عمان جو - طارق ديلواني
أثارت زيارة مفاجئة قام بها جلالة الملك عبد الله الثاني إلى مقامات وأضرحة آل البيت والصحابة جنوب البلاد، وقبل يومين من القمة الثلاثية العراقية - المصرية - الأردنية في بغداد، التكهنات حول سماح السلطات الأردنية بفتح الأبواب أمام السياحة الدينية.
لكن مراقبين رأوا أن الزيارة لم تكن أكثر من رسالة سياسية إلى أهل العراق، خصوصاً أن العاهل الأردني كان من أوائل من حذروا من 'الهلال الإيراني'، وطالب العالم بمواجهته، كما أشار مراراً إلى تهديدات إيرانية طالت الأردن، وتزايدت في 2019 على نحو غير مسبوق عبر أدوات طهران في المنطقة ووكلائها.
نفط السياحة الدينية
الفكرة ليست جديدة أردنياً، وهي مطروحة منذ سنوات، غير أن عضو اللجنة الملكية للإصلاح زيد النابلسي أعادها إلى الواجهة مجدداً عبر مقالة وصف فيها تدفق الحجاج الإيرانيين على الجنوب الأردني بأنه 'يوازي اكتشاف النفط'.
واستند النابلسي في موقفه إلى تصريحات قديمة منسوبة إلى وزير أوقاف أردني سابق، قال فيها إنه حَرم الاقتصاد الأردني من مليارات العوائد عندما رفض عرضاً لزيارة نصف مليون سائح إيراني سنوياً للأردن.
ويدعو النابلسي إلى استثمار السياحة الدينية بعيداً من الهواجس والمخاوف والوساوس والفوبيا غير المبررة، والنظر إلى الأمر من زاوية اقتصادية بحتة، خصوصاً في ما يخص جنوب البلاد الذي يضم أضرحة وقبوراً لصحابة وتابعين، حيث تعاني مناطق الجنوب عموماً الفقر وانعدام الفرص والبطالة المزمنة.
ويرى عضو اللجنة الملكية للإصلاح أن انتعاشاً اقتصادياً يمكن أن يعيشه جنوب البلاد لو تحول إلى مزار لملايين السياح الإيرانيين الذين سيجلبون معهم العملة الصعبة والحركة الاقتصادية، ويبعثون الحياة في مدن قست عليها سنوات التهميش والإهمال.
لكن مراقبين عدة يرون أنه لا توجد أية قاعدة جماهيرية لإيران في الأردن، باستثناء عشرات الأشخاص من اليساريين والبعثيين الداعمين لرئيس النظام السوري بشار الأسد وزعيم حزب الله حسن نصرالله.
البحث عن موطئ قدم
وفي موقف مخالف، يقول السفير الأردني السابق في طهران بسام العموش إن طهران 'تحلم بتصدير الثورة الإيرانية منذ أن جاء الخميني من باريس، وأن الأردن لم يكن بمعزل عن هذا الحلم'.
ويعتقد العموش أن أهم بلدين تطمع إيران في التسلل إليهما، هما الأردن ومصر، ويضيف أن 'مصر ذات عدد سكاني يصعب التأثير فيه بشكل ملحوظ، ولهذا يبقى الأردن هو الصيد الذي تطمع به طهران'.
ويؤكد العموش أن سفيراً إيرانياً سابقاً في الأردن شكل تنظيماً مسلحاً، وحينما علمت السلطات الأردنية طالبته بمغادرة البلاد، واعتبرته غير مرغوب فيه، وأشار إلى محاولات عدة لحزب الله اللبناني، ذراع إيران في المنطقة، لتهريب السلاح عبر الأردن بحجة دعم المقاومة الفلسطينية.
ويصف الأصوات الداعية إلى السياحة الدينية الإيرانية بأنها 'قديمة'، ويضيف، 'وعي الأمن الأردني كان دائماً هو الصخرة التي تتحطم عليها أحلام إيران بإيجاد موطئ قدم لها'.
