احمد حسن الزعبي يكتب .. العميل العاشق ..
عمان جو - احمد حسن الزعبي
ظلّت الصورة النمطية للجاسوس ، ذلك الشخص الذي يرتدي نظارة شمسية سوداء ويوهم الناس أنه يطالع جريدة لكنه يراقب تحركاتهم ويسجل كلامهم دون أن يشعروا به، يتابع المطلوبين بخطى حثيثة ، يختبئ خلف الجدران ويدون الملاحظات على دفتر صغير ، ثم يرسلها ليلاً عبر جهاز دقيق إلى الجهة المستفيدة..
هذه الصورة تلاشت تماماً ولم تعد موجودة سوى بأفلام الأبيض والأسود وبعض مسلسلات الكرتون المنتجة في نهاية ثمانينات القرن الماضي، هذه الأيام صار العميل أكثر ودية ودماثة واجتماعية وانفتاحاً على الآخر،صار منّا وفينا أحياناً وأحيانا أخرى يحمل صفة رسمية غالباً ما تكون باحثاً في الشرق الأوسط مبعوث من قبل حكومة بلاده ويفصح عن ذلك علانية ، يأتي إلى بلاد العُرب ليلتقي شخصيات وشرائح مختلفة ليسألهم عن كل ما يتعلّق بالبلد ،من معيشة وأطعمة ورموز سياسية، ومعاني اللهجة،ودخل ومشاريع ناجحة ..ويحاول في اقترابه من الناس أن يتلفّظ بنفس لهجة البلد التي يحلّ بها ليشعرهم بقربه منهم ومسالمة نواياه..
قبل شهور ،حضرت فتاة عربية يرافقها شاب غربي..قّدمته لي : على ان يدرس العربية ويريد أن يسأل عن بعض المصطلحات في الكتابة الساخرة، وللأمانة كان الشاب دمثاً جداً – او هكذا يبدو- بدأ يسألني بعربية مكسّرة عن الحرية الصحفية وعن أقوى الصحف توزيعاً، ثم عن الوزارات ورأيي بالوزراء .. لكنه ما لبث ان قفز عن أفضل مدينة تبيع السجّاد اليدوي ثم عاد ليستمزجني حول سياسة أمريكا في المنطقة.. وعندما سألته عن عمله الفعلي في بلده الأصلي قال : موظف صغير في الخارجية، لا أستطيع أن اجزم ان كان عميلاً او مجرّد باحث ... لكن في الحالتين يستطيع ان يكوّن حجم معلومات هائلاً خلال إقامته بسنتين أو ثلاث عن كل مكونات البلد، جغرافياً ، سكانياً ، نمط تفكير الخ دون ان نشعر او نستشعر حجم الخطر القادم ... الجميل بنا نحن العرب ، غالباً ما نعجب بلغتنا المكسّرة من أفواه الآخرين ونشعر انه انجاز عظيم لنا فنعطيهم كل ما لدينا من معلومات دون توجّس او تفكير ...
في الصين انتبهوا لهذه النقطة مؤخراً .. وأطلقوا حملة تحذّر من الحب الخطير حيث نشروا ملصقات كبيرة بوسترات بالأماكن العامة والدوائر الحكومية .. تحذّر من الأجانب الذين يملكون طلة جميلة وجاذبية كبيرة من الإيقاع في الصينيات وقد يكون لهم أغراض تجسسية .. وتحكي الملصقات قصة فتاة تعمل في إحدى المؤسسات الحكومية اسمها لي الصغيرة، حيث تلتقي رجلا شعره أحمر أوروبي خلال حفل عشاء ويغدق الرجل واسمه ديفيد الهدايا والزهور عليها ويصطحبها إلى الحديقة في أمسيات رومانسية وبعدها تكتشف لي الصغيرة أن ديفيد ما هو إلا جاسوس أجنبي ... فتسرّب له بعض الأسرار .. يهرب ديفيد وتسجن لي الصغيرة ..
شخصياً لم أشعر بالذنب عند لقائي بذلك الباحث او المستقصي ..فكل أجوبتي كانت تحتوي على ظنون لا يستفاد منها مثل : نص ع نص..هيك وهيك ... مش كثير... تقريبا ..في منه ..علمي علمك .. هيك النية ... لا والله ما بعرف ..ما ينعزّ..حط راسك بين الرووس ...عزيز و غالي..غير تعطينا يوم نكسبك ع الغدا .. وهلم جرا.
