الشارع ضد «الانتخابات» ومناطق تتبرأ من النواب وتقاطعهم
عمان جو ـ بسام البدارين
لا توجد خيارات استراتيجية ثقيلة الوزن أمام مجلس النواب الأردني للإفلات من قبضة السلطة التــنفــيذية وهتاف الشارع بالوقت نفسه بعد تجديد الثـقة للــمــرة الثـــانية بالحــكــومة الأكثر إثارة للجدل والإشــكــال في الأردن برئــاسة الــدكتور هاني الملقي.
ردة فعل الشارع الأردني تجاه مجلس النواب بعد تجديده للثقة عنيفة جدا، وقد بدأت تطال في تداعيات لم تكن محسوبة بدقة فكرة الانتخابات نفسها، حيث يقر أغلب الساسة أن المجازفة بهيئة وسمعة مجلس النواب لمصلحة برنامج الإصلاح الاقتصادي قد تعيد على نحو واسع إنتاج ظاهرة العزوف الانتخابي عند الأردنيين.
لا يختلف رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة مع هذه المقاربة، ويقر لـ«القدس العربي» أن تلك المسألة مهمة وتستحق التأمل مؤكدا على إن الاستسهال في بناء صورة سلبية عند المجتمع عن مجلس النواب يلحق ضررا وطنيا يتجاوز النواب أنفسهم وقد يطال على نحو أو آخر مبدأ التمثيل والديمقراطية والانتخابات نفسها.
لا يخالف الطراونة المتحدثون عن وجود مشكلة أعمق ليس بين الشارع ومجلس النواب فقط ولكن بينه وبين جميع مؤسسات الدولة.
مثل هذه التحذيرات من تأثيرات عميقة محتملة لأزمة الأسعار تلتقطها مجسات خبيرة في أجهزة الدولة ومركز القرار وهي تحاول إدارة نقاشات طرح الثقة الأخــيــرة بالحـكومة على أساس توازن من الصعب بل المستحيل إنجازه في الواقع يحافظ على القدر المنطقي والمعقول من هيبة مجلس النواب أمام الأردنيين ليس تقديرا للمجلس الحالي فقط ولكن للحفاظ على ما تيسر وما تبقى من هيبة عملية الانتخاب ذاتها.
من هنا برزت تلك المعالجة التي لا تسمح للحكومة بالحصول على ثقة قياسية من مجلس النواب الحالي مع الحرص بالتوازي على منع اختراق قاعدة الحكم القديمة المتمثلة بصعوبة القبول بمبدأ إسقاط الحكومة برلمانيا، وهي قاعدة لا تزال بوضوح على قيد الحياة وتزداد أهميتها عندما يتعلق الأمر بتعاطف مركز القرار السيادي والمرجعي مع الرئيس هاني الملقي تحديدا لأنه جازف كثيرا قياسا بغيره من رؤساء الوزارات السابقين وتحمل كلفة الإصلاحات الاقتصادية الخشنة.
بعيدا عن ذلك يهمس الخبراء بفكرة موازية تدفع لتفسير الإصرار الرسمي على منع مجلس النواب من إسقاط حكومة الملقي رغم أن الفرصة سانحة ومواتية لفتح صفحة مع وزارة جديدة وتحت عنوان احتواء الجدل الشعبي، حيث يبرز هنا حصريا السياق المتعلق بخط أحمر ثانٍ في قواعد لعبة الإدارة العليا يتمثل في صعوبة هضم فكرة أن يسمح لمجلس النواب الحالي بإسقاط الحكومة.
وجهة النظر هنا أن تمكين التركيبة الحالية من النواب من إسقاط الحكومة جازفت بسمعتها قد يؤدي إلى «تنمر» غير مسبوق يسهم في جعل مهمة أي حكومة مقبلة صعبة للغاية، لأن الابتزاز البرلماني الذي يسقط الرئيس الملقي قد يجد في نفسه كفاءة لإسقاط أي رئيس يخلفه أو حتى مضايقته وتهديده بحجب الثقة، وهي محطة من الصعب تمريرها الآن حصريا، لأن واحدة من الاحتياطات الاستراتيجية لمركز ثقل القرار هي بروز الحاجة في المستقبل القريب لتغيير وزاري محتمل على مقياس تتطلبه أجندة الإقليم وبالتالي من الصعب تسجيل سابقة لمجلس نواب مرهق وغير منضبط يمكن ان يزداد شعوره بالقوة لو تمكن من إخراج الملقي من المعادلة.
لذلك كانت المقاربة تتمثل في نفاذ حكومة الملقي من مطب الثقة الأخير مع العمل قدر الإمكان على إفلاته من حجب الثقة بعدد محدود لم يتجاوز 67 نائبا من أصل 122.
وهو الخيار نفسه الذي دفع الشارع لأقصى موقف في المطالبة برحيل البرلمان، بالمقابل بدأت تشكك المواطنين في إطارهم الجماعي بجدوى روح العملية الانتخابية نفسها حيث ظهرت هنا أصوات متعددة في وسائط التواصل الاجتماعي تتبرأ من النواب الحاليين وتدعوا إلى مقاطعتهم ومعاقبتهم والتخلص حتى عشائريا منهم.
