عمان جو - بقلم : زيد أبو زيد - قفز العالم اليوم إلى الأمام قفزة هائلة كانت تستلزم عقودا عديدة حتى يحقق ما حققه ويحققه اليوم على صعيد تقنيات التعليم وفي علوم الأوبئة وحتى على صعيد المستلزمات الطبية ودراسات اقتصاد السوق والعملات الإلكترونية وفي شكل مدرسة وجامعة المستقبل وما هي مهن المستقبل ومهاراته لأن القفزة إلى الأمام في مجال التعليم ستكون أساسًا لكل شيء لاحق ولذلك قال جلالة الملك عبدالله الثاني في مقدمة ورقته النقاشية السابعة ' لقد تنامى في الآونة الأخيرة نقاش محموم حول ملف التعليم، لم يقتصر على أمة دون أمة، ولا على قطر دون قطر. ولقد أسعدني أن كان لبلادنا العربية من هذا النقاش نصيب كبير شهدنا آثاره في الأردن على شتى الصعد، وعبر مختلف المؤسسات. وإنني مستبشر بهذا النقاش الجاد، فهو إن دل على شيء فإنما يدل على يقظة ووعي بما لهذا الملف من أهمية كبرى وأثر عظيم. ولا عجب، فما من أمة تنهض بغير التعليم، وقد بات من البدهيات أن لا شيء يعدل التعليم في مسيرة بناء الدول، وتغيير وجه العالم، إلى الأجمل والأكمل والأفضل، ولا سيما في مرحلة باتت تتسابق فيها الأمم في اقتصاد المعرفة، واستثمار الطاقات البشرية.
لم يعد خافيا على أحد أننا نعيش في عصر تسارعت خطاه، وأننا لن نستطيع أن نواكب تحديات هذا العصر إلا بأدواته المعرفية الجديدة، ولا أن نلبي احتياجاته إلا بوسائله التقنية الحديثة.
ولا يمكننا في ظل هذا الواقع، أن نغفل عن التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم، بدءا من الاعتراف بها، ومن ثم بذل الجهود لتجاوزها، وابتكار الحلول الناجعة لها، وصولا إلى نظام تعليمي حديث، يشكل مرتكزا أساسيا في بناء المستقبل المزدهر الذي نسعى إليه. ولذلك فإننا نرى أهمية التوصيات التي قدمتها لجنة تنمية الموارد البشرية العام الماضي وضرورة العمل بها. إن ما قدمه جلالة الملك إذا ما ارتبط بمضامين الأوراق النقاشية السبع يؤدي إلى فهم عميق لمجمل ما يحدث في العالم، وهي مؤشرات لقواعد تؤكد قدرة شعوب على الانبعاث، وتجنيب الحضارة الإنسانية الأفول والانهيار عند وقوع النكبات والحروب والأوبئة، وصحيح أن العالم يبدي ارتباكًا واضحا أمام الثورات والتغيرات التي يشهدها العالم في الزمن الرقمي والافتراضي في ظل الأزمات الوبائية والاقتصادية الكبرى. ولكن المتتبع للتطورات التي تحصل اليوم في العالم الافتراضي والثقافة الرقمية يشعر عن بداية التكيف والتفاعل مع الواقع الجديد، وصفا وتحليلا، متجهًا إلى الإبداع بكافة صوره؛ والراجح أن الزمن الرقمي والفضاء الافتراضي هو اليوم بصدد الإجهاز تمامًا على الشكل التقليدي في كل شيء وسيكون التعليم في مقدمة ما سيشهده العالم من ثورات على الرغم من كل ما يقال عن عثرات ما مارسته دول العالم في إطار تعاملها مع أثار جائحة كورونا على التعليم وغيره. إن الذكاء الاصطناعي ومنذ عقد تقريبًا أصبح يتحكم في صياغة المستقبل، وهي الإشارة التي تعلن عن امتلاك شكل المستقبل وقد تغير مجرى التاريخ، تماما مثلما هي الآن تعيد صياغة الفضاء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ومن يريد أن يرسم خارطة للمستقبل استشرافيًا، لا بد من أن يختزل كل التفاصيل المحبطة اليوم لصالح ما يفترضه الواقع التي انتجته الثورتان الرابعة والخامسة بكل تفاصيلها، مختزلا أحداث بحد عينها لصالح التفكير في مستقبل بدأت ملامحه تتشكل سريعًا.
إن ما يحدث يعيد رسم معالم المستقبل وبرمجة الواقع الجديد. بقدر توفيق التكنولوجية في تحرير الوعي التاريخي من قبضة الصيغ التقليدية، ومن قبضة الثقافة العالمية، ثم ربطه بعاطفة الأفراد . ولنأخذ المؤسسة التعليمية الافتراضية، أو الإلكترونية مثالا إذ هي مؤسسة تقدم للطلاب تعليمًا عبر الإنترنت من خلال منصات متعددة الخصائص ولن يبقى شكلها على ما هو عليه طويلا؛ اذ ستشهد تحولات نوعية قريبًا. إن كل ما يحتاجه الفرد سواء كان طالب مدرسة، أو جامعة هو جهاز كمبيوتر، أو أي جهاز لوحي آخر متصل بالإنترنت، من ثم تسجيل الدخول لبوابة الطالب على موقع الويب الخاص بمدرسته، أو جامعته، ومن ثم الوصول للواجبات، وحلها، ونشرها، ومتابعة العروض التقديمية لأعضاء هيئة التدريس، ومناقشة الطلاب، وإجراء البحوث وغيرها والوصول للدورات أو الدروس من أي مكان وفي أي وقت؛ فللطالب حرية إكمال الدراسة، أو حل الواجبات في أي وقت، ومن أي مكان وهي القاعدة التي تقول إن للضرورةِ أحكامًا، ولذلك كانت فرصة التعامل مع جائحة كورونا دافعًا قسريًّا للانتقال دفعة واحدة إلى الواقع الجديد من دون إغفال بدهيات التعلم ومهاراته الأساسية. هكذا هي الحياة في التعليم وغيره، من هنا كانت النظم التعليمية تتطور في سعيها الدائم لمواكبة ما يجري في العالم نحو تمليك الطلبة مهارات يتطلبها العصر الجديد، ومعلمين يقومون على التنشئة والتعليم والرعاية لطلبتهم لبناء جيلٍ متعلم ومثقف وريادي، وهو ما يتطلب معلمين مدربين ومؤهلين ومنتقين حسب معايير متخصصة لأن مستوى جودة أيّ نظام تربوي في العالم، تُقاس بنوعية معلميه قبل أي شيء آخر. لقد دخل العالم ونحن معه في عصر كورونا (كوفيد-19) المستجد مطلع العام 2020، ومع استمرار التهديد الذي تشكله جائحة فيروس كورونا تتداعى دول العالم لدراسة سُبل ضمان استمرارية التعليم عبر العالم إن استمرت الجائحة بالتواجد. وما تُشكّله من خطر على الطلبة في المدارس وربما لظهور طفرات جينية متكررة من الفيروس أو ظهور أسباب أخرى متنوعة قد تمنع التعليم المباشر أو تحد منه لظروف الأوبئة والكوارث. لقد كان الأردن من دول العالم الذي وضع خطة