الأردن في وضع "استراتيجي" حسّاس يحاول جمع "ضحايا" خطة سلام غامضة لترامب
عمان جو - بسام البدارين
يبدو طلب عمّان المشورة والتنسيق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مباشرة بعد التمكن من توجيه «رسائل عميقة» لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أقرب لصيغة مشروع لتجميع ما تيسر من طاقة الضحايا الثلاثة للتسوية المفصلية التي يسعى لفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. عباس حل ضيفًا مساء الأحد على عمّان بدعوة خاصة من الملك عبدالله الثاني.
حضور الرجل في الفترة المسائية واستقباله رسميًا من قبل وزير الاتصال الدكتور محمد مومني مع بروتوكول رئاسي مؤشر حيوي على وجود «مستجد» يريد أن يَعرضه الأردن، خصوصًا أن العاهل الملك عبدالله الثاني كان مُنشغلاً أصلاً بضيفه الرئيس الألماني في الليلة نفسها.
لافت جدًا للنظر، أن إنعاش التنسيق مع عباس عَقب حراكات قمة دافوس الأخيرة، والأهم عَقب تحذيرات أردنية عميقة، قيل إن الرئيس الحريري استمع لها في دافوس، خصوصًا أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لم يتحمس لاقتراح تقدم به المخضرم رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بزيارة ملكية للرئيس اللبناني ميشال عون، خشية الاسترسال في تفسيرات لها علاقة بالتمحور لزيارة من هذا النوع.
في التفاعل مع الحريري تم تحذيره من موجة «توطينية» ستفرض على لبنان، وهجمة اقتربت لإدارة ترامب على عملية السلام، ومن أشقاء عرب منحوا ترامب الضوء الأخضر ومن دون الترتيب مع لبنان او الأردن ومن دون تنسيق.
وكشف مصدر مطلع أن الأردن تحدث مع الحريري عن إصرار ترامب على فرض تسوية للقضية الفلسطينية غير عادلة، وعن ضغوط هائلة تمارس على عمان وبيروت ومن دون تشاور او حتى دفع كلفة سياسية.
وعبّرت عمان خلال التواصل مع الحريري عن الخشية من عدم وجود «خطة حقيقية محكمة»، بل مجرد هجمة تحت عنوان فرض السلام من إدارة متعثرة في وضع الخطط، مُصرّة على تمكين اليمين الإسرائيلي من الحصول على ما يريد، على حساب أربعة أطراف؛ هي الأردن والسلطة وقطاع غزة ولبنان. في استقبال عباس؛ من المرجح أن هذه الضغوط هي التي بُحثت أملًا في التنسيق لاحتواء ما يمكن من الضرر والضغط ليس أكثر.
وعبر مناقشة مع «القدس العربي» يجدد الدكتور المومني تأكيد أن بوصلة الأردن واضحة، بخصوص الشرعية الفلسطينية، فهي تدعمها وتقف معها. يزداد الانطباع بأن الظهر الدبلوماسي والسياسي للأردن تحديدًا مُنكشف تمامًا هذه الأيام، فالعلاقات مع العراق وسوريا أصبح تفعيلها يتطلب التقارب مع إيران قبل أي شيء آخر.
بن سلمان يتحدث عن نفسه
والمصالح الحدودية مع البلدين المجاورين للأردن محكومة بطبيعة الاستحقاق الجغرافي بنمو الاتصالات مع المحور الإيراني، خصوصًا أن نبيه بري أرسل عبر الوفد الأردني الذي شارك في مؤتمر طهران الأخير رسالة قال فيها للأردنيين: «أنتم معنا ونحن بانتظاركم». وهي رسالة التقطها عضو مجلس الأعيان الأردنـي النشـط صخر دودين.
ومصر منشغلة تمامًا بقضاياها الداخلية، ولا تريد التحدث أصلاً في قضية وملف القدس ووعد ترامب.
والسعودية لا تناقش مع الأردنيين برغم التواصل بين الطرفين في القضايا المحورية، وتكتفي بشروحات مفصلة لمشروعات الأمير محمد بن سلمان. كما حصل في آخر تفاعل مع الأمير الشاب تمامًا، حسب شاهد عيان، فقد بقي الرجل يتحدث عن نفسه ومشروعاته لأكثر من 25 دقيقة، وتقصّد أن لا يناقش اي ملف حقيقي مع الملك الأردني وهو في طريقه إلى اسطنبول.
التجاهل السعودي لأية مناقشات حيوية وأساسية سياسيًا مع الأردن وغيره، أصبح عنوانًا لحشر الطرفين الفلسطيني والأردني في زاوية ضيّقة، خصوصًا أن الانطباع الأردني بأن محمد بن سلمان مُطّلع على تفاصيل خطة الإدارة الأمريكية، وهو ما دفع الملك عبدالله الثاني في دافوس مؤخرا لتفضيل الانتظار والترقب لما سيعرضه الأمريكيون، قبل الحكم على الأمور، بصورة أكدت عمليًا أن الأردن في حالة استثنائية غير مسبوقة في وضع استراتيجي حساس، وغير مسبوق قوامه خلافاً للعادة: «عدم وجود معلومات».
المسؤولون الأردنيون جميعهم يقولون بوضوح: إن العهد السعودي الجديد مهووس فقط باليمن وإيران سياسيًا وبمشروعات «نيوم» اقتصادياً، التي قال الأمير محمد بن سلمان للأردنيين: إن لديهم حصة تنموية وتوظيفية فيها عندما تُدشَّن.
وعمّان بهذا المعنى أصبحت تتعامل مع الزاوية التي يجلس فيها الرئيس عباس تحديدًا، باعتبارها محطة للاستشعار، ومليئة بالمعلومات التي ينبغي التشارك فيها، فعباس اليوم قد يكون الزعيم العربي الوحيد الذي يتحدث مع الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين في الوقت ذاته، وإن كان تحت الضغط الهائل، وبدأ يميل للتصعيد في موقفه من ملف القدس ضد إدارة ترامب في الوقت الذي تُبدِّل فيه الحكومة الأردنية «لهجتها».
ولا يمانع سياسيون ووزراء أردنيون من القول: إن الرئيس عباس في هذه المرحلة يمثل «المدخل السياسي» الوحيد الذي يمكن أن يساعد الأردن في حال فُرِضت تسوية سياسية قاسية، من الصعب لأسباب عملية وأخرى سياسية أن يقبلها الأردنيون، إلا في حالة واحدة فقط، تتمثل في أن تقبلها الشرعية الفلسطينية، خصوصًا إذا ما اضطر الأردن لتقديم «تنازلات مؤلمة» في عمق معادلة القضية الأقدم في الشرق الأوسط.
وبهذا المعنى يمكن القول: إن احتفاظ الأردن بعلاقات أعمق مع الرئاسة الفلسطينية، قد يكون من الأوراق الأساسية في هذه المرحلة، خصوصًا أن السلطة تشارك لبنان والأردن اليوم الجلوس المستقر سياسيًا بمساحة «ضحايا» صفقة ترامب الوشيكة، الأمر الذي تَطلّب أصلًا التفاعل مع الحريري وبعد وقت طويل من الانقطاع عنه.
عمان جو - بسام البدارين
يبدو طلب عمّان المشورة والتنسيق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مباشرة بعد التمكن من توجيه «رسائل عميقة» لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أقرب لصيغة مشروع لتجميع ما تيسر من طاقة الضحايا الثلاثة للتسوية المفصلية التي يسعى لفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. عباس حل ضيفًا مساء الأحد على عمّان بدعوة خاصة من الملك عبدالله الثاني.
حضور الرجل في الفترة المسائية واستقباله رسميًا من قبل وزير الاتصال الدكتور محمد مومني مع بروتوكول رئاسي مؤشر حيوي على وجود «مستجد» يريد أن يَعرضه الأردن، خصوصًا أن العاهل الملك عبدالله الثاني كان مُنشغلاً أصلاً بضيفه الرئيس الألماني في الليلة نفسها.
لافت جدًا للنظر، أن إنعاش التنسيق مع عباس عَقب حراكات قمة دافوس الأخيرة، والأهم عَقب تحذيرات أردنية عميقة، قيل إن الرئيس الحريري استمع لها في دافوس، خصوصًا أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لم يتحمس لاقتراح تقدم به المخضرم رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بزيارة ملكية للرئيس اللبناني ميشال عون، خشية الاسترسال في تفسيرات لها علاقة بالتمحور لزيارة من هذا النوع.
في التفاعل مع الحريري تم تحذيره من موجة «توطينية» ستفرض على لبنان، وهجمة اقتربت لإدارة ترامب على عملية السلام، ومن أشقاء عرب منحوا ترامب الضوء الأخضر ومن دون الترتيب مع لبنان او الأردن ومن دون تنسيق.
وكشف مصدر مطلع أن الأردن تحدث مع الحريري عن إصرار ترامب على فرض تسوية للقضية الفلسطينية غير عادلة، وعن ضغوط هائلة تمارس على عمان وبيروت ومن دون تشاور او حتى دفع كلفة سياسية.
وعبّرت عمان خلال التواصل مع الحريري عن الخشية من عدم وجود «خطة حقيقية محكمة»، بل مجرد هجمة تحت عنوان فرض السلام من إدارة متعثرة في وضع الخطط، مُصرّة على تمكين اليمين الإسرائيلي من الحصول على ما يريد، على حساب أربعة أطراف؛ هي الأردن والسلطة وقطاع غزة ولبنان. في استقبال عباس؛ من المرجح أن هذه الضغوط هي التي بُحثت أملًا في التنسيق لاحتواء ما يمكن من الضرر والضغط ليس أكثر.
