عمان جو - رصد
فجر وزير الخارجية الأردني هذا الأسبوع عبوة ناسفة في وجه إسرائيل، ولكن القصة الحقيقية، كالمعتاد، تختبئ بعيداً عن العنوان. فالوزير أيمن الصفدي، بالتنسيق مع ملكه، أمر سفيره في إسرائيل غسان المجالي، بالعودة إلى الديار حتى إشعار آخر، لأن إسرائيل ترفض تحرير مواطنَين أردنيين، رجل وامرأة، محتجزين هنا مع كومة من الشبهات الأمنية.
هي، هبة اللبدي (32 سنة) مضربة عن الطعام منذ شهر، وهو، عبد الرحمن مرعي (29 سنة) مريض بمرض قاس. كلاهما معتقلان إدارياً بأمر من المحكمة. اعتقلا في جسر اللنبي في موعدين مختلفين، عند وصولهما إلى المناطق للمشاركة في عرس لأقرباء لهما. تصر إسرائيل على أن يقضيا مدة الاعتقال الإداري حتى نهايتها، مما يشهد على أن الشبهات ضدهما هامة على نحو خاص. وللتذكير، فإنهما ليسا من مواطني السلطة الفلسطينية، الذين يعد الاعتقال الإداري بالنسبة لهم وسيلة قاسية، ولكن معروفة، بل إنهما مواطن دولة أجنبية.
ما الذي يجلب مدققة حسابات أردنية إلى أقبية المخابرات الإسرائيلية؟ محاميها جواد بولص، قال أول أمس في صوت الجيش إنه لا يعرف الشبهات التي تدور ضدها ولا يمكنه أن يهاجم الاعتقال في المحكمة. إذا لم يتحرر الاثنان.. بل وقدما إلى المحاكمة، فسيكشف بعض من تفاصيل الملف وكذا أساس الاتهامات ضدهما. أما استعراض العضلات الذي أجراه الأردنيون هذا الأسبوع فكفيل بأن يجعل الأمر صعباً على إسرائيل عندما تقرر تقديمهما إلى المحاكمة.
القصة الثانية هي القلق الذي يتملك الطرفين عند معالجتهما لأحداث كهذه. ففي الدولة السليمة، التي تتفجر فيها أزمة دبلوماسية، يتجه الحكم إلى نشر بيان رسمي للجمهور، بشكل متوازن، يشهد على رباطة الجأش، ولا يضر الاتصالات. تقرير للجمهور في مثل هذه القضية يعد مهمة بسيطة، ولكن إسرائيل دولة سليمة عندما يروق لها. وهنا، يبدو إشراك الجمهور بالأفراح متبعاً، دون الأتراح السياسية مهما كانت صغيرة.
صندوق فارغ
إن تردد تل أبيب لا شيء مقارنة بمشاغل عمان، ففي الأردن تجري منذ بضعة أسابيع حملة ضغوط على الحكومة للعمل على تحريرهما. ومن خلف الحملة يقف نشطاء سياسيون وآخرون في الشبكة. بدونهم، مشكوك أن يعيد النظام السفير المجالي إلى الديار. أكثر من ذلك: يمكن بالتأكيد؛ لأنه لو عرف الأردنيون ما شبهات المواطنين لأغمضوا العين وتمنوا للمخابرات الإسرائيلية النجاح في مهمتها. ولكن الهمسات في جهة والجمهور الغاضب في جهة أخرى. في حملة جماهيرية من أجلهما تشارك محافل معارضة ذات نفوذ هدفها المس بصورة القصر وعرضه هزيلاً أمام الإسرائيليين. هذه حملة جارفة وصاخبة، وتخرج من كثير من المتصفحين السم والنفور تجاه إسرائيل ونظام الحكم على حد سواء.
في السنوات الأخيرة، وبسبب تزامن الأحداث والملابسات، ازداد الضغط الذي يمارسه الشارع الأردني على حكامه في المواضيع المتعلقة بإسرائيل. رويداً وبالتدريج، تصبح إسرائيل بشكل دائم هدفاً، والقصر يجد نفسه عديم الوسيلة أمام العداء العاصف. هكذا طالب المتظاهرون بغضب إلغاء اتفاق الغاز بين الطرفين، سخروا من النظام في قضية الحارس، طالبوا باستعراضية استعادة الباقورة والغمر، وبالطبع عربدوا غضباً في ضوء كل حدث استثنائي في الحرم. في الماضي نجح النظام في لجم مظاهر كهذه، أو وجد القوى للتعامل معها برباطة جأش. أما اليوم فيخشى من تجمع القوة والخروج عن السيطرة.