للتحول نحو التعلُّم عن بعد، وطبق هذا النوع من التعليم، وهو الآن أمام خيارات عديدة أتاحتها الجائحة بالمزاوجة بين التعليم التقليدي الوجاهي والإلكتروني وجاهيا وعن بعد الذي طبق عبر ما يسمى بالتعليم المتمازج، ولا نفترض هنا أنَّ التجربة ستكون مكتملة التطبيق نموذجيًّا لكننا على ثقة أنَّ التجربة واعدة وستكتمل شيئا فشيئا كالكائن الحي. إنَّ التعليم المتمازج هو خليط ومزج لعنصري التعليم التقليدي والإلكتروني معًا في الحصة الصفية لتحقيق وإنجاح النتاجات المرجوة منه. وتُريد وزارة التربية والتعليم تطبيقه بوصفه نهجًا تربويًّا دائمًا عن بعد وعن قرب في حال وجود قرار على المستوى الوطني بتعطيل المؤسسات التعليمية مرة أخرى في إطار الحرص على صحةِ الطلبةِ وسلامتهم، أو الاستمرار في التعليم المباشر مع الأخذ بعين الحسبان أن الأردن سينفذ بروتوكولًا صحيًّا دائمًا في مدارسهِ في زمن أزمة جائحةِ كورونا. إنَّ هذا المنحى في التفكير يقودنا جميعًا للتفكيرِ بكيفيةِ إيجاد الحلول لكل مشكلاتنا ولا سيما إشكالية التعليم والتعلُّم والمعضلات التي تواجهها النظمُ التعليمية في زمن الكورونا وغيره، وعن استعداداتنا على صعيد بنية النظام التعليمي ومجتمعات التعلم وتمكين المعلمين لاستثمارها في زمن الأزمات، فعالم اليوم يشهد تطورات هائلة وهذه التطورات تقودنا بالضرورة إلى إيجاد الحلول لمشاكلنا كلها، ليس على صعيد التكنولوجيا والتقنية فقط، بل يتعدّى ذلك إلى كافة جوانب الحياة، فكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وتربويًّا، فالثورة التكنولوجية الرابعة والخامسة القادمة بوتائر سريعة، صبغت عالم اليوم بلونها، ووقف الإنسان مذهولًا أمامها على الرغم من أنه هو الذي أوجدها وطورها، فنحن نرى ونعيش اليوم عصر الذرة والأقمار الصناعية، وعصر الكمبيوتر والإنترنت، والاتصالات وأجهزة الاستقبال التي حولت العالم بل الكون كله إلى قرية صغيرة، ومكنت الإنسان من الحصول على كل ما يحلُم به من المعلومات والبيانات بدقائق معدودة، ولكنه أيضًا حمل أوبئةً جديدة كإيبولا وفيروس كورونا (كوفيد-19)، وتعقيدات وفوارق هائلة بين مجتمعات التعلم والتعليم. إن التطور العلمي والتقني لم يقتصر فقط على الاختراعات والصناعات المختلفة، ولكنه أيضًا شمل العلوم الإنسانية والتربوية، وبالرغم من أنه كانَ تطورًا مفيدًا في جوانب كثيرة، ولكنه أيضًا كان مخيفًا ومربكًا في جوانب أُخرى، وعلى كل حال فقد كان لا بد من أن يحدث التطور في المجال التربوي والتعليمي جنبًا إلى جنب مع الجوانب التكنولوجية، لأن المجالين يكمل بعضهما الآخر، ولأن التطور التقني يتطلب قدرات متطورة وعالية لدى العاملين كي يستطيعوا مواكبة التطور التقني في العصر الحديث، وهكذا ارتفعت أصوات المفكرين والعلماء العاملين في المجال التربوي لإجراء ثورة في أساليب التربية والتعليم في مدارسنا، وإعادة النظر في المناهج والكتب المدرسية والوسائل التي تمكّن المدرسة من أداء عملها على الوجه الأكمل، واتفق الجميع على أهمية استخدام التكنولوجيا بوصفها أساسًا ورافعة مهمة في نجاح العملية التربوية، لأنها تمثل ضرورة في جميع مناحي الحياة، إلا أنها في التربية والتعليم ذات أهمية قصوى، فلا تعلُّم حقيقيًّا اليوم من دون استخدام التكنولوجيا ومصادر المعرفة وأدواتها العالمية. واليوم، وقد بدأت الأنظمة التربوية تتداعى للتفكير في زمن الوباء المستشري (كورونا)، والجميع ينادي بضرورة إتاحة فرص التعليم للجميع بغض النظر عن الجنس أو مكان السكن أو الطبقة الاجتماعية، وفي كل الأوقات، عادت مفاهيم التعلُّم عن بعد، واستخدام التكنولوجيا في التعليم لتحتل موقع الصدارة في اهتمامات المفكرين التربويين ليس على الصعيد الوطني فقط بل على مستوى العالم، وهذا بمجمله لن يحسن التعليم والتعلم بل سيحسن فقط بل كل مظاهر الحياة، حيث يجب أن تتوافر التكنولوجيا في المنهاج المدرسي وفي غرفة الصف، وفي أساليب التدريس والأنشطة والوسائل التعليمّية- التعلميّة، إلى غير ذلك من الأمور التي تُلبي حاجات جميع الطلبة على اختلاف إمكانياتهم وقدراتهم، وهذا يتطلب توفير المحتوى المناسب ووسائل الربط الإلكتروني ومصادر المعرفة الرقمي لمحاكاة مجتمع متنوع وضمان التعلُّم للجميع، ولأن التعلُّم عن بعد لا يحقق الإنتاجية المطلوبة، إذا بقي متروكًا للجهود الفردية للمعلمين والطلبة وقدرتهم في الوصول إلى شبكة الإنترنت، وإمكانية استخدامهم لأحدث التطبيقات التي تساعد على شرح دروس تفاعلية وإنجاز الامتحانات، وهو ما يقودنا للبحث في مفهوم التعلم والتعليم ومفهوم التعلم عن بعد. إنَّ التعلم عن بُعد هو أحد طرائق زيادة كفاءة أشكال التعلُّم وأساليبه في كل الظروف، وجاءت الحاجة إليه نتيجة التطوُّر الكبير في التقنية المعلوماتيَّة ووسائل الاتصال الحديثة؛ ما أدى إلى رواج استخداماتها التعليميَّة وظهور أشكال وأساليب جديدة أكثر فعاليَّة منها، ويجب من حيث المبدأ أن نفرق بين التعلُّم عن بُعد بوصفه بديلًا للتعلُّم التقليدي، إذ يترتب على الالتحاق بمناهج التعلُّم عن بُعد إكمال مرحلة تعليميَّة أو الحصول على مؤهل، وبين التعلُّم عن بُعد بوصفه مكمّلًا للتعلُّم التقليدي، عبر صفوف افتراضية، وبذلك سيكون لدينا متعلم نشط، ومعلم غير ملقّن في سياق التعلُّم مُتعدِّد القنوات في كل الظروف والحالات الناشئة. التعليم المتمازج هو أسلوب مألوف اعتاد تطبيقه كثير دون الالتفات للمسمى، ولتوضيح الفكرة بشكل علمي، فإن المزيج كما نعلم يتكون من عدة عناصر لينتج خليطًا متجانسًا له غرض وفائدة، ومنه نرى أن التعلم المزيج