الحكومةُ الأردنيةُ باتت في مواجهة ثلاثة كيانات، ترى أنها موجودة في المجتمع: إلحادية، وانحلالية، وداعشية، ترفعُ لها قبضتها الدينية الأقوى، إنفاذاً لخطتها “الوطنية لمحاربة التطرُّف” التي تتحالفُ بموجبها مع”السلفيين المعتدلين، وجماعة الدعوة والتبليغ”…
للمرَّةِ الأولى، تعترفُ الحكومةُ بـ”الكفّار الجدد”، بهذا الوضوح. وزيرُ الأوقاف والشؤون والمقدَّسات الإسلامية د. وائل عربيّات، قال لفضائية “الحقيقة الدولية”، الأسبوع الماضي: “لا بدَّ أنْ نتصدّى للانحلال، وتيّار الإلحاد، كما نتصدَّى للتيار الداعشيّ”.
هذا تفرُّعٌ، لا سابقَ له في وظيفةِ الوزارة. فهي المعنية بشؤون الخطباء والأئمة والوعّاظ، وغيرهم، وباتَ عليها أنْ تتقاسمَ مع وزارتي الداخلية، والتربية والتعليم، والأجهزة الأمنية مهمة البحث عن الخلايا المستيقظة والنائمة للمنحلّين، والملحدين. وعليها أنْ تتحمّلَ أعباءَ الإجابة عن أسئلة كثيرة: مَنْ هم، ما هي المناهجُ التربوية المنتجة. في أيِّ المؤسسات يتسترون ويعملون. ماذا عن حجمهم في المجتمع. ما الأيديولوجيا التي تحرِّكهم. هل هم مُلحدون بالمعنى الاصطلاحيّ، أم أنَّهم من “اللادينيين” و”اللاأدريين”.. مثلاً. أم محض مُدوّنين غاضبين، ومراهقين في وسائل التواصل الاجتماعي؟.
ثم ما هي جيوب المنحلين وتنظيماتهم، وقوامهم في الدولة. وهل من دراسة علميّة، تُظهرُ نسبتهم، وهل يندرجُ الليبراليون تحتَ هذا التصنيف؟ مقارنةً مع ما لدى الحكومةُ من معلوماتٍ عن “داعش”، وقواعدها، والمواد الأولية لتصنيعها، ووسائل الإنتاج، والتسويق، خصوصاً أنّ أعضاء من التنظيم يُحاكمون حالياً أمام محكمة الدولة.
أكثرُ من بؤسٍ يتجلّى في هذا الخلط، وتلكَ الأوصاف المرتجلة. أوَّلُهُ، توهّمُ وجودِ تيّارٍ إلحاديٍّ ناجزٍ في مجتمعٍ محافظٍ، تتردَّد نخبه حتى في المطالبة بإعادة صوغ العقد الاجتماعي للدولة، ولا تزالُ غالبية سكانه ترى في فصلَ الدين عن السياسةِ كفراً وتغريباً، وثانيه العجزُ الرسميُّ عن فهم المحاولات المحدودة للدفاع عن التنوّع الثقافي والدينيّ، ضمن منظور حداثيٍّ، وثالثهُ، المحاولةُ البائسة لاسترضاءِ التطرّف، واستمالتهِ، ليكون شريكاً في مجابهة الافتراض.
ما هو الانحلال الذي سيتصدّى له وزيرُ الأوقاف. إلى أينَ يذهبُ هذا التعميمُ في الوصف: إلى أساليب حياةِ الناس في عمَّان، إلى السياحةِ، و”الاختلاط”، والمهرجانات الغنائية، إلى الحفلاتِ، وثيابِ النساء، والرقص، والموسيقى، والفنادق والمطاعم؟ أليسَ كلُّ ذُلك مكفولاً بالقانون، ومرخّصاً، ومستوفياً للرسوم والضرائب؟ وإلى أيِّ الجماعات والقوى والدول، تُوجَّهُ، مِثْلَ هذه الرسائل؟.
دونما تعريفٍ لـ”الانحلال” المُستهدَفِ في التصدي الحكومي، تعيدُ الوزارةُ تسويقَ مفهومه عِنْدَ جماعات “الإسلام السياسيّ” التي سمعنا كثيراً تنديدها بـ”الفسق والفجور والمجون” القادم من الأغاني والمطربات المتسبّبات بالهزّات الأرضية في أعماق البحر الميّت. ليظهرَ أنَّ البلادَ منقسمةٍ بين مؤيدين للانحلال الأخلاقي، ومعارضين له، يجمعهم تحالفُ الحكومة والتيار الإسلاميّ. وليظهرَ التضليلُ في أشدِّ عتمته كذلك: خادعاً ومريباً، إزاءَ حريات الأفراد ومعتقداتهم، مع وجودِ مناخٍ مُعادٍ، تشرَّبَ الإحباطَ من الإخفاقات المتتالية في التنمية والاقتصاد والتعليم. وسوى ذلك.
