عمان جو -
أنا شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، أعيش في أوروبا. تزوجت بعد قصة حب رائعة فتاة في السابعة والعشرين. عرفت معها، أن السعادة ليست حلما بعيد المنال... لكننا لم نكن نعلم أن القدر قد خبأ لنا ما لم يكن في الحسبان... بينما كنا ننتظر مولودنا الأول، حينما أصيبت زوجتي بوعكة صحية شديدة، وإكتشفنا من خلال الفحوصات أنها مصابة بفيروس نادر يسبب شلل. كنت أستأذن من عملي ظهرا لكي أطعمها، ثم أعود لإستئناف عملي...كنت أقوم بتنظيف المنزل، وأرعاها بكل حب وسعادة... حتى تدهورت حالتها وتوفاها الله بعد الولادة بشهور قليلة. تمنيت أن أقوم برعايتها ورعاية صغيري العمر كله، لكنها إرادة الله... لقد رحلت حبيبتي، وأخذت معها السعادة وبهجة الحياة. كانت وصيتها الأخيرة أن تدفن في تراب الوطن. أخذت صغيري وعدت محطما، محتاج لدفء بلدي وحنان الأهل والأصدقاء. كانت مشكلتي الحقيقية، ماذا أفعل بطفلي الرضيع بعد أنتهاء أجازتي؟ أمي توفاها الله من سنوات طويلة... إقترحت أختي الكبرى أن تقوم بتربية 'يوسف' مع أولادها، لكني لو تحملت بعده عني، سأعود بعد عام في أجازتي السنوية.. لن يتعرف عليً بكل تأكيد.. وبرغم حنان أختي، كيف يعيش إبني وكأنه يتيم الأبوين؟ هل يمكن أن أحرمه من حناني بعد أن حرمه القدر من حنان أمه؟ وما البديل؟ مستحيل أن ارعاه رعاية كاملة دون أن أترك عملي، وإن تركت عملي كيف نعيش وندفع إيجار المنزل ومتطلبات الحياة؟
إقترح عليً بعض الأصدقاء أن أتزوج.. وبرغم إنعدام الرغبة في دخول إمرأة أخرى في حياتي، إلا انني فكرت في مصلحة 'يوسف'. من المحال أن أتزوج أجنبية، مشاعرهن باردة، وتفكيرهن عملي برجماتي، يتصرفن وفقا لحسابات المصلحة فقط. لذلك فعلي أن ابحث عن زوجة مناسبة، توافق على السفر معي وتحمل مسؤولية 'يوسف' خلال شهر واحد فقط، قبل نهاية أجازتي. ثم إقترح عليً إخي الزواج من أخت زوجته، صيدلانية شابة، مطلقة ولم تنجب، من اسرة طيبة، حنونة وعاقلة. تقابلنا في بيت أخي، كانت متواضعة الجمال بالنسبة لحبيبتي الراحلة، لكنها هادئة الملامح والطباع، متدينة، وعاقلة بشهادة الجميع. أنا في حيرة من أمري، ففكرت في إرسال مشكلتي لهمسات القلوب التي كانت تتابعها زوجتي بشغف ، راجيا أن تساعديني في اتخاذ قرار..
الرد...
