ابراهيم العجلوني يكتب .. من «بُخلاء» الجاحظ
عمان جو - ابراهيم العجلوني
اشتمل كتاب «البخلاء» للجاحظ على نوادر عجيبة وطرائف مضحكة تؤكد ان لشح الأنفس منطقاً، وان المرء قد يجتمع الى قبض اليد فيه وغلولها الى عُنقِهِ بسطُ الكلام وطلاقة اللسان.
ونحن نفيد من الانموذجات التي يقدّمها الجاحظ في كتابه افادة عظيمة، ولا سيما تلك التي نملك ان نقيس عليها اليوم وان نرى أنها مما يصح فيه قول القائل: إن الحاضر اشبه بالماضي من الماءِ بالماء.
ولعل مما يوافق هذا التطابق ان نستذكر حكاية ذلك الشاعر – وهو يماثل رجل الأعمال والصحفي والكاتب السياسي في زماننا – حين دخل على احد الولاة، فأنشده شعراً مدحه فيه ومجدّه، ونسبه الى الحكمة والتدبير وحسْن التأنّي الى الأمور، فلما فرغ قال له: احسنت، ثمّ اقبل الى صاحب ديوانه فقال: أعطه عشرة آلاف درهم، ففرح الشاعر (الاعلامي الكاتب المحلل السياسي في لغتنا) فرحاً يُستطار له، فلما رأى الوالي (الذكي المدّبر ذو الزكانة) حاله قال: إنّي لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الموقع، فاجعلها يا صاحب الديوان عشرين ألف درهم، فكاد الشاعر يخرج من جلده، فلما رأى فرحه يتضاعف على قدر القول، قال لصاحب ديوانه: أعطه يا فلان اربعين ألفاً، فكاد الفرح يقتله.
على ان الشاعر المأخوذ بكلام الوالي كان فيه مُسكة من عقلٍ فأدرك أن المسألة كلها لا تعدو كونها مقايضة كلام بكلام فقال للوالي: جُعلت فداك، رجل كريم، وأنا أعلم أنّك كلّما رأيتني قد ازددت فرحاً زدتني في الجائزة، وقبول هذا منك لا يكون إلاّ من قِلّة الشكر له، ثم دعا له وخرج.
حكاية أدخلُ في طرائف الساسة منها في طرائف البخلاء، ونحن نرى ان وجه التمثل بها خفيّ، وان القياس عليها معتاص، ولكن فيها للمتوسم موضع نظر إنْ هو استوقفه امكن له الخلوص منه الى المراد.
ولو أننا وسّعنا دائرة المادحين فجعلناهم جمهوراً ساذجاً طيّباً، لكان لنا ان نتصوّر عِظَمَ خيبة أمل هذا الجمهور، على الرغم من «أحمال الأقوال» التي قد يعود بها.
والكلام هنا مقارب لا مسدّد، وإن من نعم الله على العربية أنّها لغة اشارة ومجاز وتورية وإلماع، وأنّ فيها متّسعاً للأضداد، مما يدركه العباد وممّا لا يدركونه، ومما يستبينون مناط النكتة فيه أو لا يستبينونه..
ورحم الله الجاحظ كِفاءَ ما نبّهنا اليه من مضحكاتٍ ومُبكيات..
تنويه لا بد منه:
جاء في مقال الخميس (أمس الأول) ان رئيس المنتدى العربي هو الدكتور علي محافظة، والصحيح أنه أخونا وأستاذنا الكريم فايز الشخاترة الذي نعتزّ بدوره الفاعل في إدارة هذا المنتدى العربي العريق..
عمان جو - ابراهيم العجلوني
اشتمل كتاب «البخلاء» للجاحظ على نوادر عجيبة وطرائف مضحكة تؤكد ان لشح الأنفس منطقاً، وان المرء قد يجتمع الى قبض اليد فيه وغلولها الى عُنقِهِ بسطُ الكلام وطلاقة اللسان.
ونحن نفيد من الانموذجات التي يقدّمها الجاحظ في كتابه افادة عظيمة، ولا سيما تلك التي نملك ان نقيس عليها اليوم وان نرى أنها مما يصح فيه قول القائل: إن الحاضر اشبه بالماضي من الماءِ بالماء.
ولعل مما يوافق هذا التطابق ان نستذكر حكاية ذلك الشاعر – وهو يماثل رجل الأعمال والصحفي والكاتب السياسي في زماننا – حين دخل على احد الولاة، فأنشده شعراً مدحه فيه ومجدّه، ونسبه الى الحكمة والتدبير وحسْن التأنّي الى الأمور، فلما فرغ قال له: احسنت، ثمّ اقبل الى صاحب ديوانه فقال: أعطه عشرة آلاف درهم، ففرح الشاعر (الاعلامي الكاتب المحلل السياسي في لغتنا) فرحاً يُستطار له، فلما رأى الوالي (الذكي المدّبر ذو الزكانة) حاله قال: إنّي لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الموقع، فاجعلها يا صاحب الديوان عشرين ألف درهم، فكاد الشاعر يخرج من جلده، فلما رأى فرحه يتضاعف على قدر القول، قال لصاحب ديوانه: أعطه يا فلان اربعين ألفاً، فكاد الفرح يقتله.
على ان الشاعر المأخوذ بكلام الوالي كان فيه مُسكة من عقلٍ فأدرك أن المسألة كلها لا تعدو كونها مقايضة كلام بكلام فقال للوالي: جُعلت فداك، رجل كريم، وأنا أعلم أنّك كلّما رأيتني قد ازددت فرحاً زدتني في الجائزة، وقبول هذا منك لا يكون إلاّ من قِلّة الشكر له، ثم دعا له وخرج.
حكاية أدخلُ في طرائف الساسة منها في طرائف البخلاء، ونحن نرى ان وجه التمثل بها خفيّ، وان القياس عليها معتاص، ولكن فيها للمتوسم موضع نظر إنْ هو استوقفه امكن له الخلوص منه الى المراد.
ولو أننا وسّعنا دائرة المادحين فجعلناهم جمهوراً ساذجاً طيّباً، لكان لنا ان نتصوّر عِظَمَ خيبة أمل هذا الجمهور، على الرغم من «أحمال الأقوال» التي قد يعود بها.
والكلام هنا مقارب لا مسدّد، وإن من نعم الله على العربية أنّها لغة اشارة ومجاز وتورية وإلماع، وأنّ فيها متّسعاً للأضداد، مما يدركه العباد وممّا لا يدركونه، ومما يستبينون مناط النكتة فيه أو لا يستبينونه..
ورحم الله الجاحظ كِفاءَ ما نبّهنا اليه من مضحكاتٍ ومُبكيات..
تنويه لا بد منه:
جاء في مقال الخميس (أمس الأول) ان رئيس المنتدى العربي هو الدكتور علي محافظة، والصحيح أنه أخونا وأستاذنا الكريم فايز الشخاترة الذي نعتزّ بدوره الفاعل في إدارة هذا المنتدى العربي العريق..