«بلطجة» في مواجهة «الاستثمار» في الأردن
عمان جو - بسام البدارين
كنت أُفضل لو تركت الحكومة الأردنية لي ولِبقية المواطنين البُسطاء وأصحاب الرأي الذي لا يسمعه أحد بكل الأحوال، مهمة الاستغراب وإظهار الدهشة والاستنكار لحادث الاعتداء على مستثمر مهم من قبل مجموعة مواطنين تصرفوا باسم إحدى عشائرهم لتأديب المستثمر.
الاستغراب والاستنكار والتعبير عن الأسف والغضب.. انفعالات تخصنا نحن الأشخاص المنزوعين من دسم القوة.
لكن رئيس الوزراء كامل الدسم، فهو الحاكم المُطلق في سلطة التنفيذ، وبيديه صلاحيات مختلفة وواجبة عندما يتعلق الأمر بتجمع عدد من البلطجية لضرب مواطن بسيط يحمل صفة مستثمر، أن يستند فورا إلى ولايته العامة فيُحيل هؤلاء إلى محكمة أمن الدولة في الأقل لأن ضرر فعلتهم لا يمس فردًا فقط، بل جميع الأردنيين ومستقبل الأردن نفسه.
من غير المعقول أن يستمر المسؤولون في بلادي بإظهار الدهشة والاستغراب فقط، إزاء ما يُنشر ويُقال لهم، ويسمعون عنه، ويعرفون به، عن تلك القوى البلطجية التي تستعرض بين الحين والآخر بطريقة بدائية ضد قِطاع المستثمرين والتجار.
في الحالة التي نتحدث عنها، لم يسمع رئيس الوزراء بل شاهد شريط فيديو، وفي الوقت الذي أصبح فيه الشريط علنيا وشاهده الأردنيون كلهم بقي الإجراء ضعيفا وبائسا وناعما.
بمعنى؛ أن الفضيحة كانت جماهيرية ومعالجتها بموجب القانون بقيت خجولة وبصورة توحي برسالة تواطؤ قد تشجع آخرين على ارتكاب الجريمة البشعة نفسها، التي أصبحت حديث كل المجالس في قطاع الأعمال والاستثمار وحتى التجارة.
ما الذي يعنيه تشكيل لجنة وزارية للتحقيق في حوادث الاعتداء على المستثمرين، مرة باسم القبائل والعشائر، وثانية باسم أصحاب السوابق والمجرمين، وثالثة باسم الفساد البيروقراطي الصغير.
يعرف الأردنيون أن القضية الوحيدة التي يُراد تمويتها، وعدم البت فيها، هي حصريًا تلك التي تُشكل من أجلها لجنة.
وكلما ارتفع مستوى هذه اللجنة من نخب البيروقراط والتكنوقراط، كلما كانت تدقق في التفاصيل ببطء وضجر، واتخاذ قرارات شجاعة وجريئة غير ممكن، لأن الكلفة هنا كبيرة على أعضاء أية لجنة، ولأن الانطباع السائد يقول ضمنيا: إن الدولة لا تحمي من يُحقق من أجلها أو من أجل القانون.
تلك طبعا قصة أخرى لها علاقة بِجُبْن اللجان البيروقراطية.
الأهم؛ أن الخصومة مع المستثمرين، وتحديدًا حتى نتحدث بصراحة، أولئك الذين لا يوجد في اسمهم الرباعي مفردة تدل على عائلة كبيرة وثقيلة في المجتمع، أصبحت ظاهرة لا يمكن إنكارها حيث اطلعتُ شخصيًا على حيثيات وأحداث مخجلة وليست مؤسفة فقط، وحيث تقرر هيبة الدولة والقانون الغياب عن الحصة فقط، في مثل هذه الحالة في سلوك مريب فعلا لم أجد له تفسيرا، لسببٍ بسيطٍ وصغيرٍ سرّبه لِي أحد الخبراء البيروقراطيين، وهو أن أجهزة الدولة الأمنية تعرف نمرة حذاء كل بلطجي او خارج على القانون في كل المحافظات الأردنية، وتستطيع جمع هذا الجيش الصغير من بلطجية الأسواق ورموز عنتريات المجتمع بصافرة واحدة وخلال ثلاثين دقيقة.
طبعًا؛ لا تستطيع مثل هذه الصافرة الانطلاق، لأن هذه الشرائح والفئات ببساطة استخدمت في الماضي، ويمكن أن تستخدم في المستقبل على أساس أجندات صغيرة ومختلة، وتحقق هدفًا تكتيكيًا فقط، يغرق في البؤس فيما تلحق ضررا كبيرا في هيبة الدولة في العمق وتسهم في السحب من رصيد النظام والدولة.
وثمة من يقول من باب الاجتهاد بالفتاوى بأن شرائح الابتزاز والبلطجة المنتشرة كالخلايا السرطانية في كل المدن والمحافظات حصل معها ما يسمى بسايكلوجيا الأمن القوة الوهمية والتنظيم والتوحد.
