لمَ لا؟!
عمان جو - جمانة غنيمات
للحكومات الحق في الاحتفال بكل المجالس النيابية؛ لم لا، وهي التي طالما نفّذت ما تريد الحكومات بأسلوب "سمعاً وطاعة"، فلم تخرج عن الخط المرسوم لها قيد أنملة؟!
وللحكومات أيضاً الحق في أن تفخر بإنجازاتها المتمثلة في تشكيل وإدارة مجالس الشعب المتعاقبة؛ عبر وضع هذه الحكومات قوانين انتخاب منذ العام 1993، ضمنت إخراج مجالس نيابية رضيت عنها مؤسسات الدولة الأخرى، وإن كانت أغضبت الناس في المقابل.
ليس سراً أن غالبية الأردنيين لا يثقون بمخرجات العملية الانتخابية؛ إذ لطالما طالها التزوير، فصار التلاعب أحد معايير تشكيل مجالس النواب. كما أن "التحكم عن بعد" بهذه الأخيرة، ليس محل تخمين وجدل، بل هو مسلك معروف اتباعه منذ سنوات طويلة.
يحق لمؤسسات الدولة الاعتقاد بأن استمرار وجود مجالس نيابية من التركيبة والنوعية السابقتين، أضمن لهذه المؤسسات، كما أنه مبعث على راحة البال لديها. ولم لا، خصوصاً أن هذه المؤسسات بدورها نفّذت، في المقابل، كل ما تريده أغلبية أعضاء تلك المجالس، اللهم باستثناء قانون التقاعد الذي كانت فيه منافع خاصة لنواب ظنوا أنها من حقهم، فقط تعويضا عما قدموا للحكومة ومؤسسات أخرى.
لكن نتيجة كل ذلك، صارت الحقيقة أنه في مقابل المكاسب الآنيّة الضيقة، خسر البلد ككل كثيرا! إذ فقد مجلس النواب سمعته؛ فلم يعد "العبدلي" عنوانا للممارسة الديمقراطية، بل مركزا للمنافع والمكتسبات الخاصة. ولم تستطع كل المحاولات محو هذه الصورة القاتمة لمجالس النواب المتعاقبة في أذهان الأردنيين.
المكاسب لا تقاس بقانون تم تمريره، ولا بملف فساد تم طيّه، ولا أيضا بدور "طفاية" حرائق لقضايا تشعل الرأي العام من حين لآخر؛ لأن كل ذلك فوائده محدودة، ولا تعد تراكما مفيدا لبناء المؤسسات، إن لم يكن العكس؛ أي توليد نتائج كارثية على الثقة بين الناس والمؤسسة التشريعية، ما وسّع هذه الفجوة بشكل متواصل.
تدمير صورة مؤسسة النواب كان نتيجة أكثر من عامل، وبالتالي بمشاركة أطراف متعددين أوصلوا المؤسسة إلى ما هي عليه اليوم. كما لعب المجتمع دوراً مؤثراً في مفاقمة الحال سوءا، عبر اختيار نواب تبعا لمعايير بلا قيمة على صعيد العمل الرقابي والتشريعي الحقيقي؛ كما قبول كثيرين استخدام المال السياسي، لاسيما الأسود منه لشراء الذمم، بحيث صار البعض يبحث عن الصفقة الأعلى لقيمة صوته! ومن شهد الانتخابات الماضية سيحكي كثيرا من الكلام عن حبس مرشحين بتهمة استخدام "المال الأسود"، قبل أن يراهم عقب ذلك تحت القبة نوابا "يشرّعون" للأمة والبلد ومستقبلهما!
عبارة "انتخابات حرة ونزيهة" التي أمطرتنا بها الحكومات في الماضي، وتمطرنا بها الهيئة المستقلة للانتخاب الآن، لا تكفي لإقناع الناس بجدوى العملية.
لنا أن نعيد الكَرّة من جديد، ونطمئن الحكومة بأن ما سيكون لدينا عقب الانتخابات المقبلة، لن يختلف كثيرا عن مجالس نواب سابقة. لكن ذلك وإن أرضى رغباتها، إلا أنه لا يخدم الأردن، خصوصا ونحن على أعتاب مراحل خطيرة محليا وإقليميا، وثمة مشهد عربي لا يقدر أحد على التكهن بمستقبله القريب والبعيد على حد سواء.
والسؤال الحق إزاء ذلك: لم لا تكون لدينا عملية انتخابية حقيقية بلا تزوير، تنتج مجلس نواب قويا يحمي الأردن، بأن يكون أحد الركائز الراسخة في مواجهة التهديدات التي تطل علينا؟ وباختصار؛ ما أحوجنا في الأردن إلى مؤسسة نيابية وطنية، تعي الدور الحقيقي المطلوب منها.
استعادة الثقة بالعملية الانتخابية والبرلمانية ضرورة. وهذه تبدأ أولا بمحاصرة المال القذر، ووقف منح تسهيلات مجانية لمرشحين هنا وهناك، علّنا نقنع الناس بجدوى الذهاب إلى صندوق الاقتراع من حيث المبدأ.