من خلف هذا القلق يختبئ الصندوق الفارغ. فوضع الأردن النقدي مهزوز مثلما لم يكن منذ زمن بعيد. البطالة حادة، والسكان ازدادوا بفضل اللاجئين، وأموال الدعم من الأخوة العرب قلت. ويخشى القصر من أن يجتمع التوتر السياسي مع جيب المواطن الفارغ ليصبح فتيل حريق. بطريقته الرقيقة، يبث الأردن إشارات الضائقة. وهو يتوقع من إسرائيل أن تعفيه من التصدي الخطير للشارع، يصرخ لدول الخليج كي تدعمه مالياً مثلما في الماضي ويصلي من البيت الأبيض ألا يدير له ظهر المجن بعد سنوات تعامل فيها معه.
إن إعادة السفير المجالي إلى الديار جاء لتبديد التوتر ورفع الضغط الجماهيري عن النظام. رحل كي يعود. أما الآن فالكرة في الملعب الإسرائيلي، وعمان تنتظر ما ستفعله إسرائيل في القناتين. إذا حررتهما، سيعاد السفير. وإذا لم تحررهما فقد تتضخم القضية. فرص الحل جيدة. مرعي واللبدي معتقلان لزمن قصير نسبياً، ولدى إسرائيل مجال مناورة واسع في هذه القضية.
إن بوسع هذه القصة أن تجسد كيف يبنى هذه الأيام أمام ناظرينا واقع جديد في المملكة الهاشمية، واقع يجد فيه النظام، بخلاف السنوات الماضية، صعوبة في الوقوف صامداً في وجه الغضب الجماهيري. هذا غضب مصادره داخلية، ولكن كلما تعاظم يتجه نحو إسرائيل أيضاً.
بقلم: جاكي خوجي
معاريف 1/11/2019
عمان جو - رصد
فجر وزير الخارجية الأردني هذا الأسبوع عبوة ناسفة في وجه إسرائيل، ولكن القصة الحقيقية، كالمعتاد، تختبئ بعيداً عن العنوان. فالوزير أيمن الصفدي، بالتنسيق مع ملكه، أمر سفيره في إسرائيل غسان المجالي، بالعودة إلى الديار حتى إشعار آخر، لأن إسرائيل ترفض تحرير مواطنَين أردنيين، رجل وامرأة، محتجزين هنا مع كومة من الشبهات الأمنية.
هي، هبة اللبدي (32 سنة) مضربة عن الطعام منذ شهر، وهو، عبد الرحمن مرعي (29 سنة) مريض بمرض قاس. كلاهما معتقلان إدارياً بأمر من المحكمة. اعتقلا في جسر اللنبي في موعدين مختلفين، عند وصولهما إلى المناطق للمشاركة في عرس لأقرباء لهما. تصر إسرائيل على أن يقضيا مدة الاعتقال الإداري حتى نهايتها، مما يشهد على أن الشبهات ضدهما هامة على نحو خاص. وللتذكير، فإنهما ليسا من مواطني السلطة الفلسطينية، الذين يعد الاعتقال الإداري بالنسبة لهم وسيلة قاسية، ولكن معروفة، بل إنهما مواطن دولة أجنبية.
ما الذي يجلب مدققة حسابات أردنية إلى أقبية المخابرات الإسرائيلية؟ محاميها جواد بولص، قال أول أمس في صوت الجيش إنه لا يعرف الشبهات التي تدور ضدها ولا يمكنه أن يهاجم الاعتقال في المحكمة. إذا لم يتحرر الاثنان.. بل وقدما إلى المحاكمة، فسيكشف بعض من تفاصيل الملف وكذا أساس الاتهامات ضدهما. أما استعراض العضلات الذي أجراه الأردنيون هذا الأسبوع فكفيل بأن يجعل الأمر صعباً على إسرائيل عندما تقرر تقديمهما إلى المحاكمة.
القصة الثانية هي القلق الذي يتملك الطرفين عند معالجتهما لأحداث كهذه. ففي الدولة السليمة، التي تتفجر فيها أزمة دبلوماسية، يتجه الحكم إلى نشر بيان رسمي للجمهور، بشكل متوازن، يشهد على رباطة الجأش، ولا يضر الاتصالات. تقرير للجمهور في مثل هذه القضية يعد مهمة بسيطة، ولكن إسرائيل دولة سليمة عندما يروق لها. وهنا، يبدو إشراك الجمهور بالأفراح متبعاً، دون الأتراح السياسية مهما كانت صغيرة.
