات يرد مدير زينة في العمل على أي إعتراض أو رفض لأي من تعليمات وضعها هو ولم تكن ضمن النظام الداخلي لمؤسسته الكبرى، بالرغم من وجود عقد عمل بين الطرفين، والتي اعتبرها الحقوقيون انتهاكاً بحق العاملين ومخالفة للمادة 55 من قانون العمل “التي تلزم صاحب العمل بوضع مواعيد دوام واستراحات، وأن لا تتم العقوبات جزافاً وإلا تعتبر باطلة ويحق لهم الشكوى.”
لا تختلف معاناة زينة كثيراً عن الثلاثيني أدهم أبو الروس الذي عمل لمدة سنة كاملة في إحدى النوادي الرياضية دون أن يحصل على مستحقاته المالية التي اتفق مسبقاً عليها مع مدير النادي.
حاجه أدهم للعمل لإعالة أمه المطلقة وأخته التي ما زالت على مقاعد الدراسة ومتطلبات المعيشة قاسية من إيجار المنزل والكهرباء والماء دفعته للاستمرار في عمله براتب 200 دينار، بالرغم من ساعات العمل الطويلة دون اعتبار لحقه في الحصول على أجرة إضافية للعمل الذي يزيد عن 8 ساعات.
جهل أدهم بحقوقه العمالية كان سبباً في مماطلة مديره في توقيع عقد بينهما، هذا بالإضافة إلى عدم اشراكه بالضمان الاجتماعي.
جهل العديد من الموظفين الجدد بحقوقهم العمالية وضعف التوعية الرسمية والنقابية جعلتهم فريسة سهلة بيد العديد من أرباب العمل الذين لم يوفروا جهداً في استنغلالهم وهضم حقوقهم العمالية.
غياب الدور الرقابي وعدم قيام بعض النقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني بدورها الحقيقي والفعال في رفع وعي العمال بحقوقهم العمالية بحسب خبراء في الحقوق العمالية وأهمية الاطلاع على عقد العمل والتأكد من صحته وقانونيته من قبل خبراء مختصين جعلت أصحاب العمل يستمرون في مسلسل الانتهاكات العمالية .
ويرى أمين عام وزارة العمل السابق ومستشار العمل حمادة أبو نجمه “أن صاحب العمل ليس حراً في اتخاذ العقوبات وأن هناك نظام ونموذج لوزارة العمل هو الذي يعمل به بالعقود بعد مصادقة وزارة العمل يعمم على العمال، للاطلاع على مضمونه بحيث يكون صاحب العمل مسؤولاً عن ذلك”، قائلاً “يتوجب على العامل أن يحتفظ بنسخة من العقد، لممارسة حقه في عرضه على أي جهة للتأكد من القانون وعدم مخالفته”.
“لا يجوز أن تعتمد العقوبات أثناء العمل إلا ضمن نظام داخلي مصادق عليه من قبل وزارة العمل وغير ذلك فهي غير ملزمة بموجب المادة (55) من قانون العمل الأردني”.
وتنص المادة 55 من قانون العمل الأردني على أن “كل صاحب عمل يستخدم عشرة عمال فأكثر أن يضع نظاماً داخلياً لتنظيم العمل فى مؤسسته يبين فيه أوقات الدوام وفترات الراحة اليومية والأسبوعية ومخالفات العمل والعقوبات والتدابير المتخذة بشأنها بما فى ذلك الفصل من العمل وكيفية تنفيذها وأي تفاصيل أخرى تقتضيها طبيعة العمل ويخضع النظام الداخلي للمؤسسة لتصديق الوزير أو من يفوضه ويعمل به من تاريخ تصديقه”.
ومن الانتهاكات التي يمارسها أرباب العمل بحق الموظفين الجدد، ترويها العشرينية روان جبر التي تعمل في إحدى مراكز التربية الخاصة في عمان تسلبها وزملائها أبسط حقوقهم العمالية.
تصف روان التي تخرجت من جامعة البلقاء التطبيقية بتقدير امتياز في تخصص التربية الخاصة معاناتها في العمل، فعلى الرغم من أنها تعمل من الساعة 7 صباحاً حتى الرابعة مساء تحرمها مديرة المدرسة من حقها في الحصول على وقت للراحة أو حتى تناول طعامها.
