عمان جو -
د. تيسير المشارقة
طرحت قناة 'المملكة' الأردنية، ولمرّات متكررة، موضوع الدراما العربية الأردنية على شكل تساؤلات مشروعة: أين هي الدراما الأردنية؟ وإلى أين؟ وأظهرت الحوارات والنقاشات أن الخيارات الدرامية غير محدودة في الأردن، وأنه يمكن النهوض بهذا القطاع الهام. كما أنه لا يمكن الإصرار على استخدام 'اللهجة البدوية الأصيلة'. ويمكننا اللجوء أيضاً، إلى اللهجات الوليدة جراء الاختلاط السكاني الفسيفسائي العربي إثر اللجوء والنزوح والاختلاط الديمغرافي (الفلسطيني، واللبناني، والسوري، والعراقي، والسوري مرّة أخرى، والمصري، والليبي، واليمني). الأردن بلد 'التضامن العربي'، ويمكن أن تلعب وزارة الثقافة الأردنية دوراً مهماً من خلال الوزير الحالي (د. باسم الطويسي) في رعاية الدولة للدراما وبشكل مبكر سنوياً. ونحن نثق به نظراً لعمله الناجح في الشأنين الإعلامي والثقافي.
استخدام 'اللهجة البدوية' في الدراما الأردنية صار أمراً مقبولاً وسهلاً. هذه اللهجة ممكنة ودارجة وسهلة وتقليدية، مما نمّط الأردن ودمغها بالبداوة الدرامية. بعضُ المخرجين الأردنيين (المُجدّدون منهم) صنعوا مسلسلاتهم بلهجات خليطة عربية (مزيج بين الخليجية والمصرية والأردنية 'العَمّانية' والسورية) للخروج من 'المأزق البدوي'.
لا أدري لماذا لا يلجأ البعض إلى استخدام 'لهجة أبناء القدس' في الدراما الأردنية لتكون موازية للهجة البدوية الأصلية في الدراما التلفزيونية، فالقدس لها دلالاتها الهاشمية الأردنية باعتبارها العاصمة الروحية الموحِّدة للعرب، وهي ذات المكانة الدينية والسياسية لفلسطين والأمة العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء.
استخدم صناع الدراما مؤخراً اللهجة المقدسية باعتبارها الخيار أو 'المخرج الاضطراري' من 'الأزمة الإنتاجية والتسويقية' للدراما الأردنية البدوية. وطرح النقاد والدارسون للمأزق الدرامي في الأردن، سؤالاً يتعلّق بقدرة السوق العربية الشرائية للدراما البدوية وإلى متى؟ فلا يمكن بتقديرنا تسويق 'الخيمة البدوية والملابس التراثية والصحراء' دائماً كخيار درامي لتوصيل الرسائل والمبادئ والقيم والتاريخ والوقائع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وصار بعض المنتجين الأردنيين يعلنون أن الإغراق في البداوة ليس قدراً سنوياً (ورمضانياً) للدراميين الأردنيين. وارتفعت أصوات هؤلاء بعد أن أغلقت الأبواب أمامهم ووصدتها حرب الخليج الثانية مما أدت إلى بيع استوديوهات الأردن التاريخية للشيخ العربي السعودي صالح كامل.
ولاحظ نقاد آخرون، أن المسلسلات البدوية هي الأقل مشاهدة مقارنة بغيرها من الدراما المصرية والخليجية الصاعدة باللهجة (الكويتية أو السعودية) والسورية والفلسطينية.
الدراما في الغالب تستخدم العامية (والمحلية الدارجة وليس التراثية القديمة) للوصول إلى المجتمعات العربية الغارقة بالعامية والبعيدة عن التعامل بالفصيحة. وصارت الفصحى لغة الجامعات الأكاديمية، ولغة المؤتمرات العلمية والأدبية. وصار تأثير الدراما مرتبط بلهجات المواطن العربي والجغرافيا التي يقطنها من الخليج إلى المحيط، وهو المستهلك الوحيد في كل موسم رمضاني لهذه الدراما. التأثير على المعارف والوجدان والعواطف والسلوك أيضاً لم يكن ليحدث دون استخدام اللهجة المحكية في تلك الأقطار العربية.