هو خلط ومزج عنصري التعلم التقليدي والإلكتروني معًا في الدرس لتحقيق وإنجاح النتاجات المرجوة منه، ولنفهم ذلك أكثر فإن التعلم التقليدي الذي اعتدناه هو أن يحضر إلى الغرفة الصفية المعلم وطلبته، ليمثل المعلم هنا دور مدير الموقف الصفي، ويتم التفاعل التربوي المباشر بين العناصر الأساسية للتعلم في الغرفة الصفية. بينما نعرف التعلم الإلكتروني أنه التعلم باستخدام التقنيات الحديثة لتطوير وتحسين مصادر التعلم المختلفة، والذي يقوم على إعادة صياغة المحتوى معتمدًا على نظريات التعلم باستخدام الوسائط الإلكترونية المتعددة لتحقيق النتاجات المرجوة بتوفير بيئة تفاعلية نشطة من خلال برامج إدارة المحتوى؛ وهذا لا يحدده الزمان أو المكان، ويُعَدُّ التعلم المتمازج “المخلوط” أفضل أنواع التعليم الإلكتروني المطبقة، إذ تتكامل فيه أساليب التعلم الإلكتروني والتقليدي معًا “التعلم المتكامل”، وبه تتفاعل العناصر التقليدية مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتتطلب تخطيط المعلم لأنشطة صفية تفاعلية مرنة بين الطلاب كالعمل التعاوني، مرتبطة بأنشطة فردية التعلم مراعيةً الفروق الفردية ونمو التعلم عند الطلبة، وكلا الأنشطة تنمي مهارات التفكير العليا، مع ضرورة التقييم المستمر لأداء الطلبة لإثارة الدافعية وكسر جمود الحصة الصفية، وهنا يمكن للمعلم أن يختار أدوات التقييم المناسبة له سواءً كانت تقليدية أو إلكترونية حيث إنها تعتمد على المصادر الإلكترونية المتاحة، وعدد الطلبة وغيرها من العوامل. إن التعلم المتمازج يخدم مهارات القرن الواحد والعشرين، والتي تبدأ بيُسر العمل به إذ يمكن تطبيقه في الغرفة الصفية وخارج حدود المدرسة الزمانية والمكانية، ويرفع العبء عن المعلم في تلقينه الطلاب للدرس، وتحمل عناء ملل الموقف التعليمي، مؤمنًا التفاعل المطلوب في الحصة، مخففًا الأعباء الإدارية من خلال الوسائل الإلكترونية في إيصال المعلومة والأنشطة المنزلية للطلبة وتقييم العمل. ويمنح المعلم فرصة لإدارة المصادر التعليمية المتاحة له بحكمة وذكاء. إنَّ التطوُّرات العديدة والكثيرة التي شهدتها نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين في المجال التكنولوجي ووسائط أو وسائل الاتصال 'الثورة الرابعة' أسهم كثيرًا في تقدُّم الجوانب التربويَّة والتعليميَّة، وبسبب الزيادة الكبيرة لعدد سكان العالم وصعوبة توفير فرص التعلُّم للجميع إلى جانب فوات الأوان للعديد من البشر عن انتهاز فرص التعلم، كل ذلك أسهم في ظهور طرائق أو أساليب جديدة للتعلُّم تلبي تلك الاحتياجات المتزايدة بخطوات سريعة، وانطلاقًا وتعزيزًا لمبدأ (التعلم للجميع) ظهر نظام التعلُّم عن بُعد، وعلى هذا الأساس يتمكَّن المُتعلِّم من أن يزاوج بين التعلُّم والعمل إن أراد ذلك، وأن يكيف المنهج الدراسي وسرعة التقدُّم في المادة الدراسيَّة بما يتفق والأوضاع والظروف الخاصة به، فالتعلُّم عن بُعد نظام لتوفير التعلُّم للناس أو الأفراد سواء أكان هذا التعلُّم هو استكمالٌ لنظام التعلُّم الصفي التقليدي أم نظامًا مستقلًا باستخدام أساليب مُتعدِّدة ومُتنوِّعة، التعلُّم عن بعد أيضًا ينص على التعلُّم الذي يعتمد على توظيف التقنيات التربويَّة سواء في إعداد النظام التعليمي القائم على الدراسة الذاتيَّة أم في إعداد المواد التعليميَّة القائمة على التعلُّم الذاتي أو في استخدام الوسائل أو الأساليب التقنية الحديثة أو في تقويم المناهج التعليميَّة أو تقويم تحصيل المُتعلِّمين. إنَّ التعلُّم عن بُعد وعن قرب معًا 'التعليم المتمازج' يعد تعليمًا جماهيريًّا يقوم أساسًا على فلسفة تُؤكد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليميَّة المتاحة، بمعنى تقديم فرص التعلُّم والتدريب لكل من يريد في الوقت والمكان الذي يريده من دون التقيد بالطرائق أو الأساليب والوسائل الاعتياديَّة المُستخدَمة في عمليَّة التعلُّم التقليدية، لضمان استمرارية العملية التعليمية في كل الظروف، للإيفاء بحق الطلبة في التعليم كما كفلته الدساتير، والمواثيق والعهود الدولية باعتبار أن التعليم حق إنساني وأساسي للطلبة في كل الظروف.
عمان جو - بقلم : زيد أبو زيد - قفز العالم اليوم إلى الأمام قفزة هائلة كانت تستلزم عقودا عديدة حتى يحقق ما حققه ويحققه اليوم على صعيد تقنيات التعليم وفي علوم الأوبئة وحتى على صعيد المستلزمات الطبية ودراسات اقتصاد السوق والعملات الإلكترونية وفي شكل مدرسة وجامعة المستقبل وما هي مهن المستقبل ومهاراته لأن القفزة إلى الأمام في مجال التعليم ستكون أساسًا لكل شيء لاحق ولذلك قال جلالة الملك عبدالله الثاني في مقدمة ورقته النقاشية السابعة ' لقد تنامى في الآونة الأخيرة نقاش محموم حول ملف التعليم، لم يقتصر على أمة دون أمة، ولا على قطر دون قطر. ولقد أسعدني أن كان لبلادنا العربية من هذا النقاش نصيب كبير شهدنا آثاره في الأردن على شتى الصعد، وعبر مختلف المؤسسات. وإنني مستبشر بهذا النقاش الجاد، فهو إن دل على شيء فإنما يدل على يقظة ووعي بما لهذا الملف من أهمية كبرى وأثر عظيم. ولا عجب، فما من أمة تنهض بغير التعليم، وقد بات من البدهيات أن لا شيء يعدل التعليم في مسيرة بناء الدول، وتغيير وجه العالم، إلى الأجمل والأكمل والأفضل، ولا سيما في مرحلة باتت تتسابق فيها الأمم في اقتصاد المعرفة، واستثمار الطاقات البشرية.
لم يعد خافيا على أحد أننا نعيش في عصر تسارعت خطاه، وأننا لن نستطيع أن نواكب تحديات هذا العصر إلا بأدواته المعرفية الجديدة، ولا أن نلبي احتياجاته إلا بوسائله التقنية الحديثة.
ولا يمكننا في ظل هذا الواقع، أن نغفل عن التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم، بدءا من الاعتراف بها، ومن ثم بذل الجهود لتجاوزها، وابتكار الحلول الناجعة لها، وصولا إلى نظام تعليمي حديث، يشكل مرتكزا أساسيا في بناء المستقبل المزدهر الذي نسعى إليه. ولذلك فإننا نرى أهمية التوصيات التي قدمتها لجنة تنمية الموارد البشرية العام الماضي وضرورة العمل بها. إن ما قدمه جلالة الملك إذا ما ارتبط بمضامين الأوراق النقاشية السبع يؤدي إلى فهم عميق لمجمل ما يحدث في العالم، وهي مؤشرات لقواعد تؤكد قدرة شعوب على الانبعاث، وتجنيب الحضارة الإنسانية الأفول والانهيار عند وقوع النكبات والحروب والأوبئة، وصحيح أن العالم يبدي ارتباكًا واضحا أمام الثورات والتغيرات التي يشهدها العالم في الزمن الرقمي والافتراضي في ظل الأزمات الوبائية والاقتصادية الكبرى. ولكن المتتبع للتطورات التي تحصل اليوم في العالم الافتراضي والثقافة الرقمية يشعر عن بداية التكيف والتفاعل مع الواقع الجديد، وصفا وتحليلا، متجهًا إلى الإبداع بكافة صوره؛ والراجح أن الزمن الرقمي والفضاء الافتراضي هو اليوم بصدد الإجهاز تمامًا على الشكل التقليدي في كل شيء وسيكون التعليم في مقدمة ما سيشهده العالم من ثورات على الرغم من كل ما يقال عن عثرات ما مارسته دول العالم في إطار تعاملها مع أثار جائحة كورونا على التعليم وغيره. إن الذكاء الاصطناعي ومنذ عقد تقريبًا أصبح يتحكم في صياغة المستقبل، وهي الإشارة التي تعلن عن امتلاك شكل المستقبل وقد تغير مجرى التاريخ، تماما مثلما هي الآن تعيد صياغة الفضاء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ومن يريد أن يرسم خارطة للمستقبل استشرافيًا، لا بد من أن يختزل كل التفاصيل المحبطة اليوم لصالح ما يفترضه الواقع التي انتجته الثورتان الرابعة والخامسة بكل تفاصيلها، مختزلا أحداث بحد عينها لصالح التفكير في مستقبل بدأت ملامحه تتشكل سريعًا.
إن ما يحدث يعيد رسم معالم المستقبل وبرمجة الواقع الجديد. بقدر توفيق التكنولوجية في تحرير الوعي التاريخي من قبضة الصيغ التقليدية، ومن قبضة الثقافة العالمية، ثم ربطه بعاطفة الأفراد . ولنأخذ المؤسسة التعليمية الافتراضية، أو الإلكترونية مثالا إذ هي مؤسسة تقدم للطلاب تعليمًا عبر الإنترنت من خلال منصات متعددة الخصائص ولن يبقى شكلها على ما هو عليه طويلا؛ اذ ستشهد تحولات نوعية قريبًا. إن كل ما يحتاجه الفرد سواء كان طالب مدرسة، أو جامعة هو جهاز كمبيوتر، أو أي جهاز لوحي آخر متصل بالإنترنت، من ثم تسجيل الدخول لبوابة الطالب على موقع الويب الخاص بمدرسته، أو جامعته، ومن ثم الوصول للواجبات، وحلها، ونشرها، ومتابعة العروض التقديمية لأعضاء هيئة التدريس، ومناقشة الطلاب، وإجراء البحوث وغيرها والوصول للدورات أو الدروس من أي مكان وفي أي وقت؛ فللطالب حرية إكمال الدراسة، أو حل الواجبات في أي وقت، ومن أي مكان وهي القاعدة التي تقول إن للضرورةِ أحكامًا، ولذلك كانت فرصة التعامل مع جائحة كورونا دافعًا قسريًّا للانتقال دفعة واحدة إلى الواقع الجديد من دون إغفال بدهيات التعلم ومهاراته الأساسية. هكذا هي الحياة في التعليم وغيره، من هنا كانت النظم التعليمية تتطور في سعيها الدائم لمواكبة ما يجري في العالم نحو تمليك الطلبة مهارات يتطلبها العصر الجديد، ومعلمين يقومون على التنشئة والتعليم والرعاية لطلبتهم لبناء جيلٍ متعلم ومثقف وريادي، وهو ما يتطلب معلمين مدربين ومؤهلين ومنتقين حسب معايير متخصصة لأن مستوى جودة أيّ نظام تربوي في العالم، تُقاس بنوعية معلميه قبل أي شيء آخر. لقد دخل العالم ونحن معه في عصر كورونا (كوفيد-19) المستجد مطلع العام 2020، ومع استمرار التهديد الذي تشكله جائحة فيروس كورونا تتداعى دول العالم لدراسة سُبل ضمان استمرارية التعليم عبر العالم إن استمرت الجائحة بالتواجد. وما تُشكّله من خطر على الطلبة في المدارس وربما لظهور طفرات جينية متكررة من الفيروس أو ظهور أسباب أخرى متنوعة قد تمنع التعليم المباشر أو تحد منه لظروف الأوبئة والكوارث. لقد كان الأردن من دول العالم الذي وضع خطة للتحول نحو التعلُّم عن بعد، وطبق هذا النوع من التعليم، وهو الآن أمام خيارات عديدة أتاحتها الجائحة بالمزاوجة بين التعليم التقليدي الوجاهي والإلكتروني وجاهيا وعن بعد الذي طبق عبر ما يسمى بالتعليم المتمازج، ولا نفترض هنا أنَّ التجربة ستكون مكتملة التطبيق نموذجيًّا لكننا على ثقة أنَّ التجربة واعدة وستكتمل شيئا فشيئا كالكائن الحي. إنَّ التعليم المتمازج هو خليط ومزج لعنصري التعليم التقليدي والإلكتروني معًا في الحصة الصفية لتحقيق وإنجاح النتاجات المرجوة منه. وتُريد وزارة التربية والتعليم تطبيقه بوصفه نهجًا تربويًّا دائمًا عن بعد وعن قرب في حال وجود قرار على المستوى الوطني بتعطيل المؤسسات التعليمية مرة أخرى في إطار الحرص على صحةِ الطلبةِ وسلامتهم، أو الاستمرار في التعليم المباشر مع الأخذ بعين الحسبان أن الأردن سينفذ بروتوكولًا صحيًّا دائمًا في مدارسهِ في زمن أزمة جائحةِ كورونا. إنَّ هذا المنحى في التفكير يقودنا جميعًا للتفكيرِ بكيفيةِ إيجاد الحلول لكل مشكلاتنا ولا سيما إشكالية التعليم والتعلُّم والمعضلات التي تواجهها النظمُ التعليمية في زمن الكورونا وغيره، وعن استعداداتنا على صعيد بنية النظام التعليمي ومجتمعات التعلم وتمكين المعلمين لاستثمارها في زمن الأزمات، فعالم اليوم يشهد تطورات هائلة وهذه التطورات تقودنا بالضرورة إلى إيجاد الحلول لمشاكلنا كلها، ليس على صعيد التكنولوجيا والتقنية فقط، بل يتعدّى ذلك إلى كافة جوانب الحياة، فكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وتربويًّا، فالثورة التكنولوجية الرابعة والخامسة القادمة بوتائر سريعة، صبغت عالم اليوم بلونها، ووقف الإنسان مذهولًا أمامها على الرغم من أنه هو الذي أوجدها وطورها، فنحن نرى ونعيش اليوم عصر الذرة والأقمار الصناعية، وعصر الكمبيوتر والإنترنت، والاتصالات وأجهزة الاستقبال التي حولت العالم بل الكون كله إلى قرية صغيرة، ومكنت الإنسان من الحصول على كل ما يحلُم به من المعلومات والبيانات بدقائق معدودة، ولكنه أيضًا حمل أوبئةً جديدة كإيبولا وفيروس كورونا (كوفيد-19)، وتعقيدات وفوارق هائلة بين مجتمعات التعلم والتعليم. إن التطور العلمي والتقني لم يقتصر فقط على الاختراعات والصناعات المختلفة، ولكنه أيضًا شمل العلوم الإنسانية والتربوية، وبالرغم من أنه كانَ تطورًا مفيدًا في جوانب كثيرة، ولكنه أيضًا كان مخيفًا ومربكًا في جوانب أُخرى، وعلى كل حال فقد كان لا بد من أن يحدث التطور في المجال التربوي والتعليمي جنبًا إلى جنب مع الجوانب التكنولوجية، لأن المجالين يكمل بعضهما الآخر، ولأن التطور التقني يتطلب قدرات متطورة وعالية لدى العاملين كي يستطيعوا مواكبة التطور التقني في العصر الحديث، وهكذا ارتفعت أصوات المفكرين والعلماء العاملين في المجال التربوي لإجراء ثورة في أساليب التربية والتعليم في مدارسنا، وإعادة النظر في المناهج والكتب المدرسية والوسائل التي تمكّن المدرسة من أداء عملها على الوجه الأكمل، واتفق الجميع على أهمية استخدام التكنولوجيا بوصفها أساسًا ورافعة مهمة في نجاح العملية التربوية، لأنها تمثل ضرورة في جميع مناحي الحياة، إلا أنها في التربية والتعليم ذات أهمية قصوى، فلا تعلُّم حقيقيًّا اليوم من دون استخدام التكنولوجيا ومصادر المعرفة وأدواتها العالمية. واليوم، وقد بدأت الأنظمة التربوية تتداعى للتفكير في زمن الوباء المستشري (كورونا)، والجميع ينادي بضرورة إتاحة فرص التعليم للجميع بغض النظر عن الجنس أو مكان السكن أو الطبقة الاجتماعية، وفي كل الأوقات، عادت مفاهيم التعلُّم عن بعد، واستخدام التكنولوجيا في التعليم لتحتل موقع الصدارة في اهتمامات المفكرين التربويين ليس على الصعيد الوطني فقط بل على مستوى العالم، وهذا بمجمله لن يحسن التعليم والتعلم بل سيحسن فقط بل كل مظاهر الحياة، حيث يجب أن تتوافر التكنولوجيا في المنهاج المدرسي وفي غرفة الصف، وفي أساليب التدريس والأنشطة والوسائل التعليمّية- التعلميّة، إلى غير ذلك من الأمور التي تُلبي حاجات جميع الطلبة على اختلاف إمكانياتهم وقدراتهم، وهذا يتطلب توفير المحتوى المناسب ووسائل الربط الإلكتروني ومصادر المعرفة الرقمي لمحاكاة مجتمع متنوع وضمان التعلُّم للجميع، ولأن التعلُّم عن بعد لا يحقق الإنتاجية المطلوبة، إذا بقي متروكًا للجهود الفردية للمعلمين والطلبة وقدرتهم في الوصول إلى شبكة الإنترنت، وإمكانية استخدامهم لأحدث التطبيقات التي تساعد على شرح دروس تفاعلية وإنجاز الامتحانات، وهو ما يقودنا للبحث في مفهوم التعلم والتعليم ومفهوم التعلم عن بعد. إنَّ التعلم عن بُعد هو أحد طرائق زيادة كفاءة أشكال التعلُّم وأساليبه في كل الظروف، وجاءت الحاجة إليه نتيجة التطوُّر الكبير في التقنية المعلوماتيَّة ووسائل الاتصال الحديثة؛ ما أدى إلى رواج استخداماتها التعليميَّة وظهور أشكال وأساليب جديدة أكثر فعاليَّة منها، ويجب من حيث المبدأ أن نفرق بين التعلُّم عن بُعد بوصفه بديلًا للتعلُّم التقليدي، إذ يترتب على الالتحاق بمناهج التعلُّم عن بُعد إكمال مرحلة تعليميَّة أو الحصول على مؤهل، وبين التعلُّم عن بُعد بوصفه مكمّلًا للتعلُّم التقليدي، عبر صفوف افتراضية، وبذلك سيكون لدينا متعلم نشط، ومعلم غير ملقّن في سياق التعلُّم مُتعدِّد القنوات في كل الظروف والحالات الناشئة. التعليم المتمازج هو أسلوب مألوف اعتاد تطبيقه كثير دون الالتفات للمسمى، ولتوضيح الفكرة بشكل علمي، فإن المزيج كما نعلم يتكون من عدة عناصر لينتج خليطًا متجانسًا له غرض وفائدة، ومنه نرى أن التعلم المزيج هو خلط ومزج عنصري التعلم التقليدي والإلكتروني معًا في الدرس لتحقيق وإنجاح النتاجات المرجوة منه، ولنفهم ذلك أكثر فإن التعلم التقليدي الذي اعتدناه هو أن يحضر إلى الغرفة الصفية المعلم وطلبته، ليمثل المعلم هنا دور مدير الموقف الصفي، ويتم التفاعل التربوي المباشر بين العناصر الأساسية للتعلم في الغرفة الصفية. بينما نعرف التعلم الإلكتروني أنه التعلم باستخدام التقنيات الحديثة لتطوير وتحسين مصادر التعلم المختلفة، والذي يقوم على إعادة صياغة المحتوى معتمدًا على نظريات التعلم باستخدام الوسائط الإلكترونية المتعددة لتحقيق النتاجات المرجوة بتوفير بيئة تفاعلية نشطة من خلال برامج إدارة المحتوى؛ وهذا لا يحدده الزمان أو المكان، ويُعَدُّ التعلم المتمازج “المخلوط” أفضل أنواع التعليم الإلكتروني المطبقة، إذ تتكامل فيه أساليب التعلم الإلكتروني والتقليدي معًا “التعلم المتكامل”، وبه تتفاعل العناصر التقليدية مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتتطلب تخطيط المعلم لأنشطة صفية تفاعلية مرنة بين الطلاب كالعمل التعاوني، مرتبطة بأنشطة فردية التعلم مراعيةً الفروق الفردية ونمو التعلم عند الطلبة، وكلا الأنشطة تنمي مهارات التفكير العليا، مع ضرورة التقييم المستمر لأداء الطلبة لإثارة الدافعية وكسر جمود الحصة الصفية، وهنا يمكن للمعلم أن يختار أدوات التقييم المناسبة له سواءً كانت تقليدية أو إلكترونية حيث إنها تعتمد على المصادر الإلكترونية المتاحة، وعدد الطلبة وغيرها من العوامل. إن التعلم المتمازج يخدم مهارات القرن الواحد والعشرين، والتي تبدأ بيُسر العمل به إذ يمكن تطبيقه في الغرفة الصفية وخارج حدود المدرسة الزمانية والمكانية، ويرفع العبء عن المعلم في تلقينه الطلاب للدرس، وتحمل عناء ملل الموقف التعليمي، مؤمنًا التفاعل المطلوب في الحصة، مخففًا الأعباء الإدارية من خلال الوسائل الإلكترونية في إيصال المعلومة والأنشطة المنزلية للطلبة وتقييم العمل. ويمنح المعلم فرصة لإدارة المصادر التعليمية المتاحة له بحكمة وذكاء. إنَّ التطوُّرات العديدة والكثيرة التي شهدتها نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين في المجال التكنولوجي ووسائط أو وسائل الاتصال 'الثورة الرابعة' أسهم كثيرًا في تقدُّم الجوانب التربويَّة والتعليميَّة، وبسبب الزيادة الكبيرة لعدد سكان العالم وصعوبة توفير فرص التعلُّم للجميع إلى جانب فوات الأوان للعديد من البشر عن انتهاز فرص التعلم، كل ذلك أسهم في ظهور طرائق أو أساليب جديدة للتعلُّم تلبي تلك الاحتياجات المتزايدة بخطوات سريعة، وانطلاقًا وتعزيزًا لمبدأ (التعلم للجميع) ظهر نظام التعلُّم عن بُعد، وعلى هذا الأساس يتمكَّن المُتعلِّم من أن يزاوج بين التعلُّم والعمل إن أراد ذلك، وأن يكيف المنهج الدراسي وسرعة التقدُّم في المادة الدراسيَّة بما يتفق والأوضاع والظروف الخاصة به، فالتعلُّم عن بُعد نظام لتوفير التعلُّم للناس أو الأفراد سواء أكان هذا التعلُّم هو استكمالٌ لنظام التعلُّم الصفي التقليدي أم نظامًا مستقلًا باستخدام أساليب مُتعدِّدة ومُتنوِّعة، التعلُّم عن بعد أيضًا ينص على التعلُّم الذي يعتمد على توظيف التقنيات التربويَّة سواء في إعداد النظام التعليمي القائم على الدراسة الذاتيَّة أم في إعداد المواد التعليميَّة القائمة على التعلُّم الذاتي أو في استخدام الوسائل أو الأساليب التقنية الحديثة أو في تقويم المناهج التعليميَّة أو تقويم تحصيل المُتعلِّمين. إنَّ التعلُّم عن بُعد وعن قرب معًا 'التعليم المتمازج' يعد تعليمًا جماهيريًّا يقوم أساسًا على فلسفة تُؤكد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليميَّة المتاحة، بمعنى تقديم فرص التعلُّم والتدريب لكل من يريد في الوقت والمكان الذي يريده من دون التقيد بالطرائق أو الأساليب والوسائل الاعتياديَّة المُستخدَمة في عمليَّة التعلُّم التقليدية، لضمان استمرارية العملية التعليمية في كل الظروف، للإيفاء بحق الطلبة في التعليم كما كفلته الدساتير، والمواثيق والعهود الدولية باعتبار أن التعليم حق إنساني وأساسي للطلبة في كل الظروف.
عمان جو - بقلم : زيد أبو زيد - قفز العالم اليوم إلى الأمام قفزة هائلة كانت تستلزم عقودا عديدة حتى يحقق ما حققه ويحققه اليوم على صعيد تقنيات التعليم وفي علوم الأوبئة وحتى على صعيد المستلزمات الطبية ودراسات اقتصاد السوق والعملات الإلكترونية وفي شكل مدرسة وجامعة المستقبل وما هي مهن المستقبل ومهاراته لأن القفزة إلى الأمام في مجال التعليم ستكون أساسًا لكل شيء لاحق ولذلك قال جلالة الملك عبدالله الثاني في مقدمة ورقته النقاشية السابعة ' لقد تنامى في الآونة الأخيرة نقاش محموم حول ملف التعليم، لم يقتصر على أمة دون أمة، ولا على قطر دون قطر. ولقد أسعدني أن كان لبلادنا العربية من هذا النقاش نصيب كبير شهدنا آثاره في الأردن على شتى الصعد، وعبر مختلف المؤسسات. وإنني مستبشر بهذا النقاش الجاد، فهو إن دل على شيء فإنما يدل على يقظة ووعي بما لهذا الملف من أهمية كبرى وأثر عظيم. ولا عجب، فما من أمة تنهض بغير التعليم، وقد بات من البدهيات أن لا شيء يعدل التعليم في مسيرة بناء الدول، وتغيير وجه العالم، إلى الأجمل والأكمل والأفضل، ولا سيما في مرحلة باتت تتسابق فيها الأمم في اقتصاد المعرفة، واستثمار الطاقات البشرية.
لم يعد خافيا على أحد أننا نعيش في عصر تسارعت خطاه، وأننا لن نستطيع أن نواكب تحديات هذا العصر إلا بأدواته المعرفية الجديدة، ولا أن نلبي احتياجاته إلا بوسائله التقنية الحديثة.
ولا يمكننا في ظل هذا الواقع، أن نغفل عن التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم، بدءا من الاعتراف بها، ومن ثم بذل الجهود لتجاوزها، وابتكار الحلول الناجعة لها، وصولا إلى نظام تعليمي حديث، يشكل مرتكزا أساسيا في بناء المستقبل المزدهر الذي نسعى إليه. ولذلك فإننا نرى أهمية التوصيات التي قدمتها لجنة تنمية الموارد البشرية العام الماضي وضرورة العمل بها. إن ما قدمه جلالة الملك إذا ما ارتبط بمضامين الأوراق النقاشية السبع يؤدي إلى فهم عميق لمجمل ما يحدث في العالم، وهي مؤشرات لقواعد تؤكد قدرة شعوب على الانبعاث، وتجنيب الحضارة الإنسانية الأفول والانهيار عند وقوع النكبات والحروب والأوبئة، وصحيح أن العالم يبدي ارتباكًا واضحا أمام الثورات والتغيرات التي يشهدها العالم في الزمن الرقمي والافتراضي في ظل الأزمات الوبائية والاقتصادية الكبرى. ولكن المتتبع للتطورات التي تحصل اليوم في العالم الافتراضي والثقافة الرقمية يشعر عن بداية التكيف والتفاعل مع الواقع الجديد، وصفا وتحليلا، متجهًا إلى الإبداع بكافة صوره؛ والراجح أن الزمن الرقمي والفضاء الافتراضي هو اليوم بصدد الإجهاز تمامًا على الشكل التقليدي في كل شيء وسيكون التعليم في مقدمة ما سيشهده العالم من ثورات على الرغم من كل ما يقال عن عثرات ما مارسته دول العالم في إطار تعاملها مع أثار جائحة كورونا على التعليم وغيره. إن الذكاء الاصطناعي ومنذ عقد تقريبًا أصبح يتحكم في صياغة المستقبل، وهي الإشارة التي تعلن عن امتلاك شكل المستقبل وقد تغير مجرى التاريخ، تماما مثلما هي الآن تعيد صياغة الفضاء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ومن يريد أن يرسم خارطة للمستقبل استشرافيًا، لا بد من أن يختزل كل التفاصيل المحبطة اليوم لصالح ما يفترضه الواقع التي انتجته الثورتان الرابعة والخامسة بكل تفاصيلها، مختزلا أحداث بحد عينها لصالح التفكير في مستقبل بدأت ملامحه تتشكل سريعًا.
إن ما يحدث يعيد رسم معالم المستقبل وبرمجة الواقع الجديد. بقدر توفيق التكنولوجية في تحرير الوعي التاريخي من قبضة الصيغ التقليدية، ومن قبضة الثقافة العالمية، ثم ربطه بعاطفة الأفراد . ولنأخذ المؤسسة التعليمية الافتراضية، أو الإلكترونية مثالا إذ هي مؤسسة تقدم للطلاب تعليمًا عبر الإنترنت من خلال منصات متعددة الخصائص ولن يبقى شكلها على ما هو عليه طويلا؛ اذ ستشهد تحولات نوعية قريبًا. إن كل ما يحتاجه الفرد سواء كان طالب مدرسة، أو جامعة هو جهاز كمبيوتر، أو أي جهاز لوحي آخر متصل بالإنترنت، من ثم تسجيل الدخول لبوابة الطالب على موقع الويب الخاص بمدرسته، أو جامعته، ومن ثم الوصول للواجبات، وحلها، ونشرها، ومتابعة العروض التقديمية لأعضاء هيئة التدريس، ومناقشة الطلاب، وإجراء البحوث وغيرها والوصول للدورات أو الدروس من أي مكان وفي أي وقت؛ فللطالب حرية إكمال الدراسة، أو حل الواجبات في أي وقت، ومن أي مكان وهي القاعدة التي تقول إن للضرورةِ أحكامًا، ولذلك كانت فرصة التعامل مع جائحة كورونا دافعًا قسريًّا للانتقال دفعة واحدة إلى الواقع الجديد من دون إغفال بدهيات التعلم ومهاراته الأساسية. هكذا هي الحياة في التعليم وغيره، من هنا كانت النظم التعليمية تتطور في سعيها الدائم لمواكبة ما يجري في العالم نحو تمليك الطلبة مهارات يتطلبها العصر الجديد، ومعلمين يقومون على التنشئة والتعليم والرعاية لطلبتهم لبناء جيلٍ متعلم ومثقف وريادي، وهو ما يتطلب معلمين مدربين ومؤهلين ومنتقين حسب معايير متخصصة لأن مستوى جودة أيّ نظام تربوي في العالم، تُقاس بنوعية معلميه قبل أي شيء آخر. لقد دخل العالم ونحن معه في عصر كورونا (كوفيد-19) المستجد مطلع العام 2020، ومع استمرار التهديد الذي تشكله جائحة فيروس كورونا تتداعى دول العالم لدراسة سُبل ضمان استمرارية التعليم عبر العالم إن استمرت الجائحة بالتواجد. وما تُشكّله من خطر على الطلبة في المدارس وربما لظهور طفرات جينية متكررة من الفيروس أو ظهور أسباب أخرى متنوعة قد تمنع التعليم المباشر أو تحد منه لظروف الأوبئة والكوارث. لقد كان الأردن من دول العالم الذي وضع خطة للتحول نحو التعلُّم عن بعد، وطبق هذا النوع من التعليم، وهو الآن أمام خيارات عديدة أتاحتها الجائحة بالمزاوجة بين التعليم التقليدي الوجاهي والإلكتروني وجاهيا وعن بعد الذي طبق عبر ما يسمى بالتعليم المتمازج، ولا نفترض هنا أنَّ التجربة ستكون مكتملة التطبيق نموذجيًّا لكننا على ثقة أنَّ التجربة واعدة وستكتمل شيئا فشيئا كالكائن الحي. إنَّ التعليم المتمازج هو خليط ومزج لعنصري التعليم التقليدي والإلكتروني معًا في الحصة الصفية لتحقيق وإنجاح النتاجات المرجوة منه. وتُريد وزارة التربية والتعليم تطبيقه بوصفه نهجًا تربويًّا دائمًا عن بعد وعن قرب في حال وجود قرار على المستوى الوطني بتعطيل المؤسسات التعليمية مرة أخرى في إطار الحرص على صحةِ الطلبةِ وسلامتهم، أو الاستمرار في التعليم المباشر مع الأخذ بعين الحسبان أن الأردن سينفذ بروتوكولًا صحيًّا دائمًا في مدارسهِ في زمن أزمة جائحةِ كورونا. إنَّ هذا المنحى في التفكير يقودنا جميعًا للتفكيرِ بكيفيةِ إيجاد الحلول لكل مشكلاتنا ولا سيما إشكالية التعليم والتعلُّم والمعضلات التي تواجهها النظمُ التعليمية في زمن الكورونا وغيره، وعن استعداداتنا على صعيد بنية النظام التعليمي ومجتمعات التعلم وتمكين المعلمين لاستثمارها في زمن الأزمات، فعالم اليوم يشهد تطورات هائلة وهذه التطورات تقودنا بالضرورة إلى إيجاد الحلول لمشاكلنا كلها، ليس على صعيد التكنولوجيا والتقنية فقط، بل يتعدّى ذلك إلى كافة جوانب الحياة، فكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وتربويًّا، فالثورة التكنولوجية الرابعة والخامسة القادمة بوتائر سريعة، صبغت عالم اليوم بلونها، ووقف الإنسان مذهولًا أمامها على الرغم من أنه هو الذي أوجدها وطورها، فنحن نرى ونعيش اليوم عصر الذرة والأقمار الصناعية، وعصر الكمبيوتر والإنترنت، والاتصالات وأجهزة الاستقبال التي حولت العالم بل الكون كله إلى قرية صغيرة، ومكنت الإنسان من الحصول على كل ما يحلُم به من المعلومات والبيانات بدقائق معدودة، ولكنه أيضًا حمل أوبئةً جديدة كإيبولا وفيروس كورونا (كوفيد-19)، وتعقيدات وفوارق هائلة بين مجتمعات التعلم والتعليم. إن التطور العلمي والتقني لم يقتصر فقط على الاختراعات والصناعات المختلفة، ولكنه أيضًا شمل العلوم الإنسانية والتربوية، وبالرغم من أنه كانَ تطورًا مفيدًا في جوانب كثيرة، ولكنه أيضًا كان مخيفًا ومربكًا في جوانب أُخرى، وعلى كل حال فقد كان لا بد من أن يحدث التطور في المجال التربوي والتعليمي جنبًا إلى جنب مع الجوانب التكنولوجية، لأن المجالين يكمل بعضهما الآخر، ولأن التطور التقني يتطلب قدرات متطورة وعالية لدى العاملين كي يستطيعوا مواكبة التطور التقني في العصر الحديث، وهكذا ارتفعت أصوات المفكرين والعلماء العاملين في المجال التربوي لإجراء ثورة في أساليب التربية والتعليم في مدارسنا، وإعادة النظر في المناهج والكتب المدرسية والوسائل التي تمكّن المدرسة من أداء عملها على الوجه الأكمل، واتفق الجميع على أهمية استخدام التكنولوجيا بوصفها أساسًا ورافعة مهمة في نجاح العملية التربوية، لأنها تمثل ضرورة في جميع مناحي الحياة، إلا أنها في التربية والتعليم ذات أهمية قصوى، فلا تعلُّم حقيقيًّا اليوم من دون استخدام التكنولوجيا ومصادر المعرفة وأدواتها العالمية. واليوم، وقد بدأت الأنظمة التربوية تتداعى للتفكير في زمن الوباء المستشري (كورونا)، والجميع ينادي بضرورة إتاحة فرص التعليم للجميع بغض النظر عن الجنس أو مكان السكن أو الطبقة الاجتماعية، وفي كل الأوقات، عادت مفاهيم التعلُّم عن بعد، واستخدام التكنولوجيا في التعليم لتحتل موقع الصدارة في اهتمامات المفكرين التربويين ليس على الصعيد الوطني فقط بل على مستوى العالم، وهذا بمجمله لن يحسن التعليم والتعلم بل سيحسن فقط بل كل مظاهر الحياة، حيث يجب أن تتوافر