قراءة سياسية لما بعد الاستفتاء الكردي :
نجاح الخطوة الكردية مفتوحة على كل الاحتمالات
عمان جو - حمادة فراعنة
تحمّل الرئيس مسعود البرزاني وعائلته وقيادة حزبه وحلفائه من القوى الكردية مغامرة الأقدام على استفتاء إقليم كردستان يوم 25/9/2017، ونال انحياز 92 بالمائة من المصوتين لصالح الاستقلال، وبذلك حقق نجاحاً يُسجل له على إقدامه وشجاعته، ولكن نجاح الخطوة الأولى غير كافية للحكم على النتائج السياسية الكاملة المتوخاة من هذا القرار – الإصرار الذي فتحت عليه دبابير الخصومة من أغلبية القوى السياسية العراقية على مختلف مشاربها، والعداء من البلدان الثلاثة المحيطة بالإقليم، دون أن يكسب طرف واحد معلن سوى المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ولكن الموقف الإسرائيلي لن يشكل رافعة له وغطاء لحمايته، بل سيتحول إلى عبء يلاحقه بشكل مستمر، إذ كيف يتباهى بعض الكرد أن تل أبيب تقف معهم في وجه من يضطهدهم، وتل أبيب تضطهد الشعب الفلسطيني بأسره وتحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية ؟؟ .
خطاب في السليمانية
في كلمتي الارتجالية التي ألقيتها أمام “ ملتقى الديمقراطية وحق تقرير المصير “ يوم السبت 16/9/2017، في السليمانية، بحضور زملائي أعضاء الوفد الأردني الذين كانوا مدعويين للمشاركة في الملتقى العربي الكردي من النواب السابقين، وكتاب مرموقين، وإعلاميين مشهودا لهم، حذرتُ القيادة الكردية الذين حضروا الملتقى، وهم يمثلون أركان الطيف السياسي الكردي، من الحزبين الشريكين في الحكم : الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزاني، وحزب الاتحاد الوطني برئاسة جلال الطلباني، ومن الشيوعيين والإسلاميين والقوميين، أوردت أربع ملاحظات تحذيرية، طلب مني الزميل محمد خروب أن أذكر كلمة ملاحظات، وأن لا أذكر كلمة تحذيرات حتى لا أستفزهم كوننا ضيوفاً عليهم، وهي :
1 – أن لا يتحملوا وزر تقسيم العراق بقرار متسرع، فعلى الكرد أن يخوضوا غمار الحوار مع مختلف الأطياف العراقية، كما هو الملتقى العربي الكردي هذا، بهدف الوصول إلى تفاهمات وقواسم مشتركة مع المكونات العراقية المختلفة، فالخطوات يجب أن تُبنى على الحوار لا على القطيعة .
2 – أن يتحاشوا ضم كركوك إلى الاستفتاء باعتبارها أبرز المناطق المتنازع عليها، بهدف توسيع شبكة أصدقائهم والمتعاطفين معهم من العراقيين لا أن يضيق بهم المجال فيخسروا المزيد من العراقيين ويكسبوا مزيداً من الأعداء والخصوم ضدهم من أهل العراق، بسبب حساسية كركوك لدى كافة المكونات العراقية .
3 – أن لا يتبجح بعضهم بالعلاقة مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي فتل أبيب هي العدو القومي لكل العرب، فلا تخسروا العرب وتكسبوا “ إسرائيل “ التي لن تساعدكم، بل تعمل على توظيفكم ضد العرب والمسلمين والمسيحيين لتبقى هي الطرف المستفيد من تقسيم بلاد العرب وتمزيقها .
4 – إحذروا وحوشاً مفترسة محيطة بكم لديها أنياب ومخالب عسكرية شرسة، ولها نفوذ داخل العراق ستؤذيكم، وتخسروا الذي حققتموه وصنعتموه بأفعالكم ونضالكم، إذا وقع الصدام والحرب بينكم.
كان ذلك واضحاً، ما ترك أثراً طيباً في نفوس المتلقين جميعاً من العرب العراقيين ومن المدعوين العرب، ومن الكرد أيضاً نظراً لأن ما سمعوه من صديق يتمنى لهم الخير، وظهر ذلك جلياً من حجم التصفيق، ومن حركة رئيس المؤتمر الصديق ملا بختيار الذي سار إلى منتصف المسافة ليستقبلني بالأحضان وسمعه الذين كانوا يجلسون قريبين من المنصة قوله : “ شكراً على شجاعتك “ .