سيدي... تعازينا لشخصكم الموقر... وأشكركم لثقتكم بهمسات القلوب. تأثرت كثيرا بعد قراءة مشكلتك التي أعادت لنا الأمل في وجود الحب الحقيقي هذه الأيام. الحب بمعناة الحقيقي، العطاء بمعناه المطلق، الغير مشروط.. تأثرت من رعايتك لزوجتك أثناء مرضها، ووفائك لذكراها بعد وفاتها.. أقدر الأزمة التي تمر بها، وأقدر ألمك ومعاناتك. كما أتفق معك في رفضك لفكرة بقاء يوسف بعيدا عنك، في بلدك، يفصله عنك الآف الأميال. لكن علينا أن نفكر بهدوء في مشروع إرتباطك الذي يعتبر حلا - في نظرك- لمشكلتك. هل أنت فعلا مستعد في هذه المرحلة التي تلملم فيها نفسك، وتداوي جراحك، التي أكاد أشعر بها تنزف، أن تبدأ فيها حياة زوجية جديدة؟ أن تفكر في مشروعا بديلا؟
سيدي...الزواج رباط مقدس، أشار اليه القرآن بأنه 'ميثاقا غليظا'. والزوجة ليست 'مربية' تستقدمها لرعاية إبنك، بل إنسانة لها حقوق، أهمها أن تشعر برغبتك فيها وإقبالك عليها. أخي الفاضل، إن البيوت لا تبنى على الحب فقط، بل على المودة والرحمة التي تتكون بين الزوجين مع الأيام التي يتقاسمان فيها اللقمة والبسمة، ويتشاركان المشورة، ويتجاوزان معا كل العقبات والمصاعب. هي شراكة نفسية وعاطفية قبل أن تكون علاقة حسية جسدية. فهل أنت مؤهل ومستعد لكل هذا الآن؟
هل يكفي شهر واحد ليتعرف كل منكما على الآخر؟ أكاد أجزم أنك لا تعرف عن زوجتك القادمة التي ستشاركك ما تبقى من حياتك أكثر من إسمها. ماذا تعرف عن اهتماماتها وميولها؟ ماذا تعرف عن حياتها الماضية ومسارها؟ هل خرجت هي الأخرى من تجربتها بجراح تحتاج من يداويها؟ هل تنتظر منك أن تعوضها عن كل ما مرت به في تجربتها الأولى؟ هل رأت فيك فارسها الذي سيخطفها على حصانه الأبيض ويرحل بها بعيدا عن ذكريات تؤلمها وتهرب منها؟ فهل أنت مستعد لذلك؟
سيدي الفاضل...الزواج تجربة تحتاج كثير من الصدق والمكاشفة والشفافية حتى يبارك الله لك في حياتك وفي إبنك وفي ذريتك القادمة. أعتقد أنه من الضروري أن تشرح لها بوضوح مشكلتك، ومعاناتك الشهور الماضية مع مرض زوجتك الأولى رحمها الله- ثم صدمة وفاتها. قإذا كانت مستعدة لإحتوائك حتى تستعيد توازنك، فتوكل على الله. لكن عليك أن توضح لها أنك تحتاج فترة تلملم فيها أشلاء نفسك.. ولا تجعلها تكتشف في الغربة أنها مجرد شئ في البيت، ليس سوى دورا واحدا، وهو رعاية يوسف.. الأطفال لهم احتياجات نفسية وعاطفية تتعدى الطعام والشراب، يحتاجون كثيرا من الحب ليكبروا ويصبحوا أسوياء، وفاقد الشيئ لا يعطيه...لذلك ينبغي أن تكون هي سعيدة ومتوازنة لتمنحه ما يحتاجه من مشاعر وعواطف. الأطفال أذكياء أكثر مما نتخيل، ويتأثرون بأي توترات خفية في البيت.
أخيرا أهمس في أذنك: إذا قدر لك الزواج، فلا تعقد المقارنات بين زوجتك الأولى والثانية، لأن هذا وحده كفيلا بأن يدمرك ويدمر أي علاقة زوجية. ربما تكون زوجتك الثانية أقل جمالا كما ذكرت في رسالتك، لكن قد يكون لها شخصية رائعة، يألفها كل من يعرفها، وقد تكون لها جاذبيتها الخاصة، التي لن تشعر بها إن بقى ظل زوجتك الأولى حاجزا يفصل بينكما ويمنعها من الوصول لقلبك...
وأخيرا، أتمنى لك كل الخير، وكل التوفيق في حياتك القادمة.. وأسال الله أن يسدد خطاك ويعوضك خيرا بكرمه وفضله ورحمته...
