هواجس أردنية بعد «تجميد الانفتاح» على إيران
مخاوف من استنساخ «حزب الله» قرب خاصرة الشمال ومظاهر «تَشَيُّعٍ» بالجملة في الجنوب السوري
السفير فردوسي عاد للتذمر... ورسائل ملغزة خلال استقبال وفد برلماني في طهران
عمان جو - بسام البدارين
فرحة السفير الإيراني النشط في عمّان، محبتي فردوسي، لم تتم بعد خطوة التفافية رسمية أحبطت توجّه رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة بزيارة طهران والانفتاح عليها، من دون إغلاق الباب في الوقت نفسه أمام زيارة وفد برلماني ترأسه أحد أبرز وجوه قيادة مؤسسة النواب خميس عطية، بمشاركة رئيس لجنة فلسطين نجم المصارعة الشهيرة على المعابر والجسور مع عضو كنيست إسرائيلي متطرف المحامي يحيي السعود.
الوفد البرلماني الأردني يفترض أن يعود إلى عمّان من دون تمكين الإيرانيين من الحصول على الزخم الذي توقعوه، خصوصًا بعدما استقبل الطراونة السفير فردوسي، في الوقت الذي يتهرب فيه وزير الخارجية أيمن الصفدي من مقابلته أو حتى منحه حصة مفترضة كممثل دبلوماسي.
بالسرعة ذاتها التي بعد أن بان فيها الاتصال أردنياً مع طهران، بعد قرار الرئيس الأمريكي الشهير بشأن القدس، عادت موجة التواصل إلى مربعها الأهدأ مع الإيرانيين والأقل كلفة في الوقت الذي بدأ فيه حراك خلف الستارة والكواليس لمعالجة الأزمة المستمرة مع حكومة اليمين الإسرائيلي كما عادت فيه بالتزامن بعض الحميمية للعلاقات الأردنية السعودية.
في قياس الغرفة العميقة بالصف الرسمي الأردني كان طرق الباب الإيراني، بصورة خافتة محصلة للحظة تكتيكية عميقة في الأردن نتجت عن الالتفات بعد قرار القدس، وعدم رؤية الشركاء العرب الكبار إلى الجوار، ما اضطر عمّان إلى مقابلة الرئيس حسن روحاني على هامش قمة اسطنبول الإسلامية واستقبال السفير فردوسي في مكتب رئيس ممثلي الشعب الأردني قبل عزف الطراونة نفسه على الوتر، لأسباب تكتيكية أحياناً وشخصية أحيانًا أخرى.
«فرحة لم تتم»
الجملة التكتيكية بعد انفتاح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على عمّان وترتيب بعض الأوراق خلف الستارة انتهت وظيفتها. لذلك عاد السفير فردوسي يعزف لحن الشعور بالوحدة والفرحة التي لم تتم واشتكى مجدداً لشخصيات أردنية وفلسطينية بارزة الأسبوع الماضي مما سمّاه بـ «عدم جدية» الأردن في إقامة حوار تبادلي مصلحي.
حرصت طهران بدورها على توجيه رسالة تناسب مستوى التمثيل الأردني لمؤتمرها التضامني مع القدس، حيث استقبل الوفد البرلماني رئيس لجنة فرعية هامشية في البرلمان الإيراني.
لكن اللافت أن أركان السفارة الأردنية في طهران كانوا موجودين أيضاً في المطار لاستقبال وفدهم برغم عدم وجود سفير.
تلك إشارة تحاول إنعاش ذاكرة الإيرانيين وغيرهم، بأن الأردن يسعى للتوازن حسب بوصلة مصالحه، حيث لم يغلق سفارته في طهران، كما فعلت السعودية، عند الاعتداء على قنصليتها منذ نحو عامين، وإن كان قد سحب سفيره في ذلك الوقت من إيران. السفير المسحوب؛ هو وزير الإعلام الأسبق عبد الله أبو رمان لا يزال في عمّان، ولا يمارس مهامه، فيما يستمر نظيره الإيراني محبتي فردوسي في محاولات الاختراق وتسجيل النقاط وإظهار النشاط والرغبة في فتح صفحة جديدة.
يسأل كثير من الساسة المحليين في الأردن عن الأسباب التي حالت دون استغلال مشهد ما بعد وعد ترامب في إظهار نوايا انفتاح أكبر على طهران بإعادة السفير أبي رمان. وهي خطوة يُفترض أن تناقش في سياق ما سمّاه أمام «القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بالتنويع على أساس المصالح وتبادل المنافع.
عودة السفير أبي رمان إلى طهران غير محتملة قريبًا كما فهمت «القدس العربي»، لأنها خطوة خطيرة بالمعنى الدبلوماسي، قد تُنتج الانطباع لدى أطراف أخرى حليفة وشريكة بأن الأردن «لم يعد معهم».
وعمّان بهذا المعنى لم تصل بعد، برغم اضطرارها للتحدث مع الإيرانيين في أزمة القدس، بعدما تخلى عنها الأشقاء والشركاء، إلى مرحلة قرار سياسي بانفتاح عميق على الإيرانيين، ولا حتى إلى قرار سياسي يُجازف بسلّة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وإن كانت قد توترت او تأزمت أحياناً.
يحصل ذلك في فقه غرفة القرار الأردني الأعمق لأسباب عدة، تبدو في باب المصالح الحيوية والأساسية الأردنية وجيهة، إلى حد كبير، وهي الأسباب ذاتها التي دفعت رئيس النواب الطراونة إلى تلقي الإشارة التي طالبته بتجميد زيارته الثالثة لطهران، وتقليص تمثيل المشاركة الأردنية في مؤتمر نصرة القدس.
عند الحفر في الأسباب التي تعوق التحول أردنيًا نحو درجة أعمق من الاتصال مع الإيرانيين يمكن التحدث عن خلفيات متعددة؛ أبرزها لها علاقة بأن عمّان لا تريد التفاعل مع اي عرض إيراني بين المُغريات مجانًا، ومن دون كلفة سياسية في الوقت الذي يؤسس فيه الحرس الثوري الإيراني جنوب سوريا وبالقرب من خاصرة شمال الأردن وجوداً دائماً ومقلقاً. فالأجهزة الأمنية الأردنية هنا تتحدث عن مظاهر تَشَيُّعٍ تتوسع بصورة مقلقة بالمعنى السياسي، لا الديني، في جوار ومحيط منطقة درعا الأساسية في معادلة الأمن الحدودي الأردني.
وهو أمر لاحظه خبير سياسي أردني بالملف السوري على هامش نقاش مع «القدس العربي» بحجم رئيس مجلس النواب الأسبق سعد هايل السرور.
خشية العمق الأردني متواصلة من أن يكون الوجود الذي يتعمق جنوب سوريا للحرس الثوري الإيراني ولجماعات محسوبة على الحشد الشيعي العراقي اكبر من مشروع أمني بسيط له علاقة بنصرة النظام السوري او حتى بالخلفيات الطائفية والدينية، أو له علاقة فقط بحماية المصالح الإيرانية في العمق السوري ومكافحة الإرهاب السنّي.
هنا حصريًا، ثمة تهامس وهواجس داخل دوائر القرار الأردني، تفيد بأن أخطر ما قد يكشف عنه في المعطيات الأمنية السيناريو الإيراني العسكري جنوب سوريا هو التمهيد بعمل منهجي وبطيء ومستقر في العمقين الجغرافي والاجتماعي لاستنساخ حزب الله جديد بنسخة سورية بالقرب من خاصرة الشمال الأردني ، الأمر الذي يعتبره المجتمع المعني بالدولة العميقة في الأردن خطراً استراتيجياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وهو خطر يتطلب إبقاء العين مفتوحة وإدخال الوجود الميليشياتي الإيراني جنوب سوريا في معادلة التفاوض الإقليمية وضمن ترتيبات خفض التوتر مع روسيا. ويتطلب أيضًا الحذر الشديد في المقايسات الأردنية والتعامل بالقطعة مع إيران ضمن أطر تكتيكية لا استراتيجية، وهي رسالة من المرجح أن المتحمسين للانفتاح على إيران من دعاة المناكفة للسعودية ورموز تبديل المحاور والرد على ترامب وتل أبيب تحت قبة البرلمان الأردني وفي خريطة النخبة لم تلتقط بصورة عميقة.
مخاوف من استنساخ «حزب الله» قرب خاصرة الشمال ومظاهر «تَشَيُّعٍ» بالجملة في الجنوب السوري
السفير فردوسي عاد للتذمر... ورسائل ملغزة خلال استقبال وفد برلماني في طهران
عمان جو - بسام البدارين
فرحة السفير الإيراني النشط في عمّان، محبتي فردوسي، لم تتم بعد خطوة التفافية رسمية أحبطت توجّه رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة بزيارة طهران والانفتاح عليها، من دون إغلاق الباب في الوقت نفسه أمام زيارة وفد برلماني ترأسه أحد أبرز وجوه قيادة مؤسسة النواب خميس عطية، بمشاركة رئيس لجنة فلسطين نجم المصارعة الشهيرة على المعابر والجسور مع عضو كنيست إسرائيلي متطرف المحامي يحيي السعود.
الوفد البرلماني الأردني يفترض أن يعود إلى عمّان من دون تمكين الإيرانيين من الحصول على الزخم الذي توقعوه، خصوصًا بعدما استقبل الطراونة السفير فردوسي، في الوقت الذي يتهرب فيه وزير الخارجية أيمن الصفدي من مقابلته أو حتى منحه حصة مفترضة كممثل دبلوماسي.
بالسرعة ذاتها التي بعد أن بان فيها الاتصال أردنياً مع طهران، بعد قرار الرئيس الأمريكي الشهير بشأن القدس، عادت موجة التواصل إلى مربعها الأهدأ مع الإيرانيين والأقل كلفة في الوقت الذي بدأ فيه حراك خلف الستارة والكواليس لمعالجة الأزمة المستمرة مع حكومة اليمين الإسرائيلي كما عادت فيه بالتزامن بعض الحميمية للعلاقات الأردنية السعودية.
في قياس الغرفة العميقة بالصف الرسمي الأردني كان طرق الباب الإيراني، بصورة خافتة محصلة للحظة تكتيكية عميقة في الأردن نتجت عن الالتفات بعد قرار القدس، وعدم رؤية الشركاء العرب الكبار إلى الجوار، ما اضطر عمّان إلى مقابلة الرئيس حسن روحاني على هامش قمة اسطنبول الإسلامية واستقبال السفير فردوسي في مكتب رئيس ممثلي الشعب الأردني قبل عزف الطراونة نفسه على الوتر، لأسباب تكتيكية أحياناً وشخصية أحيانًا أخرى.
«فرحة لم تتم»
الجملة التكتيكية بعد انفتاح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على عمّان وترتيب بعض الأوراق خلف الستارة انتهت وظيفتها. لذلك عاد السفير فردوسي يعزف لحن الشعور بالوحدة والفرحة التي لم تتم واشتكى مجدداً لشخصيات أردنية وفلسطينية بارزة الأسبوع الماضي مما سمّاه بـ «عدم جدية» الأردن في إقامة حوار تبادلي مصلحي.
حرصت طهران بدورها على توجيه رسالة تناسب مستوى التمثيل الأردني لمؤتمرها التضامني مع القدس، حيث استقبل الوفد البرلماني رئيس لجنة فرعية هامشية في البرلمان الإيراني.
لكن اللافت أن أركان السفارة الأردنية في طهران كانوا موجودين أيضاً في المطار لاستقبال وفدهم برغم عدم وجود سفير.
تلك إشارة تحاول إنعاش ذاكرة الإيرانيين وغيرهم، بأن الأردن يسعى للتوازن حسب بوصلة مصالحه، حيث لم يغلق سفارته في طهران، كما فعلت السعودية، عند الاعتداء على قنصليتها منذ نحو عامين، وإن كان قد سحب سفيره في ذلك الوقت من إيران. السفير المسحوب؛ هو وزير الإعلام الأسبق عبد الله أبو رمان لا يزال في عمّان، ولا يمارس مهامه، فيما يستمر نظيره الإيراني محبتي فردوسي في محاولات الاختراق وتسجيل النقاط وإظهار النشاط والرغبة في فتح صفحة جديدة.
يسأل كثير من الساسة المحليين في الأردن عن الأسباب التي حالت دون استغلال مشهد ما بعد وعد ترامب في إظهار نوايا انفتاح أكبر على طهران بإعادة السفير أبي رمان. وهي خطوة يُفترض أن تناقش في سياق ما سمّاه أمام «القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بالتنويع على أساس المصالح وتبادل المنافع.
عودة السفير أبي رمان إلى طهران غير محتملة قريبًا كما فهمت «القدس العربي»، لأنها خطوة خطيرة بالمعنى الدبلوماسي، قد تُنتج الانطباع لدى أطراف أخرى حليفة وشريكة بأن الأردن «لم يعد معهم».
وعمّان بهذا المعنى لم تصل بعد، برغم اضطرارها للتحدث مع الإيرانيين في أزمة القدس، بعدما تخلى عنها الأشقاء والشركاء، إلى مرحلة قرار سياسي بانفتاح عميق على الإيرانيين، ولا حتى إلى قرار سياسي يُجازف بسلّة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وإن كانت قد توترت او تأزمت أحياناً.
يحصل ذلك في فقه غرفة القرار الأردني الأعمق لأسباب عدة، تبدو في باب المصالح الحيوية والأساسية الأردنية وجيهة، إلى حد كبير، وهي الأسباب ذاتها التي دفعت رئيس النواب الطراونة إلى تلقي الإشارة التي طالبته بتجميد زيارته الثالثة لطهران، وتقليص تمثيل المشاركة الأردنية في مؤتمر نصرة القدس.
عند الحفر في الأسباب التي تعوق التحول أردنيًا نحو درجة أعمق من الاتصال مع الإيرانيين يمكن التحدث عن خلفيات متعددة؛ أبرزها لها علاقة بأن عمّان لا تريد التفاعل مع اي عرض إيراني بين المُغريات مجانًا، ومن دون كلفة سياسية في الوقت الذي يؤسس فيه الحرس الثوري الإيراني جنوب سوريا وبالقرب من خاصرة شمال الأردن وجوداً دائماً ومقلقاً. فالأجهزة الأمنية الأردنية هنا تتحدث عن مظاهر تَشَيُّعٍ تتوسع بصورة مقلقة بالمعنى السياسي، لا الديني، في جوار ومحيط منطقة درعا الأساسية في معادلة الأمن الحدودي الأردني.
وهو أمر لاحظه خبير سياسي أردني بالملف السوري على هامش نقاش مع «القدس العربي» بحجم رئيس مجلس النواب الأسبق سعد هايل السرور.
خشية العمق الأردني متواصلة من أن يكون الوجود الذي يتعمق جنوب سوريا للحرس الثوري الإيراني ولجماعات محسوبة على الحشد الشيعي العراقي اكبر من مشروع أمني بسيط له علاقة بنصرة النظام السوري او حتى بالخلفيات الطائفية والدينية، أو له علاقة فقط بحماية المصالح الإيرانية في العمق السوري ومكافحة الإرهاب السنّي.
هنا حصريًا، ثمة تهامس وهواجس داخل دوائر القرار الأردني، تفيد بأن أخطر ما قد يكشف عنه في المعطيات الأمنية السيناريو الإيراني العسكري جنوب سوريا هو التمهيد بعمل منهجي وبطيء ومستقر في العمقين الجغرافي والاجتماعي لاستنساخ حزب الله جديد بنسخة سورية بالقرب من خاصرة الشمال الأردني ، الأمر الذي يعتبره المجتمع المعني بالدولة العميقة في الأردن خطراً استراتيجياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وهو خطر يتطلب إبقاء العين مفتوحة وإدخال الوجود الميليشياتي الإيراني جنوب سوريا في معادلة التفاوض الإقليمية وضمن ترتيبات خفض التوتر مع روسيا. ويتطلب أيضًا الحذر الشديد في المقايسات الأردنية والتعامل بالقطعة مع إيران ضمن أطر تكتيكية لا استراتيجية، وهي رسالة من المرجح أن المتحمسين للانفتاح على إيران من دعاة المناكفة للسعودية ورموز تبديل المحاور والرد على ترامب وتل أبيب تحت قبة البرلمان الأردني وفي خريطة النخبة لم تلتقط بصورة عميقة.