شجاعتي كما قال لي أحد الأصدقاء كانت موضع نقاش في اجتماع المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حينما ذكروا ملاحظات الضيف الأردني، وعليه اتخذوا قراراً من جانب حزبهم بعدم المشاركة في التصويت في المناطق المتنازع عليها واقتصار مشاركتهم فقط لدى المحافظات الكردية الثلاثة : أربيل ودهوك والسليمانية .
زميلي في الوفد الصديق حازم مبيضين كتب حرفياً واصفاً خطابي أمام المؤتمر على أنه “ كلمة ممتازة سياسياً ووطنياً “ وأضاف مثنياً “ بوركت وصح لسانك “ رداً على إدعاءات أحدهم الذي افترى على ما قلت بغير الصدق وبما يتعارض كلياً على ما قلته، وبالمباهاة بما نملك في الأردن من تعددية وتنوع وإحترام للأخر.
ماذا بعد نجاح الاستفتاء
استفتاء كردستان نجح بامتياز ولكن ماذا بعد الاستفتاء وكيف يمكن تحويله من خطوة استباقية ستلحقها عقوبات بدأت بحرب الحصار على كردستان، كي تتحول إلى أن تكون خطوة إيجابية، ونقلة نوعية مفيدة لمختلف الأطراف المتصارعة حصيلة تلك الخطوة التي تركت أثراً عميقاً على سلوك ومواقف وسياسات الأطراف فغيرت من التحالفات وصنعت إصطفافات جديدة تتحد ضد خطوة أربيل، وها هم خصوم أمس بغداد وأنقرة وطهران يلتقون ويتفقون ضد الكرد، عدوهم المؤثر.
لدى العراقيين
عراقياً قد تشكل هذه الخطوة، لو تعلم منها طرفا الصراع السياسي العراقي : الأحزاب السنية والأحزاب الشيعية ليشكلا نبضاً مشتركاً ويتوحدا على برنامج سياسي يقوم على المواطنة والتعددية والديمقراطية والشراكة التي تحفظ وحدة العراق بعربه وأكراده، ويقدما حوافز للكرد لبقاء شراكتهم في الوطن العراقي الموحد، بعيداً عن الطائفية والتعصب القومي وعدم الإستجابة للتطلعات الإيرانية التي ترهن إرادة العراق لمصالح طهران وسياسات ولي الفقيه وتوجيهاته العقائدية .
لدى إيران وتركيا
وإيرانياً وتركياً مطلوب أن يعلموا أن شعبيهما لن يصمتا على ما تقترفه قيادات البلدين من تسلط قومي أحادي على الكرد وعلى العرب لدى البلدين، وأن أثار ما حصل لن يتوقف على حدود كردستان العراق، بل ستكون تداعياته عابرة للحدود، وعليهما أن يتخذا السياسات والإجراءات الكفيلة حقاً بشيوع قيم المواطنة والشراكة والتعددية حتى يتلاشى لدى الكرد الإحساس بالظلم ومظاهره وتتراجع تطلعات الاستقلال لدى قواهم السياسية، وما مواصلة اعتقال عبد الله أوجلان الزعيم الكردي واعتقال النواب الكرد في تركيا، وما يوازيه في إيران من سياسات وإجراءات سوى عناوين تتطلب المبادرة بمعالجتها قبل أن تُستفحل، لأن زمن ما بعد الاستفتاء ليس ما قبله.
ولدى الكرد
وكردياً حققوا خطوة إيجابية إلى الأمام يجب توظيفها لتحسين موقفهم التفاوضي مع بغداد لا أن يعتبروا الخطوة التي تحققت وكأنها الأولى نحو الانفصال أو الاستقلال، فقد تكون كذلك، وقد تكون بداية خسارة ما حققوه من مكاسب، لأن حجم الخصوم والأعداء من حولهم يفوق قدراتهم، خاصة إذا واصل بعضهم الرهان على دور العدو الإسرائيلي، فالذي صرح به الجنرال سيروان برزاني بقوله أن كردستان العراق لم تتلق مساعدات عسكرية من تل أبيب، ولكنها تتلقى دعماً سياسياً ، وقال لنوفوستي “ نمر الأن بحالة معقدة للغاية، إذ نشاهد اليوم المرحلة الانتقالية في تاريخ الأكراد، ولن ننسى أولئك الذين قدموا لنا دعماً جدياً، ومن بينهم إسرائيل، لا حدود لنا مع هذه الدولة، ولا مجال جويا مشترك معها، لذلك لا تصلنا أية مساعدة عسكرية منها، إلا أن هناك دعماً سياسياً ومعنوياً، ونحن ممتنون لرئيس الوزراء الإسرائيلي على هذه المساعدة “ .