صندوق فارغ
إن تردد تل أبيب لا شيء مقارنة بمشاغل عمان، ففي الأردن تجري منذ بضعة أسابيع حملة ضغوط على الحكومة للعمل على تحريرهما. ومن خلف الحملة يقف نشطاء سياسيون وآخرون في الشبكة. بدونهم، مشكوك أن يعيد النظام السفير المجالي إلى الديار. أكثر من ذلك: يمكن بالتأكيد؛ لأنه لو عرف الأردنيون ما شبهات المواطنين لأغمضوا العين وتمنوا للمخابرات الإسرائيلية النجاح في مهمتها. ولكن الهمسات في جهة والجمهور الغاضب في جهة أخرى. في حملة جماهيرية من أجلهما تشارك محافل معارضة ذات نفوذ هدفها المس بصورة القصر وعرضه هزيلاً أمام الإسرائيليين. هذه حملة جارفة وصاخبة، وتخرج من كثير من المتصفحين السم والنفور تجاه إسرائيل ونظام الحكم على حد سواء.
في السنوات الأخيرة، وبسبب تزامن الأحداث والملابسات، ازداد الضغط الذي يمارسه الشارع الأردني على حكامه في المواضيع المتعلقة بإسرائيل. رويداً وبالتدريج، تصبح إسرائيل بشكل دائم هدفاً، والقصر يجد نفسه عديم الوسيلة أمام العداء العاصف. هكذا طالب المتظاهرون بغضب إلغاء اتفاق الغاز بين الطرفين، سخروا من النظام في قضية الحارس، طالبوا باستعراضية استعادة الباقورة والغمر، وبالطبع عربدوا غضباً في ضوء كل حدث استثنائي في الحرم. في الماضي نجح النظام في لجم مظاهر كهذه، أو وجد القوى للتعامل معها برباطة جأش. أما اليوم فيخشى من تجمع القوة والخروج عن السيطرة.
من خلف هذا القلق يختبئ الصندوق الفارغ. فوضع الأردن النقدي مهزوز مثلما لم يكن منذ زمن بعيد. البطالة حادة، والسكان ازدادوا بفضل اللاجئين، وأموال الدعم من الأخوة العرب قلت. ويخشى القصر من أن يجتمع التوتر السياسي مع جيب المواطن الفارغ ليصبح فتيل حريق. بطريقته الرقيقة، يبث الأردن إشارات الضائقة. وهو يتوقع من إسرائيل أن تعفيه من التصدي الخطير للشارع، يصرخ لدول الخليج كي تدعمه مالياً مثلما في الماضي ويصلي من البيت الأبيض ألا يدير له ظهر المجن بعد سنوات تعامل فيها معه.
إن إعادة السفير المجالي إلى الديار جاء لتبديد التوتر ورفع الضغط الجماهيري عن النظام. رحل كي يعود. أما الآن فالكرة في الملعب الإسرائيلي، وعمان تنتظر ما ستفعله إسرائيل في القناتين. إذا حررتهما، سيعاد السفير. وإذا لم تحررهما فقد تتضخم القضية. فرص الحل جيدة. مرعي واللبدي معتقلان لزمن قصير نسبياً، ولدى إسرائيل مجال مناورة واسع في هذه القضية.
إن بوسع هذه القصة أن تجسد كيف يبنى هذه الأيام أمام ناظرينا واقع جديد في المملكة الهاشمية، واقع يجد فيه النظام، بخلاف السنوات الماضية، صعوبة في الوقوف صامداً في وجه الغضب الجماهيري. هذا غضب مصادره داخلية، ولكن كلما تعاظم يتجه نحو إسرائيل أيضاً.
بقلم: جاكي خوجي
معاريف 1/11/2019
عمان جو - رصد
فجر وزير الخارجية الأردني هذا الأسبوع عبوة ناسفة في وجه إسرائيل، ولكن القصة الحقيقية، كالمعتاد، تختبئ بعيداً عن العنوان. فالوزير أيمن الصفدي، بالتنسيق مع ملكه، أمر سفيره في إسرائيل غسان المجالي، بالعودة إلى الديار حتى إشعار آخر، لأن إسرائيل ترفض تحرير مواطنَين أردنيين، رجل وامرأة، محتجزين هنا مع كومة من الشبهات الأمنية.
هي، هبة اللبدي (32 سنة) مضربة عن الطعام منذ شهر، وهو، عبد الرحمن مرعي (29 سنة) مريض بمرض قاس. كلاهما معتقلان إدارياً بأمر من المحكمة. اعتقلا في جسر اللنبي في موعدين مختلفين، عند وصولهما إلى المناطق للمشاركة في عرس لأقرباء لهما. تصر إسرائيل على أن يقضيا مدة الاعتقال الإداري حتى نهايتها، مما يشهد على أن الشبهات ضدهما هامة على نحو خاص. وللتذكير، فإنهما ليسا من مواطني السلطة الفلسطينية، الذين يعد الاعتقال الإداري بالنسبة لهم وسيلة قاسية، ولكن معروفة، بل إنهما مواطن دولة أجنبية.
