الناتو يخلع بزته العسكرية على حدود الأردن ويشمّر عن خبراته الخدمية والبحثية
بناء القوة الأوروبية بعمان بدلا عن أنقرة على قدمٍ وساق
لجان الحلف في عمّان يسألون عن “الماء وحقوق النساء”
اجتماعات سياسية وخدمية مكثّفة تمهيداً لـ”خطّة مارشال”..
عمان جو – فرح مرقه
النصائح التي قدمها الملك عبد الله الثاني لواشنطن وحلف شمال الأطلسي كانت في نقاشه على هامش تسلمه جائزة الملك الباحث من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إذ قال ” من وجهة نظر تاريخية ومن خلفية عسكرية، أنه إذا لم يتم حل المشكلة، عليك العودة لحلها لاحقا بشكل مكلف أكثر للجميع”.
تحدث الملك بذلك في رد عن رأيه بالانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، ليشرح لاحقا ان محاربة الإرهاب لا تنتهي بالعمل العسكري، ومشددا بعبارات شديدة العاطفية على الامل والخدمات والحياة التي يحتاجها الأردن ودول المنطقة وذكر منها بصورة مثيرة للانتباه “الأردن واليمن وايران”.
برأيه المذكور مهّد الملك جيّداً الأرضية للقاء حصل بعد أقل من 24 ساعة من عودته إلى عمان استضاف به رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الفريق أول مارك ميلي، تزامنا مع استضافة رئيس وزرائه الدكتور عمر الرزاز، قائد القيادة التحويلية في حلف الناتو الفريق أول أندريه لاناتا والوفد المرافق.
بكل الأحوال الزيارتان سبقتهما جولات ” مدنية سياسية وخدماتية وحقوقية” متواصلة طوال الأسبوع الماضي لبعثات حلف شمال الأطلسي في الأردن، إذ استقبل الرزاز مطلع الأسبوع الماضي (الاثنين 18 نوفمبر/ تشرين ثاني) وفدا برلمانيا يمثل لجنة الدفاع والأمن حول أمن المستقبل وقدرات الدفاع، التابعة لجمعية حلف شمال الاطلسي “الناتو”.
اللقاء المذكور حاز الكثير من التساؤلات بعدما حضره وبصورة نادرة وزير الشؤون السياسية والبرلمانية المهندس موسى المعايطة، واعلن ان اللقاء بحث مجالات التعاون في إطار برنامج الشراكة القائمة بين الاردن والحلف، ولاسيما مجالات التعاون البرلماني وتبادل الخبرات.
بهذا المعنى قرر الناتو التمدّن الأسبوع الماضي مع الأردن ودخول التفاصيل السياسية في اللقاء المذكور ليلي ذلك قدرات جديدة اظهرها الحلف “الميت دماغيا” وفق تعبير اثار الجدل اطلقه عليه الرئيس ايمانويل ماكرون قبل نحو أسبوعين.
لجان الناتو لم تكتفِ باللقاء السياسي، فلاحقاً، وفي اليوم التالي ورد خبر آخر، عن زيارة حقوقية لا تخلو ابدا من السياسة لوفد اللجنة الفرعية حول أمن المستقبل، المنبثقة عن لجنة الدفاع والأمن التابعة للجمعية البرلمانية لحلف “الناتو”، لوزارة ما كانت يوماً ضمن اهتمامات الحلف العسكري هي وزارة التنمية الاجتماعية، التقى فيها الوفد المذكور بوزيرة التنمية الاجتماعية بسمة اسحاقات لتتلو عليهم (كما فعل الرزاز والمعايطة وفق الخبر الرسمي بطبيعة الحال) عبء الأزمة السورية واللاجئين السوريين والفلسطينيين، ثم تطرقوا لحقوق المرأة والطفل أيضا.
بهذا المعنى يبدو ان الحلف وبصورة مكثفة مصرٌّ على بحث مكثّف لاحتياجات الأردن وازماته، وهو ما اضيف عليه ايضاً ان وباليوم التالي ذاته، زار ما وصفه الاعلام المحلي بالوفد البرلماني رفيع المستوى من حلف الناتو والذي يمثل اعضاء المجموعة الخاصة للبحر الابيض المتوسط والشرق الأوسط وزارة الري وعقد اجتماعا مع الوزير المهندس رائد ابو السعود وأمين عام الوزارة وأمين عام سلطة وادي الاردن والمستشارة القانونية والمساعد لشؤون الاعلام والاتصال وعدد من مسؤولي قطاع المياه.
في الاجتماع المذكور حصل الموجودون على بيانات مهمة تعرض حقيقة ان الأردن ضمن افقر الدول عالميا بالمياه، وهنا بالضرورة لا يخلو الاجتماع من السياسة فناقل البحرين المتعطل مع إسرائيل على الأقل كان حاضرا، وسأل عنه الوفد بالاسم وعن الإجراءات المرافقة له، كما سأل عمان عن خططها البديلة اذا لم ينفذ.
كل اللقاءات المذكورة قبل لقاءي يوم الاحد الأخيرين مع الملك من جهة والرزاز من جهة ثانية، كانت تعني ان الناتو يخلع بزته العسكرية على حدود عمان (كما يفعل مليك عمان من اشهر) ويشمّر عن خبراته المعرفية والبحثية وعلى الاغلب سيشتبك مع التفاصيل بعدما استمعت “رأي اليوم” مباشرة لمدى خشية السياسيين الغربيين على الأردن من اللحاق بركب دول المنطقة التي تشتعل في العراق ولبنان وقبلها السودان والجزائر، خصوصا وهو لديه بيانات دقيقة تشير الى ان الاقتصاد الأردني في خطر حقيقي قد يجعله يلحق عمليا بدول الإقليم ان لم يتدخل.
القرار الذي استمعت اليه “رأي اليوم” وتحديدا من الجانب الأوروبي وبقيادة المانية، يتحدث عن اشتباك مع التفاصيل وعدم الخوض ببنود المنح والهبات ولا حتى القروض دون التأكد من ان ذلك سيصرف بصورة تنعكس تماما على الشارع والمواطنين وتحديدا على الطبقات الفقيرة.
هدف الناتو هنا كبير، حيث تعويض الشطط الأمريكي والتقزّم في العلاقات مع إسرائيل و”المغامرات” الخليجية، وحماية الدولة “المحور” أو الـ Hub كما يطلق على الأردن في التقييمات العميقة الأوروبية، التي ترى بعمان دون سواها مركزا لها في الشرق الأوسط، من الانهيار. هنا التقييم يتحدث عن ضرورة انقاذ عمان من أي انهيار محتمل باعتبار السيناريو المذكور “طريق بلا رجعة” وقد يحول الشرق الأوسط لثقب اسود فعلاً.
في الجانب المدني وبهذا المعنى يقرر الناتو ان يفعّل دماغه مع عمان بينما ولأسباب تفككه يتقاسمها عسكريا بين أوروبا وامريكا، إذ ويحضر رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي للقصر الملكي، بعدما كان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني الجنرال يوسف الحنيطي قد شارك في اجتماعات اللجنة العسكرية للاتحاد الاوروبي لرؤساء دفاع دول الاتحاد، وفق ما اعلنه السفير الأردني في بلجيكيا يوسف البطاينة، الخميس الماضي (21 نوفمبر/ تشرين ثاني) أي تزامنا مع جولات الناتو في عمان.
البطاينة وهو دبلوماسي رفيع أكد أيضا في تغريدة له عبر التويتر، أن الأردن الدولة العربية الوحيدة التي دعيت للمشاركة في تلك الاجتماعات، وهو ما يؤكد إضافة الى كون الاتحاد الأوروبي مهتم بعمان، واضافة لكونه يفعّل دورها دوناً عن سواها أمرا إضافيا بغاية الخطورة والاهمية وهو ان الناتو بحد ذاته يتفكك عسكريا تماما.
طبعا، لن يحصل التفكك بالشق العسكري قبل امرين هامّين- وهنا رغبة أوروبية قوية وعلى عمان ادراكها جيدا-، أولا ان يتم تحويله لمنشأة بحثية ومظلة للعمل المدني وعلى قاعدة البناء بدلا من الهدم، وهو ما تحاجج به المانيا أصلا امام الرغبة الامريكية الجامحة لزيادة نفقات الدفاع والتي تقلق أوروبا نفسها على نفسِها، ولأسباب تاريخية معروفة، حيث خشية كبيرة من تكرار سيناريوهات الحروب العالمية وانتشار السلاح والمافياوية.
في هذه الصيغة سيتحول الحلف وفق النظرة الأوروبية الحالية الى حلف يقوم على تنفيذ مشاريع اشبه بخطة مارشال التي اعادت بناء أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، في الدول المدمرة، وهنا يمكن إعادة انعاش المشروع الألماني الذي قتل بيد البيروقراطية الأردنية ومنذ سنوات ليكون الأردن أولى الدول التي تسري عليها معادلة إعادة بناء الدولة، تنظيميا ومؤسساتيا وتشريعيا. إذا ما حصل ذلك اليوم ومع “الناتو الجديد” تتحول عمان لتجربة أولية او “Pilot” لما يمكن للحلف ان يقوم به.