عمان جو -
أنا شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، أعيش في أوروبا. تزوجت بعد قصة حب رائعة فتاة في السابعة والعشرين. عرفت معها، أن السعادة ليست حلما بعيد المنال... لكننا لم نكن نعلم أن القدر قد خبأ لنا ما لم يكن في الحسبان... بينما كنا ننتظر مولودنا الأول، حينما أصيبت زوجتي بوعكة صحية شديدة، وإكتشفنا من خلال الفحوصات أنها مصابة بفيروس نادر يسبب شلل. كنت أستأذن من عملي ظهرا لكي أطعمها، ثم أعود لإستئناف عملي...كنت أقوم بتنظيف المنزل، وأرعاها بكل حب وسعادة... حتى تدهورت حالتها وتوفاها الله بعد الولادة بشهور قليلة. تمنيت أن أقوم برعايتها ورعاية صغيري العمر كله، لكنها إرادة الله... لقد رحلت حبيبتي، وأخذت معها السعادة وبهجة الحياة. كانت وصيتها الأخيرة أن تدفن في تراب الوطن. أخذت صغيري وعدت محطما، محتاج لدفء بلدي وحنان الأهل والأصدقاء. كانت مشكلتي الحقيقية، ماذا أفعل بطفلي الرضيع بعد أنتهاء أجازتي؟ أمي توفاها الله من سنوات طويلة... إقترحت أختي الكبرى أن تقوم بتربية 'يوسف' مع أولادها، لكني لو تحملت بعده عني، سأعود بعد عام في أجازتي السنوية.. لن يتعرف عليً بكل تأكيد.. وبرغم حنان أختي، كيف يعيش إبني وكأنه يتيم الأبوين؟ هل يمكن أن أحرمه من حناني بعد أن حرمه القدر من حنان أمه؟ وما البديل؟ مستحيل أن ارعاه رعاية كاملة دون أن أترك عملي، وإن تركت عملي كيف نعيش وندفع إيجار المنزل ومتطلبات الحياة؟
إقترح عليً بعض الأصدقاء أن أتزوج.. وبرغم إنعدام الرغبة في دخول إمرأة أخرى في حياتي، إلا انني فكرت في مصلحة 'يوسف'. من المحال أن أتزوج أجنبية، مشاعرهن باردة، وتفكيرهن عملي برجماتي، يتصرفن وفقا لحسابات المصلحة فقط. لذلك فعلي أن ابحث عن زوجة مناسبة، توافق على السفر معي وتحمل مسؤولية 'يوسف' خلال شهر واحد فقط، قبل نهاية أجازتي. ثم إقترح عليً إخي الزواج من أخت زوجته، صيدلانية شابة، مطلقة ولم تنجب، من اسرة طيبة، حنونة وعاقلة. تقابلنا في بيت أخي، كانت متواضعة الجمال بالنسبة لحبيبتي الراحلة، لكنها هادئة الملامح والطباع، متدينة، وعاقلة بشهادة الجميع. أنا في حيرة من أمري، ففكرت في إرسال مشكلتي لهمسات القلوب التي كانت تتابعها زوجتي بشغف ، راجيا أن تساعديني في اتخاذ قرار..
الرد...