تداعيات الهجمة الشعبية على النواب بعد تمريرهم وفي غضون شهرين فقط للميزانية والأسعار والثقة دفعة واحدة كانت درامية إلى حد كبير، ووضعت مجلس النواب في موضع الدفاع والاتهام بالنسبة للشارع وبصورة لا تنفعه حتى عندما يوصف بالتوازن بالنسبة للمستوى الرسمي.
بعض النواب يواجهون انتقادات حادة في أوساطهم الانتخابية اليوم تتجاوز توجيه اللوم إلى المقاطعة والاتهام.
أحد الخبراء وهو النائب فواز الزعبي عبر بتلقائيته المألوفة عن سياسة الشعور بقفص الاتهام عندما حاول الرد على الانتقادات بطريقة أثارت موجة عاتية من السخط والسخرية حيث تحدث عن مؤامرة خارجية على وزارة الملقي أحبطها مجلس النواب بالوعي.
يبدو الحديث عن مؤامرة خارجية مثيرا فعلا للسخرية لكنه تأطير للانفعال الذي طال الزعبي ورفاقه بعدما ظهرت في الشارع ملامح الإصرار على معاقبتهم واعتزالهم بل ونبذهم في بعض الأحيان، فقد صدرت وثائق عشائرية ومناطقية بالجملة تتبرأ من النواب الحاليين الذين منحوا الثقة مجددا لحكومة رفع الأسعار. بعض هذه الوثائق تضرب على الوتر الاجتماعي الحساس لنقاط التكثيف الانتخابية عند النواب، وهي تعلن أنها لا تريد منهم المشاركة في مناسباتهم الأهلية وتطالبهم بعدم زيارة المقرات العشائرية وعدم الظهور في الأعراس وبيوت العزاء.
تلك كلفة لم يستعد لها غالبية النواب المانحون للثقة لأنها مؤشر على بداية سقوطهم التام في أي انتخابات مقبلة تتميز بقدر من النزاهة وعدم التزوير لان مخزن الأصوات ينتج في العادة وحصريا عن بيوت العزاء والمضافات العشائرية والمناطقية.
تلك كلفة اضطر النواب لدفعها ولا تنفع معها النظرية التي يطرحها الطراونة حول معادلة تشريعية سياسية وسطية تمنع التصويت بحجم كبير للثقة الجديدة لمصلحة الملقي ولا تظهر أي ميل للتصادم مع خيارات القصر والمرجعية.«القدس العربي»:
عمان جو ـ بسام البدارين
لا توجد خيارات استراتيجية ثقيلة الوزن أمام مجلس النواب الأردني للإفلات من قبضة السلطة التــنفــيذية وهتاف الشارع بالوقت نفسه بعد تجديد الثـقة للــمــرة الثـــانية بالحــكــومة الأكثر إثارة للجدل والإشــكــال في الأردن برئــاسة الــدكتور هاني الملقي.
ردة فعل الشارع الأردني تجاه مجلس النواب بعد تجديده للثقة عنيفة جدا، وقد بدأت تطال في تداعيات لم تكن محسوبة بدقة فكرة الانتخابات نفسها، حيث يقر أغلب الساسة أن المجازفة بهيئة وسمعة مجلس النواب لمصلحة برنامج الإصلاح الاقتصادي قد تعيد على نحو واسع إنتاج ظاهرة العزوف الانتخابي عند الأردنيين.
لا يختلف رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة مع هذه المقاربة، ويقر لـ«القدس العربي» أن تلك المسألة مهمة وتستحق التأمل مؤكدا على إن الاستسهال في بناء صورة سلبية عند المجتمع عن مجلس النواب يلحق ضررا وطنيا يتجاوز النواب أنفسهم وقد يطال على نحو أو آخر مبدأ التمثيل والديمقراطية والانتخابات نفسها.
لا يخالف الطراونة المتحدثون عن وجود مشكلة أعمق ليس بين الشارع ومجلس النواب فقط ولكن بينه وبين جميع مؤسسات الدولة.
مثل هذه التحذيرات من تأثيرات عميقة محتملة لأزمة الأسعار تلتقطها مجسات خبيرة في أجهزة الدولة ومركز القرار وهي تحاول إدارة نقاشات طرح الثقة الأخــيــرة بالحـكومة على أساس توازن من الصعب بل المستحيل إنجازه في الواقع يحافظ على القدر المنطقي والمعقول من هيبة مجلس النواب أمام الأردنيين ليس تقديرا للمجلس الحالي فقط ولكن للحفاظ على ما تيسر وما تبقى من هيبة عملية الانتخاب ذاتها.