الأمر الثاني الذي ينبغي ان يحصل، ليفكك الحلف عسكريّته، التخلص من الشريكين الأكثر جلبا للمتاعب وهما واشنطن وأنقرة، والأخيرة بالدرجة الأولى. وهذا ليحصل يحتاج الحلف لمركز استراتيجي جديد تتحول اليه غرف العمليات الاستخبارية، هنا أيضا عمان الأقرب والأخطر والاهم، وهذا خيار أيضا دفعت لبداياته المانيا حين حولت جنودها من قاعدة انجرليك التركية الى الأزرق الأردنية قبل اكثر من عامين (في أكتوبر 2017 نقلت اخر جنودها من انجرليك).
الشراكة مع تركيا باتت عمليا مرهقة لكل الأطراف في الحلف، بما في ذلك واشنطن التي وجدت نفسها في ازمة عنوانها الاكراد في سوريا تحاول تعويضها في العراق. وبقدر اكبر من الإرهاق مع تركيا هناك ايمان لدى واشنطن مع الاتحاد الأوروبي بأهمية عمان.
في ملف انقرة، تبتعد عمان سنوات ضوئية عما كانت عليه قبل اشهر حيث ملك الأردن يزور الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بمشهد حميم وعائلي، اما اليوم فالرجلان لا يكادان يتحادثان هاتفيا ومن قبل العملية التركية في شمال شرق سوريا.
ومن هنا تستقبل الولايات المتحدة ودون تعقيب “داعشياً أمريكياً من أصول أردنية” الأسبوع الماضي، وفق الانباء الواردة من أنقرة، والتي بدورها اجتهدت ولا تزال في ترحيل الدواعش ممن باتوا تحت سيطرتها بحكم عمليتها في شمال شرق سوريا “نبع السلام” ضد الاكراد؛ كما يزور الجنرال القائد ملك الأردن بعد ساعات من عودة الأخير من نيويورك. في هذه التفاصيل يبدو المشهد اقرب لكون واشنطن عادت لتضبط إيقاع السياسة الخارجية الأردنية وتتعامل مباشرة مع انقرة فيها.
بكل الأحوال، وبحكم الواقع الموضوعي يتحول الأردن لاهم “غرفة عمليات” في الإقليم، في وقت يحتاج فيه الأوروبيون والامريكان لموقع مشابه ببنية تحتية صلبة وبيئة سياسية ديمقراطية ومستقرة، وهو ما يبدو ان ملك الأردن يدركه جيدا وهو يطلق مبادراته خلال الأسابيع الماضية ويطالب بتفعيل المحافظات ودراسة أولوياتها، في محاولة لمنح المشاريع القادمة الصبغة المحلية والنابعة من اسفل الهرم ومن حاجة الأردنيين.
اما التحدي الحقيقي اليوم فهو في واقع الامر الى أي مدى يمكن للسياسة الأردنية الداخلية والمسؤولين الأردنيين ان ينجحوا “شكل” هذا التعاون الذي يبدو ان حلفاء شمال الأطلسي يريدونه اليوم “طوعا وكرها”.
الراي اليوم
الناتو يخلع بزته العسكرية على حدود الأردن ويشمّر عن خبراته الخدمية والبحثية
بناء القوة الأوروبية بعمان بدلا عن أنقرة على قدمٍ وساق
لجان الحلف في عمّان يسألون عن “الماء وحقوق النساء”
اجتماعات سياسية وخدمية مكثّفة تمهيداً لـ”خطّة مارشال”..
عمان جو – فرح مرقه
النصائح التي قدمها الملك عبد الله الثاني لواشنطن وحلف شمال الأطلسي كانت في نقاشه على هامش تسلمه جائزة الملك الباحث من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إذ قال ” من وجهة نظر تاريخية ومن خلفية عسكرية، أنه إذا لم يتم حل المشكلة، عليك العودة لحلها لاحقا بشكل مكلف أكثر للجميع”.
تحدث الملك بذلك في رد عن رأيه بالانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، ليشرح لاحقا ان محاربة الإرهاب لا تنتهي بالعمل العسكري، ومشددا بعبارات شديدة العاطفية على الامل والخدمات والحياة التي يحتاجها الأردن ودول المنطقة وذكر منها بصورة مثيرة للانتباه “الأردن واليمن وايران”.
برأيه المذكور مهّد الملك جيّداً الأرضية للقاء حصل بعد أقل من 24 ساعة من عودته إلى عمان استضاف به رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الفريق أول مارك ميلي، تزامنا مع استضافة رئيس وزرائه الدكتور عمر الرزاز، قائد القيادة التحويلية في حلف الناتو الفريق أول أندريه لاناتا والوفد المرافق.
بكل الأحوال الزيارتان سبقتهما جولات ” مدنية سياسية وخدماتية وحقوقية” متواصلة طوال الأسبوع الماضي لبعثات حلف شمال الأطلسي في الأردن، إذ استقبل الرزاز مطلع الأسبوع الماضي (الاثنين 18 نوفمبر/ تشرين ثاني) وفدا برلمانيا يمثل لجنة الدفاع والأمن حول أمن المستقبل وقدرات الدفاع، التابعة لجمعية حلف شمال الاطلسي “الناتو”.
اللقاء المذكور حاز الكثير من التساؤلات بعدما حضره وبصورة نادرة وزير الشؤون السياسية والبرلمانية المهندس موسى المعايطة، واعلن ان اللقاء بحث مجالات التعاون في إطار برنامج الشراكة القائمة بين الاردن والحلف، ولاسيما مجالات التعاون البرلماني وتبادل الخبرات.
بهذا المعنى قرر الناتو التمدّن الأسبوع الماضي مع الأردن ودخول التفاصيل السياسية في اللقاء المذكور ليلي ذلك قدرات جديدة اظهرها الحلف “الميت دماغيا” وفق تعبير اثار الجدل اطلقه عليه الرئيس ايمانويل ماكرون قبل نحو أسبوعين.
لجان الناتو لم تكتفِ باللقاء السياسي، فلاحقاً، وفي اليوم التالي ورد خبر آخر، عن زيارة حقوقية لا تخلو ابدا من السياسة لوفد اللجنة الفرعية حول أمن المستقبل، المنبثقة عن لجنة الدفاع والأمن التابعة للجمعية البرلمانية لحلف “الناتو”، لوزارة ما كانت يوماً ضمن اهتمامات الحلف العسكري هي وزارة التنمية الاجتماعية، التقى فيها الوفد المذكور بوزيرة التنمية الاجتماعية بسمة اسحاقات لتتلو عليهم (كما فعل الرزاز والمعايطة وفق الخبر الرسمي بطبيعة الحال) عبء الأزمة السورية واللاجئين السوريين والفلسطينيين، ثم تطرقوا لحقوق المرأة والطفل أيضا.
بهذا المعنى يبدو ان الحلف وبصورة مكثفة مصرٌّ على بحث مكثّف لاحتياجات الأردن وازماته، وهو ما اضيف عليه ايضاً ان وباليوم التالي ذاته، زار ما وصفه الاعلام المحلي بالوفد البرلماني رفيع المستوى من حلف الناتو والذي يمثل اعضاء المجموعة الخاصة للبحر الابيض المتوسط والشرق الأوسط وزارة الري وعقد اجتماعا مع الوزير المهندس رائد ابو السعود وأمين عام الوزارة وأمين عام سلطة وادي الاردن والمستشارة القانونية والمساعد لشؤون الاعلام والاتصال وعدد من مسؤولي قطاع المياه.
في الاجتماع المذكور حصل الموجودون على بيانات مهمة تعرض حقيقة ان الأردن ضمن افقر الدول عالميا بالمياه، وهنا بالضرورة لا يخلو الاجتماع من السياسة فناقل البحرين المتعطل مع إسرائيل على الأقل كان حاضرا، وسأل عنه الوفد بالاسم وعن الإجراءات المرافقة له، كما سأل عمان عن خططها البديلة اذا لم ينفذ.
كل اللقاءات المذكورة قبل لقاءي يوم الاحد الأخيرين مع الملك من جهة والرزاز من جهة ثانية، كانت تعني ان الناتو يخلع بزته العسكرية على حدود عمان (كما يفعل مليك عمان من اشهر) ويشمّر عن خبراته المعرفية والبحثية وعلى الاغلب سيشتبك مع التفاصيل بعدما استمعت “رأي اليوم” مباشرة لمدى خشية السياسيين الغربيين على الأردن من اللحاق بركب دول المنطقة التي تشتعل في العراق ولبنان وقبلها السودان والجزائر، خصوصا وهو لديه بيانات دقيقة تشير الى ان الاقتصاد الأردني في خطر حقيقي قد يجعله يلحق عمليا بدول الإقليم ان لم يتدخل.
القرار الذي استمعت اليه “رأي اليوم” وتحديدا من الجانب الأوروبي وبقيادة المانية، يتحدث عن اشتباك مع التفاصيل وعدم الخوض ببنود المنح والهبات ولا حتى القروض دون التأكد من ان ذلك سيصرف بصورة تنعكس تماما على الشارع والمواطنين وتحديدا على الطبقات الفقيرة.
هدف الناتو هنا كبير، حيث تعويض الشطط الأمريكي والتقزّم في العلاقات مع إسرائيل و”المغامرات” الخليجية، وحماية الدولة “المحور” أو الـ Hub كما يطلق على الأردن في التقييمات العميقة الأوروبية، التي ترى بعمان دون سواها مركزا لها في الشرق الأوسط، من الانهيار. هنا التقييم يتحدث عن ضرورة انقاذ عمان من أي انهيار محتمل باعتبار السيناريو المذكور “طريق بلا رجعة” وقد يحول الشرق الأوسط لثقب اسود فعلاً.
في الجانب المدني وبهذا المعنى يقرر الناتو ان يفعّل دماغه مع عمان بينما ولأسباب تفككه يتقاسمها عسكريا بين أوروبا وامريكا، إذ ويحضر رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي للقصر الملكي، بعدما كان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني الجنرال يوسف الحنيطي قد شارك في اجتماعات اللجنة العسكرية للاتحاد الاوروبي لرؤساء دفاع دول الاتحاد، وفق ما اعلنه السفير الأردني في بلجيكيا يوسف البطاينة، الخميس الماضي (21 نوفمبر/ تشرين ثاني) أي تزامنا مع جولات الناتو في عمان.
البطاينة وهو دبلوماسي رفيع أكد أيضا في تغريدة له عبر التويتر، أن الأردن الدولة العربية الوحيدة التي دعيت للمشاركة في تلك الاجتماعات، وهو ما يؤكد إضافة الى كون الاتحاد الأوروبي مهتم بعمان، واضافة لكونه يفعّل دورها دوناً عن سواها أمرا إضافيا بغاية الخطورة والاهمية وهو ان الناتو بحد ذاته يتفكك عسكريا تماما.
طبعا، لن يحصل التفكك بالشق العسكري قبل امرين هامّين- وهنا رغبة أوروبية قوية وعلى عمان ادراكها جيدا-، أولا ان يتم تحويله لمنشأة بحثية ومظلة للعمل المدني وعلى قاعدة البناء بدلا من الهدم، وهو ما تحاجج به المانيا أصلا امام الرغبة الامريكية الجامحة لزيادة نفقات الدفاع والتي تقلق أوروبا نفسها على نفسِها، ولأسباب تاريخية معروفة، حيث خشية كبيرة من تكرار سيناريوهات الحروب العالمية وانتشار السلاح والمافياوية.
في هذه الصيغة سيتحول الحلف وفق النظرة الأوروبية الحالية الى حلف يقوم على تنفيذ مشاريع اشبه بخطة مارشال التي اعادت بناء أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، في الدول المدمرة، وهنا يمكن إعادة انعاش المشروع الألماني الذي قتل بيد البيروقراطية الأردنية ومنذ سنوات ليكون الأردن أولى الدول التي تسري عليها معادلة إعادة بناء الدولة، تنظيميا ومؤسساتيا وتشريعيا. إذا ما حصل ذلك اليوم ومع “الناتو الجديد” تتحول عمان لتجربة أولية او “Pilot” لما يمكن للحلف ان يقوم به.
الأمر الثاني الذي ينبغي ان يحصل، ليفكك الحلف عسكريّته، التخلص من الشريكين الأكثر جلبا للمتاعب وهما واشنطن وأنقرة، والأخيرة بالدرجة الأولى. وهذا ليحصل يحتاج الحلف لمركز استراتيجي جديد تتحول اليه غرف العمليات الاستخبارية، هنا أيضا عمان الأقرب والأخطر والاهم، وهذا خيار أيضا دفعت لبداياته المانيا حين حولت جنودها من قاعدة انجرليك التركية الى الأزرق الأردنية قبل اكثر من عامين (في أكتوبر 2017 نقلت اخر جنودها من انجرليك).
الشراكة مع تركيا باتت عمليا مرهقة لكل الأطراف في الحلف، بما في ذلك واشنطن التي وجدت نفسها في ازمة عنوانها الاكراد في سوريا تحاول تعويضها في العراق. وبقدر اكبر من الإرهاق مع تركيا هناك ايمان لدى واشنطن مع الاتحاد الأوروبي بأهمية عمان.
في ملف انقرة، تبتعد عمان سنوات ضوئية عما كانت عليه قبل اشهر حيث ملك الأردن يزور الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بمشهد حميم وعائلي، اما اليوم فالرجلان لا يكادان يتحادثان هاتفيا ومن قبل العملية التركية في شمال شرق سوريا.
ومن هنا تستقبل الولايات المتحدة ودون تعقيب “داعشياً أمريكياً من أصول أردنية” الأسبوع الماضي، وفق الانباء الواردة من أنقرة، والتي بدورها اجتهدت ولا تزال في ترحيل الدواعش ممن باتوا تحت سيطرتها بحكم عمليتها في شمال شرق سوريا “نبع السلام” ضد الاكراد؛ كما يزور الجنرال القائد ملك الأردن بعد ساعات من عودة الأخير من نيويورك. في هذه التفاصيل يبدو المشهد اقرب لكون واشنطن عادت لتضبط إيقاع السياسة الخارجية الأردنية وتتعامل مباشرة مع انقرة فيها.
بكل الأحوال، وبحكم الواقع الموضوعي يتحول الأردن لاهم “غرفة عمليات” في الإقليم، في وقت يحتاج فيه الأوروبيون والامريكان لموقع مشابه ببنية تحتية صلبة وبيئة سياسية ديمقراطية ومستقرة، وهو ما يبدو ان ملك الأردن يدركه جيدا وهو يطلق مبادراته خلال الأسابيع الماضية ويطالب بتفعيل المحافظات ودراسة أولوياتها، في محاولة لمنح المشاريع القادمة الصبغة المحلية والنابعة من اسفل الهرم ومن حاجة الأردنيين.
اما التحدي الحقيقي اليوم فهو في واقع الامر الى أي مدى يمكن للسياسة الأردنية الداخلية والمسؤولين الأردنيين ان ينجحوا “شكل” هذا التعاون الذي يبدو ان حلفاء شمال الأطلسي يريدونه اليوم “طوعا وكرها”.
الراي اليوم
الناتو يخلع بزته العسكرية على حدود الأردن ويشمّر عن خبراته الخدمية والبحثية
بناء القوة الأوروبية بعمان بدلا عن أنقرة على قدمٍ وساق
لجان الحلف في عمّان يسألون عن “الماء وحقوق النساء”
اجتماعات سياسية وخدمية مكثّفة تمهيداً لـ”خطّة مارشال”..
عمان جو – فرح مرقه
النصائح التي قدمها الملك عبد الله الثاني لواشنطن وحلف شمال الأطلسي كانت في نقاشه على هامش تسلمه جائزة الملك الباحث من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إذ قال ” من وجهة نظر تاريخية ومن خلفية عسكرية، أنه إذا لم يتم حل المشكلة، عليك العودة لحلها لاحقا بشكل مكلف أكثر للجميع”.
تحدث الملك بذلك في رد عن رأيه بالانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، ليشرح لاحقا ان محاربة الإرهاب لا تنتهي بالعمل العسكري، ومشددا بعبارات شديدة العاطفية على الامل والخدمات والحياة التي يحتاجها الأردن ودول المنطقة وذكر منها بصورة مثيرة للانتباه “الأردن واليمن وايران”.
برأيه المذكور مهّد الملك جيّداً الأرضية للقاء حصل بعد أقل من 24 ساعة من عودته إلى عمان استضاف به رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الفريق أول مارك ميلي، تزامنا مع استضافة رئيس وزرائه الدكتور عمر الرزاز، قائد القيادة التحويلية في حلف الناتو الفريق أول أندريه لاناتا والوفد المرافق.
بكل الأحوال الزيارتان سبقتهما جولات ” مدنية سياسية وخدماتية وحقوقية” متواصلة طوال الأسبوع الماضي لبعثات حلف شمال الأطلسي في الأردن، إذ استقبل الرزاز مطلع الأسبوع الماضي (الاثنين 18 نوفمبر/ تشرين ثاني) وفدا برلمانيا يمثل لجنة الدفاع والأمن حول أمن المستقبل وقدرات الدفاع، التابعة لجمعية حلف شمال الاطلسي “الناتو”.
اللقاء المذكور حاز الكثير من التساؤلات بعدما حضره وبصورة نادرة وزير الشؤون السياسية والبرلمانية المهندس موسى المعايطة، واعلن ان اللقاء بحث مجالات التعاون في إطار برنامج الشراكة القائمة بين الاردن والحلف، ولاسيما مجالات التعاون البرلماني وتبادل الخبرات.
بهذا المعنى قرر الناتو التمدّن الأسبوع الماضي مع الأردن ودخول التفاصيل السياسية في اللقاء المذكور ليلي ذلك قدرات جديدة اظهرها الحلف “الميت دماغيا” وفق تعبير اثار الجدل اطلقه عليه الرئيس ايمانويل ماكرون قبل نحو أسبوعين.