تبعاً للمناخ ذاته، يجوزُ التذكيرُ بالتخريب الذي تعرَّضَ له أثاثَ مسجدٍ في إربد، قبل شهور، وكيف سارعَ الإسلاميون إلى إتهام “ملحدين وليبراليين”، قبل أنْ تُلقي الشرطةُ القبضَ على فتيانٍ هاربين من المدرسة، لم يسمعوا يوماً بالإلحاد، ولا بالملحدين، و”تيّارهم” الذي يدورُ بين طواحين الهواء، وتدورُ معه الحكومة، ووزارة أوقافها، بحثاً عن أعداء ومعارك.
المثالُ يصلحُ على محاولة تدوير العنف في المجتمع. يتخيَّلُ الإسلاميون تنظيماتٍ مؤدلجة للقوى الليبرالية في المجتمع، تستعيرُ أساليبَ متطرفة في الإساءة إلى دور العبادة، فيما تساهمُ الحكومةُ في صناعةُ الخصومُ، بأقلِّ جهدٍ، وبأكثر الوسائلِ بدائيةً، وعداء.
“ملحدون، ومنحلّون، ودواعش”. تمنحكَ هذه الفهرسةُ سهولةً في القراءة السريعة، يا وزيرَ الأوقاف. على أنَّ بلادنا تحتاجُ دروساً مكثَّفةً في محوِ الأميّة..
عمان جو - باسل الرفايعة
الحكومةُ الأردنيةُ باتت في مواجهة ثلاثة كيانات، ترى أنها موجودة في المجتمع: إلحادية، وانحلالية، وداعشية، ترفعُ لها قبضتها الدينية الأقوى، إنفاذاً لخطتها “الوطنية لمحاربة التطرُّف” التي تتحالفُ بموجبها مع”السلفيين المعتدلين، وجماعة الدعوة والتبليغ”…
للمرَّةِ الأولى، تعترفُ الحكومةُ بـ”الكفّار الجدد”، بهذا الوضوح. وزيرُ الأوقاف والشؤون والمقدَّسات الإسلامية د. وائل عربيّات، قال لفضائية “الحقيقة الدولية”، الأسبوع الماضي: “لا بدَّ أنْ نتصدّى للانحلال، وتيّار الإلحاد، كما نتصدَّى للتيار الداعشيّ”.
هذا تفرُّعٌ، لا سابقَ له في وظيفةِ الوزارة. فهي المعنية بشؤون الخطباء والأئمة والوعّاظ، وغيرهم، وباتَ عليها أنْ تتقاسمَ مع وزارتي الداخلية، والتربية والتعليم، والأجهزة الأمنية مهمة البحث عن الخلايا المستيقظة والنائمة للمنحلّين، والملحدين. وعليها أنْ تتحمّلَ أعباءَ الإجابة عن أسئلة كثيرة: مَنْ هم، ما هي المناهجُ التربوية المنتجة. في أيِّ المؤسسات يتسترون ويعملون. ماذا عن حجمهم في المجتمع. ما الأيديولوجيا التي تحرِّكهم. هل هم مُلحدون بالمعنى الاصطلاحيّ، أم أنَّهم من “اللادينيين” و”اللاأدريين”.. مثلاً. أم محض مُدوّنين غاضبين، ومراهقين في وسائل التواصل الاجتماعي؟.
ثم ما هي جيوب المنحلين وتنظيماتهم، وقوامهم في الدولة. وهل من دراسة علميّة، تُظهرُ نسبتهم، وهل يندرجُ الليبراليون تحتَ هذا التصنيف؟ مقارنةً مع ما لدى الحكومةُ من معلوماتٍ عن “داعش”، وقواعدها، والمواد الأولية لتصنيعها، ووسائل الإنتاج، والتسويق، خصوصاً أنّ أعضاء من التنظيم يُحاكمون حالياً أمام محكمة الدولة.
أكثرُ من بؤسٍ يتجلّى في هذا الخلط، وتلكَ الأوصاف المرتجلة. أوَّلُهُ، توهّمُ وجودِ تيّارٍ إلحاديٍّ ناجزٍ في مجتمعٍ محافظٍ، تتردَّد نخبه حتى في المطالبة بإعادة صوغ العقد الاجتماعي للدولة، ولا تزالُ غالبية سكانه ترى في فصلَ الدين عن السياسةِ كفراً وتغريباً، وثانيه العجزُ الرسميُّ عن فهم المحاولات المحدودة للدفاع عن التنوّع الثقافي والدينيّ، ضمن منظور حداثيٍّ، وثالثهُ، المحاولةُ البائسة لاسترضاءِ التطرّف، واستمالتهِ، ليكون شريكاً في مجابهة الافتراض.