وعبر مناقشة مع «القدس العربي» يجدد الدكتور المومني تأكيد أن بوصلة الأردن واضحة، بخصوص الشرعية الفلسطينية، فهي تدعمها وتقف معها. يزداد الانطباع بأن الظهر الدبلوماسي والسياسي للأردن تحديدًا مُنكشف تمامًا هذه الأيام، فالعلاقات مع العراق وسوريا أصبح تفعيلها يتطلب التقارب مع إيران قبل أي شيء آخر.
بن سلمان يتحدث عن نفسه
والمصالح الحدودية مع البلدين المجاورين للأردن محكومة بطبيعة الاستحقاق الجغرافي بنمو الاتصالات مع المحور الإيراني، خصوصًا أن نبيه بري أرسل عبر الوفد الأردني الذي شارك في مؤتمر طهران الأخير رسالة قال فيها للأردنيين: «أنتم معنا ونحن بانتظاركم». وهي رسالة التقطها عضو مجلس الأعيان الأردنـي النشـط صخر دودين.
ومصر منشغلة تمامًا بقضاياها الداخلية، ولا تريد التحدث أصلاً في قضية وملف القدس ووعد ترامب.
والسعودية لا تناقش مع الأردنيين برغم التواصل بين الطرفين في القضايا المحورية، وتكتفي بشروحات مفصلة لمشروعات الأمير محمد بن سلمان. كما حصل في آخر تفاعل مع الأمير الشاب تمامًا، حسب شاهد عيان، فقد بقي الرجل يتحدث عن نفسه ومشروعاته لأكثر من 25 دقيقة، وتقصّد أن لا يناقش اي ملف حقيقي مع الملك الأردني وهو في طريقه إلى اسطنبول.
التجاهل السعودي لأية مناقشات حيوية وأساسية سياسيًا مع الأردن وغيره، أصبح عنوانًا لحشر الطرفين الفلسطيني والأردني في زاوية ضيّقة، خصوصًا أن الانطباع الأردني بأن محمد بن سلمان مُطّلع على تفاصيل خطة الإدارة الأمريكية، وهو ما دفع الملك عبدالله الثاني في دافوس مؤخرا لتفضيل الانتظار والترقب لما سيعرضه الأمريكيون، قبل الحكم على الأمور، بصورة أكدت عمليًا أن الأردن في حالة استثنائية غير مسبوقة في وضع استراتيجي حساس، وغير مسبوق قوامه خلافاً للعادة: «عدم وجود معلومات».
المسؤولون الأردنيون جميعهم يقولون بوضوح: إن العهد السعودي الجديد مهووس فقط باليمن وإيران سياسيًا وبمشروعات «نيوم» اقتصادياً، التي قال الأمير محمد بن سلمان للأردنيين: إن لديهم حصة تنموية وتوظيفية فيها عندما تُدشَّن.
وعمّان بهذا المعنى أصبحت تتعامل مع الزاوية التي يجلس فيها الرئيس عباس تحديدًا، باعتبارها محطة للاستشعار، ومليئة بالمعلومات التي ينبغي التشارك فيها، فعباس اليوم قد يكون الزعيم العربي الوحيد الذي يتحدث مع الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين في الوقت ذاته، وإن كان تحت الضغط الهائل، وبدأ يميل للتصعيد في موقفه من ملف القدس ضد إدارة ترامب في الوقت الذي تُبدِّل فيه الحكومة الأردنية «لهجتها».
ولا يمانع سياسيون ووزراء أردنيون من القول: إن الرئيس عباس في هذه المرحلة يمثل «المدخل السياسي» الوحيد الذي يمكن أن يساعد الأردن في حال فُرِضت تسوية سياسية قاسية، من الصعب لأسباب عملية وأخرى سياسية أن يقبلها الأردنيون، إلا في حالة واحدة فقط، تتمثل في أن تقبلها الشرعية الفلسطينية، خصوصًا إذا ما اضطر الأردن لتقديم «تنازلات مؤلمة» في عمق معادلة القضية الأقدم في الشرق الأوسط.
وبهذا المعنى يمكن القول: إن احتفاظ الأردن بعلاقات أعمق مع الرئاسة الفلسطينية، قد يكون من الأوراق الأساسية في هذه المرحلة، خصوصًا أن السلطة تشارك لبنان والأردن اليوم الجلوس المستقر سياسيًا بمساحة «ضحايا» صفقة ترامب الوشيكة، الأمر الذي تَطلّب أصلًا التفاعل مع الحريري وبعد وقت طويل من الانقطاع عنه.