بسام بدارين يكتب .. الأردن ومشروع "إعادة الهيكلة"
الثقل العشائري يخشى"الإقصاء"ومجالس اللامركزية "تفريغ"
اجتماعي مَن وما هي «القوى البديلة» في المجتمع والطبقة؟
عمان جو - بسام البدارين
قد تخدم مجالس اللامركزية المستجدة على مستوى المحافظات في الأردن عندما يتعلق الأمر بتفريغ ولو جزء من الاحتقان الاجتماعي الذي يمكن أن تثيره أو تطرحه تساؤلات مشروع «إعادة الهيكلة» على مستوى الدولة الأردنية.
الملك عبدالله الثاني كان قد كلف برسائل علنًا جميع رؤساء الأجهزة والمؤسسات الأساسية في الدولة بإعادة هيكلة نفسها. ولا يسمع الرأي العام على الأقل منذ أشهر عدة التفاصيل. لكن العملية في بعدها الفني وفي المؤسسات ذات الطابع الأمني والبيروقراطي مستمرة بعمق وثبات وإصرار على حد تعبير مصدر مسؤول تحدث لـ»القدس العربي» عن «إعادة الهيكلة» كاستحقاق دولي وإقليمي لا يجلس ضمن قائمة الترف الوطني.
خطاب القصر الأخير ومكاشفته بالوضع الاقتصادي والمالي يمكنه في السياق أن يمثل أحد ممرات التحفيز لانتظار وترقب نتائج إعادة الهيكلة حيث لا يوجد الآن من يساعد المملكة وعلى الأردنيين الاعتماد على أنفسهم. وهو خطاب يقرأ الواقع الموضوعي جيدًا ويمكن أن يدخل في تلك المساحات المعنية باستحقاق إعادة الهيكلة، على أساس التقشف في الإنفاق والترشيد والتوازي بين الاحتياجات والكادر البشري ضمن موازنة مالية تطلبها المرحلة الحالية. الملف معقد في أبعاده المالية والفنية والمهنية. لكن تبقى مؤشراته السياسية هي الموقع الممكن في إطار الاجتهاد والتحليل.
بمعنى آخر وفي الباب السياسي يمكن التكهن بأن مجالس اللامركزية المنتخبة مؤخراً وبعد برمجتها لتمثيل الثقل العشائري والجهوي في الأطراف على الأقل، لها وظائف أساسية عدة، قد تصبح استراتيجية وأمنية مستقبلاً، قد يكون من بين أهمها «هضم واستيعاب» مخرجات مشروعات إعادة الهيكلة التي تعني بالمحصلة تقليص مفهوم الرعاية بالدولة والوقوف على استحقاق تجميد «نظام الدولة الرعوية» على حد تنبوؤ وتوقع وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر.
سابقاً لم تجرب الحالة الأردنية فكرة عدم وجود «وظيفة ما» إلا في إطار «مهمة ما» ولها علاقة بالإنتاجية في العمل بعيداً عن المحاصصة والتوزيع الرعوي للوظائف ولمبررات وأسباب أمنية لأن وضع الخزينة وتحديداً بعد زوال «عهد المساعدات» لا يحتمل ذلك اليوم.
تستطيع «القدس العربي» أن تتيقن من أن «التكتيك الوظيفي» الجديد يواجه سلسلة متسعة من الهواجس والمخاوف في أعماق الدولة خوفاً من تداعيات كلف ونتائج إعادة الهيكلة بمعناها الفني حيث الترشيق في الوظائف والتحفيز في العمل والإنتاجية معيار البقاء في الوظيفة وتخفيف النفقات العامة.
إحدى النقاط الجوهرية «المسكوت عنها» حتى الآن في النقاش الداخلي العميق تتقمص السؤال ليس حول آليات الانتقال الجديد فقد أصبح أمراً حتمياً وحظي بالغطاء السياسي ولكن حول «ماهية القوى البديلة والتنازلات التي ستقدمها الدولة أو تضطر لتقديمها لضمان الاستقرار العام بعد الوقوف على استحقاقات إعادة الهيكلة؟».
السؤال يبدو جارحاً، لكن الوقوف على محطته أصبح أيضاً إلزامياً الآن لأن أية جاهزية للمرحلة المقبلة في إعادة الهيكلة وضبط النفقات العامة وتمثيل الناس لمصالحهم المالية في مجالس اللامركزية يتطلب اليوم إجابة مباشرة عن ذلك السؤال وسلسلة «عميقة» من الاحتياطات. والسبب بسيط؛ هو أن إعادة الهيكلة سينظر إليها بارتياب في أعين شرائح كبيرة في المجتمع، وستؤدي لخلل في مجال التوظيف وستناقش باعتبارها مشروعاً سياسياً خطيراً سيؤدي للتوطين أو للعبث بالهُوية الوطنية التي يعرفها الأردنيون حتى وإن لم تكن كذلك.
والأهم؛ أنها- نقصد إعادة الهيكلة – ستحاكم باعتبارها محطة في تخلي النظام والدولة عن تحالفاتهما القديمة والأساسية وخطوة باتجاه التغيير والتبديل في «بنية الدولة والمجتمع» لحساب «قوة جديدة» بعيدة عن الثقل التقليدي والكلاسيكي ومركز الثقل العشائري والقبلي الذي عبر عنه عملياً وزير الداخلية الأسبق نايف القاضي في اجتماع ملكي قبل سنوات عدة، متهما التيار الإصلاحي بأنه يريد «استبدال الولاء بالكفاءة».
بعض الأوساط العميقة حتى داخل الدولة والقرار يرون أن تعبيرات ذلك بدأت مبكراً فعلاً على أرض الواقع من خلال ما سمي مثلاً بمؤتمر الحويطات جنوب المملكة على هامش حادثة الجفر الشهيرة. ومن خلال دعوات حراكية عشائرية تطفو على السطح وتتحدث عن مؤتمرات وطنية ينبغي أن تعقد في معان والكرك.
كذلك بدأت من خلال النمو الملاحظ في لغة القانون العشائري في التعاطي مع سلسلة أحداث حصلت مؤخراً خصوصاً في الرصيفة أو الكرك أو من خلال تحطيم أحد المواطنين في الطفيلة عدادي الكهرباء والمياه وإعلانه العصيان عن دفع «الفواتير» في موجة يمكن تقليدها بمسوغ وحجة «ارتفاع الأسعار» والفساد المالي.
بعض المراقبين يزيدون على ذلك؛ ويتحدثون عن ظاهرتين تخدمان السياق نفسه، برزتا مؤخراً: الهتاف الحماسي لفريق النادي الفيصلي الذي يتجاوز المسألة الرياضية وظهور ميل «غير مسجل سابقاً» ليس للتهديد بالسلاح بل باستعماله فعلاً وفي محطات عدة.
وهي مسألة في غاية التعقيد ليس فقط بسبب «تراكم كمية كبيرة من الأسلحة» بعد الأزمة السورية فقط، ولكن أيضاً بسبب ظهور ميل طبيعي أكثر من العادة لإطلاق الرصاص وإغلاق الطرق عند الأردنيين وحتى في العاصمة عمّان ومن الشرائح كلها فيما يسمى بـ «العنف الاجتماعي».
بعض النشطاء في العشائر يتحدثون بمثل هذا الرصد ويشعرون بالتهميش والإقصاء وبأن فلسفة التقشف والتذمر المالية ومشروعات إعادة الهيكلة تستهدف نمطهم المعيشي في نهاية المطاف.
..هذه في الختام تحديات أساسية لا يميل كثيرون للتحدث عنها في الأردن لكن الانتقال بالمرحلة الجديدة من دون مشاكل أو بالحد الأدنى منها يتطلب حكمة وبطئاً في القرار ويحتاج لأدوات حكم مختلفة وقد يحتاج في مرحلة لاحقة للاحتياط لـ «قوة بديلة» في المجتمع تساهم في تأمين العبور الآمن.هنا تحديداً وفي المجال الحيوي للنقطة الأخيرة يبرز الإشكال الأهم حيث لا يوجد ـ من سوء الحظ – قوة بديلة وجاهزة وعابرة للهُويات الفرعية وممثلة لها كلها، إلا الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين."القدس العربي"
الثقل العشائري يخشى"الإقصاء"ومجالس اللامركزية "تفريغ"
اجتماعي مَن وما هي «القوى البديلة» في المجتمع والطبقة؟
عمان جو - بسام البدارين
قد تخدم مجالس اللامركزية المستجدة على مستوى المحافظات في الأردن عندما يتعلق الأمر بتفريغ ولو جزء من الاحتقان الاجتماعي الذي يمكن أن تثيره أو تطرحه تساؤلات مشروع «إعادة الهيكلة» على مستوى الدولة الأردنية.
الملك عبدالله الثاني كان قد كلف برسائل علنًا جميع رؤساء الأجهزة والمؤسسات الأساسية في الدولة بإعادة هيكلة نفسها. ولا يسمع الرأي العام على الأقل منذ أشهر عدة التفاصيل. لكن العملية في بعدها الفني وفي المؤسسات ذات الطابع الأمني والبيروقراطي مستمرة بعمق وثبات وإصرار على حد تعبير مصدر مسؤول تحدث لـ»القدس العربي» عن «إعادة الهيكلة» كاستحقاق دولي وإقليمي لا يجلس ضمن قائمة الترف الوطني.
خطاب القصر الأخير ومكاشفته بالوضع الاقتصادي والمالي يمكنه في السياق أن يمثل أحد ممرات التحفيز لانتظار وترقب نتائج إعادة الهيكلة حيث لا يوجد الآن من يساعد المملكة وعلى الأردنيين الاعتماد على أنفسهم. وهو خطاب يقرأ الواقع الموضوعي جيدًا ويمكن أن يدخل في تلك المساحات المعنية باستحقاق إعادة الهيكلة، على أساس التقشف في الإنفاق والترشيد والتوازي بين الاحتياجات والكادر البشري ضمن موازنة مالية تطلبها المرحلة الحالية. الملف معقد في أبعاده المالية والفنية والمهنية. لكن تبقى مؤشراته السياسية هي الموقع الممكن في إطار الاجتهاد والتحليل.
بمعنى آخر وفي الباب السياسي يمكن التكهن بأن مجالس اللامركزية المنتخبة مؤخراً وبعد برمجتها لتمثيل الثقل العشائري والجهوي في الأطراف على الأقل، لها وظائف أساسية عدة، قد تصبح استراتيجية وأمنية مستقبلاً، قد يكون من بين أهمها «هضم واستيعاب» مخرجات مشروعات إعادة الهيكلة التي تعني بالمحصلة تقليص مفهوم الرعاية بالدولة والوقوف على استحقاق تجميد «نظام الدولة الرعوية» على حد تنبوؤ وتوقع وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر.
سابقاً لم تجرب الحالة الأردنية فكرة عدم وجود «وظيفة ما» إلا في إطار «مهمة ما» ولها علاقة بالإنتاجية في العمل بعيداً عن المحاصصة والتوزيع الرعوي للوظائف ولمبررات وأسباب أمنية لأن وضع الخزينة وتحديداً بعد زوال «عهد المساعدات» لا يحتمل ذلك اليوم.
تستطيع «القدس العربي» أن تتيقن من أن «التكتيك الوظيفي» الجديد يواجه سلسلة متسعة من الهواجس والمخاوف في أعماق الدولة خوفاً من تداعيات كلف ونتائج إعادة الهيكلة بمعناها الفني حيث الترشيق في الوظائف والتحفيز في العمل والإنتاجية معيار البقاء في الوظيفة وتخفيف النفقات العامة.
إحدى النقاط الجوهرية «المسكوت عنها» حتى الآن في النقاش الداخلي العميق تتقمص السؤال ليس حول آليات الانتقال الجديد فقد أصبح أمراً حتمياً وحظي بالغطاء السياسي ولكن حول «ماهية القوى البديلة والتنازلات التي ستقدمها الدولة أو تضطر لتقديمها لضمان الاستقرار العام بعد الوقوف على استحقاقات إعادة الهيكلة؟».
السؤال يبدو جارحاً، لكن الوقوف على محطته أصبح أيضاً إلزامياً الآن لأن أية جاهزية للمرحلة المقبلة في إعادة الهيكلة وضبط النفقات العامة وتمثيل الناس لمصالحهم المالية في مجالس اللامركزية يتطلب اليوم إجابة مباشرة عن ذلك السؤال وسلسلة «عميقة» من الاحتياطات. والسبب بسيط؛ هو أن إعادة الهيكلة سينظر إليها بارتياب في أعين شرائح كبيرة في المجتمع، وستؤدي لخلل في مجال التوظيف وستناقش باعتبارها مشروعاً سياسياً خطيراً سيؤدي للتوطين أو للعبث بالهُوية الوطنية التي يعرفها الأردنيون حتى وإن لم تكن كذلك.
والأهم؛ أنها- نقصد إعادة الهيكلة – ستحاكم باعتبارها محطة في تخلي النظام والدولة عن تحالفاتهما القديمة والأساسية وخطوة باتجاه التغيير والتبديل في «بنية الدولة والمجتمع» لحساب «قوة جديدة» بعيدة عن الثقل التقليدي والكلاسيكي ومركز الثقل العشائري والقبلي الذي عبر عنه عملياً وزير الداخلية الأسبق نايف القاضي في اجتماع ملكي قبل سنوات عدة، متهما التيار الإصلاحي بأنه يريد «استبدال الولاء بالكفاءة».
بعض الأوساط العميقة حتى داخل الدولة والقرار يرون أن تعبيرات ذلك بدأت مبكراً فعلاً على أرض الواقع من خلال ما سمي مثلاً بمؤتمر الحويطات جنوب المملكة على هامش حادثة الجفر الشهيرة. ومن خلال دعوات حراكية عشائرية تطفو على السطح وتتحدث عن مؤتمرات وطنية ينبغي أن تعقد في معان والكرك.
كذلك بدأت من خلال النمو الملاحظ في لغة القانون العشائري في التعاطي مع سلسلة أحداث حصلت مؤخراً خصوصاً في الرصيفة أو الكرك أو من خلال تحطيم أحد المواطنين في الطفيلة عدادي الكهرباء والمياه وإعلانه العصيان عن دفع «الفواتير» في موجة يمكن تقليدها بمسوغ وحجة «ارتفاع الأسعار» والفساد المالي.
بعض المراقبين يزيدون على ذلك؛ ويتحدثون عن ظاهرتين تخدمان السياق نفسه، برزتا مؤخراً: الهتاف الحماسي لفريق النادي الفيصلي الذي يتجاوز المسألة الرياضية وظهور ميل «غير مسجل سابقاً» ليس للتهديد بالسلاح بل باستعماله فعلاً وفي محطات عدة.
وهي مسألة في غاية التعقيد ليس فقط بسبب «تراكم كمية كبيرة من الأسلحة» بعد الأزمة السورية فقط، ولكن أيضاً بسبب ظهور ميل طبيعي أكثر من العادة لإطلاق الرصاص وإغلاق الطرق عند الأردنيين وحتى في العاصمة عمّان ومن الشرائح كلها فيما يسمى بـ «العنف الاجتماعي».
بعض النشطاء في العشائر يتحدثون بمثل هذا الرصد ويشعرون بالتهميش والإقصاء وبأن فلسفة التقشف والتذمر المالية ومشروعات إعادة الهيكلة تستهدف نمطهم المعيشي في نهاية المطاف.
..هذه في الختام تحديات أساسية لا يميل كثيرون للتحدث عنها في الأردن لكن الانتقال بالمرحلة الجديدة من دون مشاكل أو بالحد الأدنى منها يتطلب حكمة وبطئاً في القرار ويحتاج لأدوات حكم مختلفة وقد يحتاج في مرحلة لاحقة للاحتياط لـ «قوة بديلة» في المجتمع تساهم في تأمين العبور الآمن.هنا تحديداً وفي المجال الحيوي للنقطة الأخيرة يبرز الإشكال الأهم حيث لا يوجد ـ من سوء الحظ – قوة بديلة وجاهزة وعابرة للهُويات الفرعية وممثلة لها كلها، إلا الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين."القدس العربي"