ويكشف العموش عن عرض تلقاه من الإيرانيين حينما كان سفيراً في طهران، يقضي ببناء مطار في مدينة الكرك جنوب الأردن بهدف استقبال ألف زائر إيراني يومياً، مضيفاً 'اشترطت عليهم توقيع اتفاق أمني فلم أتلق رداً، كما عرضوا تنفيذ مشروع مائي كبير في الأردن، لكنهم اشترطوا أن تكون العمالة إيرانية، ففهمتُ من ذلك أنهم يريدون الاستيطان تحت مسمى عمال'.
وحذر السفير الأردني السابق أصحاب القرار من النيات الحقيقية لإيران، وقال إنهم 'لا يريدون السياحة، وإنما السباحة في أمن الأردن واستقراره'.
بدوره، يؤكد وزير الإعلام السابق سميح المعايطة أن ملف سياحة الإيرانيين إلى مقامات آل البيت في الأردن 'محسوم منذ التسعينيات'، ويضيف، 'على الرغم من أن البعض يرى فيه باباً لزيادة إيرادات السياحة، فإن قناعة الجهات الرسمية أن له أخطاراً أمنية، وبوابة لاختراق الأردن طائفياً وسياسياً'.
عداء إيراني للأردن
وكانت طهران وجهت للمرة الأولى على الإطلاق تهديداً مبطناً للأردن على لسان قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني علي حاجي زادة، الذي قال إن 'على الأردن إخراج القوات الأميركية من أراضيها طوعاً، وإلا فإن القوات الإيرانية ستخرج الأميركيين بالقوة'، وذاك بعد أيام من مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
تصريحات زادة لم تكن الأولى من نوعها ضد الأردن، إذ قال في تصريحات صحافية عام 2017 إن الميليشيات الإيرانية في سوريا ستنتصر على ما سماه 'التحالف التركي - الأردني - الغربي'.
وقبل سنوات، حذّر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعكوب عميدرور، من أن يشكل النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط تهديداً جدياً ومباشراً على الأردن مع تمدد طهران ميدانياً في سوريا.
وبحسب الجنرال الإسرائيلي، فإن عدم استقرار الأردن يعتبر مصلحة استراتيجية لإيران، مستغلة المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد.
وتتهم السلطات الأردنية منذ سنوات الحرس الثوري الإيراني بمحاولة إيجاد موطئ قدم له على الأرض الأردنية، وتشكيل خلايا إرهابية نائمة، استناداً إلى تصريحات نسبت إلى قاسم سليماني قال فيها 'إن إيران أضافت الأردن إلى قائمة الدول التي تتحكم فيها، وأن الأردن تتوافر فيه إمكانية اندلاع ثورة إسلامية تستطيع إيران أن تتحكم فيها'.
وفي عام 2015 ألقت السلطات الأمنية الأردنية القبض على جاسوس يعمل لمصلحة إيران، كان مكلفاً بإنشاء خلايا نائمة هدفها الإخلال بالأمن وتنفيذ تفجيرات ضخمة.
وبحسب التحقيقات، جنّد الحرس الثوري الإيراني المواطن العراقي خالد كاظم جاسم الربيعي، الذي يحمل الجنسية النرويجية أيضاً، لتنفيذ مخطط تفجير كبير على الأرض الأردنية بنحو 45 كيلوغراماً من المتفجرات، كانت مخبأة في منطقة ثغرة عصفور شمال المملكة، إضافة لتكليفه بتشكيل خلايا نائمة.
التسلل الناعم
وبينما حذر الملك قبل نحو 14 عاماً من 'الهلال الشيعي'، تمر العلاقات الأردنية - الإيرانية بفتور دبلوماسي واضح وتمنّع أردني، مقابل محاولات طهران اليائسة للتسلل إلى عمّان، لكن ذلك كله يواجه بتمنع أردني شكا منه السفير الإيراني السابق لدى الأردن محبتي فردوسي، الذي يردد مفردة 'الارتياب' في إشارة إلى طبيعة العلاقة بين البلدين، حيث تمتنع عمّان حتى اللحظة عن تسمية سفير لها في طهران، منذ سحبه رسمياً رداً على الاعتداء على سفارة السعودية في العاصمة الإيرانية.