سيدي... تعازينا لشخصكم الموقر... وأشكركم لثقتكم بهمسات القلوب. تأثرت كثيرا بعد قراءة مشكلتك التي أعادت لنا الأمل في وجود الحب الحقيقي هذه الأيام. الحب بمعناة الحقيقي، العطاء بمعناه المطلق، الغير مشروط.. تأثرت من رعايتك لزوجتك أثناء مرضها، ووفائك لذكراها بعد وفاتها.. أقدر الأزمة التي تمر بها، وأقدر ألمك ومعاناتك. كما أتفق معك في رفضك لفكرة بقاء يوسف بعيدا عنك، في بلدك، يفصله عنك الآف الأميال. لكن علينا أن نفكر بهدوء في مشروع إرتباطك الذي يعتبر حلا - في نظرك- لمشكلتك. هل أنت فعلا مستعد في هذه المرحلة التي تلملم فيها نفسك، وتداوي جراحك، التي أكاد أشعر بها تنزف، أن تبدأ فيها حياة زوجية جديدة؟ أن تفكر في مشروعا بديلا؟
سيدي...الزواج رباط مقدس، أشار اليه القرآن بأنه 'ميثاقا غليظا'. والزوجة ليست 'مربية' تستقدمها لرعاية إبنك، بل إنسانة لها حقوق، أهمها أن تشعر برغبتك فيها وإقبالك عليها. أخي الفاضل، إن البيوت لا تبنى على الحب فقط، بل على المودة والرحمة التي تتكون بين الزوجين مع الأيام التي يتقاسمان فيها اللقمة والبسمة، ويتشاركان المشورة، ويتجاوزان معا كل العقبات والمصاعب. هي شراكة نفسية وعاطفية قبل أن تكون علاقة حسية جسدية. فهل أنت مؤهل ومستعد لكل هذا الآن؟
هل يكفي شهر واحد ليتعرف كل منكما على الآخر؟ أكاد أجزم أنك لا تعرف عن زوجتك القادمة التي ستشاركك ما تبقى من حياتك أكثر من إسمها. ماذا تعرف عن اهتماماتها وميولها؟ ماذا تعرف عن حياتها الماضية ومسارها؟ هل خرجت هي الأخرى من تجربتها بجراح تحتاج من يداويها؟ هل تنتظر منك أن تعوضها عن كل ما مرت به في تجربتها الأولى؟ هل رأت فيك فارسها الذي سيخطفها على حصانه الأبيض ويرحل بها بعيدا عن ذكريات تؤلمها وتهرب منها؟ فهل أنت مستعد لذلك؟
سيدي الفاضل...الزواج تجربة تحتاج كثير من الصدق والمكاشفة والشفافية حتى يبارك الله لك في حياتك وفي إبنك وفي ذريتك القادمة. أعتقد أنه من الضروري أن تشرح لها بوضوح مشكلتك، ومعاناتك الشهور الماضية مع مرض زوجتك الأولى رحمها الله- ثم صدمة وفاتها. قإذا كانت مستعدة لإحتوائك حتى تستعيد توازنك، فتوكل على الله. لكن عليك أن توضح لها أنك تحتاج فترة تلملم فيها أشلاء نفسك.. ولا تجعلها تكتشف في الغربة أنها مجرد شئ في البيت، ليس سوى دورا واحدا، وهو رعاية يوسف.. الأطفال لهم احتياجات نفسية وعاطفية تتعدى الطعام والشراب، يحتاجون كثيرا من الحب ليكبروا ويصبحوا أسوياء، وفاقد الشيئ لا يعطيه...لذلك ينبغي أن تكون هي سعيدة ومتوازنة لتمنحه ما يحتاجه من مشاعر وعواطف. الأطفال أذكياء أكثر مما نتخيل، ويتأثرون بأي توترات خفية في البيت.
أخيرا أهمس في أذنك: إذا قدر لك الزواج، فلا تعقد المقارنات بين زوجتك الأولى والثانية، لأن هذا وحده كفيلا بأن يدمرك ويدمر أي علاقة زوجية. ربما تكون زوجتك الثانية أقل جمالا كما ذكرت في رسالتك، لكن قد يكون لها شخصية رائعة، يألفها كل من يعرفها، وقد تكون لها جاذبيتها الخاصة، التي لن تشعر بها إن بقى ظل زوجتك الأولى حاجزا يفصل بينكما ويمنعها من الوصول لقلبك...
وأخيرا، أتمنى لك كل الخير، وكل التوفيق في حياتك القادمة.. وأسال الله أن يسدد خطاك ويعوضك خيرا بكرمه وفضله ورحمته...
عمان جو -
أنا شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، أعيش في أوروبا. تزوجت بعد قصة حب رائعة فتاة في السابعة والعشرين. عرفت معها، أن السعادة ليست حلما بعيد المنال... لكننا لم نكن نعلم أن القدر قد خبأ لنا ما لم يكن في الحسبان... بينما كنا ننتظر مولودنا الأول، حينما أصيبت زوجتي بوعكة صحية شديدة، وإكتشفنا من خلال الفحوصات أنها مصابة بفيروس نادر يسبب شلل. كنت أستأذن من عملي ظهرا لكي أطعمها، ثم أعود لإستئناف عملي...كنت أقوم بتنظيف المنزل، وأرعاها بكل حب وسعادة... حتى تدهورت حالتها وتوفاها الله بعد الولادة بشهور قليلة. تمنيت أن أقوم برعايتها ورعاية صغيري العمر كله، لكنها إرادة الله... لقد رحلت حبيبتي، وأخذت معها السعادة وبهجة الحياة. كانت وصيتها الأخيرة أن تدفن في تراب الوطن. أخذت صغيري وعدت محطما، محتاج لدفء بلدي وحنان الأهل والأصدقاء. كانت مشكلتي الحقيقية، ماذا أفعل بطفلي الرضيع بعد أنتهاء أجازتي؟ أمي توفاها الله من سنوات طويلة... إقترحت أختي الكبرى أن تقوم بتربية 'يوسف' مع أولادها، لكني لو تحملت بعده عني، سأعود بعد عام في أجازتي السنوية.. لن يتعرف عليً بكل تأكيد.. وبرغم حنان أختي، كيف يعيش إبني وكأنه يتيم الأبوين؟ هل يمكن أن أحرمه من حناني بعد أن حرمه القدر من حنان أمه؟ وما البديل؟ مستحيل أن ارعاه رعاية كاملة دون أن أترك عملي، وإن تركت عملي كيف نعيش وندفع إيجار المنزل ومتطلبات الحياة؟
إقترح عليً بعض الأصدقاء أن أتزوج.. وبرغم إنعدام الرغبة في دخول إمرأة أخرى في حياتي، إلا انني فكرت في مصلحة 'يوسف'. من المحال أن أتزوج أجنبية، مشاعرهن باردة، وتفكيرهن عملي برجماتي، يتصرفن وفقا لحسابات المصلحة فقط. لذلك فعلي أن ابحث عن زوجة مناسبة، توافق على السفر معي وتحمل مسؤولية 'يوسف' خلال شهر واحد فقط، قبل نهاية أجازتي. ثم إقترح عليً إخي الزواج من أخت زوجته، صيدلانية شابة، مطلقة ولم تنجب، من اسرة طيبة، حنونة وعاقلة. تقابلنا في بيت أخي، كانت متواضعة الجمال بالنسبة لحبيبتي الراحلة، لكنها هادئة الملامح والطباع، متدينة، وعاقلة بشهادة الجميع. أنا في حيرة من أمري، ففكرت في إرسال مشكلتي لهمسات القلوب التي كانت تتابعها زوجتي بشغف ، راجيا أن تساعديني في اتخاذ قرار..
الرد...