من هنا برزت تلك المعالجة التي لا تسمح للحكومة بالحصول على ثقة قياسية من مجلس النواب الحالي مع الحرص بالتوازي على منع اختراق قاعدة الحكم القديمة المتمثلة بصعوبة القبول بمبدأ إسقاط الحكومة برلمانيا، وهي قاعدة لا تزال بوضوح على قيد الحياة وتزداد أهميتها عندما يتعلق الأمر بتعاطف مركز القرار السيادي والمرجعي مع الرئيس هاني الملقي تحديدا لأنه جازف كثيرا قياسا بغيره من رؤساء الوزارات السابقين وتحمل كلفة الإصلاحات الاقتصادية الخشنة.
بعيدا عن ذلك يهمس الخبراء بفكرة موازية تدفع لتفسير الإصرار الرسمي على منع مجلس النواب من إسقاط حكومة الملقي رغم أن الفرصة سانحة ومواتية لفتح صفحة مع وزارة جديدة وتحت عنوان احتواء الجدل الشعبي، حيث يبرز هنا حصريا السياق المتعلق بخط أحمر ثانٍ في قواعد لعبة الإدارة العليا يتمثل في صعوبة هضم فكرة أن يسمح لمجلس النواب الحالي بإسقاط الحكومة.
وجهة النظر هنا أن تمكين التركيبة الحالية من النواب من إسقاط الحكومة جازفت بسمعتها قد يؤدي إلى «تنمر» غير مسبوق يسهم في جعل مهمة أي حكومة مقبلة صعبة للغاية، لأن الابتزاز البرلماني الذي يسقط الرئيس الملقي قد يجد في نفسه كفاءة لإسقاط أي رئيس يخلفه أو حتى مضايقته وتهديده بحجب الثقة، وهي محطة من الصعب تمريرها الآن حصريا، لأن واحدة من الاحتياطات الاستراتيجية لمركز ثقل القرار هي بروز الحاجة في المستقبل القريب لتغيير وزاري محتمل على مقياس تتطلبه أجندة الإقليم وبالتالي من الصعب تسجيل سابقة لمجلس نواب مرهق وغير منضبط يمكن ان يزداد شعوره بالقوة لو تمكن من إخراج الملقي من المعادلة.
لذلك كانت المقاربة تتمثل في نفاذ حكومة الملقي من مطب الثقة الأخير مع العمل قدر الإمكان على إفلاته من حجب الثقة بعدد محدود لم يتجاوز 67 نائبا من أصل 122.
وهو الخيار نفسه الذي دفع الشارع لأقصى موقف في المطالبة برحيل البرلمان، بالمقابل بدأت تشكك المواطنين في إطارهم الجماعي بجدوى روح العملية الانتخابية نفسها حيث ظهرت هنا أصوات متعددة في وسائط التواصل الاجتماعي تتبرأ من النواب الحاليين وتدعوا إلى مقاطعتهم ومعاقبتهم والتخلص حتى عشائريا منهم.
تداعيات الهجمة الشعبية على النواب بعد تمريرهم وفي غضون شهرين فقط للميزانية والأسعار والثقة دفعة واحدة كانت درامية إلى حد كبير، ووضعت مجلس النواب في موضع الدفاع والاتهام بالنسبة للشارع وبصورة لا تنفعه حتى عندما يوصف بالتوازن بالنسبة للمستوى الرسمي.
بعض النواب يواجهون انتقادات حادة في أوساطهم الانتخابية اليوم تتجاوز توجيه اللوم إلى المقاطعة والاتهام.
أحد الخبراء وهو النائب فواز الزعبي عبر بتلقائيته المألوفة عن سياسة الشعور بقفص الاتهام عندما حاول الرد على الانتقادات بطريقة أثارت موجة عاتية من السخط والسخرية حيث تحدث عن مؤامرة خارجية على وزارة الملقي أحبطها مجلس النواب بالوعي.
يبدو الحديث عن مؤامرة خارجية مثيرا فعلا للسخرية لكنه تأطير للانفعال الذي طال الزعبي ورفاقه بعدما ظهرت في الشارع ملامح الإصرار على معاقبتهم واعتزالهم بل ونبذهم في بعض الأحيان، فقد صدرت وثائق عشائرية ومناطقية بالجملة تتبرأ من النواب الحاليين الذين منحوا الثقة مجددا لحكومة رفع الأسعار. بعض هذه الوثائق تضرب على الوتر الاجتماعي الحساس لنقاط التكثيف الانتخابية عند النواب، وهي تعلن أنها لا تريد منهم المشاركة في مناسباتهم الأهلية وتطالبهم بعدم زيارة المقرات العشائرية وعدم الظهور في الأعراس وبيوت العزاء.
تلك كلفة لم يستعد لها غالبية النواب المانحون للثقة لأنها مؤشر على بداية سقوطهم التام في أي انتخابات مقبلة تتميز بقدر من النزاهة وعدم التزوير لان مخزن الأصوات ينتج في العادة وحصريا عن بيوت العزاء والمضافات العشائرية والمناطقية.
تلك كلفة اضطر النواب لدفعها ولا تنفع معها النظرية التي يطرحها الطراونة حول معادلة تشريعية سياسية وسطية تمنع التصويت بحجم كبير للثقة الجديدة لمصلحة الملقي ولا تظهر أي ميل للتصادم مع خيارات القصر والمرجعية.«القدس العربي»: