بَدَت نقابة الصحفيين، على مدى عقد أو أكثر، مؤسسة عقيمة، عاجزة عن استيعاب المتغيرات، وفاقدة لروح المبادرة والتجديد، فيما غلب على أدائها التقليد والاتباع، واجترار فقه السلف في تسكين تعقيدات الحاضر وتحدياته، ووقفت دون تقديم ما يجيب عن أسئلة وسيناريوهات المستقبل المهني.
النهج والممارسة أفقدا النقابة مكانتها، ليس فقط بين منتسبيها، بل على نطاق أوسع، وبدلاً من قيادتها للمشهد الصحفي والإعلامي، باتت في ذيله، ورغم ذلك لم تَنشَأ بيننا - في الهيئة العامة - علاقة نقدية، تعيد النظر في الذات النقابية، وتؤسس لطرائق جديدة في الرؤية والتقييم والتفكير والتقدير والتدبير.
لبناء العلاقة النقدية مع الذات النقابية، متطلبان أساسيان، الأول: دراسة البنية المعرفية للفاعل النقابي (الضوابط والمرتكزات)، ويمكن استخلاصها من سلوك المجالس المتعاقبة، باعتبارها محاكمة للفعل وليست للنوايا، وهي مجال عناية هذا المقال، والثاني: مناقشة المعالجات العملية عبر أمثلة منتقاة، وسيخصص لها مقال أو أكثر لاحقاً.
عموماً، اتسمت البنية المعرفية للفاعل النقابي بـ:
أولاً: فقر منظومة القيم الضابطة، أو حضورها مجتزأة، وبروز التكتيكات المتغيرة والمتعارضة، المستندة إلى مقاربات مصلحية خاصة، لا تُعبّر عن مصالح الهيئة العامة مجتمعة، ولا تخضع لمعايير محددة ومُعلنة، وتتجلى في ازدواجية فجّة.
ثانياً: غياب البيانات الدقيقة لمنتسبي النقابة، والمقصود هنا ليس أرقام الهواتف والعناوين، بل البيانات المتعلقة بماهيتهم وأدق تفاصيلهم، التي يجب الإحاطة بها قبل وضع الخطط واتخاذ القرارات، وهو ما من شأنه أن يشكل فارقاً نوعياً في دور النقابة حيال الصحافيين والصحافيات.
ثالثاً: محدودية أثر المعالجات النقابية للتحديات المهنية، والتعامل معها بالفهم العام لظاهر العَرَض، دون الغوص في أسبابه الجوهرية والحقيقية، وبالتالي اجتراح حلول قاصرة وعاجزة وغير ذات أثر، ما يسهم في مفاقمتها وتعريض منتسبي النقابة لمزيد من الضغوط.
رابعاً: تراجع روح القيادة والمسؤولية والمبادرة والاستقلالية، بما يتضمنه من انحسار للسلطة الأخلاقية، وغياب لأدوار الفعل (توقع التحدي والتحسب له وتبني مقاربات وقائية) في مقابل نمو أدوار رد الفعل (الشعبوي والانتهازي)، ودون مراعاة الأثر السلبي على الهيئة العامة مجتمعة، مضافاً إلى ذلك تعقيدات علاقة المؤسسة النقابية بالسلطات الرسمية.
خامساً: جمود الفاعل النقابي عند الأفكار التقليدية، المستمدة من نهج السلف، الذين نُجلّ ونُقدّر، وارتهانه إليها لدى مجابهة التحديات، مُجتراً مضمونها وجوهرها، ومُعتقداً بنجاعتها في معالجة مشكلات الحاضر المهني، فضلاً عن الخشية من مجرد محاولة التفكير خارج الصندوق.
سادساً: تهميش الهيئة العامة خلال سنوات انعقاد المجلس الثلاثة، نتيجة الاطمئنان لعدم قدرتها على سحب الثقة وتهديد استمراره، وانتهاج مقاربات كيدية، عقاباً على انتقاداتها لقراراته، وفي أحيان كثيرة التمادي والتطاول على الصحافيين والصحافيات ممن يسجلون ملاحظاتهم على الأداء النقابي.