تصريحات معنوية يتوهم الجنرال أنها تقدم له رافعة معنوية، ولكنها تزيد من خصومه وأعدائه، فالذين يحيطون بكردستان، أغلبهم في حالة عداء مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، فلماذا هذا الاندلاق، ولماذا هذا التبجح ؟ ولماذا هذا الإصرار على خسارة جيرانه العرب، خاصة وأنه يتصادم مع تركيا وإيران ؟؟ .
لا اجتياح عسكريا
صحيح أن تركيا وإيران لا تملكان شجاعة الإقدام على الاجتياح العسكري لكردستان لثلاثة أسباب : أولها إن هذا اعتداء أجنبي على بلد مجاور، وثانيها قد تنتقل المعركة لداخل بلديهما عبر احتجاجات كردية في تركيا وإيران تضامنا مع شعب كردستان، وثالثهما ستكون بسالة الكرد للدفاع عن أنفسهم أقوى في مواجهة المعتدين الإيرانيين والأتراك، ولذلك لا خطر عسكرياً من قبل طهران وأنقرة عبر الأقدام على مغامرات تتجاوز الحدود وستبقى مناوراتهم في حدود التهويش ورسائل التخويف، وسيبقى حصارهم البري والجوي إقتصادياً وسياسياً أقوى تأثيراً من التدخل العسكري، ولكن الخطر الحقيقي سيأتي من العراق، من قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي لأنهم يملكون الوجاهة والمبرر لدوافع إجتياح إقليم متمرد على الشرعية وعلى وحدة تراب الوطن، وعندها، عندها فقط سيكون الخطر لأن المعركة سيكون عنوانها صراع عراقي عراقي، وعربي كردي، وهنا الطامة والخسارة والخراب .
فلسطين
فلسطينياً يجب أن يتعلم الفلسطينيون أهمية الخطوة الكردية وشجاعتها، لا أن يبقوا أسرى الفعل الإسرائيلي وأن يقتصر ردهم على الاحتجاجات اللفظية ومناشدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، في مواجهة سياسات تهويد القدس، وأسرلة الغور، وتمزيق الضفة الفلسطينية بالمستوطنات والشوارع الالتفافية، وقطع الصلة بين المناطق الثلاث بين القدس والضفة والقطاع، والصمت على أدوات التطبيع العربي من قبل بعض الدول العربية مع العدو الإسرائيلي، تحت حجة الأولوية مناهضة داعش والقاعدة والتصدي لإيران، وليس نحو العدو القومي الإسرائيلي الذي يحتل أراضي العرب ولا يزال .
فالفلسطينيون كانوا دائماً أصحاب مبادرة وهم يفتقدونها الأن، ما أعطى العدو الإسرائيلي امتلاك زمام المبادرة في ظل إخفاق فلسطيني فاقع، وها هو قبولهم في مؤسسة الإنتربول الدولي يوم 27/9/2017 خطوة ناجحة وإيجابية في الإتجاه الصحيح .
استفتاء كردستان قد تكون قنبلة صوتية ستخمد بعد أيام، وقد تكون ربيعا ثوريا محركا للسياسات والأحداث لما بعده، ولكن من الواضح أن كردستان كسبت خطوة، ولكنها تحتاج لمزيد من التعقل وإنحناءة قوية أمام قوة الاندفاع من قبل بغداد وأنقرة وطهران، لعلها تسلم من شرور التدخلات ومن أذى الحصار، ويبدو أن انحناءتها بدأت بقبول مراقبين من بغداد لمطاري أربيل والسليمانية مما يشير إلى أن خطوة الاستفتاء ليست نهائية بل مفتوحة على كافة الاحتمالات بما فيها التراجع التكتيكي إلى الخلف دون إلغاء نتائج التصويت الذي أصبح واقعياً.
