الأردن: عبور «أسرع وأخطر» ميزانية مالية تَرفع ولأول مرة «أسعار الخبز»
عمان جو - رصد
أكبر المتفائلين شعبيًا لم يكن يتوقع إحباط مشروع الميزانية المالية للحكومة الأردنية، عمليًا، لأن المطلب الوسطي والمنطقي للمعترضين من أعضاء البرلمان وغيرهم على ميزانية رفع أسعار الخبز، تحدث طوال الوقت عن معادلة تفاوضية مع الحكومة يقودها النواب، تؤدّي ولو من باب ذر الرماد في الأعين إلى تحصيل مكاسب بسيطة تحت عنوان إما حماية الطبقة الوسطى او إنقاذ الفقراء والمسحوقين.
ذلك لم يحصل بكل الأحوال، بل برزت مفاجأة من العيار الثقيل صدمت الجميع، وفاجأت حتى الحكومة مساء أمس الأول الأحد، فالموازنة السريعة أقرها نواب الأمة خلال أقل من خمس ساعات فقط، بعد أن كانت تلتهم أسبوعًا في الأقل من النقاشات والخطابات.
المفاجأة التي لم تكن سارة للشارع هي إقرار النواب الموازنة كما أرسلت تمامًا من الحكومة ومن دون تعديل أو تغيير، وحتى من دون تلك الرتوش الديمقراطية المعتادة التي ترافق نقاشات الثقة البرلمانية في ملفات السياسة المالية.
بطبيعة الحال تدخلت القوى العميقة جميعها في الدولة لمساعدة رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي في إقرار الموازنة المالية التي عبرت تحت شعار الاعتماد على الذات، ولأول مرة ومن دون مساعدات شقيقة او صديقة وعلى أساس علني واضح تميزت الحكومة بمصداقيتها فيه وهو رفع الأسعار وضريبة المبيعات علنًا و»من دون لف ودوران» ولأول مرة. لم يسبق لأية ميزانية مالية منذ التحول الديمقراطي عام 1989 أن عبرت بوقت سريع وخاطف كما حصل مع ميزانية رفع أسعار الخبز.
التكتيك الذي اعتمده الملقي هنا في غاية البساطة، فقط تمكن عبر شخصيتين برلمانيتين فقط، من تأمين عبور موازنته بأصوات لا تزيد على 45 % من إجمالي عدد النواب. مبكرًا؛ ضمن الملقي وجود حليفه القوي النائب أحمد الصفدي في رئاسة اللجنة المالية، ما يعني ضمان الكتلة الأضخم التي قوامها 28 نائبًا، فيما تدخل بوضوح رئيس المجلس عاطف الطراونة لمساعدة الحكومة في عبور الميزانية، من دون الظهور في المشهد وعلى أساس أنها خيار اضطراري للدولة.
حسابات الطراونة
الطراونة لديه حسابات خاصة، ومعقدة، وبرغم أن علاقته مع رئيس الوزراء تدار بالقطعة، ولا تتميز بالتحالف والود، إلا أنه لأسباب متعددة بعضها شخصي وآخر سياسي، لا يستطيع تحمل كلفة حتى الحياد في نقاشات الملف المالي. لأن الحياد هنا قد يؤدي به إلى سيناريوهات؛ من بينها الدخول في أزمة بين السلطتين على خلفية الميزانية المالية، وبالتالي احتمالية حل البرلمان، وقد استعد الرجل لتحصين تكتيكاته برسالة قصيرة لغالبية النواب الذين استفسروا منه تلمحًا، لأن المطلوب من جهات سيادية في الدولة عبور الموازنة وليس من الحكومة فقط.
هندسة العكايلة
وفي التفاصيل اتخذت كتلة الاصلاح المحسوبة على الإخوان المسلمين المسار الذي اعتمده تكتيكيًا مهندس الكتلة الأبرز ورئيسها المخضرم الخبير الاقتصادي أيضا الدكتور عبد الله العكايلة. وهو مسار دُرِس بعناية على أساس الامتناع عن حضور جلسة التصويت على الموازنة، والامتناع عن نقاشاتها أصلًا، برغم أن ممثل الإخوان في اللجنة المالية النائب موسى الوحش هو الوحيد الذي تحفظ على قرارات اللجنة التي تحمست بدورها لمساعدة الملقي ووزير المالية عمر ملحس. المسار التكتيكي لخطة العكايلة كان اتخاذ موقف لا يُسجّل على كتلة الاصلاح الإخوانية أنها شاركت بالزفّة المتعلقة برفع أسعار الخبز، ومن دون الظهور بالمقابل أمام قوى الدولة النافذة بمظهر من يستطيع عمليا تحمل مسؤولية إعاقة ميزانية مالية تتحمس لها كل القوى النافذة في عمق الدولة.
لذلك هندس العكايلة مع رفاقه في كتلة الإصلاح موقفًا مبرمجًا، على أساس مقولة شعبية دارجة هي: «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم» لأن حركة المناورة والمبادرة عند العكايلة أصلاً مرتبطة بإخفاقه قبل نقاشات الموازنة في تأمين لقاءات حيوية مع مسؤولين كبار تنفض الغبار عن برنامجه الذي كان قد شرحه بالتفصيل لـ»القدس العربي» بعنوان العودة للشراكة وإعادة تأهيل وإدماج الحركة الإسلامية. وفي الكواليس حظي العكايلة بمباركة مطبخ الإخوان المسلمين المسترسل بدوره في الترقب والانتظار لتحولات الإقليم. وفي الطريق بحث الرجل عبثًا عن شركاء من النواب المستقلين يمكنهم التلاقي مع كتلة الاصلاح في منطقة تجاذب لمضايقة الميزانية.
لكن حجم التدخل من المؤسسات الموازية لمصلحة الميزانية باعتبارها اتجاه إجباري على مستوى برامج الدولة نتج عنه عبور الميزانية بثقة ضعيفة نسبيًا حيث صوت لمصلحتها 58 نائباً من أصل 99 حضروا جلسة التصويت، فيما جلس 16 مستقلًا إلى جانب كتلة الاصلاح في الأروقة الموازية تفاعلًا مع تكتيكٍ فَشِل تمامًا باسم تهريب النصاب. وسقطت بالتالي في الأثناء مصداقية نحو 100 برلماني تعهدوا سابقًا بعدم حضور نقاشات الموازنة إذا أصرت الحكومة على رفع أسعار الخبز والضرائب، حيث تبخر تمامًا الموقف الذي تضمنته مذكرة شهيرة في هذا الاتجاه.
القدس العربي
عمان جو - رصد
أكبر المتفائلين شعبيًا لم يكن يتوقع إحباط مشروع الميزانية المالية للحكومة الأردنية، عمليًا، لأن المطلب الوسطي والمنطقي للمعترضين من أعضاء البرلمان وغيرهم على ميزانية رفع أسعار الخبز، تحدث طوال الوقت عن معادلة تفاوضية مع الحكومة يقودها النواب، تؤدّي ولو من باب ذر الرماد في الأعين إلى تحصيل مكاسب بسيطة تحت عنوان إما حماية الطبقة الوسطى او إنقاذ الفقراء والمسحوقين.
ذلك لم يحصل بكل الأحوال، بل برزت مفاجأة من العيار الثقيل صدمت الجميع، وفاجأت حتى الحكومة مساء أمس الأول الأحد، فالموازنة السريعة أقرها نواب الأمة خلال أقل من خمس ساعات فقط، بعد أن كانت تلتهم أسبوعًا في الأقل من النقاشات والخطابات.
المفاجأة التي لم تكن سارة للشارع هي إقرار النواب الموازنة كما أرسلت تمامًا من الحكومة ومن دون تعديل أو تغيير، وحتى من دون تلك الرتوش الديمقراطية المعتادة التي ترافق نقاشات الثقة البرلمانية في ملفات السياسة المالية.
بطبيعة الحال تدخلت القوى العميقة جميعها في الدولة لمساعدة رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي في إقرار الموازنة المالية التي عبرت تحت شعار الاعتماد على الذات، ولأول مرة ومن دون مساعدات شقيقة او صديقة وعلى أساس علني واضح تميزت الحكومة بمصداقيتها فيه وهو رفع الأسعار وضريبة المبيعات علنًا و»من دون لف ودوران» ولأول مرة. لم يسبق لأية ميزانية مالية منذ التحول الديمقراطي عام 1989 أن عبرت بوقت سريع وخاطف كما حصل مع ميزانية رفع أسعار الخبز.
التكتيك الذي اعتمده الملقي هنا في غاية البساطة، فقط تمكن عبر شخصيتين برلمانيتين فقط، من تأمين عبور موازنته بأصوات لا تزيد على 45 % من إجمالي عدد النواب. مبكرًا؛ ضمن الملقي وجود حليفه القوي النائب أحمد الصفدي في رئاسة اللجنة المالية، ما يعني ضمان الكتلة الأضخم التي قوامها 28 نائبًا، فيما تدخل بوضوح رئيس المجلس عاطف الطراونة لمساعدة الحكومة في عبور الميزانية، من دون الظهور في المشهد وعلى أساس أنها خيار اضطراري للدولة.
حسابات الطراونة
الطراونة لديه حسابات خاصة، ومعقدة، وبرغم أن علاقته مع رئيس الوزراء تدار بالقطعة، ولا تتميز بالتحالف والود، إلا أنه لأسباب متعددة بعضها شخصي وآخر سياسي، لا يستطيع تحمل كلفة حتى الحياد في نقاشات الملف المالي. لأن الحياد هنا قد يؤدي به إلى سيناريوهات؛ من بينها الدخول في أزمة بين السلطتين على خلفية الميزانية المالية، وبالتالي احتمالية حل البرلمان، وقد استعد الرجل لتحصين تكتيكاته برسالة قصيرة لغالبية النواب الذين استفسروا منه تلمحًا، لأن المطلوب من جهات سيادية في الدولة عبور الموازنة وليس من الحكومة فقط.
هندسة العكايلة
وفي التفاصيل اتخذت كتلة الاصلاح المحسوبة على الإخوان المسلمين المسار الذي اعتمده تكتيكيًا مهندس الكتلة الأبرز ورئيسها المخضرم الخبير الاقتصادي أيضا الدكتور عبد الله العكايلة. وهو مسار دُرِس بعناية على أساس الامتناع عن حضور جلسة التصويت على الموازنة، والامتناع عن نقاشاتها أصلًا، برغم أن ممثل الإخوان في اللجنة المالية النائب موسى الوحش هو الوحيد الذي تحفظ على قرارات اللجنة التي تحمست بدورها لمساعدة الملقي ووزير المالية عمر ملحس. المسار التكتيكي لخطة العكايلة كان اتخاذ موقف لا يُسجّل على كتلة الاصلاح الإخوانية أنها شاركت بالزفّة المتعلقة برفع أسعار الخبز، ومن دون الظهور بالمقابل أمام قوى الدولة النافذة بمظهر من يستطيع عمليا تحمل مسؤولية إعاقة ميزانية مالية تتحمس لها كل القوى النافذة في عمق الدولة.
لذلك هندس العكايلة مع رفاقه في كتلة الإصلاح موقفًا مبرمجًا، على أساس مقولة شعبية دارجة هي: «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم» لأن حركة المناورة والمبادرة عند العكايلة أصلاً مرتبطة بإخفاقه قبل نقاشات الموازنة في تأمين لقاءات حيوية مع مسؤولين كبار تنفض الغبار عن برنامجه الذي كان قد شرحه بالتفصيل لـ»القدس العربي» بعنوان العودة للشراكة وإعادة تأهيل وإدماج الحركة الإسلامية. وفي الكواليس حظي العكايلة بمباركة مطبخ الإخوان المسلمين المسترسل بدوره في الترقب والانتظار لتحولات الإقليم. وفي الطريق بحث الرجل عبثًا عن شركاء من النواب المستقلين يمكنهم التلاقي مع كتلة الاصلاح في منطقة تجاذب لمضايقة الميزانية.
لكن حجم التدخل من المؤسسات الموازية لمصلحة الميزانية باعتبارها اتجاه إجباري على مستوى برامج الدولة نتج عنه عبور الميزانية بثقة ضعيفة نسبيًا حيث صوت لمصلحتها 58 نائباً من أصل 99 حضروا جلسة التصويت، فيما جلس 16 مستقلًا إلى جانب كتلة الاصلاح في الأروقة الموازية تفاعلًا مع تكتيكٍ فَشِل تمامًا باسم تهريب النصاب. وسقطت بالتالي في الأثناء مصداقية نحو 100 برلماني تعهدوا سابقًا بعدم حضور نقاشات الموازنة إذا أصرت الحكومة على رفع أسعار الخبز والضرائب، حيث تبخر تمامًا الموقف الذي تضمنته مذكرة شهيرة في هذا الاتجاه.
القدس العربي