وتضيف “سلبتنا حقوقنا في الحصول على إجازة سنوية أو مرضية فجميعها مخصومة من الراتب حتى بوجود تقرير طبي”.
ولا تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد فحسب تقول روان حيث تخصم يوماً كاملاً من الراتب لمن يتأخر خمس دقائق عن الدوام.
“المفروض انه راتبي 300 دينار ولكن لم اتقاضاه كاملاً طوال العامين بسبب الخصومات”، حيث يعتبر اليوم الذي يتم التأخير فيه حتى لو خمس دقائق اجازة مخصومة من الراتب مع الزامية إكماله كدوام رسمي.”
الحاجة الى دخل شهري وضرورة تسديد الالتزامات الشهرية من قروض وايجار بيت هو ما يجبر العاملات والعاملين على تحمل الانتهاكات العمالية بحقها وعدم تقديم شكوى رسمية لوزارة العمل.
الثلاثينية دانا إسماعيل (اسم مستعار)، عملت في إحدى الشركات الأردنية التي تعنى بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها إحدى ضحايا التعسف الذي فرض عليها التوقيع على عقد احتكار يمنعها من العمل في أي جهة مماثلة لمدة عامين كاملين بعد انتهاء فترة عملها في الشركة.
“شعرت أن هناك شيء غير منطقي في العقد فرفضت التوقيع على شرط الإحتكار”، إلا أن ردة فعل صاحب العمل كانت أقسى مما كانت دانا تتوقعه، حيث ألزمها بتقديم استقالتها كما هددها بمقاضاتها في حال عملت في أي مكان آخر.
وتتابع أن خبرتها العملية في تدريس الأجانب وحرمانها من ممارسة العمل في مكان آخر يعني تعطلها وانقطاع رزقها، مبينة أن أي أحد في الدنيا يبحث دائما عن الأفضل ومن الممكن أن يأتيها عرض أفضل براتب أعلى في مكان آخر وهذا من حقها.
لم تكن تتوقع دانا أن رفضها للتوقيع على العقد الذي يلزمها بدفع مبلغ ألفي دينار في حال عملت في مكان آخر سيكون ثمنه تقديم استقالتها وبقائها دون عمل.
ويقول أبو نجمة “من الصعب تدقيق جميع العقود من قبل الجهات الرسمية ولكن هناك قواعد ثابتة للعقود تلزم صاحب العمل بتنظيم عقده بحيث يكون قانونياً”، وفي حال حدوث نزاع في النصوص غير القانونية والتعسفية تعتبر تلك النصوص لاغية وغير موجودة و”لايعني أنها وقعت عليه أنه ملزم لها”.
ويؤكد أبو نجمه أنه لا يحق لصاحب العمل أن يمنع موظفيه من العمل في نفس المجال نهائياً باعتباره مخالفاً للقانون والمنطق، غير أنه يحق له منعه من العمل في جهة أخرى منافسة فترة مؤقتة في حال كان عمل الموظف في تلك الجهة قد يتسبب له بأضرار ويفشي أسرار المهنة.
ويؤكد أبونجمة أن العامل من حقه أن يتقدم بشكوى لمديريات التفتيش في كل المحافظات فيما يتعلق بالأجور واستحقاق الإجازات والإجازات المرضية من خلال مفتيشي العمل الموجودين في كافة القطاعات ولهم صلاحيات اتخاذ عقوبة أو تحويلها إلى القضاء.
ويبين أن عدد القضايا والخلافات التي ينظر بها بالمحاكم تتعلق بالرواتب والحسم منها، حيث يتم اتخاذ الإجراآت القانونية من خلال سلطة الأجور وهي شبيهة بالقضائية ولكنها أسرع.
من جهتها تشير الناشطة الحقوقية وعضو مجلس نقابة المحامين الأردنيين نور الإمام أن الأصل أن يلتزم كافة الأطراف في بيئة العمل من عمال ونقابات عمالية وأصحاب العمل والحكومة بشروط وقوانين العمل لضمان تنمية حقيقية وتحسين بيئة العمل.