ما سبق، ليس جلداً للذات النقابية، ففيها خِيرة الخيرة، ولا إنكاراً لحجم التحديات، فهي مركبة ومعقدة إلى حد بعيد، وأيضاً ليس انتقاصاً مما تحقق، لكن المؤكد أن بالإمكان أكثر بكثير مما كان، وهنا بيت القصيد ووجه القُصور.
في العمل النقابي مبادئ أساسية، أولها مراكمة الإنجاز، وتتأتى بتثبيت المُتحقق على أرض الواقع وتعزيز ما يصلح منه للحاضر والمستقبل، وثانيها تجاوز الأخطاء، باعتراف العقل النقابي بها ونقده إياها، وتفكيكه نواظمها وأثرها. أما آخرها فانتهاج خطوات وقرارات وتبني مشاريع، قابلة للحياة، تعالج تحديات الحاضر، وتأخذ في اعتبارها المستقبل.
دون مواربة، المطلوب اليوم تحرير العقل النقابي من يقينياته المطلقة، وأفكاره المسبقة، والانتقال به إلى بُعد مختلف، قِوامه أن المستقبل يولد في اللحظة الراهنة، وهذا يتطلب إرادةً وصدقاً وانفتاحاً على الأفكار والمشاريع المبتكرة، ذات الأثر الممتد.
عمان جو.
بقلم: عدنان برية
بَدَت نقابة الصحفيين، على مدى عقد أو أكثر، مؤسسة عقيمة، عاجزة عن استيعاب المتغيرات، وفاقدة لروح المبادرة والتجديد، فيما غلب على أدائها التقليد والاتباع، واجترار فقه السلف في تسكين تعقيدات الحاضر وتحدياته، ووقفت دون تقديم ما يجيب عن أسئلة وسيناريوهات المستقبل المهني.
النهج والممارسة أفقدا النقابة مكانتها، ليس فقط بين منتسبيها، بل على نطاق أوسع، وبدلاً من قيادتها للمشهد الصحفي والإعلامي، باتت في ذيله، ورغم ذلك لم تَنشَأ بيننا - في الهيئة العامة - علاقة نقدية، تعيد النظر في الذات النقابية، وتؤسس لطرائق جديدة في الرؤية والتقييم والتفكير والتقدير والتدبير.
لبناء العلاقة النقدية مع الذات النقابية، متطلبان أساسيان، الأول: دراسة البنية المعرفية للفاعل النقابي (الضوابط والمرتكزات)، ويمكن استخلاصها من سلوك المجالس المتعاقبة، باعتبارها محاكمة للفعل وليست للنوايا، وهي مجال عناية هذا المقال، والثاني: مناقشة المعالجات العملية عبر أمثلة منتقاة، وسيخصص لها مقال أو أكثر لاحقاً.
عموماً، اتسمت البنية المعرفية للفاعل النقابي بـ:
أولاً: فقر منظومة القيم الضابطة، أو حضورها مجتزأة، وبروز التكتيكات المتغيرة والمتعارضة، المستندة إلى مقاربات مصلحية خاصة، لا تُعبّر عن مصالح الهيئة العامة مجتمعة، ولا تخضع لمعايير محددة ومُعلنة، وتتجلى في ازدواجية فجّة.
ثانياً: غياب البيانات الدقيقة لمنتسبي النقابة، والمقصود هنا ليس أرقام الهواتف والعناوين، بل البيانات المتعلقة بماهيتهم وأدق تفاصيلهم، التي يجب الإحاطة بها قبل وضع الخطط واتخاذ القرارات، وهو ما من شأنه أن يشكل فارقاً نوعياً في دور النقابة حيال الصحافيين والصحافيات.
ثالثاً: محدودية أثر المعالجات النقابية للتحديات المهنية، والتعامل معها بالفهم العام لظاهر العَرَض، دون الغوص في أسبابه الجوهرية والحقيقية، وبالتالي اجتراح حلول قاصرة وعاجزة وغير ذات أثر، ما يسهم في مفاقمتها وتعريض منتسبي النقابة لمزيد من الضغوط.