سيدي... تعازينا لشخصكم الموقر... وأشكركم لثقتكم بهمسات القلوب. تأثرت كثيرا بعد قراءة مشكلتك التي أعادت لنا الأمل في وجود الحب الحقيقي هذه الأيام. الحب بمعناة الحقيقي، العطاء بمعناه المطلق، الغير مشروط.. تأثرت من رعايتك لزوجتك أثناء مرضها، ووفائك لذكراها بعد وفاتها.. أقدر الأزمة التي تمر بها، وأقدر ألمك ومعاناتك. كما أتفق معك في رفضك لفكرة بقاء يوسف بعيدا عنك، في بلدك، يفصله عنك الآف الأميال. لكن علينا أن نفكر بهدوء في مشروع إرتباطك الذي يعتبر حلا - في نظرك- لمشكلتك. هل أنت فعلا مستعد في هذه المرحلة التي تلملم فيها نفسك، وتداوي جراحك، التي أكاد أشعر بها تنزف، أن تبدأ فيها حياة زوجية جديدة؟ أن تفكر في مشروعا بديلا؟
سيدي...الزواج رباط مقدس، أشار اليه القرآن بأنه 'ميثاقا غليظا'. والزوجة ليست 'مربية' تستقدمها لرعاية إبنك، بل إنسانة لها حقوق، أهمها أن تشعر برغبتك فيها وإقبالك عليها. أخي الفاضل، إن البيوت لا تبنى على الحب فقط، بل على المودة والرحمة التي تتكون بين الزوجين مع الأيام التي يتقاسمان فيها اللقمة والبسمة، ويتشاركان المشورة، ويتجاوزان معا كل العقبات والمصاعب. هي شراكة نفسية وعاطفية قبل أن تكون علاقة حسية جسدية. فهل أنت مؤهل ومستعد لكل هذا الآن؟
هل يكفي شهر واحد ليتعرف كل منكما على الآخر؟ أكاد أجزم أنك لا تعرف عن زوجتك القادمة التي ستشاركك ما تبقى من حياتك أكثر من إسمها. ماذا تعرف عن اهتماماتها وميولها؟ ماذا تعرف عن حياتها الماضية ومسارها؟ هل خرجت هي الأخرى من تجربتها بجراح تحتاج من يداويها؟ هل تنتظر منك أن تعوضها عن كل ما مرت به في تجربتها الأولى؟ هل رأت فيك فارسها الذي سيخطفها على حصانه الأبيض ويرحل بها بعيدا عن ذكريات تؤلمها وتهرب منها؟ فهل أنت مستعد لذلك؟
سيدي الفاضل...الزواج تجربة تحتاج كثير من الصدق والمكاشفة والشفافية حتى يبارك الله لك في حياتك وفي إبنك وفي ذريتك القادمة. أعتقد أنه من الضروري أن تشرح لها بوضوح مشكلتك، ومعاناتك الشهور الماضية مع مرض زوجتك الأولى رحمها الله- ثم صدمة وفاتها. قإذا كانت مستعدة لإحتوائك حتى تستعيد توازنك، فتوكل على الله. لكن عليك أن توضح لها أنك تحتاج فترة تلملم فيها أشلاء نفسك.. ولا تجعلها تكتشف في الغربة أنها مجرد شئ في البيت، ليس سوى دورا واحدا، وهو رعاية يوسف.. الأطفال لهم احتياجات نفسية وعاطفية تتعدى الطعام والشراب، يحتاجون كثيرا من الحب ليكبروا ويصبحوا أسوياء، وفاقد الشيئ لا يعطيه...لذلك ينبغي أن تكون هي سعيدة ومتوازنة لتمنحه ما يحتاجه من مشاعر وعواطف. الأطفال أذكياء أكثر مما نتخيل، ويتأثرون بأي توترات خفية في البيت.
أخيرا أهمس في أذنك: إذا قدر لك الزواج، فلا تعقد المقارنات بين زوجتك الأولى والثانية، لأن هذا وحده كفيلا بأن يدمرك ويدمر أي علاقة زوجية. ربما تكون زوجتك الثانية أقل جمالا كما ذكرت في رسالتك، لكن قد يكون لها شخصية رائعة، يألفها كل من يعرفها، وقد تكون لها جاذبيتها الخاصة، التي لن تشعر بها إن بقى ظل زوجتك الأولى حاجزا يفصل بينكما ويمنعها من الوصول لقلبك...
وأخيرا، أتمنى لك كل الخير، وكل التوفيق في حياتك القادمة.. وأسال الله أن يسدد خطاك ويعوضك خيرا بكرمه وفضله ورحمته...
التعليقات