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية
نجاح الخطوة الكردية مفتوحة على كل الاحتمالات
عمان جو - حمادة فراعنة
تحمّل الرئيس مسعود البرزاني وعائلته وقيادة حزبه وحلفائه من القوى الكردية مغامرة الأقدام على استفتاء إقليم كردستان يوم 25/9/2017، ونال انحياز 92 بالمائة من المصوتين لصالح الاستقلال، وبذلك حقق نجاحاً يُسجل له على إقدامه وشجاعته، ولكن نجاح الخطوة الأولى غير كافية للحكم على النتائج السياسية الكاملة المتوخاة من هذا القرار – الإصرار الذي فتحت عليه دبابير الخصومة من أغلبية القوى السياسية العراقية على مختلف مشاربها، والعداء من البلدان الثلاثة المحيطة بالإقليم، دون أن يكسب طرف واحد معلن سوى المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ولكن الموقف الإسرائيلي لن يشكل رافعة له وغطاء لحمايته، بل سيتحول إلى عبء يلاحقه بشكل مستمر، إذ كيف يتباهى بعض الكرد أن تل أبيب تقف معهم في وجه من يضطهدهم، وتل أبيب تضطهد الشعب الفلسطيني بأسره وتحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية ؟؟ .
خطاب في السليمانية
في كلمتي الارتجالية التي ألقيتها أمام “ ملتقى الديمقراطية وحق تقرير المصير “ يوم السبت 16/9/2017، في السليمانية، بحضور زملائي أعضاء الوفد الأردني الذين كانوا مدعويين للمشاركة في الملتقى العربي الكردي من النواب السابقين، وكتاب مرموقين، وإعلاميين مشهودا لهم، حذرتُ القيادة الكردية الذين حضروا الملتقى، وهم يمثلون أركان الطيف السياسي الكردي، من الحزبين الشريكين في الحكم : الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزاني، وحزب الاتحاد الوطني برئاسة جلال الطلباني، ومن الشيوعيين والإسلاميين والقوميين، أوردت أربع ملاحظات تحذيرية، طلب مني الزميل محمد خروب أن أذكر كلمة ملاحظات، وأن لا أذكر كلمة تحذيرات حتى لا أستفزهم كوننا ضيوفاً عليهم، وهي :
1 – أن لا يتحملوا وزر تقسيم العراق بقرار متسرع، فعلى الكرد أن يخوضوا غمار الحوار مع مختلف الأطياف العراقية، كما هو الملتقى العربي الكردي هذا، بهدف الوصول إلى تفاهمات وقواسم مشتركة مع المكونات العراقية المختلفة، فالخطوات يجب أن تُبنى على الحوار لا على القطيعة .
2 – أن يتحاشوا ضم كركوك إلى الاستفتاء باعتبارها أبرز المناطق المتنازع عليها، بهدف توسيع شبكة أصدقائهم والمتعاطفين معهم من العراقيين لا أن يضيق بهم المجال فيخسروا المزيد من العراقيين ويكسبوا مزيداً من الأعداء والخصوم ضدهم من أهل العراق، بسبب حساسية كركوك لدى كافة المكونات العراقية .
3 – أن لا يتبجح بعضهم بالعلاقة مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي فتل أبيب هي العدو القومي لكل العرب، فلا تخسروا العرب وتكسبوا “ إسرائيل “ التي لن تساعدكم، بل تعمل على توظيفكم ضد العرب والمسلمين والمسيحيين لتبقى هي الطرف المستفيد من تقسيم بلاد العرب وتمزيقها .
4 – إحذروا وحوشاً مفترسة محيطة بكم لديها أنياب ومخالب عسكرية شرسة، ولها نفوذ داخل العراق ستؤذيكم، وتخسروا الذي حققتموه وصنعتموه بأفعالكم ونضالكم، إذا وقع الصدام والحرب بينكم.
كان ذلك واضحاً، ما ترك أثراً طيباً في نفوس المتلقين جميعاً من العرب العراقيين ومن المدعوين العرب، ومن الكرد أيضاً نظراً لأن ما سمعوه من صديق يتمنى لهم الخير، وظهر ذلك جلياً من حجم التصفيق، ومن حركة رئيس المؤتمر الصديق ملا بختيار الذي سار إلى منتصف المسافة ليستقبلني بالأحضان وسمعه الذين كانوا يجلسون قريبين من المنصة قوله : “ شكراً على شجاعتك “ .
شجاعتي كما قال لي أحد الأصدقاء كانت موضع نقاش في اجتماع المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حينما ذكروا ملاحظات الضيف الأردني، وعليه اتخذوا قراراً من جانب حزبهم بعدم المشاركة في التصويت في المناطق المتنازع عليها واقتصار مشاركتهم فقط لدى المحافظات الكردية الثلاثة : أربيل ودهوك والسليمانية .
زميلي في الوفد الصديق حازم مبيضين كتب حرفياً واصفاً خطابي أمام المؤتمر على أنه “ كلمة ممتازة سياسياً ووطنياً “ وأضاف مثنياً “ بوركت وصح لسانك “ رداً على إدعاءات أحدهم الذي افترى على ما قلت بغير الصدق وبما يتعارض كلياً على ما قلته، وبالمباهاة بما نملك في الأردن من تعددية وتنوع وإحترام للأخر.
ماذا بعد نجاح الاستفتاء
استفتاء كردستان نجح بامتياز ولكن ماذا بعد الاستفتاء وكيف يمكن تحويله من خطوة استباقية ستلحقها عقوبات بدأت بحرب الحصار على كردستان، كي تتحول إلى أن تكون خطوة إيجابية، ونقلة نوعية مفيدة لمختلف الأطراف المتصارعة حصيلة تلك الخطوة التي تركت أثراً عميقاً على سلوك ومواقف وسياسات الأطراف فغيرت من التحالفات وصنعت إصطفافات جديدة تتحد ضد خطوة أربيل، وها هم خصوم أمس بغداد وأنقرة وطهران يلتقون ويتفقون ضد الكرد، عدوهم المؤثر.
لدى العراقيين
عراقياً قد تشكل هذه الخطوة، لو تعلم منها طرفا الصراع السياسي العراقي : الأحزاب السنية والأحزاب الشيعية ليشكلا نبضاً مشتركاً ويتوحدا على برنامج سياسي يقوم على المواطنة والتعددية والديمقراطية والشراكة التي تحفظ وحدة العراق بعربه وأكراده، ويقدما حوافز للكرد لبقاء شراكتهم في الوطن العراقي الموحد، بعيداً عن الطائفية والتعصب القومي وعدم الإستجابة للتطلعات الإيرانية التي ترهن إرادة العراق لمصالح طهران وسياسات ولي الفقيه وتوجيهاته العقائدية .
لدى إيران وتركيا
وإيرانياً وتركياً مطلوب أن يعلموا أن شعبيهما لن يصمتا على ما تقترفه قيادات البلدين من تسلط قومي أحادي على الكرد وعلى العرب لدى البلدين، وأن أثار ما حصل لن يتوقف على حدود كردستان العراق، بل ستكون تداعياته عابرة للحدود، وعليهما أن يتخذا السياسات والإجراءات الكفيلة حقاً بشيوع قيم المواطنة والشراكة والتعددية حتى يتلاشى لدى الكرد الإحساس بالظلم ومظاهره وتتراجع تطلعات الاستقلال لدى قواهم السياسية، وما مواصلة اعتقال عبد الله أوجلان الزعيم الكردي واعتقال النواب الكرد في تركيا، وما يوازيه في إيران من سياسات وإجراءات سوى عناوين تتطلب المبادرة بمعالجتها قبل أن تُستفحل، لأن زمن ما بعد الاستفتاء ليس ما قبله.
ولدى الكرد
وكردياً حققوا خطوة إيجابية إلى الأمام يجب توظيفها لتحسين موقفهم التفاوضي مع بغداد لا أن يعتبروا الخطوة التي تحققت وكأنها الأولى نحو الانفصال أو الاستقلال، فقد تكون كذلك، وقد تكون بداية خسارة ما حققوه من مكاسب، لأن حجم الخصوم والأعداء من حولهم يفوق قدراتهم، خاصة إذا واصل بعضهم الرهان على دور العدو الإسرائيلي، فالذي صرح به الجنرال سيروان برزاني بقوله أن كردستان العراق لم تتلق مساعدات عسكرية من تل أبيب، ولكنها تتلقى دعماً سياسياً ، وقال لنوفوستي “ نمر الأن بحالة معقدة للغاية، إذ نشاهد اليوم المرحلة الانتقالية في تاريخ الأكراد، ولن ننسى أولئك الذين قدموا لنا دعماً جدياً، ومن بينهم إسرائيل، لا حدود لنا مع هذه الدولة، ولا مجال جويا مشترك معها، لذلك لا تصلنا أية مساعدة عسكرية منها، إلا أن هناك دعماً سياسياً ومعنوياً، ونحن ممتنون لرئيس الوزراء الإسرائيلي على هذه المساعدة “ .
تصريحات معنوية يتوهم الجنرال أنها تقدم له رافعة معنوية، ولكنها تزيد من خصومه وأعدائه، فالذين يحيطون بكردستان، أغلبهم في حالة عداء مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، فلماذا هذا الاندلاق، ولماذا هذا التبجح ؟ ولماذا هذا الإصرار على خسارة جيرانه العرب، خاصة وأنه يتصادم مع تركيا وإيران ؟؟ .
لا اجتياح عسكريا
صحيح أن تركيا وإيران لا تملكان شجاعة الإقدام على الاجتياح العسكري لكردستان لثلاثة أسباب : أولها إن هذا اعتداء أجنبي على بلد مجاور، وثانيها قد تنتقل المعركة لداخل بلديهما عبر احتجاجات كردية في تركيا وإيران تضامنا مع شعب كردستان، وثالثهما ستكون بسالة الكرد للدفاع عن أنفسهم أقوى في مواجهة المعتدين الإيرانيين والأتراك، ولذلك لا خطر عسكرياً من قبل طهران وأنقرة عبر الأقدام على مغامرات تتجاوز الحدود وستبقى مناوراتهم في حدود التهويش ورسائل التخويف، وسيبقى حصارهم البري والجوي إقتصادياً وسياسياً أقوى تأثيراً من التدخل العسكري، ولكن الخطر الحقيقي سيأتي من العراق، من قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي لأنهم يملكون الوجاهة والمبرر لدوافع إجتياح إقليم متمرد على الشرعية وعلى وحدة تراب الوطن، وعندها، عندها فقط سيكون الخطر لأن المعركة سيكون عنوانها صراع عراقي عراقي، وعربي كردي، وهنا الطامة والخسارة والخراب .
فلسطين
فلسطينياً يجب أن يتعلم الفلسطينيون أهمية الخطوة الكردية وشجاعتها، لا أن يبقوا أسرى الفعل الإسرائيلي وأن يقتصر ردهم على الاحتجاجات اللفظية ومناشدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، في مواجهة سياسات تهويد القدس، وأسرلة الغور، وتمزيق الضفة الفلسطينية بالمستوطنات والشوارع الالتفافية، وقطع الصلة بين المناطق الثلاث بين القدس والضفة والقطاع، والصمت على أدوات التطبيع العربي من قبل بعض الدول العربية مع العدو الإسرائيلي، تحت حجة الأولوية مناهضة داعش والقاعدة والتصدي لإيران، وليس نحو العدو القومي الإسرائيلي الذي يحتل أراضي العرب ولا يزال .
فالفلسطينيون كانوا دائماً أصحاب مبادرة وهم يفتقدونها الأن، ما أعطى العدو الإسرائيلي امتلاك زمام المبادرة في ظل إخفاق فلسطيني فاقع، وها هو قبولهم في مؤسسة الإنتربول الدولي يوم 27/9/2017 خطوة ناجحة وإيجابية في الإتجاه الصحيح .
استفتاء كردستان قد تكون قنبلة صوتية ستخمد بعد أيام، وقد تكون ربيعا ثوريا محركا للسياسات والأحداث لما بعده، ولكن من الواضح أن كردستان كسبت خطوة، ولكنها تحتاج لمزيد من التعقل وإنحناءة قوية أمام قوة الاندفاع من قبل بغداد وأنقرة وطهران، لعلها تسلم من شرور التدخلات ومن أذى الحصار، ويبدو أن انحناءتها بدأت بقبول مراقبين من بغداد لمطاري أربيل والسليمانية مما يشير إلى أن خطوة الاستفتاء ليست نهائية بل مفتوحة على كافة الاحتمالات بما فيها التراجع التكتيكي إلى الخلف دون إلغاء نتائج التصويت الذي أصبح واقعياً.
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية