عراق آخر ممكن
عمان جو-يوسف إبراهيم
كنت محظوظا في عام 2015 لحضور فعاليات المنتدى الاجتماعي العراقي الثاني في مدينة بغداد وتحديدا في حدائق أبي نؤاس على ضفاف نهرة دجلة, حيث نصب شهريار وشهرزاد -والذي أنجزه شيخ النحاتين العراقي محمد غني حكمت- تلك الشخصيات الأسطورية شامخا وحاضرا على حضارة عمرها من عمر الزمن.
كانت الأجواء -كما ألف ليلة وليلة- أسطورية، بهاء تلك الليلة أنساني كل مشاهد الأسى التي ارتبطت باسم بغداد و قد لمست الروعة الحضارية من خلال هذه الفعالية وعيون القائمين على تنظيم المنتدى والحضور الكبير المتنوع كتنوع العراق, من خلال عيون "صناع الحياة". لم يكن لمساء اليوم الأول أن يكتمل سحرا إلا مع الإستماع لفرقة عراقية شابة تعزف موسيقى موطني هذه القطعة الفنية الخالدة التي كانت نتاج التقاء للشعار الفلسطيني إبراهيم طوقان وألحان المبدع اللبناني محمد فليفل من على ضفاف نهر دجلة.
يوفر المنتدى ذلك الفضاء الواسع لإجتماع مختلف مكونات الشعب العراقي والناشطين على الساحة العراقية من الحركات الاجتماعية والنقابات والإتحادات العمالية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني للتواصل وتقديم الأنشطة المختلفة خلال أيام المنتدى من ورش عمل وجلسات نقاشية وأنشطة فنية وحملات تضامنية وحتى نشاطات رياضية.
يتميز المنتدى الاجتماعي العراقي بالإعتماد الكبير على الجهد الشخصي للأطراف المعنية من حيث التحضيرات والتي تسبق انطلاق المنتدى كل سنة بأشهر من التخطيط والترتيب والتواصل بين الأشخاص والمؤسسات المشاركة في فعاليات المنتدى للخروج بذلك التنظيم الرائع الذي نتابعه كل سنة. ومن الجدير بالذكر أن هذا الإنجاز هو بإمضاء محلي ووطني من غير الإعتماد بشكل كبير على مساعدة المنظمات الدولية من حيث الدعم المالي أو التقني. على العكس من ذلك, فالمنتدى هو من يوفر مساحات وتسهيلات لتلك المنظمات الدولية المختلفة للمشاركة في الفعالية، حيث أن أساس ما يطلبه المنتدى من الآخرين هو التضامن.
يعطي المنتدى صورة مغايرة عن العراق. عراق بعيد عن الأزمات المتتالية التي تضربه على كل المستويات إن كانت سياسية أو اجتماعية أو أمنية. عراق يسمو بتنوعه عن الطائفية والقومية وكل الانقسامات في المجتمع العراقي. يوفر المنتدى فضاء رحب لإلتقاء جميع العراقيين بمختلف أطيافهم ليرسمو لنفسهم وللعالم واقع جميل يمكن أن يتحقق في كل أرجاء العراق من خلال إرادتهم وعملهم الدؤوب وعدم فقدانهم الأمل.
الشيء الوحيد المحزن في المنتدى هو أن المشاركة من دول الجوار وخاصة العربية منها كانت ضعيفة ولا ترتقي إلى طموح وآمال العراقيين التواقين لإستقبال الوفود المختلفة, والذين لطالما أكدوا على استعدادهم التام لإستقبال المشاركين في بيوتهم وبذل كل جهد في توفير الإقامة وسبل التنقل لكل المتضامنين القادمين إلى بغداد. في حين كان السواد الأعظم من الوفود القادمة هم من بلاد بعيدة جغرافيا عن العراق ولكن وللأسف أقرب له إنسانيا ممن يربطهم روابط تاريخية لا تعد ولا تحصى.
سوف يساعد المنتدى الاجتماعي العراقي بالضرورة بالعمل الجاد وتظافر الجهود - وإن لم يكن على المنتدى المنظور- على إرساء السلام في العراق وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الإجتماعية كما حدد المنتدى لنفسه تلك الأهداف. فرغم كل الأحداث العاصفة والدامية التي مرت على العراق في السنوات الأخيرة فقد استطاع المنتدى الحفاظ على شكله ومضمونه من خلال تكاتف الناشطين العراقيين ورغبتهم اللامحدودة في إنجاح هذا المشروع العراقي.
الحقيقة، لم تعد بغداد والعراق في نظري بعد حضور الفعالية كما في السابق. فمن حالفه الحظ في حضور فعاليات المنتدى الاجتماعي سوف يرى بأن هناك عراق آخر ممكن. وأنا متأكد أن يوما ما سوف يقام المنتدى الاجتماعي العالمي في بغداد.
عمان جو-يوسف إبراهيم
كنت محظوظا في عام 2015 لحضور فعاليات المنتدى الاجتماعي العراقي الثاني في مدينة بغداد وتحديدا في حدائق أبي نؤاس على ضفاف نهرة دجلة, حيث نصب شهريار وشهرزاد -والذي أنجزه شيخ النحاتين العراقي محمد غني حكمت- تلك الشخصيات الأسطورية شامخا وحاضرا على حضارة عمرها من عمر الزمن.
كانت الأجواء -كما ألف ليلة وليلة- أسطورية، بهاء تلك الليلة أنساني كل مشاهد الأسى التي ارتبطت باسم بغداد و قد لمست الروعة الحضارية من خلال هذه الفعالية وعيون القائمين على تنظيم المنتدى والحضور الكبير المتنوع كتنوع العراق, من خلال عيون "صناع الحياة". لم يكن لمساء اليوم الأول أن يكتمل سحرا إلا مع الإستماع لفرقة عراقية شابة تعزف موسيقى موطني هذه القطعة الفنية الخالدة التي كانت نتاج التقاء للشعار الفلسطيني إبراهيم طوقان وألحان المبدع اللبناني محمد فليفل من على ضفاف نهر دجلة.
يوفر المنتدى ذلك الفضاء الواسع لإجتماع مختلف مكونات الشعب العراقي والناشطين على الساحة العراقية من الحركات الاجتماعية والنقابات والإتحادات العمالية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني للتواصل وتقديم الأنشطة المختلفة خلال أيام المنتدى من ورش عمل وجلسات نقاشية وأنشطة فنية وحملات تضامنية وحتى نشاطات رياضية.
يتميز المنتدى الاجتماعي العراقي بالإعتماد الكبير على الجهد الشخصي للأطراف المعنية من حيث التحضيرات والتي تسبق انطلاق المنتدى كل سنة بأشهر من التخطيط والترتيب والتواصل بين الأشخاص والمؤسسات المشاركة في فعاليات المنتدى للخروج بذلك التنظيم الرائع الذي نتابعه كل سنة. ومن الجدير بالذكر أن هذا الإنجاز هو بإمضاء محلي ووطني من غير الإعتماد بشكل كبير على مساعدة المنظمات الدولية من حيث الدعم المالي أو التقني. على العكس من ذلك, فالمنتدى هو من يوفر مساحات وتسهيلات لتلك المنظمات الدولية المختلفة للمشاركة في الفعالية، حيث أن أساس ما يطلبه المنتدى من الآخرين هو التضامن.
يعطي المنتدى صورة مغايرة عن العراق. عراق بعيد عن الأزمات المتتالية التي تضربه على كل المستويات إن كانت سياسية أو اجتماعية أو أمنية. عراق يسمو بتنوعه عن الطائفية والقومية وكل الانقسامات في المجتمع العراقي. يوفر المنتدى فضاء رحب لإلتقاء جميع العراقيين بمختلف أطيافهم ليرسمو لنفسهم وللعالم واقع جميل يمكن أن يتحقق في كل أرجاء العراق من خلال إرادتهم وعملهم الدؤوب وعدم فقدانهم الأمل.
الشيء الوحيد المحزن في المنتدى هو أن المشاركة من دول الجوار وخاصة العربية منها كانت ضعيفة ولا ترتقي إلى طموح وآمال العراقيين التواقين لإستقبال الوفود المختلفة, والذين لطالما أكدوا على استعدادهم التام لإستقبال المشاركين في بيوتهم وبذل كل جهد في توفير الإقامة وسبل التنقل لكل المتضامنين القادمين إلى بغداد. في حين كان السواد الأعظم من الوفود القادمة هم من بلاد بعيدة جغرافيا عن العراق ولكن وللأسف أقرب له إنسانيا ممن يربطهم روابط تاريخية لا تعد ولا تحصى.
سوف يساعد المنتدى الاجتماعي العراقي بالضرورة بالعمل الجاد وتظافر الجهود - وإن لم يكن على المنتدى المنظور- على إرساء السلام في العراق وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الإجتماعية كما حدد المنتدى لنفسه تلك الأهداف. فرغم كل الأحداث العاصفة والدامية التي مرت على العراق في السنوات الأخيرة فقد استطاع المنتدى الحفاظ على شكله ومضمونه من خلال تكاتف الناشطين العراقيين ورغبتهم اللامحدودة في إنجاح هذا المشروع العراقي.
الحقيقة، لم تعد بغداد والعراق في نظري بعد حضور الفعالية كما في السابق. فمن حالفه الحظ في حضور فعاليات المنتدى الاجتماعي سوف يرى بأن هناك عراق آخر ممكن. وأنا متأكد أن يوما ما سوف يقام المنتدى الاجتماعي العالمي في بغداد.