عمان جو - احمد حسن الزعبي
ظلّت الصورة النمطية للجاسوس ، ذلك الشخص الذي يرتدي نظارة شمسية سوداء ويوهم الناس أنه يطالع جريدة لكنه يراقب تحركاتهم ويسجل كلامهم دون أن يشعروا به، يتابع المطلوبين بخطى حثيثة ، يختبئ خلف الجدران ويدون الملاحظات على دفتر صغير ، ثم يرسلها ليلاً عبر جهاز دقيق إلى الجهة المستفيدة..
هذه الصورة تلاشت تماماً ولم تعد موجودة سوى بأفلام الأبيض والأسود وبعض مسلسلات الكرتون المنتجة في نهاية ثمانينات القرن الماضي، هذه الأيام صار العميل أكثر ودية ودماثة واجتماعية وانفتاحاً على الآخر،صار منّا وفينا أحياناً وأحيانا أخرى يحمل صفة رسمية غالباً ما تكون باحثاً في الشرق الأوسط مبعوث من قبل حكومة بلاده ويفصح عن ذلك علانية ، يأتي إلى بلاد العُرب ليلتقي شخصيات وشرائح مختلفة ليسألهم عن كل ما يتعلّق بالبلد ،من معيشة وأطعمة ورموز سياسية، ومعاني اللهجة،ودخل ومشاريع ناجحة ..ويحاول في اقترابه من الناس أن يتلفّظ بنفس لهجة البلد التي يحلّ بها ليشعرهم بقربه منهم ومسالمة نواياه..
قبل شهور ،حضرت فتاة عربية يرافقها شاب غربي..قّدمته لي : على ان يدرس العربية ويريد أن يسأل عن بعض المصطلحات في الكتابة الساخرة، وللأمانة كان الشاب دمثاً جداً – او هكذا يبدو- بدأ يسألني بعربية مكسّرة عن الحرية الصحفية وعن أقوى الصحف توزيعاً، ثم عن الوزارات ورأيي بالوزراء .. لكنه ما لبث ان قفز عن أفضل مدينة تبيع السجّاد اليدوي ثم عاد ليستمزجني حول سياسة أمريكا في المنطقة.. وعندما سألته عن عمله الفعلي في بلده الأصلي قال : موظف صغير في الخارجية، لا أستطيع أن اجزم ان كان عميلاً او مجرّد باحث ... لكن في الحالتين يستطيع ان يكوّن حجم معلومات هائلاً خلال إقامته بسنتين أو ثلاث عن كل مكونات البلد، جغرافياً ، سكانياً ، نمط تفكير الخ دون ان نشعر او نستشعر حجم الخطر القادم ... الجميل بنا نحن العرب ، غالباً ما نعجب بلغتنا المكسّرة من أفواه الآخرين ونشعر انه انجاز عظيم لنا فنعطيهم كل ما لدينا من معلومات دون توجّس او تفكير ...
في الصين انتبهوا لهذه النقطة مؤخراً .. وأطلقوا حملة تحذّر من الحب الخطير حيث نشروا ملصقات كبيرة بوسترات بالأماكن العامة والدوائر الحكومية .. تحذّر من الأجانب الذين يملكون طلة جميلة وجاذبية كبيرة من الإيقاع في الصينيات وقد يكون لهم أغراض تجسسية .. وتحكي الملصقات قصة فتاة تعمل في إحدى المؤسسات الحكومية اسمها لي الصغيرة، حيث تلتقي رجلا شعره أحمر أوروبي خلال حفل عشاء ويغدق الرجل واسمه ديفيد الهدايا والزهور عليها ويصطحبها إلى الحديقة في أمسيات رومانسية وبعدها تكتشف لي الصغيرة أن ديفيد ما هو إلا جاسوس أجنبي ... فتسرّب له بعض الأسرار .. يهرب ديفيد وتسجن لي الصغيرة ..
شخصياً لم أشعر بالذنب عند لقائي بذلك الباحث او المستقصي ..فكل أجوبتي كانت تحتوي على ظنون لا يستفاد منها مثل : نص ع نص..هيك وهيك ... مش كثير... تقريبا ..في منه ..علمي علمك .. هيك النية ... لا والله ما بعرف ..ما ينعزّ..حط راسك بين الرووس ...عزيز و غالي..غير تعطينا يوم نكسبك ع الغدا .. وهلم جرا.