ولي العهد ..
عبدالهادي راجي المجالي
ما زال ولي العهد شابا في أول العمر ,كان بإمكانه أن يمضي أكثر أوقاته في الولايات المتحدة ...وأن يركب دراجة , ويتجول في الشوارع ..كان بإمكانه مثلا :- أن يذهب في رحة صيد إلى وادي رم ..وأن يمارس كل اشكال التسلية التي يمارسها شباب عمان , كان بإمكانه ..أن يركب سيارة فارهة ويطوف في شوارع عبدون , وأن يسهر مثل كل أبناء جيله ..كان بإمكانه أن يذهب للعقبة , ويمضي نهاره على الشاطيء ..وفي الليل يحضر حفلة صاخبة ...مثل معظم أبناء جيله.
لكنهم اختصروا عليه , كل شيء ..اصبح رجلا مباشرة , وهو يعي الثقل الملقى على أكتافه حين يصعد منبر الأمم المتحدة ويلقي كلمة دولة ..دون اي خطأ ...وأعرف أن والده جلالة الملك كان يتابع خطابه ..أعرف شعور الأب فأنا أب ..أعي حجم الدمعة التي تحبس في محجر العين وأنت ترى ابنك يسبر أغوار العمر ...مثل مقدمة سفينة صلبة لايوقفها شيء وتمضي ...أعي تماما تلك القشعريرة التي دبت ..في جسد الملك وهو يتابغ حركات اليد ..والنظرات , ويرى نفسه في ابنه (ولي العهد) ..واعرف تماما كيف ..سرت نشوة الفرح في جسد الملك ..والتفت إلى النافذة , لم يحب أن يراه أحد فالملوك لا يشاهد دمعها ...ولا يوجد أغلى في الحياة من الإبن ..
أعرف أيضا أن له أم هي ملكة , وأعرف العبرة التي اجتاحت أنفاسها وهي تشاهد ابنها وأعرف ذكريات عادت لها حين كان صغيرا في المهد , وحين كبر وأخرج أول سن من أسنان الحليب ...وحين داهمته الحرارة في منتصف الليل , وحين أصيب بالتهاب اللوزتين ...الأم لا تنسى قبلة ابنها وهو طفل , لاتنسى خصلات الشعر الناعمة ولا تنسى الإغفاءة على اليدين , ولا تنسى أنها أرضعته من حليبها شوقا وحبا ..وأن الوليد الجديد هذا أغلى من عمرها ..هو الإبن فقط الذي تفتديه الأم بحياتها ...
ولي العهد , ليش مثل شباب بلده ...احترف استعمال المسدس وهو في الـ (15) من عمره أدخل دورات عسكرية , ألزم أن يتفوق في الدراسة ..كل صورة تلتقط له محسوبة عليه وكل موقف ...يسأل عنه ,حتى ربطة العنق عليه أن يضعها بإتقان ..عليه أيضا أن يجيد فن الحوار ...بعبارة أخرى لم يحصل على حياة فيها حرية ..مثلما يحصل عليها بعض الشباب ....وعليه أن يخطب في الأمم المتحدة , وأن يكون بمستوى هذا المنبر العالمي ..عليه أن يقابل الوفود , وأن يجيد فن الخطاب البلوماسي ..عليه أن يصحو في وقت معين وينام في نفس الوقت ...لا أخطاء وليس مسموحا لك أيها الفتى الهاشمي أن ترتكب ولو زلة بسيطة لأنك ستكون مستقبلا مؤتما على وطن وأمة ...وعليك أن تكون تحت الضغط وتحتمل كل شيء ...
أنا لا أعرف كيف يحق للبعض أن ينتقدوا خطاب ولي العهد , أن يكتبوا بكل نفس أمارة بالسوء وخالية من فهم شعور الأب أو حنان الأم عن الخطاب ...هل وصل بنا الأمر بدلا من أن نحي هذا الشبل الهاشمي الذي تخلى عن شبابه ..وعن حرية الحياة والتزم في بروتكول صارم ,أن نلومه على الخطاب ...نحن أباء أيضا ولنا أبناء ..لم أكن لحظة استماعي للخطاب أدقق في المعاني بقدر ما كنت معجبا بشخصية ولي العهد وقدرته على التعبير ...كيف حطم هذا الشبل مهابة أكبر وأهم مؤسسة في العالم وامتطى صهوة منبر عبره هدد رئيس أمريكا بتدمير كوريا الشمالية ...وتحدث بخطاب أقل ما يقال فيه أنه وثيقة عالمية تستحق أن توضع على جدار هذه المؤسسة .
أعرف أنهم سيقولون عني ( متزلف) والبعض سيقول (بمسح جوخ) ..والبعض سيستعمل كلماته التي يستعملها دائما (كتاب التدخل السريع) ...وسيكتب واحد أرهقه الكره ولا يعرف سوى إنتاج الكره ( مرتشي) ...وأنا سأقرأ كل تلك التعليقات وسأسأل نفسي برسم القلق ...هل صرنا نعاقب على الولاء ونصفق للفوضى ؟ ...هل صرنا نغتال فرح الأب بابنه ..وشوق الأم لوليدها الذي انجبته من دمها ولحمها ...
أنا يا (ولي العهد) فخور بكل كلمة قلتها , فخور بحركة يدك ...بنبرة صوتك , باتزانك المعهود ..بشخصيتك الجميلة , بوسامتك ...بشبابك الجميل , بكل شيء في النهاية أنت أردني ..تمثلنا , تمثل شوقنا وتعبنا من الحروب ..تمثل كل انفعالنا وعروبتنا ..وتمثل فينا كل الخير ...
صرنا حينما نكتب عنك سيدي سمو الأمير , يخرج لنا البعض كي يعاقبوننا بتعليقاتهم كأنهم أحرص على البلد منا , أو يعرفون الحب ونحن لا نعرفه ...كأنهم حين يموتون سيحتضنهم تراب البلد , ونحن سترفضنا القبور ..كأنهم هم من بنوا الوطن ..ونحن كنا مرتزقة نتسول على اعتاب القصور بعض الرضى ..كأن أهلهم هم الذين قاتلوا في باب الواد واللطرون ..والشيخ جراح وأهلهم من بنى الفرقة (12) ..واللواء أربعين ونحن مجرد أرقام في تاريخ الجيش الوطن ..ولم ندفع دما أودمعا أو شهداء ...
قي بلدنا صرنا نعاقب على الولاء ...نعاقب على الحب , مع أنك في خطابك على منبر الأمم المتحدة , جعلت كل أب أردني يستفز شوقا , وحركت في قلب كل أم أردنية الدعاء ...فدعت لك بفطرتها الصادقة بأن يحماك المولى ...
لا عليك ...هذا وطن بني على الحب , ولأنك ولدت من نسل طهره الله من البغض والكره , وحكم العرب بالحب والمودة والتساوي ..ستبقى مصنعا للحب ومثلا لهذا الجيل ....
الكارهون ...سيطويهم العمر ...وسيذهبون مثل ذؤات الغبار , حين تذروها الريح على سفح جبل وتمضي ...ذرات الغبار لا ترى بالعين المجردة أحيانا ...ولا ترفع من منسوب الأرض شيئا هي مجرد ذرات من غبار ..
حماك الله سيدي .
نقلا عن الرأي
عبدالهادي راجي المجالي
ما زال ولي العهد شابا في أول العمر ,كان بإمكانه أن يمضي أكثر أوقاته في الولايات المتحدة ...وأن يركب دراجة , ويتجول في الشوارع ..كان بإمكانه مثلا :- أن يذهب في رحة صيد إلى وادي رم ..وأن يمارس كل اشكال التسلية التي يمارسها شباب عمان , كان بإمكانه ..أن يركب سيارة فارهة ويطوف في شوارع عبدون , وأن يسهر مثل كل أبناء جيله ..كان بإمكانه أن يذهب للعقبة , ويمضي نهاره على الشاطيء ..وفي الليل يحضر حفلة صاخبة ...مثل معظم أبناء جيله.
لكنهم اختصروا عليه , كل شيء ..اصبح رجلا مباشرة , وهو يعي الثقل الملقى على أكتافه حين يصعد منبر الأمم المتحدة ويلقي كلمة دولة ..دون اي خطأ ...وأعرف أن والده جلالة الملك كان يتابع خطابه ..أعرف شعور الأب فأنا أب ..أعي حجم الدمعة التي تحبس في محجر العين وأنت ترى ابنك يسبر أغوار العمر ...مثل مقدمة سفينة صلبة لايوقفها شيء وتمضي ...أعي تماما تلك القشعريرة التي دبت ..في جسد الملك وهو يتابغ حركات اليد ..والنظرات , ويرى نفسه في ابنه (ولي العهد) ..واعرف تماما كيف ..سرت نشوة الفرح في جسد الملك ..والتفت إلى النافذة , لم يحب أن يراه أحد فالملوك لا يشاهد دمعها ...ولا يوجد أغلى في الحياة من الإبن ..
أعرف أيضا أن له أم هي ملكة , وأعرف العبرة التي اجتاحت أنفاسها وهي تشاهد ابنها وأعرف ذكريات عادت لها حين كان صغيرا في المهد , وحين كبر وأخرج أول سن من أسنان الحليب ...وحين داهمته الحرارة في منتصف الليل , وحين أصيب بالتهاب اللوزتين ...الأم لا تنسى قبلة ابنها وهو طفل , لاتنسى خصلات الشعر الناعمة ولا تنسى الإغفاءة على اليدين , ولا تنسى أنها أرضعته من حليبها شوقا وحبا ..وأن الوليد الجديد هذا أغلى من عمرها ..هو الإبن فقط الذي تفتديه الأم بحياتها ...
ولي العهد , ليش مثل شباب بلده ...احترف استعمال المسدس وهو في الـ (15) من عمره أدخل دورات عسكرية , ألزم أن يتفوق في الدراسة ..كل صورة تلتقط له محسوبة عليه وكل موقف ...يسأل عنه ,حتى ربطة العنق عليه أن يضعها بإتقان ..عليه أيضا أن يجيد فن الحوار ...بعبارة أخرى لم يحصل على حياة فيها حرية ..مثلما يحصل عليها بعض الشباب ....وعليه أن يخطب في الأمم المتحدة , وأن يكون بمستوى هذا المنبر العالمي ..عليه أن يقابل الوفود , وأن يجيد فن الخطاب البلوماسي ..عليه أن يصحو في وقت معين وينام في نفس الوقت ...لا أخطاء وليس مسموحا لك أيها الفتى الهاشمي أن ترتكب ولو زلة بسيطة لأنك ستكون مستقبلا مؤتما على وطن وأمة ...وعليك أن تكون تحت الضغط وتحتمل كل شيء ...
أنا لا أعرف كيف يحق للبعض أن ينتقدوا خطاب ولي العهد , أن يكتبوا بكل نفس أمارة بالسوء وخالية من فهم شعور الأب أو حنان الأم عن الخطاب ...هل وصل بنا الأمر بدلا من أن نحي هذا الشبل الهاشمي الذي تخلى عن شبابه ..وعن حرية الحياة والتزم في بروتكول صارم ,أن نلومه على الخطاب ...نحن أباء أيضا ولنا أبناء ..لم أكن لحظة استماعي للخطاب أدقق في المعاني بقدر ما كنت معجبا بشخصية ولي العهد وقدرته على التعبير ...كيف حطم هذا الشبل مهابة أكبر وأهم مؤسسة في العالم وامتطى صهوة منبر عبره هدد رئيس أمريكا بتدمير كوريا الشمالية ...وتحدث بخطاب أقل ما يقال فيه أنه وثيقة عالمية تستحق أن توضع على جدار هذه المؤسسة .
أعرف أنهم سيقولون عني ( متزلف) والبعض سيقول (بمسح جوخ) ..والبعض سيستعمل كلماته التي يستعملها دائما (كتاب التدخل السريع) ...وسيكتب واحد أرهقه الكره ولا يعرف سوى إنتاج الكره ( مرتشي) ...وأنا سأقرأ كل تلك التعليقات وسأسأل نفسي برسم القلق ...هل صرنا نعاقب على الولاء ونصفق للفوضى ؟ ...هل صرنا نغتال فرح الأب بابنه ..وشوق الأم لوليدها الذي انجبته من دمها ولحمها ...
أنا يا (ولي العهد) فخور بكل كلمة قلتها , فخور بحركة يدك ...بنبرة صوتك , باتزانك المعهود ..بشخصيتك الجميلة , بوسامتك ...بشبابك الجميل , بكل شيء في النهاية أنت أردني ..تمثلنا , تمثل شوقنا وتعبنا من الحروب ..تمثل كل انفعالنا وعروبتنا ..وتمثل فينا كل الخير ...
صرنا حينما نكتب عنك سيدي سمو الأمير , يخرج لنا البعض كي يعاقبوننا بتعليقاتهم كأنهم أحرص على البلد منا , أو يعرفون الحب ونحن لا نعرفه ...كأنهم حين يموتون سيحتضنهم تراب البلد , ونحن سترفضنا القبور ..كأنهم هم من بنوا الوطن ..ونحن كنا مرتزقة نتسول على اعتاب القصور بعض الرضى ..كأن أهلهم هم الذين قاتلوا في باب الواد واللطرون ..والشيخ جراح وأهلهم من بنى الفرقة (12) ..واللواء أربعين ونحن مجرد أرقام في تاريخ الجيش الوطن ..ولم ندفع دما أودمعا أو شهداء ...
قي بلدنا صرنا نعاقب على الولاء ...نعاقب على الحب , مع أنك في خطابك على منبر الأمم المتحدة , جعلت كل أب أردني يستفز شوقا , وحركت في قلب كل أم أردنية الدعاء ...فدعت لك بفطرتها الصادقة بأن يحماك المولى ...
لا عليك ...هذا وطن بني على الحب , ولأنك ولدت من نسل طهره الله من البغض والكره , وحكم العرب بالحب والمودة والتساوي ..ستبقى مصنعا للحب ومثلا لهذا الجيل ....
الكارهون ...سيطويهم العمر ...وسيذهبون مثل ذؤات الغبار , حين تذروها الريح على سفح جبل وتمضي ...ذرات الغبار لا ترى بالعين المجردة أحيانا ...ولا ترفع من منسوب الأرض شيئا هي مجرد ذرات من غبار ..
حماك الله سيدي .
نقلا عن الرأي