التكنولوجيا في المنهاج المدرسي وفي غرفة الصف، وفي أساليب التدريس والأنشطة والوسائل التعليمّية- التعلميّة، إلى غير ذلك من الأمور التي تُلبي حاجات جميع الطلبة على اختلاف إمكانياتهم وقدراتهم، وهذا يتطلب توفير المحتوى المناسب ووسائل الربط الإلكتروني ومصادر المعرفة الرقمي لمحاكاة مجتمع متنوع وضمان التعلُّم للجميع، ولأن التعلُّم عن بعد لا يحقق الإنتاجية المطلوبة، إذا بقي متروكًا للجهود الفردية للمعلمين والطلبة وقدرتهم في الوصول إلى شبكة الإنترنت، وإمكانية استخدامهم لأحدث التطبيقات التي تساعد على شرح دروس تفاعلية وإنجاز الامتحانات، وهو ما يقودنا للبحث في مفهوم التعلم والتعليم ومفهوم التعلم عن بعد. إنَّ التعلم عن بُعد هو أحد طرائق زيادة كفاءة أشكال التعلُّم وأساليبه في كل الظروف، وجاءت الحاجة إليه نتيجة التطوُّر الكبير في التقنية المعلوماتيَّة ووسائل الاتصال الحديثة؛ ما أدى إلى رواج استخداماتها التعليميَّة وظهور أشكال وأساليب جديدة أكثر فعاليَّة منها، ويجب من حيث المبدأ أن نفرق بين التعلُّم عن بُعد بوصفه بديلًا للتعلُّم التقليدي، إذ يترتب على الالتحاق بمناهج التعلُّم عن بُعد إكمال مرحلة تعليميَّة أو الحصول على مؤهل، وبين التعلُّم عن بُعد بوصفه مكمّلًا للتعلُّم التقليدي، عبر صفوف افتراضية، وبذلك سيكون لدينا متعلم نشط، ومعلم غير ملقّن في سياق التعلُّم مُتعدِّد القنوات في كل الظروف والحالات الناشئة. التعليم المتمازج هو أسلوب مألوف اعتاد تطبيقه كثير دون الالتفات للمسمى، ولتوضيح الفكرة بشكل علمي، فإن المزيج كما نعلم يتكون من عدة عناصر لينتج خليطًا متجانسًا له غرض وفائدة، ومنه نرى أن التعلم المزيج هو خلط ومزج عنصري التعلم التقليدي والإلكتروني معًا في الدرس لتحقيق وإنجاح النتاجات المرجوة منه، ولنفهم ذلك أكثر فإن التعلم التقليدي الذي اعتدناه هو أن يحضر إلى الغرفة الصفية المعلم وطلبته، ليمثل المعلم هنا دور مدير الموقف الصفي، ويتم التفاعل التربوي المباشر بين العناصر الأساسية للتعلم في الغرفة الصفية. بينما نعرف التعلم الإلكتروني أنه التعلم باستخدام التقنيات الحديثة لتطوير وتحسين مصادر التعلم المختلفة، والذي يقوم على إعادة صياغة المحتوى معتمدًا على نظريات التعلم باستخدام الوسائط الإلكترونية المتعددة لتحقيق النتاجات المرجوة بتوفير بيئة تفاعلية نشطة من خلال برامج إدارة المحتوى؛ وهذا لا يحدده الزمان أو المكان، ويُعَدُّ التعلم المتمازج “المخلوط” أفضل أنواع التعليم الإلكتروني المطبقة، إذ تتكامل فيه أساليب التعلم الإلكتروني والتقليدي معًا “التعلم المتكامل”، وبه تتفاعل العناصر التقليدية مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتتطلب تخطيط المعلم لأنشطة صفية تفاعلية مرنة بين الطلاب كالعمل التعاوني، مرتبطة بأنشطة فردية التعلم مراعيةً الفروق الفردية ونمو التعلم عند الطلبة، وكلا الأنشطة تنمي مهارات التفكير العليا، مع ضرورة التقييم المستمر لأداء الطلبة لإثارة الدافعية وكسر جمود الحصة الصفية، وهنا يمكن للمعلم أن يختار أدوات التقييم المناسبة له سواءً كانت تقليدية أو إلكترونية حيث إنها تعتمد على المصادر الإلكترونية المتاحة، وعدد الطلبة وغيرها من العوامل. إن التعلم المتمازج يخدم مهارات القرن الواحد والعشرين، والتي تبدأ بيُسر العمل به إذ يمكن تطبيقه في الغرفة الصفية وخارج حدود المدرسة الزمانية والمكانية، ويرفع العبء عن المعلم في تلقينه الطلاب للدرس، وتحمل عناء ملل الموقف التعليمي، مؤمنًا التفاعل المطلوب في الحصة، مخففًا الأعباء الإدارية من خلال الوسائل الإلكترونية في إيصال المعلومة والأنشطة المنزلية للطلبة وتقييم العمل. ويمنح المعلم فرصة لإدارة المصادر التعليمية المتاحة له بحكمة وذكاء. إنَّ التطوُّرات العديدة والكثيرة التي شهدتها نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين في المجال التكنولوجي ووسائط أو وسائل الاتصال 'الثورة الرابعة' أسهم كثيرًا في تقدُّم الجوانب التربويَّة والتعليميَّة، وبسبب الزيادة الكبيرة لعدد سكان العالم وصعوبة توفير فرص التعلُّم للجميع إلى جانب فوات الأوان للعديد من البشر عن انتهاز فرص التعلم، كل ذلك أسهم في ظهور طرائق أو أساليب جديدة للتعلُّم تلبي تلك الاحتياجات المتزايدة بخطوات سريعة، وانطلاقًا وتعزيزًا لمبدأ (التعلم للجميع) ظهر نظام التعلُّم عن بُعد، وعلى هذا الأساس يتمكَّن المُتعلِّم من أن يزاوج بين التعلُّم والعمل إن أراد ذلك، وأن يكيف المنهج الدراسي وسرعة التقدُّم في المادة الدراسيَّة بما يتفق والأوضاع والظروف الخاصة به، فالتعلُّم عن بُعد نظام لتوفير التعلُّم للناس أو الأفراد سواء أكان هذا التعلُّم هو استكمالٌ لنظام التعلُّم الصفي التقليدي أم نظامًا مستقلًا باستخدام أساليب مُتعدِّدة ومُتنوِّعة، التعلُّم عن بعد أيضًا ينص على التعلُّم الذي يعتمد على توظيف التقنيات التربويَّة سواء في إعداد النظام التعليمي القائم على الدراسة الذاتيَّة أم في إعداد المواد التعليميَّة القائمة على التعلُّم الذاتي أو في استخدام الوسائل أو الأساليب التقنية الحديثة أو في تقويم المناهج التعليميَّة أو تقويم تحصيل المُتعلِّمين. إنَّ التعلُّم عن بُعد وعن قرب معًا 'التعليم المتمازج' يعد تعليمًا جماهيريًّا يقوم أساسًا على فلسفة تُؤكد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليميَّة المتاحة، بمعنى تقديم فرص التعلُّم والتدريب لكل من يريد في الوقت والمكان الذي يريده من دون التقيد بالطرائق أو الأساليب والوسائل الاعتياديَّة المُستخدَمة في عمليَّة التعلُّم التقليدية، لضمان استمرارية العملية التعليمية في كل الظروف، للإيفاء بحق الطلبة في التعليم كما كفلته الدساتير، والمواثيق والعهود الدولية باعتبار أن التعليم حق إنساني وأساسي للطلبة في كل الظروف.
التعليقات
زمن تحولات التاريخ في عصر الفضاءات الرقمية وأثر ذلك في التعليم المتمازج وبين الصف الافتراضي والصف التقليدي وبين "التعليم عن بعد وعن قرب
التعليقات