ما هو الانحلال الذي سيتصدّى له وزيرُ الأوقاف. إلى أينَ يذهبُ هذا التعميمُ في الوصف: إلى أساليب حياةِ الناس في عمَّان، إلى السياحةِ، و”الاختلاط”، والمهرجانات الغنائية، إلى الحفلاتِ، وثيابِ النساء، والرقص، والموسيقى، والفنادق والمطاعم؟ أليسَ كلُّ ذُلك مكفولاً بالقانون، ومرخّصاً، ومستوفياً للرسوم والضرائب؟ وإلى أيِّ الجماعات والقوى والدول، تُوجَّهُ، مِثْلَ هذه الرسائل؟.
دونما تعريفٍ لـ”الانحلال” المُستهدَفِ في التصدي الحكومي، تعيدُ الوزارةُ تسويقَ مفهومه عِنْدَ جماعات “الإسلام السياسيّ” التي سمعنا كثيراً تنديدها بـ”الفسق والفجور والمجون” القادم من الأغاني والمطربات المتسبّبات بالهزّات الأرضية في أعماق البحر الميّت. ليظهرَ أنَّ البلادَ منقسمةٍ بين مؤيدين للانحلال الأخلاقي، ومعارضين له، يجمعهم تحالفُ الحكومة والتيار الإسلاميّ. وليظهرَ التضليلُ في أشدِّ عتمته كذلك: خادعاً ومريباً، إزاءَ حريات الأفراد ومعتقداتهم، مع وجودِ مناخٍ مُعادٍ، تشرَّبَ الإحباطَ من الإخفاقات المتتالية في التنمية والاقتصاد والتعليم. وسوى ذلك.
تبعاً للمناخ ذاته، يجوزُ التذكيرُ بالتخريب الذي تعرَّضَ له أثاثَ مسجدٍ في إربد، قبل شهور، وكيف سارعَ الإسلاميون إلى إتهام “ملحدين وليبراليين”، قبل أنْ تُلقي الشرطةُ القبضَ على فتيانٍ هاربين من المدرسة، لم يسمعوا يوماً بالإلحاد، ولا بالملحدين، و”تيّارهم” الذي يدورُ بين طواحين الهواء، وتدورُ معه الحكومة، ووزارة أوقافها، بحثاً عن أعداء ومعارك.
المثالُ يصلحُ على محاولة تدوير العنف في المجتمع. يتخيَّلُ الإسلاميون تنظيماتٍ مؤدلجة للقوى الليبرالية في المجتمع، تستعيرُ أساليبَ متطرفة في الإساءة إلى دور العبادة، فيما تساهمُ الحكومةُ في صناعةُ الخصومُ، بأقلِّ جهدٍ، وبأكثر الوسائلِ بدائيةً، وعداء.
“ملحدون، ومنحلّون، ودواعش”. تمنحكَ هذه الفهرسةُ سهولةً في القراءة السريعة، يا وزيرَ الأوقاف. على أنَّ بلادنا تحتاجُ دروساً مكثَّفةً في محوِ الأميّة..
عمان جو - باسل الرفايعة
الحكومةُ الأردنيةُ باتت في مواجهة ثلاثة كيانات، ترى أنها موجودة في المجتمع: إلحادية، وانحلالية، وداعشية، ترفعُ لها قبضتها الدينية الأقوى، إنفاذاً لخطتها “الوطنية لمحاربة التطرُّف” التي تتحالفُ بموجبها مع”السلفيين المعتدلين، وجماعة الدعوة والتبليغ”…
للمرَّةِ الأولى، تعترفُ الحكومةُ بـ”الكفّار الجدد”، بهذا الوضوح. وزيرُ الأوقاف والشؤون والمقدَّسات الإسلامية د. وائل عربيّات، قال لفضائية “الحقيقة الدولية”، الأسبوع الماضي: “لا بدَّ أنْ نتصدّى للانحلال، وتيّار الإلحاد، كما نتصدَّى للتيار الداعشيّ”.
هذا تفرُّعٌ، لا سابقَ له في وظيفةِ الوزارة. فهي المعنية بشؤون الخطباء والأئمة والوعّاظ، وغيرهم، وباتَ عليها أنْ تتقاسمَ مع وزارتي الداخلية، والتربية والتعليم، والأجهزة الأمنية مهمة البحث عن الخلايا المستيقظة والنائمة للمنحلّين، والملحدين. وعليها أنْ تتحمّلَ أعباءَ الإجابة عن أسئلة كثيرة: مَنْ هم، ما هي المناهجُ التربوية المنتجة. في أيِّ المؤسسات يتسترون ويعملون. ماذا عن حجمهم في المجتمع. ما الأيديولوجيا التي تحرِّكهم. هل هم مُلحدون بالمعنى الاصطلاحيّ، أم أنَّهم من “اللادينيين” و”اللاأدريين”.. مثلاً. أم محض مُدوّنين غاضبين، ومراهقين في وسائل التواصل الاجتماعي؟.
ثم ما هي جيوب المنحلين وتنظيماتهم، وقوامهم في الدولة. وهل من دراسة علميّة، تُظهرُ نسبتهم، وهل يندرجُ الليبراليون تحتَ هذا التصنيف؟ مقارنةً مع ما لدى الحكومةُ من معلوماتٍ عن “داعش”، وقواعدها، والمواد الأولية لتصنيعها، ووسائل الإنتاج، والتسويق، خصوصاً أنّ أعضاء من التنظيم يُحاكمون حالياً أمام محكمة الدولة.
أكثرُ من بؤسٍ يتجلّى في هذا الخلط، وتلكَ الأوصاف المرتجلة. أوَّلُهُ، توهّمُ وجودِ تيّارٍ إلحاديٍّ ناجزٍ في مجتمعٍ محافظٍ، تتردَّد نخبه حتى في المطالبة بإعادة صوغ العقد الاجتماعي للدولة، ولا تزالُ غالبية سكانه ترى في فصلَ الدين عن السياسةِ كفراً وتغريباً، وثانيه العجزُ الرسميُّ عن فهم المحاولات المحدودة للدفاع عن التنوّع الثقافي والدينيّ، ضمن منظور حداثيٍّ، وثالثهُ، المحاولةُ البائسة لاسترضاءِ التطرّف، واستمالتهِ، ليكون شريكاً في مجابهة الافتراض.
ما هو الانحلال الذي سيتصدّى له وزيرُ الأوقاف. إلى أينَ يذهبُ هذا التعميمُ في الوصف: إلى أساليب حياةِ الناس في عمَّان، إلى السياحةِ، و”الاختلاط”، والمهرجانات الغنائية، إلى الحفلاتِ، وثيابِ النساء، والرقص، والموسيقى، والفنادق والمطاعم؟ أليسَ كلُّ ذُلك مكفولاً بالقانون، ومرخّصاً، ومستوفياً للرسوم والضرائب؟ وإلى أيِّ الجماعات والقوى والدول، تُوجَّهُ، مِثْلَ هذه الرسائل؟.
دونما تعريفٍ لـ”الانحلال” المُستهدَفِ في التصدي الحكومي، تعيدُ الوزارةُ تسويقَ مفهومه عِنْدَ جماعات “الإسلام السياسيّ” التي سمعنا كثيراً تنديدها بـ”الفسق والفجور والمجون” القادم من الأغاني والمطربات المتسبّبات بالهزّات الأرضية في أعماق البحر الميّت. ليظهرَ أنَّ البلادَ منقسمةٍ بين مؤيدين للانحلال الأخلاقي، ومعارضين له، يجمعهم تحالفُ الحكومة والتيار الإسلاميّ. وليظهرَ التضليلُ في أشدِّ عتمته كذلك: خادعاً ومريباً، إزاءَ حريات الأفراد ومعتقداتهم، مع وجودِ مناخٍ مُعادٍ، تشرَّبَ الإحباطَ من الإخفاقات المتتالية في التنمية والاقتصاد والتعليم. وسوى ذلك.
تبعاً للمناخ ذاته، يجوزُ التذكيرُ بالتخريب الذي تعرَّضَ له أثاثَ مسجدٍ في إربد، قبل شهور، وكيف سارعَ الإسلاميون إلى إتهام “ملحدين وليبراليين”، قبل أنْ تُلقي الشرطةُ القبضَ على فتيانٍ هاربين من المدرسة، لم يسمعوا يوماً بالإلحاد، ولا بالملحدين، و”تيّارهم” الذي يدورُ بين طواحين الهواء، وتدورُ معه الحكومة، ووزارة أوقافها، بحثاً عن أعداء ومعارك.
المثالُ يصلحُ على محاولة تدوير العنف في المجتمع. يتخيَّلُ الإسلاميون تنظيماتٍ مؤدلجة للقوى الليبرالية في المجتمع، تستعيرُ أساليبَ متطرفة في الإساءة إلى دور العبادة، فيما تساهمُ الحكومةُ في صناعةُ الخصومُ، بأقلِّ جهدٍ، وبأكثر الوسائلِ بدائيةً، وعداء.
“ملحدون، ومنحلّون، ودواعش”. تمنحكَ هذه الفهرسةُ سهولةً في القراءة السريعة، يا وزيرَ الأوقاف. على أنَّ بلادنا تحتاجُ دروساً مكثَّفةً في محوِ الأميّة..
التعليقات