لجان الناتو لم تكتفِ باللقاء السياسي، فلاحقاً، وفي اليوم التالي ورد خبر آخر، عن زيارة حقوقية لا تخلو ابدا من السياسة لوفد اللجنة الفرعية حول أمن المستقبل، المنبثقة عن لجنة الدفاع والأمن التابعة للجمعية البرلمانية لحلف “الناتو”، لوزارة ما كانت يوماً ضمن اهتمامات الحلف العسكري هي وزارة التنمية الاجتماعية، التقى فيها الوفد المذكور بوزيرة التنمية الاجتماعية بسمة اسحاقات لتتلو عليهم (كما فعل الرزاز والمعايطة وفق الخبر الرسمي بطبيعة الحال) عبء الأزمة السورية واللاجئين السوريين والفلسطينيين، ثم تطرقوا لحقوق المرأة والطفل أيضا.
بهذا المعنى يبدو ان الحلف وبصورة مكثفة مصرٌّ على بحث مكثّف لاحتياجات الأردن وازماته، وهو ما اضيف عليه ايضاً ان وباليوم التالي ذاته، زار ما وصفه الاعلام المحلي بالوفد البرلماني رفيع المستوى من حلف الناتو والذي يمثل اعضاء المجموعة الخاصة للبحر الابيض المتوسط والشرق الأوسط وزارة الري وعقد اجتماعا مع الوزير المهندس رائد ابو السعود وأمين عام الوزارة وأمين عام سلطة وادي الاردن والمستشارة القانونية والمساعد لشؤون الاعلام والاتصال وعدد من مسؤولي قطاع المياه.
في الاجتماع المذكور حصل الموجودون على بيانات مهمة تعرض حقيقة ان الأردن ضمن افقر الدول عالميا بالمياه، وهنا بالضرورة لا يخلو الاجتماع من السياسة فناقل البحرين المتعطل مع إسرائيل على الأقل كان حاضرا، وسأل عنه الوفد بالاسم وعن الإجراءات المرافقة له، كما سأل عمان عن خططها البديلة اذا لم ينفذ.
كل اللقاءات المذكورة قبل لقاءي يوم الاحد الأخيرين مع الملك من جهة والرزاز من جهة ثانية، كانت تعني ان الناتو يخلع بزته العسكرية على حدود عمان (كما يفعل مليك عمان من اشهر) ويشمّر عن خبراته المعرفية والبحثية وعلى الاغلب سيشتبك مع التفاصيل بعدما استمعت “رأي اليوم” مباشرة لمدى خشية السياسيين الغربيين على الأردن من اللحاق بركب دول المنطقة التي تشتعل في العراق ولبنان وقبلها السودان والجزائر، خصوصا وهو لديه بيانات دقيقة تشير الى ان الاقتصاد الأردني في خطر حقيقي قد يجعله يلحق عمليا بدول الإقليم ان لم يتدخل.
القرار الذي استمعت اليه “رأي اليوم” وتحديدا من الجانب الأوروبي وبقيادة المانية، يتحدث عن اشتباك مع التفاصيل وعدم الخوض ببنود المنح والهبات ولا حتى القروض دون التأكد من ان ذلك سيصرف بصورة تنعكس تماما على الشارع والمواطنين وتحديدا على الطبقات الفقيرة.
هدف الناتو هنا كبير، حيث تعويض الشطط الأمريكي والتقزّم في العلاقات مع إسرائيل و”المغامرات” الخليجية، وحماية الدولة “المحور” أو الـ Hub كما يطلق على الأردن في التقييمات العميقة الأوروبية، التي ترى بعمان دون سواها مركزا لها في الشرق الأوسط، من الانهيار. هنا التقييم يتحدث عن ضرورة انقاذ عمان من أي انهيار محتمل باعتبار السيناريو المذكور “طريق بلا رجعة” وقد يحول الشرق الأوسط لثقب اسود فعلاً.
في الجانب المدني وبهذا المعنى يقرر الناتو ان يفعّل دماغه مع عمان بينما ولأسباب تفككه يتقاسمها عسكريا بين أوروبا وامريكا، إذ ويحضر رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي للقصر الملكي، بعدما كان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني الجنرال يوسف الحنيطي قد شارك في اجتماعات اللجنة العسكرية للاتحاد الاوروبي لرؤساء دفاع دول الاتحاد، وفق ما اعلنه السفير الأردني في بلجيكيا يوسف البطاينة، الخميس الماضي (21 نوفمبر/ تشرين ثاني) أي تزامنا مع جولات الناتو في عمان.
البطاينة وهو دبلوماسي رفيع أكد أيضا في تغريدة له عبر التويتر، أن الأردن الدولة العربية الوحيدة التي دعيت للمشاركة في تلك الاجتماعات، وهو ما يؤكد إضافة الى كون الاتحاد الأوروبي مهتم بعمان، واضافة لكونه يفعّل دورها دوناً عن سواها أمرا إضافيا بغاية الخطورة والاهمية وهو ان الناتو بحد ذاته يتفكك عسكريا تماما.
طبعا، لن يحصل التفكك بالشق العسكري قبل امرين هامّين- وهنا رغبة أوروبية قوية وعلى عمان ادراكها جيدا-، أولا ان يتم تحويله لمنشأة بحثية ومظلة للعمل المدني وعلى قاعدة البناء بدلا من الهدم، وهو ما تحاجج به المانيا أصلا امام الرغبة الامريكية الجامحة لزيادة نفقات الدفاع والتي تقلق أوروبا نفسها على نفسِها، ولأسباب تاريخية معروفة، حيث خشية كبيرة من تكرار سيناريوهات الحروب العالمية وانتشار السلاح والمافياوية.
في هذه الصيغة سيتحول الحلف وفق النظرة الأوروبية الحالية الى حلف يقوم على تنفيذ مشاريع اشبه بخطة مارشال التي اعادت بناء أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، في الدول المدمرة، وهنا يمكن إعادة انعاش المشروع الألماني الذي قتل بيد البيروقراطية الأردنية ومنذ سنوات ليكون الأردن أولى الدول التي تسري عليها معادلة إعادة بناء الدولة، تنظيميا ومؤسساتيا وتشريعيا. إذا ما حصل ذلك اليوم ومع “الناتو الجديد” تتحول عمان لتجربة أولية او “Pilot” لما يمكن للحلف ان يقوم به.
الأمر الثاني الذي ينبغي ان يحصل، ليفكك الحلف عسكريّته، التخلص من الشريكين الأكثر جلبا للمتاعب وهما واشنطن وأنقرة، والأخيرة بالدرجة الأولى. وهذا ليحصل يحتاج الحلف لمركز استراتيجي جديد تتحول اليه غرف العمليات الاستخبارية، هنا أيضا عمان الأقرب والأخطر والاهم، وهذا خيار أيضا دفعت لبداياته المانيا حين حولت جنودها من قاعدة انجرليك التركية الى الأزرق الأردنية قبل اكثر من عامين (في أكتوبر 2017 نقلت اخر جنودها من انجرليك).
الشراكة مع تركيا باتت عمليا مرهقة لكل الأطراف في الحلف، بما في ذلك واشنطن التي وجدت نفسها في ازمة عنوانها الاكراد في سوريا تحاول تعويضها في العراق. وبقدر اكبر من الإرهاق مع تركيا هناك ايمان لدى واشنطن مع الاتحاد الأوروبي بأهمية عمان.
في ملف انقرة، تبتعد عمان سنوات ضوئية عما كانت عليه قبل اشهر حيث ملك الأردن يزور الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بمشهد حميم وعائلي، اما اليوم فالرجلان لا يكادان يتحادثان هاتفيا ومن قبل العملية التركية في شمال شرق سوريا.
ومن هنا تستقبل الولايات المتحدة ودون تعقيب “داعشياً أمريكياً من أصول أردنية” الأسبوع الماضي، وفق الانباء الواردة من أنقرة، والتي بدورها اجتهدت ولا تزال في ترحيل الدواعش ممن باتوا تحت سيطرتها بحكم عمليتها في شمال شرق سوريا “نبع السلام” ضد الاكراد؛ كما يزور الجنرال القائد ملك الأردن بعد ساعات من عودة الأخير من نيويورك. في هذه التفاصيل يبدو المشهد اقرب لكون واشنطن عادت لتضبط إيقاع السياسة الخارجية الأردنية وتتعامل مباشرة مع انقرة فيها.
بكل الأحوال، وبحكم الواقع الموضوعي يتحول الأردن لاهم “غرفة عمليات” في الإقليم، في وقت يحتاج فيه الأوروبيون والامريكان لموقع مشابه ببنية تحتية صلبة وبيئة سياسية ديمقراطية ومستقرة، وهو ما يبدو ان ملك الأردن يدركه جيدا وهو يطلق مبادراته خلال الأسابيع الماضية ويطالب بتفعيل المحافظات ودراسة أولوياتها، في محاولة لمنح المشاريع القادمة الصبغة المحلية والنابعة من اسفل الهرم ومن حاجة الأردنيين.
اما التحدي الحقيقي اليوم فهو في واقع الامر الى أي مدى يمكن للسياسة الأردنية الداخلية والمسؤولين الأردنيين ان ينجحوا “شكل” هذا التعاون الذي يبدو ان حلفاء شمال الأطلسي يريدونه اليوم “طوعا وكرها”.
الراي اليوم
التعليقات