تلك أيضا مسألة أخرى، لكن المهم أن الإرادة السياسية في معالجة المضايقات وأحيانا الجرائم التي ترتكب بحق المستثمرين لم تصدر بعد، لأن الحكومة أضعف فيما يبدو من أن تتخذ زمام المبادرة هنا ولأنها مسترخية في مقعد عدم الرغبة في العمل.
صاحبنا المستثمر الذي تحدثنا عنه يؤسس لمشروع في هوامش مدينة مادبا يفترض أن يسهم في خلق مئات الوظائف لأردنيين أغلبهم من سكان المناطق التي ضُرب واعتُدِي عليه باسم أهلها.
المضحك هو ما حصل بعد تهشيم وجه الرجل وإسالة دمه، حيث زاره لاحقًا للاعتداء عليه بلطجية أكثر نعومة بهدف احتواء ما فعله أولادهم به، وطالبوه بالاعتذار وإسقاط حقوقه في الشكوى والتوقيع على تعهد بعدم الاعتداء في تطبيق يخلو من الدراما والنكهات للمثل الشعبي القائل «ضربني وبكى ثم سبقني واشتكى».
جالست بالمصادفة المحضة مستثمرا حضر من السعودية اشترى قطعة أرض كبيرة من مؤسسة رسمية ودفع عشرات الملايين ثمنها لإقامة ما سماه أضخم مجمع تجاري في الأردن بفرص ستهيئ في الأقل ستة آلاف وظيفة للأردنيين.
دفع الرجل ثمن الأرض ووثق صفقته بموجب القانون وما أن نزلت في الأرض كي تبدأ الحفريات الجرافة الأولى حتى زار الموقع 12 شخصا مسلحين وغير ملثمين ويركبون سيارات دفع رباعي فأعطبوا الجرافة وأطلقوا النار عليها وهشموا رأس سائقها ووافد مصري يحرس المكان، ووجهوا بالدم رسالتهم للمستثمر.. « هذه أرضنا.. لا تقترب».
عاد الرجل للمؤسسة الرسمية التي اشترى منها وأبلغ الشرطة والحاكم الإداري ولم تتحرك قضيته حتى اللحظة منذ شهر، بل قَدَّم له أغلب من قابلهم النصيحة السحرية.. «عزيزي احضر مع الجرافة 12 بلطجيًا بالأجرة وازرعهم في الموقع ولن يقترب منك أي مواطن صالح او طالح».
نعم يحصل هذا وأكثر في دولة هيبة القانون، وتوجد لدي عشرات القصص من هذا النوع، وسؤال للحكومة بسيط : ما الذي ينبغي أن تفعله لجنة من وزراء طبقة الكريما ؟.
٭ إعلامي اردني من اسرة «القدس العربي»
عمان جو - بسام البدارين
كنت أُفضل لو تركت الحكومة الأردنية لي ولِبقية المواطنين البُسطاء وأصحاب الرأي الذي لا يسمعه أحد بكل الأحوال، مهمة الاستغراب وإظهار الدهشة والاستنكار لحادث الاعتداء على مستثمر مهم من قبل مجموعة مواطنين تصرفوا باسم إحدى عشائرهم لتأديب المستثمر.
الاستغراب والاستنكار والتعبير عن الأسف والغضب.. انفعالات تخصنا نحن الأشخاص المنزوعين من دسم القوة.
لكن رئيس الوزراء كامل الدسم، فهو الحاكم المُطلق في سلطة التنفيذ، وبيديه صلاحيات مختلفة وواجبة عندما يتعلق الأمر بتجمع عدد من البلطجية لضرب مواطن بسيط يحمل صفة مستثمر، أن يستند فورا إلى ولايته العامة فيُحيل هؤلاء إلى محكمة أمن الدولة في الأقل لأن ضرر فعلتهم لا يمس فردًا فقط، بل جميع الأردنيين ومستقبل الأردن نفسه.
من غير المعقول أن يستمر المسؤولون في بلادي بإظهار الدهشة والاستغراب فقط، إزاء ما يُنشر ويُقال لهم، ويسمعون عنه، ويعرفون به، عن تلك القوى البلطجية التي تستعرض بين الحين والآخر بطريقة بدائية ضد قِطاع المستثمرين والتجار.
في الحالة التي نتحدث عنها، لم يسمع رئيس الوزراء بل شاهد شريط فيديو، وفي الوقت الذي أصبح فيه الشريط علنيا وشاهده الأردنيون كلهم بقي الإجراء ضعيفا وبائسا وناعما.
بمعنى؛ أن الفضيحة كانت جماهيرية ومعالجتها بموجب القانون بقيت خجولة وبصورة توحي برسالة تواطؤ قد تشجع آخرين على ارتكاب الجريمة البشعة نفسها، التي أصبحت حديث كل المجالس في قطاع الأعمال والاستثمار وحتى التجارة.
ما الذي يعنيه تشكيل لجنة وزارية للتحقيق في حوادث الاعتداء على المستثمرين، مرة باسم القبائل والعشائر، وثانية باسم أصحاب السوابق والمجرمين، وثالثة باسم الفساد البيروقراطي الصغير.
يعرف الأردنيون أن القضية الوحيدة التي يُراد تمويتها، وعدم البت فيها، هي حصريًا تلك التي تُشكل من أجلها لجنة.