ما الذي يجلب مدققة حسابات أردنية إلى أقبية المخابرات الإسرائيلية؟ محاميها جواد بولص، قال أول أمس في صوت الجيش إنه لا يعرف الشبهات التي تدور ضدها ولا يمكنه أن يهاجم الاعتقال في المحكمة. إذا لم يتحرر الاثنان.. بل وقدما إلى المحاكمة، فسيكشف بعض من تفاصيل الملف وكذا أساس الاتهامات ضدهما. أما استعراض العضلات الذي أجراه الأردنيون هذا الأسبوع فكفيل بأن يجعل الأمر صعباً على إسرائيل عندما تقرر تقديمهما إلى المحاكمة.
القصة الثانية هي القلق الذي يتملك الطرفين عند معالجتهما لأحداث كهذه. ففي الدولة السليمة، التي تتفجر فيها أزمة دبلوماسية، يتجه الحكم إلى نشر بيان رسمي للجمهور، بشكل متوازن، يشهد على رباطة الجأش، ولا يضر الاتصالات. تقرير للجمهور في مثل هذه القضية يعد مهمة بسيطة، ولكن إسرائيل دولة سليمة عندما يروق لها. وهنا، يبدو إشراك الجمهور بالأفراح متبعاً، دون الأتراح السياسية مهما كانت صغيرة.
صندوق فارغ
إن تردد تل أبيب لا شيء مقارنة بمشاغل عمان، ففي الأردن تجري منذ بضعة أسابيع حملة ضغوط على الحكومة للعمل على تحريرهما. ومن خلف الحملة يقف نشطاء سياسيون وآخرون في الشبكة. بدونهم، مشكوك أن يعيد النظام السفير المجالي إلى الديار. أكثر من ذلك: يمكن بالتأكيد؛ لأنه لو عرف الأردنيون ما شبهات المواطنين لأغمضوا العين وتمنوا للمخابرات الإسرائيلية النجاح في مهمتها. ولكن الهمسات في جهة والجمهور الغاضب في جهة أخرى. في حملة جماهيرية من أجلهما تشارك محافل معارضة ذات نفوذ هدفها المس بصورة القصر وعرضه هزيلاً أمام الإسرائيليين. هذه حملة جارفة وصاخبة، وتخرج من كثير من المتصفحين السم والنفور تجاه إسرائيل ونظام الحكم على حد سواء.
في السنوات الأخيرة، وبسبب تزامن الأحداث والملابسات، ازداد الضغط الذي يمارسه الشارع الأردني على حكامه في المواضيع المتعلقة بإسرائيل. رويداً وبالتدريج، تصبح إسرائيل بشكل دائم هدفاً، والقصر يجد نفسه عديم الوسيلة أمام العداء العاصف. هكذا طالب المتظاهرون بغضب إلغاء اتفاق الغاز بين الطرفين، سخروا من النظام في قضية الحارس، طالبوا باستعراضية استعادة الباقورة والغمر، وبالطبع عربدوا غضباً في ضوء كل حدث استثنائي في الحرم. في الماضي نجح النظام في لجم مظاهر كهذه، أو وجد القوى للتعامل معها برباطة جأش. أما اليوم فيخشى من تجمع القوة والخروج عن السيطرة.
من خلف هذا القلق يختبئ الصندوق الفارغ. فوضع الأردن النقدي مهزوز مثلما لم يكن منذ زمن بعيد. البطالة حادة، والسكان ازدادوا بفضل اللاجئين، وأموال الدعم من الأخوة العرب قلت. ويخشى القصر من أن يجتمع التوتر السياسي مع جيب المواطن الفارغ ليصبح فتيل حريق. بطريقته الرقيقة، يبث الأردن إشارات الضائقة. وهو يتوقع من إسرائيل أن تعفيه من التصدي الخطير للشارع، يصرخ لدول الخليج كي تدعمه مالياً مثلما في الماضي ويصلي من البيت الأبيض ألا يدير له ظهر المجن بعد سنوات تعامل فيها معه.
إن إعادة السفير المجالي إلى الديار جاء لتبديد التوتر ورفع الضغط الجماهيري عن النظام. رحل كي يعود. أما الآن فالكرة في الملعب الإسرائيلي، وعمان تنتظر ما ستفعله إسرائيل في القناتين. إذا حررتهما، سيعاد السفير. وإذا لم تحررهما فقد تتضخم القضية. فرص الحل جيدة. مرعي واللبدي معتقلان لزمن قصير نسبياً، ولدى إسرائيل مجال مناورة واسع في هذه القضية.
إن بوسع هذه القصة أن تجسد كيف يبنى هذه الأيام أمام ناظرينا واقع جديد في المملكة الهاشمية، واقع يجد فيه النظام، بخلاف السنوات الماضية، صعوبة في الوقوف صامداً في وجه الغضب الجماهيري. هذا غضب مصادره داخلية، ولكن كلما تعاظم يتجه نحو إسرائيل أيضاً.
بقلم: جاكي خوجي
معاريف 1/11/2019
التعليقات