وتوضح أن قانون العمل الأردني قد فرض على كل مؤسسة يوجد فيها أكثر من 25 عاملاً أن تعقد اجتماعاً دورياً كل 6 أشهر للوقوف على المشاكل التي يواجهها العمال، إلا أن العديد من المؤسسات لا تلتزم بذلك مما ينتج عنه نزاعات، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى إضراب أو أي شكل من أشكال إعاقة العمل .
ويشدد أبو نجمه على أهمية عملية التوعية وضرورة تفعيلها بشكل كبير من جهة النقابات العمالية وضرورة أن يكون لها دور في كافة القطاعات المرخصة، لا فتا إلى غياب الوسائل القانونية والمراكز التدريبية التي تعنى في هذا المجال.
وحول دور النقابات العمالية في التثقيف العمالي، تؤكد عضو مجلس نقابة المحامين نور الإمام أن التثقيف العمالي من أهم أدوار النقابات العمالية وفقاً للنظام الموحد للنقابات العمالية لما في ذلك من أثر ينعكس بشكل مباشر على دور العمال في المفاوضات الجماعية التي تحفظ حقوق العمال وتزيد لها حقوق أخرى.
كما يسهم رفع الوعي في حل أي نزاع عمالي سواء كان فردياً أو جماعياً من العمال، مشددة أن “على النقابات واجب أساسي في تثقيف العمال وتحديداً في معرفة حقوقهم العمالية التي نظمها قانون العمل”.
وتؤكد الإمام على أن غياب نظام داخلي في العمل مصادق عليه من وزارة العمل ومرفق به لائحة جزاءات وفقاً لأحكام المادة 55 من قانون العمل يؤدي إلى حدوث نزاعات عمالية.
ويشدد الخبراء على دور الجهات الرسمية ممثلة بوزارة العمل ومنظمات المجتمع المدني في حفظ حقوق العمال، فضلاً عن دور العامل أيضاً في أن يعي ضرورة إضطلاعه على القانون وأن يعرض العقد على مختصين حتى يتأكد من مدى صحة العقد وقانونيته.
بدورها تشير الخبيرة في شؤون الموارد البشرية في القطاع الخاص سمر نحاس إلى جملة من الانتهاكات العمالية التي تمارسها بعض الشركات الخاصة والمصانع تتمثل بدفع الحد الأدنى للأجور وحرمانهم من الحصول على زيادة سنوية تتوائم مع حجم التضحم الاقتصادي الأردني.
وتضيف نحاس بعض الشركات تتعمد ألا تعطي الموظف نسخة من العقد وبالتالي لا يستطيع معرفة ما له من حقوق وما عليه من واجبات وبعد بدئهم في العمل يتفاجئون ببعض الإجراءات المجحفة بحقهم في العمل.
ولفتت نحاس التي تعمل مديرة في إحدى شركات القطاع الخاص إلى أن العديد من أصحاب العمل يتعمدون عدم الحديث عن حقوق موظفيهم العمالية كالتأمين الصحي، الإجازات السنوية والمرضية وأيام العطل الرسمية في حين أن حاجة الموظف للعمل تدفعه للتوقيع سريعاً دون قراءة العقد”.
ويتحايل أصحاب مؤسسات وشركات على موظفيهم بحرمانهم حقهم في الحصول على أي نوع من التعويض عن ساعات العمل الإضافية التي يعملها الموظف من خلال عدم وجود نظام داخلي في المؤسسة أو الشركة ينص على عدد ساعات العمل الرسمية.
وتتوجه بعض الشركات، وفق نحاس، بإقصاء بعض القوانين العمالية من أنظمتها الداخلية للعمل فتصبح غير ملزمة بتطبيقها، لافتة إلى أن وجود العديد من الانتهاكات العمالية التي تمارسها تلك الشركات على موظفيها مستغلة حاجتهم للعمل.
وتعتبر نحاس أن الأساليب التي تتبعها بعض الشركات في محاربة الإنسان بلقمة عيشه تتنافى ومعاني الإنسانية، مبينة أن حرمان الموظف من حقه بالحصول على راتب عادل ونظام عمل داخلي ضمن القوانين المعمول بها يعد إنتهاكاً بحقه.
وطالبت نحاس الموظفين الجدد قراءة العقد جيداً قبل التوقيع عليه وأخذ نسخة منه ونسخة من النظام الداخلي للمؤسسة والأخذ بعين الاعتبار الإضطلاع على طبيعة العلاقات الإنسانية التي تربط الموظفين ببعضهم في مكان العمل.
وتجد نحاس أن تطبيق قانون العمل فيه مصلحة مشتركة لكل من الموظف وصاحب العمل، مطالبة بإقامة ورش تدريبية ترفع وعي الموظفين بحقوقهم العمالية في ظل غياب حقيقي لدور وزارة العمل في هذا الشأن.
عمان جو - المرصد العمالي- منى حسن
الالتزامات المادية وضيق الحال أجبرت العشرينية زينة لطفي (اسم مستعار) على السكوت عن الانتهاكات العمالية التي يمارسها مديرها في العمل دون أن تطالب بأبسط حقوقها التي منحها اياها قانون العمل الأردني.
تعمل زينة كموظفة مقسم في إحدى الشركات الأردنية الكبرى براتب إجمالي يبلغ 250 ديناراً أردنياً فقط لاغير ، تحت سطوة مدير يمارس انتهكات عمالية بالجملة حسب ما أفادت ضارباً عرض الحائط قوانين العمل التي تكفل حقوق العمال مستغلاً حاجتهم المالية وتمسكهم بالعمل.
حالة من التوتر والقلق تسيطر على زينه طوال ساعات عملها، محاولة تمضية الوقت دون أن يحدث تصادم بينها وبين مديرها.
“عشر ساعات عمل متتالية يتخللها استراحة 55 دقيقة فقط وعلى الدقيقة الستين يجب التواجد على المكتب وإلا يكون هناك عقوبة ادارية”، ناهيك عن ورقة المخالفات التي يلصقها على باب القسم “تحرمنا من حقوقنا”.
يستمر مدير زينة بممارسة الانتهاكات العمالية، إذ يفرض مجموعة من المخالفات المالية على الموظفين في حال ارتكاب أحد الممنوعات التي تنص عليها ورقة مخالفات مطبوعة “غير قانونية” تلصق على جدار القسم، تفرض غرامة مالية في حال قامت بمحادثة زميلة لها في المكتب، إستخدام الهاتف الجوال، إطالة الخروج إلى الحمام، فضلاً عن من منعها من شرب الماء أو تناول الطعام خلال العمل، والتهديد الدائم بإلغاء حقها في الحصول على الاستراحة في حال لم يعجبه آداء الموظفات .
بحرقة شديدة، تروي زينة وزميلاتها في القسم معاناتهم بسبب الإهانات المتكررة والشتائم التي تنهال عليها من قبل مديرها “المزاجي” والذي لديه سلطة بانهاء خدماتهن جميعهن مباشرة.
حاجة زينة وزميلاتها للراتب جعلهن يلهثن وراء فرصة عمل من دون قراءة العقد ملياً أو طلب النظام الداخلي للمؤسسة أو حتى إستشارة محامي مستقل يوضح لهن حقوقهن العمالية.
وتقول “كل ما فكرت بأن أصرخ بوجهه واحتج على أسلوبه غير الأخلاقي الذي يمارسه علينا أتذكر التزاماتي وإيجار البيت وحليب طفلي الصغير فأصمت”.
“إللي مش عاجبه الشغل يروح”، بهذه الكلمات يرد مدير زينة في العمل على أي إعتراض أو رفض لأي من تعليمات وضعها هو ولم تكن ضمن النظام الداخلي لمؤسسته الكبرى، بالرغم من وجود عقد عمل بين الطرفين، والتي اعتبرها الحقوقيون انتهاكاً بحق العاملين ومخالفة للمادة 55 من قانون العمل “التي تلزم صاحب العمل بوضع مواعيد دوام واستراحات، وأن لا تتم العقوبات جزافاً وإلا تعتبر باطلة ويحق لهم الشكوى.”
لا تختلف معاناة زينة كثيراً عن الثلاثيني أدهم أبو الروس الذي عمل لمدة سنة كاملة في إحدى النوادي الرياضية دون أن يحصل على مستحقاته المالية التي اتفق مسبقاً عليها مع مدير النادي.
حاجه أدهم للعمل لإعالة أمه المطلقة وأخته التي ما زالت على مقاعد الدراسة ومتطلبات المعيشة قاسية من إيجار المنزل والكهرباء والماء دفعته للاستمرار في عمله براتب 200 دينار، بالرغم من ساعات العمل الطويلة دون اعتبار لحقه في الحصول على أجرة إضافية للعمل الذي يزيد عن 8 ساعات.
جهل أدهم بحقوقه العمالية كان سبباً في مماطلة مديره في توقيع عقد بينهما، هذا بالإضافة إلى عدم اشراكه بالضمان الاجتماعي.
جهل العديد من الموظفين الجدد بحقوقهم العمالية وضعف التوعية الرسمية والنقابية جعلتهم فريسة سهلة بيد العديد من أرباب العمل الذين لم يوفروا جهداً في استنغلالهم وهضم حقوقهم العمالية.
غياب الدور الرقابي وعدم قيام بعض النقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني بدورها الحقيقي والفعال في رفع وعي العمال بحقوقهم العمالية بحسب خبراء في الحقوق العمالية وأهمية الاطلاع على عقد العمل والتأكد من صحته وقانونيته من قبل خبراء مختصين جعلت أصحاب العمل يستمرون في مسلسل الانتهاكات العمالية .
ويرى أمين عام وزارة العمل السابق ومستشار العمل حمادة أبو نجمه “أن صاحب العمل ليس حراً في اتخاذ العقوبات وأن هناك نظام ونموذج لوزارة العمل هو الذي يعمل به بالعقود بعد مصادقة وزارة العمل يعمم على العمال، للاطلاع على مضمونه بحيث يكون صاحب العمل مسؤولاً عن ذلك”، قائلاً “يتوجب على العامل أن يحتفظ بنسخة من العقد، لممارسة حقه في عرضه على أي جهة للتأكد من القانون وعدم مخالفته”.
“لا يجوز أن تعتمد العقوبات أثناء العمل إلا ضمن نظام داخلي مصادق عليه من قبل وزارة العمل وغير ذلك فهي غير ملزمة بموجب المادة (55) من قانون العمل الأردني”.
وتنص المادة 55 من قانون العمل الأردني على أن “كل صاحب عمل يستخدم عشرة عمال فأكثر أن يضع نظاماً داخلياً لتنظيم العمل فى مؤسسته يبين فيه أوقات الدوام وفترات الراحة اليومية والأسبوعية ومخالفات العمل والعقوبات والتدابير المتخذة بشأنها بما فى ذلك الفصل من العمل وكيفية تنفيذها وأي تفاصيل أخرى تقتضيها طبيعة العمل ويخضع النظام الداخلي للمؤسسة لتصديق الوزير أو من يفوضه ويعمل به من تاريخ تصديقه”.
ومن الانتهاكات التي يمارسها أرباب العمل بحق الموظفين الجدد، ترويها العشرينية روان جبر التي تعمل في إحدى مراكز التربية الخاصة في عمان تسلبها وزملائها أبسط حقوقهم العمالية.
تصف روان التي تخرجت من جامعة البلقاء التطبيقية بتقدير امتياز في تخصص التربية الخاصة معاناتها في العمل، فعلى الرغم من أنها تعمل من الساعة 7 صباحاً حتى الرابعة مساء تحرمها مديرة المدرسة من حقها في الحصول على وقت للراحة أو حتى تناول طعامها.
وتضيف “سلبتنا حقوقنا في الحصول على إجازة سنوية أو مرضية فجميعها مخصومة من الراتب حتى بوجود تقرير طبي”.
ولا تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد فحسب تقول روان حيث تخصم يوماً كاملاً من الراتب لمن يتأخر خمس دقائق عن الدوام.
“المفروض انه راتبي 300 دينار ولكن لم اتقاضاه كاملاً طوال العامين بسبب الخصومات”، حيث يعتبر اليوم الذي يتم التأخير فيه حتى لو خمس دقائق اجازة مخصومة من الراتب مع الزامية إكماله كدوام رسمي.”