وكلما ارتفع مستوى هذه اللجنة من نخب البيروقراط والتكنوقراط، كلما كانت تدقق في التفاصيل ببطء وضجر، واتخاذ قرارات شجاعة وجريئة غير ممكن، لأن الكلفة هنا كبيرة على أعضاء أية لجنة، ولأن الانطباع السائد يقول ضمنيا: إن الدولة لا تحمي من يُحقق من أجلها أو من أجل القانون.
تلك طبعا قصة أخرى لها علاقة بِجُبْن اللجان البيروقراطية.
الأهم؛ أن الخصومة مع المستثمرين، وتحديدًا حتى نتحدث بصراحة، أولئك الذين لا يوجد في اسمهم الرباعي مفردة تدل على عائلة كبيرة وثقيلة في المجتمع، أصبحت ظاهرة لا يمكن إنكارها حيث اطلعتُ شخصيًا على حيثيات وأحداث مخجلة وليست مؤسفة فقط، وحيث تقرر هيبة الدولة والقانون الغياب عن الحصة فقط، في مثل هذه الحالة في سلوك مريب فعلا لم أجد له تفسيرا، لسببٍ بسيطٍ وصغيرٍ سرّبه لِي أحد الخبراء البيروقراطيين، وهو أن أجهزة الدولة الأمنية تعرف نمرة حذاء كل بلطجي او خارج على القانون في كل المحافظات الأردنية، وتستطيع جمع هذا الجيش الصغير من بلطجية الأسواق ورموز عنتريات المجتمع بصافرة واحدة وخلال ثلاثين دقيقة.
طبعًا؛ لا تستطيع مثل هذه الصافرة الانطلاق، لأن هذه الشرائح والفئات ببساطة استخدمت في الماضي، ويمكن أن تستخدم في المستقبل على أساس أجندات صغيرة ومختلة، وتحقق هدفًا تكتيكيًا فقط، يغرق في البؤس فيما تلحق ضررا كبيرا في هيبة الدولة في العمق وتسهم في السحب من رصيد النظام والدولة.
وثمة من يقول من باب الاجتهاد بالفتاوى بأن شرائح الابتزاز والبلطجة المنتشرة كالخلايا السرطانية في كل المدن والمحافظات حصل معها ما يسمى بسايكلوجيا الأمن القوة الوهمية والتنظيم والتوحد.
تلك أيضا مسألة أخرى، لكن المهم أن الإرادة السياسية في معالجة المضايقات وأحيانا الجرائم التي ترتكب بحق المستثمرين لم تصدر بعد، لأن الحكومة أضعف فيما يبدو من أن تتخذ زمام المبادرة هنا ولأنها مسترخية في مقعد عدم الرغبة في العمل.
صاحبنا المستثمر الذي تحدثنا عنه يؤسس لمشروع في هوامش مدينة مادبا يفترض أن يسهم في خلق مئات الوظائف لأردنيين أغلبهم من سكان المناطق التي ضُرب واعتُدِي عليه باسم أهلها.
المضحك هو ما حصل بعد تهشيم وجه الرجل وإسالة دمه، حيث زاره لاحقًا للاعتداء عليه بلطجية أكثر نعومة بهدف احتواء ما فعله أولادهم به، وطالبوه بالاعتذار وإسقاط حقوقه في الشكوى والتوقيع على تعهد بعدم الاعتداء في تطبيق يخلو من الدراما والنكهات للمثل الشعبي القائل «ضربني وبكى ثم سبقني واشتكى».
جالست بالمصادفة المحضة مستثمرا حضر من السعودية اشترى قطعة أرض كبيرة من مؤسسة رسمية ودفع عشرات الملايين ثمنها لإقامة ما سماه أضخم مجمع تجاري في الأردن بفرص ستهيئ في الأقل ستة آلاف وظيفة للأردنيين.
دفع الرجل ثمن الأرض ووثق صفقته بموجب القانون وما أن نزلت في الأرض كي تبدأ الحفريات الجرافة الأولى حتى زار الموقع 12 شخصا مسلحين وغير ملثمين ويركبون سيارات دفع رباعي فأعطبوا الجرافة وأطلقوا النار عليها وهشموا رأس سائقها ووافد مصري يحرس المكان، ووجهوا بالدم رسالتهم للمستثمر.. « هذه أرضنا.. لا تقترب».
عاد الرجل للمؤسسة الرسمية التي اشترى منها وأبلغ الشرطة والحاكم الإداري ولم تتحرك قضيته حتى اللحظة منذ شهر، بل قَدَّم له أغلب من قابلهم النصيحة السحرية.. «عزيزي احضر مع الجرافة 12 بلطجيًا بالأجرة وازرعهم في الموقع ولن يقترب منك أي مواطن صالح او طالح».
نعم يحصل هذا وأكثر في دولة هيبة القانون، وتوجد لدي عشرات القصص من هذا النوع، وسؤال للحكومة بسيط : ما الذي ينبغي أن تفعله لجنة من وزراء طبقة الكريما ؟.
٭ إعلامي اردني من اسرة «القدس العربي»