ومن قبيل التذكّر، لا الاستقواء بهذا المثال، لم يفاجئني إصرار الممثلة المغربية المبدعة فرح الفاسي على التحدّث باللهجة المصرية للتحدّث معنا نحن المشرقيين في مهرجان أبو ظبي السينمائي (الدورة الثانية)، على اعتبار أن الدراجة المصرية هي جسر للعبور الثقافي (العربي – العربي) في ظل سيادة الدارجة المغاربية في المملكة المغربية وضعف الفصيحة العربية.
ختاماً،
لكي يعبر الأردنيون جسر أزمة 'اللهجة البدوية'(المُستحوذ ُ عليها من الإمارات والسعودية بعد انتقال الثقل الدرامي من الأردن إلى الخليج) في الدراما، يمكنهم الآن، أو ما عليهم إلا، أن يستخدموا 'الفصيحة العربية' أو 'اللهجة الفلسطينية المقدسية ' القريبة من النفس العربية والعروبية، وهي مقبولة عربياً، بفعل النكبة والهجرة واللجوء والشتات (الدياسبورا) الممتدة للفلسطينيين في عموم العالم/ الوطن/العربي.
*/ د. تيسير المشارقة (باحث في الدراسات الثقافية والاتصال)
عمان جو -
د. تيسير المشارقة
طرحت قناة 'المملكة' الأردنية، ولمرّات متكررة، موضوع الدراما العربية الأردنية على شكل تساؤلات مشروعة: أين هي الدراما الأردنية؟ وإلى أين؟ وأظهرت الحوارات والنقاشات أن الخيارات الدرامية غير محدودة في الأردن، وأنه يمكن النهوض بهذا القطاع الهام. كما أنه لا يمكن الإصرار على استخدام 'اللهجة البدوية الأصيلة'. ويمكننا اللجوء أيضاً، إلى اللهجات الوليدة جراء الاختلاط السكاني الفسيفسائي العربي إثر اللجوء والنزوح والاختلاط الديمغرافي (الفلسطيني، واللبناني، والسوري، والعراقي، والسوري مرّة أخرى، والمصري، والليبي، واليمني). الأردن بلد 'التضامن العربي'، ويمكن أن تلعب وزارة الثقافة الأردنية دوراً مهماً من خلال الوزير الحالي (د. باسم الطويسي) في رعاية الدولة للدراما وبشكل مبكر سنوياً. ونحن نثق به نظراً لعمله الناجح في الشأنين الإعلامي والثقافي.
استخدام 'اللهجة البدوية' في الدراما الأردنية صار أمراً مقبولاً وسهلاً. هذه اللهجة ممكنة ودارجة وسهلة وتقليدية، مما نمّط الأردن ودمغها بالبداوة الدرامية. بعضُ المخرجين الأردنيين (المُجدّدون منهم) صنعوا مسلسلاتهم بلهجات خليطة عربية (مزيج بين الخليجية والمصرية والأردنية 'العَمّانية' والسورية) للخروج من 'المأزق البدوي'.
لا أدري لماذا لا يلجأ البعض إلى استخدام 'لهجة أبناء القدس' في الدراما الأردنية لتكون موازية للهجة البدوية الأصلية في الدراما التلفزيونية، فالقدس لها دلالاتها الهاشمية الأردنية باعتبارها العاصمة الروحية الموحِّدة للعرب، وهي ذات المكانة الدينية والسياسية لفلسطين والأمة العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء.
استخدم صناع الدراما مؤخراً اللهجة المقدسية باعتبارها الخيار أو 'المخرج الاضطراري' من 'الأزمة الإنتاجية والتسويقية' للدراما الأردنية البدوية. وطرح النقاد والدارسون للمأزق الدرامي في الأردن، سؤالاً يتعلّق بقدرة السوق العربية الشرائية للدراما البدوية وإلى متى؟ فلا يمكن بتقديرنا تسويق 'الخيمة البدوية والملابس التراثية والصحراء' دائماً كخيار درامي لتوصيل الرسائل والمبادئ والقيم والتاريخ والوقائع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وصار بعض المنتجين الأردنيين يعلنون أن الإغراق في البداوة ليس قدراً سنوياً (ورمضانياً) للدراميين الأردنيين. وارتفعت أصوات هؤلاء بعد أن أغلقت الأبواب أمامهم ووصدتها حرب الخليج الثانية مما أدت إلى بيع استوديوهات الأردن التاريخية للشيخ العربي السعودي صالح كامل.
ولاحظ نقاد آخرون، أن المسلسلات البدوية هي الأقل مشاهدة مقارنة بغيرها من الدراما المصرية والخليجية الصاعدة باللهجة (الكويتية أو السعودية) والسورية والفلسطينية.
الدراما في الغالب تستخدم العامية (والمحلية الدارجة وليس التراثية القديمة) للوصول إلى المجتمعات العربية الغارقة بالعامية والبعيدة عن التعامل بالفصيحة. وصارت الفصحى لغة الجامعات الأكاديمية، ولغة المؤتمرات العلمية والأدبية. وصار تأثير الدراما مرتبط بلهجات المواطن العربي والجغرافيا التي يقطنها من الخليج إلى المحيط، وهو المستهلك الوحيد في كل موسم رمضاني لهذه الدراما. التأثير على المعارف والوجدان والعواطف والسلوك أيضاً لم يكن ليحدث دون استخدام اللهجة المحكية في تلك الأقطار العربية.
ومن قبيل التذكّر، لا الاستقواء بهذا المثال، لم يفاجئني إصرار الممثلة المغربية المبدعة فرح الفاسي على التحدّث باللهجة المصرية للتحدّث معنا نحن المشرقيين في مهرجان أبو ظبي السينمائي (الدورة الثانية)، على اعتبار أن الدراجة المصرية هي جسر للعبور الثقافي (العربي – العربي) في ظل سيادة الدارجة المغاربية في المملكة المغربية وضعف الفصيحة العربية.
ختاماً،
لكي يعبر الأردنيون جسر أزمة 'اللهجة البدوية'(المُستحوذ ُ عليها من الإمارات والسعودية بعد انتقال الثقل الدرامي من الأردن إلى الخليج) في الدراما، يمكنهم الآن، أو ما عليهم إلا، أن يستخدموا 'الفصيحة العربية' أو 'اللهجة الفلسطينية المقدسية ' القريبة من النفس العربية والعروبية، وهي مقبولة عربياً، بفعل النكبة والهجرة واللجوء والشتات (الدياسبورا) الممتدة للفلسطينيين في عموم العالم/ الوطن/العربي.
*/ د. تيسير المشارقة (باحث في الدراسات الثقافية والاتصال)
عمان جو -
د. تيسير المشارقة
طرحت قناة 'المملكة' الأردنية، ولمرّات متكررة، موضوع الدراما العربية الأردنية على شكل تساؤلات مشروعة: أين هي الدراما الأردنية؟ وإلى أين؟ وأظهرت الحوارات والنقاشات أن الخيارات الدرامية غير محدودة في الأردن، وأنه يمكن النهوض بهذا القطاع الهام. كما أنه لا يمكن الإصرار على استخدام 'اللهجة البدوية الأصيلة'. ويمكننا اللجوء أيضاً، إلى اللهجات الوليدة جراء الاختلاط السكاني الفسيفسائي العربي إثر اللجوء والنزوح والاختلاط الديمغرافي (الفلسطيني، واللبناني، والسوري، والعراقي، والسوري مرّة أخرى، والمصري، والليبي، واليمني). الأردن بلد 'التضامن العربي'، ويمكن أن تلعب وزارة الثقافة الأردنية دوراً مهماً من خلال الوزير الحالي (د. باسم الطويسي) في رعاية الدولة للدراما وبشكل مبكر سنوياً. ونحن نثق به نظراً لعمله الناجح في الشأنين الإعلامي والثقافي.
استخدام 'اللهجة البدوية' في الدراما الأردنية صار أمراً مقبولاً وسهلاً. هذه اللهجة ممكنة ودارجة وسهلة وتقليدية، مما نمّط الأردن ودمغها بالبداوة الدرامية. بعضُ المخرجين الأردنيين (المُجدّدون منهم) صنعوا مسلسلاتهم بلهجات خليطة عربية (مزيج بين الخليجية والمصرية والأردنية 'العَمّانية' والسورية) للخروج من 'المأزق البدوي'.
لا أدري لماذا لا يلجأ البعض إلى استخدام 'لهجة أبناء القدس' في الدراما الأردنية لتكون موازية للهجة البدوية الأصلية في الدراما التلفزيونية، فالقدس لها دلالاتها الهاشمية الأردنية باعتبارها العاصمة الروحية الموحِّدة للعرب، وهي ذات المكانة الدينية والسياسية لفلسطين والأمة العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء.
استخدم صناع الدراما مؤخراً اللهجة المقدسية باعتبارها الخيار أو 'المخرج الاضطراري' من 'الأزمة الإنتاجية والتسويقية' للدراما الأردنية البدوية. وطرح النقاد والدارسون للمأزق الدرامي في الأردن، سؤالاً يتعلّق بقدرة السوق العربية الشرائية للدراما البدوية وإلى متى؟ فلا يمكن بتقديرنا تسويق 'الخيمة البدوية والملابس التراثية والصحراء' دائماً كخيار درامي لتوصيل الرسائل والمبادئ والقيم والتاريخ والوقائع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وصار بعض المنتجين الأردنيين يعلنون أن الإغراق في البداوة ليس قدراً سنوياً (ورمضانياً) للدراميين الأردنيين. وارتفعت أصوات هؤلاء بعد أن أغلقت الأبواب أمامهم ووصدتها حرب الخليج الثانية مما أدت إلى بيع استوديوهات الأردن التاريخية للشيخ العربي السعودي صالح كامل.
ولاحظ نقاد آخرون، أن المسلسلات البدوية هي الأقل مشاهدة مقارنة بغيرها من الدراما المصرية والخليجية الصاعدة باللهجة (الكويتية أو السعودية) والسورية والفلسطينية.
الدراما في الغالب تستخدم العامية (والمحلية الدارجة وليس التراثية القديمة) للوصول إلى المجتمعات العربية الغارقة بالعامية والبعيدة عن التعامل بالفصيحة. وصارت الفصحى لغة الجامعات الأكاديمية، ولغة المؤتمرات العلمية والأدبية. وصار تأثير الدراما مرتبط بلهجات المواطن العربي والجغرافيا التي يقطنها من الخليج إلى المحيط، وهو المستهلك الوحيد في كل موسم رمضاني لهذه الدراما. التأثير على المعارف والوجدان والعواطف والسلوك أيضاً لم يكن ليحدث دون استخدام اللهجة المحكية في تلك الأقطار العربية.
ومن قبيل التذكّر، لا الاستقواء بهذا المثال، لم يفاجئني إصرار الممثلة المغربية المبدعة فرح الفاسي على التحدّث باللهجة المصرية للتحدّث معنا نحن المشرقيين في مهرجان أبو ظبي السينمائي (الدورة الثانية)، على اعتبار أن الدراجة المصرية هي جسر للعبور الثقافي (العربي – العربي) في ظل سيادة الدارجة المغاربية في المملكة المغربية وضعف الفصيحة العربية.
ختاماً،
لكي يعبر الأردنيون جسر أزمة 'اللهجة البدوية'(المُستحوذ ُ عليها من الإمارات والسعودية بعد انتقال الثقل الدرامي من الأردن إلى الخليج) في الدراما، يمكنهم الآن، أو ما عليهم إلا، أن يستخدموا 'الفصيحة العربية' أو 'اللهجة الفلسطينية المقدسية ' القريبة من النفس العربية والعروبية، وهي مقبولة عربياً، بفعل النكبة والهجرة واللجوء والشتات (الدياسبورا) الممتدة للفلسطينيين في عموم العالم/ الوطن/العربي.
*/ د. تيسير المشارقة (باحث في الدراسات الثقافية والاتصال)
التعليقات