الحاجة الى دخل شهري وضرورة تسديد الالتزامات الشهرية من قروض وايجار بيت هو ما يجبر العاملات والعاملين على تحمل الانتهاكات العمالية بحقها وعدم تقديم شكوى رسمية لوزارة العمل.
الثلاثينية دانا إسماعيل (اسم مستعار)، عملت في إحدى الشركات الأردنية التي تعنى بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها إحدى ضحايا التعسف الذي فرض عليها التوقيع على عقد احتكار يمنعها من العمل في أي جهة مماثلة لمدة عامين كاملين بعد انتهاء فترة عملها في الشركة.
“شعرت أن هناك شيء غير منطقي في العقد فرفضت التوقيع على شرط الإحتكار”، إلا أن ردة فعل صاحب العمل كانت أقسى مما كانت دانا تتوقعه، حيث ألزمها بتقديم استقالتها كما هددها بمقاضاتها في حال عملت في أي مكان آخر.
وتتابع أن خبرتها العملية في تدريس الأجانب وحرمانها من ممارسة العمل في مكان آخر يعني تعطلها وانقطاع رزقها، مبينة أن أي أحد في الدنيا يبحث دائما عن الأفضل ومن الممكن أن يأتيها عرض أفضل براتب أعلى في مكان آخر وهذا من حقها.
لم تكن تتوقع دانا أن رفضها للتوقيع على العقد الذي يلزمها بدفع مبلغ ألفي دينار في حال عملت في مكان آخر سيكون ثمنه تقديم استقالتها وبقائها دون عمل.
ويقول أبو نجمة “من الصعب تدقيق جميع العقود من قبل الجهات الرسمية ولكن هناك قواعد ثابتة للعقود تلزم صاحب العمل بتنظيم عقده بحيث يكون قانونياً”، وفي حال حدوث نزاع في النصوص غير القانونية والتعسفية تعتبر تلك النصوص لاغية وغير موجودة و”لايعني أنها وقعت عليه أنه ملزم لها”.
ويؤكد أبو نجمه أنه لا يحق لصاحب العمل أن يمنع موظفيه من العمل في نفس المجال نهائياً باعتباره مخالفاً للقانون والمنطق، غير أنه يحق له منعه من العمل في جهة أخرى منافسة فترة مؤقتة في حال كان عمل الموظف في تلك الجهة قد يتسبب له بأضرار ويفشي أسرار المهنة.
ويؤكد أبونجمة أن العامل من حقه أن يتقدم بشكوى لمديريات التفتيش في كل المحافظات فيما يتعلق بالأجور واستحقاق الإجازات والإجازات المرضية من خلال مفتيشي العمل الموجودين في كافة القطاعات ولهم صلاحيات اتخاذ عقوبة أو تحويلها إلى القضاء.
ويبين أن عدد القضايا والخلافات التي ينظر بها بالمحاكم تتعلق بالرواتب والحسم منها، حيث يتم اتخاذ الإجراآت القانونية من خلال سلطة الأجور وهي شبيهة بالقضائية ولكنها أسرع.
من جهتها تشير الناشطة الحقوقية وعضو مجلس نقابة المحامين الأردنيين نور الإمام أن الأصل أن يلتزم كافة الأطراف في بيئة العمل من عمال ونقابات عمالية وأصحاب العمل والحكومة بشروط وقوانين العمل لضمان تنمية حقيقية وتحسين بيئة العمل.
وتوضح أن قانون العمل الأردني قد فرض على كل مؤسسة يوجد فيها أكثر من 25 عاملاً أن تعقد اجتماعاً دورياً كل 6 أشهر للوقوف على المشاكل التي يواجهها العمال، إلا أن العديد من المؤسسات لا تلتزم بذلك مما ينتج عنه نزاعات، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى إضراب أو أي شكل من أشكال إعاقة العمل .
ويشدد أبو نجمه على أهمية عملية التوعية وضرورة تفعيلها بشكل كبير من جهة النقابات العمالية وضرورة أن يكون لها دور في كافة القطاعات المرخصة، لا فتا إلى غياب الوسائل القانونية والمراكز التدريبية التي تعنى في هذا المجال.