رابعاً: تراجع روح القيادة والمسؤولية والمبادرة والاستقلالية، بما يتضمنه من انحسار للسلطة الأخلاقية، وغياب لأدوار الفعل (توقع التحدي والتحسب له وتبني مقاربات وقائية) في مقابل نمو أدوار رد الفعل (الشعبوي والانتهازي)، ودون مراعاة الأثر السلبي على الهيئة العامة مجتمعة، مضافاً إلى ذلك تعقيدات علاقة المؤسسة النقابية بالسلطات الرسمية.
خامساً: جمود الفاعل النقابي عند الأفكار التقليدية، المستمدة من نهج السلف، الذين نُجلّ ونُقدّر، وارتهانه إليها لدى مجابهة التحديات، مُجتراً مضمونها وجوهرها، ومُعتقداً بنجاعتها في معالجة مشكلات الحاضر المهني، فضلاً عن الخشية من مجرد محاولة التفكير خارج الصندوق.
سادساً: تهميش الهيئة العامة خلال سنوات انعقاد المجلس الثلاثة، نتيجة الاطمئنان لعدم قدرتها على سحب الثقة وتهديد استمراره، وانتهاج مقاربات كيدية، عقاباً على انتقاداتها لقراراته، وفي أحيان كثيرة التمادي والتطاول على الصحافيين والصحافيات ممن يسجلون ملاحظاتهم على الأداء النقابي.
ما سبق، ليس جلداً للذات النقابية، ففيها خِيرة الخيرة، ولا إنكاراً لحجم التحديات، فهي مركبة ومعقدة إلى حد بعيد، وأيضاً ليس انتقاصاً مما تحقق، لكن المؤكد أن بالإمكان أكثر بكثير مما كان، وهنا بيت القصيد ووجه القُصور.
في العمل النقابي مبادئ أساسية، أولها مراكمة الإنجاز، وتتأتى بتثبيت المُتحقق على أرض الواقع وتعزيز ما يصلح منه للحاضر والمستقبل، وثانيها تجاوز الأخطاء، باعتراف العقل النقابي بها ونقده إياها، وتفكيكه نواظمها وأثرها. أما آخرها فانتهاج خطوات وقرارات وتبني مشاريع، قابلة للحياة، تعالج تحديات الحاضر، وتأخذ في اعتبارها المستقبل.
دون مواربة، المطلوب اليوم تحرير العقل النقابي من يقينياته المطلقة، وأفكاره المسبقة، والانتقال به إلى بُعد مختلف، قِوامه أن المستقبل يولد في اللحظة الراهنة، وهذا يتطلب إرادةً وصدقاً وانفتاحاً على الأفكار والمشاريع المبتكرة، ذات الأثر الممتد.
عمان جو.
بقلم: عدنان برية
بَدَت نقابة الصحفيين، على مدى عقد أو أكثر، مؤسسة عقيمة، عاجزة عن استيعاب المتغيرات، وفاقدة لروح المبادرة والتجديد، فيما غلب على أدائها التقليد والاتباع، واجترار فقه السلف في تسكين تعقيدات الحاضر وتحدياته، ووقفت دون تقديم ما يجيب عن أسئلة وسيناريوهات المستقبل المهني.
النهج والممارسة أفقدا النقابة مكانتها، ليس فقط بين منتسبيها، بل على نطاق أوسع، وبدلاً من قيادتها للمشهد الصحفي والإعلامي، باتت في ذيله، ورغم ذلك لم تَنشَأ بيننا - في الهيئة العامة - علاقة نقدية، تعيد النظر في الذات النقابية، وتؤسس لطرائق جديدة في الرؤية والتقييم والتفكير والتقدير والتدبير.
لبناء العلاقة النقدية مع الذات النقابية، متطلبان أساسيان، الأول: دراسة البنية المعرفية للفاعل النقابي (الضوابط والمرتكزات)، ويمكن استخلاصها من سلوك المجالس المتعاقبة، باعتبارها محاكمة للفعل وليست للنوايا، وهي مجال عناية هذا المقال، والثاني: مناقشة المعالجات العملية عبر أمثلة منتقاة، وسيخصص لها مقال أو أكثر لاحقاً.
عموماً، اتسمت البنية المعرفية للفاعل النقابي بـ:
أولاً: فقر منظومة القيم الضابطة، أو حضورها مجتزأة، وبروز التكتيكات المتغيرة والمتعارضة، المستندة إلى مقاربات مصلحية خاصة، لا تُعبّر عن مصالح الهيئة العامة مجتمعة، ولا تخضع لمعايير محددة ومُعلنة، وتتجلى في ازدواجية فجّة.
ثانياً: غياب البيانات الدقيقة لمنتسبي النقابة، والمقصود هنا ليس أرقام الهواتف والعناوين، بل البيانات المتعلقة بماهيتهم وأدق تفاصيلهم، التي يجب الإحاطة بها قبل وضع الخطط واتخاذ القرارات، وهو ما من شأنه أن يشكل فارقاً نوعياً في دور النقابة حيال الصحافيين والصحافيات.
ثالثاً: محدودية أثر المعالجات النقابية للتحديات المهنية، والتعامل معها بالفهم العام لظاهر العَرَض، دون الغوص في أسبابه الجوهرية والحقيقية، وبالتالي اجتراح حلول قاصرة وعاجزة وغير ذات أثر، ما يسهم في مفاقمتها وتعريض منتسبي النقابة لمزيد من الضغوط.
رابعاً: تراجع روح القيادة والمسؤولية والمبادرة والاستقلالية، بما يتضمنه من انحسار للسلطة الأخلاقية، وغياب لأدوار الفعل (توقع التحدي والتحسب له وتبني مقاربات وقائية) في مقابل نمو أدوار رد الفعل (الشعبوي والانتهازي)، ودون مراعاة الأثر السلبي على الهيئة العامة مجتمعة، مضافاً إلى ذلك تعقيدات علاقة المؤسسة النقابية بالسلطات الرسمية.
خامساً: جمود الفاعل النقابي عند الأفكار التقليدية، المستمدة من نهج السلف، الذين نُجلّ ونُقدّر، وارتهانه إليها لدى مجابهة التحديات، مُجتراً مضمونها وجوهرها، ومُعتقداً بنجاعتها في معالجة مشكلات الحاضر المهني، فضلاً عن الخشية من مجرد محاولة التفكير خارج الصندوق.
سادساً: تهميش الهيئة العامة خلال سنوات انعقاد المجلس الثلاثة، نتيجة الاطمئنان لعدم قدرتها على سحب الثقة وتهديد استمراره، وانتهاج مقاربات كيدية، عقاباً على انتقاداتها لقراراته، وفي أحيان كثيرة التمادي والتطاول على الصحافيين والصحافيات ممن يسجلون ملاحظاتهم على الأداء النقابي.
ما سبق، ليس جلداً للذات النقابية، ففيها خِيرة الخيرة، ولا إنكاراً لحجم التحديات، فهي مركبة ومعقدة إلى حد بعيد، وأيضاً ليس انتقاصاً مما تحقق، لكن المؤكد أن بالإمكان أكثر بكثير مما كان، وهنا بيت القصيد ووجه القُصور.
في العمل النقابي مبادئ أساسية، أولها مراكمة الإنجاز، وتتأتى بتثبيت المُتحقق على أرض الواقع وتعزيز ما يصلح منه للحاضر والمستقبل، وثانيها تجاوز الأخطاء، باعتراف العقل النقابي بها ونقده إياها، وتفكيكه نواظمها وأثرها. أما آخرها فانتهاج خطوات وقرارات وتبني مشاريع، قابلة للحياة، تعالج تحديات الحاضر، وتأخذ في اعتبارها المستقبل.
دون مواربة، المطلوب اليوم تحرير العقل النقابي من يقينياته المطلقة، وأفكاره المسبقة، والانتقال به إلى بُعد مختلف، قِوامه أن المستقبل يولد في اللحظة الراهنة، وهذا يتطلب إرادةً وصدقاً وانفتاحاً على الأفكار والمشاريع المبتكرة، ذات الأثر الممتد.
التعليقات