عمان جو - جمانة غنيمات
للحكومات الحق في الاحتفال بكل المجالس النيابية؛ لم لا، وهي التي طالما نفّذت ما تريد الحكومات بأسلوب "سمعاً وطاعة"، فلم تخرج عن الخط المرسوم لها قيد أنملة؟!
وللحكومات أيضاً الحق في أن تفخر بإنجازاتها المتمثلة في تشكيل وإدارة مجالس الشعب المتعاقبة؛ عبر وضع هذه الحكومات قوانين انتخاب منذ العام 1993، ضمنت إخراج مجالس نيابية رضيت عنها مؤسسات الدولة الأخرى، وإن كانت أغضبت الناس في المقابل.
ليس سراً أن غالبية الأردنيين لا يثقون بمخرجات العملية الانتخابية؛ إذ لطالما طالها التزوير، فصار التلاعب أحد معايير تشكيل مجالس النواب. كما أن "التحكم عن بعد" بهذه الأخيرة، ليس محل تخمين وجدل، بل هو مسلك معروف اتباعه منذ سنوات طويلة.
يحق لمؤسسات الدولة الاعتقاد بأن استمرار وجود مجالس نيابية من التركيبة والنوعية السابقتين، أضمن لهذه المؤسسات، كما أنه مبعث على راحة البال لديها. ولم لا، خصوصاً أن هذه المؤسسات بدورها نفّذت، في المقابل، كل ما تريده أغلبية أعضاء تلك المجالس، اللهم باستثناء قانون التقاعد الذي كانت فيه منافع خاصة لنواب ظنوا أنها من حقهم، فقط تعويضا عما قدموا للحكومة ومؤسسات أخرى.
لكن نتيجة كل ذلك، صارت الحقيقة أنه في مقابل المكاسب الآنيّة الضيقة، خسر البلد ككل كثيرا! إذ فقد مجلس النواب سمعته؛ فلم يعد "العبدلي" عنوانا للممارسة الديمقراطية، بل مركزا للمنافع والمكتسبات الخاصة. ولم تستطع كل المحاولات محو هذه الصورة القاتمة لمجالس النواب المتعاقبة في أذهان الأردنيين.
المكاسب لا تقاس بقانون تم تمريره، ولا بملف فساد تم طيّه، ولا أيضا بدور "طفاية" حرائق لقضايا تشعل الرأي العام من حين لآخر؛ لأن كل ذلك فوائده محدودة، ولا تعد تراكما مفيدا لبناء المؤسسات، إن لم يكن العكس؛ أي توليد نتائج كارثية على الثقة بين الناس والمؤسسة التشريعية، ما وسّع هذه الفجوة بشكل متواصل.
تدمير صورة مؤسسة النواب كان نتيجة أكثر من عامل، وبالتالي بمشاركة أطراف متعددين أوصلوا المؤسسة إلى ما هي عليه اليوم. كما لعب المجتمع دوراً مؤثراً في مفاقمة الحال سوءا، عبر اختيار نواب تبعا لمعايير بلا قيمة على صعيد العمل الرقابي والتشريعي الحقيقي؛ كما قبول كثيرين استخدام المال السياسي، لاسيما الأسود منه لشراء الذمم، بحيث صار البعض يبحث عن الصفقة الأعلى لقيمة صوته! ومن شهد الانتخابات الماضية سيحكي كثيرا من الكلام عن حبس مرشحين بتهمة استخدام "المال الأسود"، قبل أن يراهم عقب ذلك تحت القبة نوابا "يشرّعون" للأمة والبلد ومستقبلهما!
عبارة "انتخابات حرة ونزيهة" التي أمطرتنا بها الحكومات في الماضي، وتمطرنا بها الهيئة المستقلة للانتخاب الآن، لا تكفي لإقناع الناس بجدوى العملية.
لنا أن نعيد الكَرّة من جديد، ونطمئن الحكومة بأن ما سيكون لدينا عقب الانتخابات المقبلة، لن يختلف كثيرا عن مجالس نواب سابقة. لكن ذلك وإن أرضى رغباتها، إلا أنه لا يخدم الأردن، خصوصا ونحن على أعتاب مراحل خطيرة محليا وإقليميا، وثمة مشهد عربي لا يقدر أحد على التكهن بمستقبله القريب والبعيد على حد سواء.
والسؤال الحق إزاء ذلك: لم لا تكون لدينا عملية انتخابية حقيقية بلا تزوير، تنتج مجلس نواب قويا يحمي الأردن، بأن يكون أحد الركائز الراسخة في مواجهة التهديدات التي تطل علينا؟ وباختصار؛ ما أحوجنا في الأردن إلى مؤسسة نيابية وطنية، تعي الدور الحقيقي المطلوب منها.
استعادة الثقة بالعملية الانتخابية والبرلمانية ضرورة. وهذه تبدأ أولا بمحاصرة المال القذر، ووقف منح تسهيلات مجانية لمرشحين هنا وهناك، علّنا نقنع الناس بجدوى الذهاب إلى صندوق الاقتراع من حيث المبدأ.