وحول دور النقابات العمالية في التثقيف العمالي، تؤكد عضو مجلس نقابة المحامين نور الإمام أن التثقيف العمالي من أهم أدوار النقابات العمالية وفقاً للنظام الموحد للنقابات العمالية لما في ذلك من أثر ينعكس بشكل مباشر على دور العمال في المفاوضات الجماعية التي تحفظ حقوق العمال وتزيد لها حقوق أخرى.
كما يسهم رفع الوعي في حل أي نزاع عمالي سواء كان فردياً أو جماعياً من العمال، مشددة أن “على النقابات واجب أساسي في تثقيف العمال وتحديداً في معرفة حقوقهم العمالية التي نظمها قانون العمل”.
وتؤكد الإمام على أن غياب نظام داخلي في العمل مصادق عليه من وزارة العمل ومرفق به لائحة جزاءات وفقاً لأحكام المادة 55 من قانون العمل يؤدي إلى حدوث نزاعات عمالية.
ويشدد الخبراء على دور الجهات الرسمية ممثلة بوزارة العمل ومنظمات المجتمع المدني في حفظ حقوق العمال، فضلاً عن دور العامل أيضاً في أن يعي ضرورة إضطلاعه على القانون وأن يعرض العقد على مختصين حتى يتأكد من مدى صحة العقد وقانونيته.
بدورها تشير الخبيرة في شؤون الموارد البشرية في القطاع الخاص سمر نحاس إلى جملة من الانتهاكات العمالية التي تمارسها بعض الشركات الخاصة والمصانع تتمثل بدفع الحد الأدنى للأجور وحرمانهم من الحصول على زيادة سنوية تتوائم مع حجم التضحم الاقتصادي الأردني.
وتضيف نحاس بعض الشركات تتعمد ألا تعطي الموظف نسخة من العقد وبالتالي لا يستطيع معرفة ما له من حقوق وما عليه من واجبات وبعد بدئهم في العمل يتفاجئون ببعض الإجراءات المجحفة بحقهم في العمل.
ولفتت نحاس التي تعمل مديرة في إحدى شركات القطاع الخاص إلى أن العديد من أصحاب العمل يتعمدون عدم الحديث عن حقوق موظفيهم العمالية كالتأمين الصحي، الإجازات السنوية والمرضية وأيام العطل الرسمية في حين أن حاجة الموظف للعمل تدفعه للتوقيع سريعاً دون قراءة العقد”.
ويتحايل أصحاب مؤسسات وشركات على موظفيهم بحرمانهم حقهم في الحصول على أي نوع من التعويض عن ساعات العمل الإضافية التي يعملها الموظف من خلال عدم وجود نظام داخلي في المؤسسة أو الشركة ينص على عدد ساعات العمل الرسمية.
وتتوجه بعض الشركات، وفق نحاس، بإقصاء بعض القوانين العمالية من أنظمتها الداخلية للعمل فتصبح غير ملزمة بتطبيقها، لافتة إلى أن وجود العديد من الانتهاكات العمالية التي تمارسها تلك الشركات على موظفيها مستغلة حاجتهم للعمل.
وتعتبر نحاس أن الأساليب التي تتبعها بعض الشركات في محاربة الإنسان بلقمة عيشه تتنافى ومعاني الإنسانية، مبينة أن حرمان الموظف من حقه بالحصول على راتب عادل ونظام عمل داخلي ضمن القوانين المعمول بها يعد إنتهاكاً بحقه.
وطالبت نحاس الموظفين الجدد قراءة العقد جيداً قبل التوقيع عليه وأخذ نسخة منه ونسخة من النظام الداخلي للمؤسسة والأخذ بعين الاعتبار الإضطلاع على طبيعة العلاقات الإنسانية التي تربط الموظفين ببعضهم في مكان العمل.
وتجد نحاس أن تطبيق قانون العمل فيه مصلحة مشتركة لكل من الموظف وصاحب العمل، مطالبة بإقامة ورش تدريبية ترفع وعي الموظفين بحقوقهم العمالية في ظل غياب حقيقي لدور وزارة العمل في هذا الشأن.