وظلت العلاقات الأردنية - الإيرانية منذ اندلاع الثورة بقيادة الخميني عام 1979 تتأرجح بين العداء والدبلوماسية الحذرة، واليوم يبدو الخلاف في الموقف السياسي واضحاً بين البلدين، لا سيما في ملفات فلسطين وسوريا والعراق.
ولم تغفر طهران للأردن مواقفها العروبية بعد مساندة العراق في حرب الثمانية أعوام مع إيران عام 1980، وأزمة الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
وعادت العلاقات إلى التوتر مجدداً عام 2000 بعدما اتهم الأردن إيران بتهريب الأسلحة من أراضيها إلى الأراضي الفلسطينية، وتجنيد عناصر لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل انطلاقاً من أراضيها.
وعلى الرغم من الزيارة اليتيمة التي قام بها الملك عبد الله الثاني إلى طهران عام 2003، فإن العلاقات ظلت هشة، إذ طالب البرلمان الأردني الحكومة بقطع العلاقات مع إيران، وخرجت تظاهرات شعبية تهاجم سياسات طهران في المنطقة.
وقدمت طهران خلال السنوات الماضية عروضاً عدة تقوم بموجبها بتزويد الأردن بالنفط بأسعار تفضيلية لمدة 30 عاماً، في مقابل مطالب بينها فتح الباب واسعاً أمام السياحة الدينية للإيرانيين، وتحديداً في جنوب المملكة، حيث مراقد وأضرحة عدد من الصحابة، ومنهم جعفر بن أبي طالب.
ورفضت عمّان هذ المطلب، وتجاهلت طلباً آخر ببناء 'حسينية' في منطقة مؤتة بمدينة الكرك الجنوبية بحجة وجود طائفة شيعية لا يزيد تعدادها في كل أنحاء المملكة على 300 شخص. وعام 2016، رفض الأردن طلباً إيرانياً جديداً للسماح بزيارة نصف مليون سائح البلاد.
واتصلت 'اندبندنت عربية' بالسفارة الإيرانية في عمان للتعليق على الاتهامات الواردة في التقرير لكنها لم تتلق ردا منها.
اندبندنت عربية
عمان جو - طارق ديلواني
أثارت زيارة مفاجئة قام بها جلالة الملك عبد الله الثاني إلى مقامات وأضرحة آل البيت والصحابة جنوب البلاد، وقبل يومين من القمة الثلاثية العراقية - المصرية - الأردنية في بغداد، التكهنات حول سماح السلطات الأردنية بفتح الأبواب أمام السياحة الدينية.
لكن مراقبين رأوا أن الزيارة لم تكن أكثر من رسالة سياسية إلى أهل العراق، خصوصاً أن العاهل الأردني كان من أوائل من حذروا من 'الهلال الإيراني'، وطالب العالم بمواجهته، كما أشار مراراً إلى تهديدات إيرانية طالت الأردن، وتزايدت في 2019 على نحو غير مسبوق عبر أدوات طهران في المنطقة ووكلائها.
نفط السياحة الدينية
الفكرة ليست جديدة أردنياً، وهي مطروحة منذ سنوات، غير أن عضو اللجنة الملكية للإصلاح زيد النابلسي أعادها إلى الواجهة مجدداً عبر مقالة وصف فيها تدفق الحجاج الإيرانيين على الجنوب الأردني بأنه 'يوازي اكتشاف النفط'.
واستند النابلسي في موقفه إلى تصريحات قديمة منسوبة إلى وزير أوقاف أردني سابق، قال فيها إنه حَرم الاقتصاد الأردني من مليارات العوائد عندما رفض عرضاً لزيارة نصف مليون سائح إيراني سنوياً للأردن.
ويدعو النابلسي إلى استثمار السياحة الدينية بعيداً من الهواجس والمخاوف والوساوس والفوبيا غير المبررة، والنظر إلى الأمر من زاوية اقتصادية بحتة، خصوصاً في ما يخص جنوب البلاد الذي يضم أضرحة وقبوراً لصحابة وتابعين، حيث تعاني مناطق الجنوب عموماً الفقر وانعدام الفرص والبطالة المزمنة.
ويرى عضو اللجنة الملكية للإصلاح أن انتعاشاً اقتصادياً يمكن أن يعيشه جنوب البلاد لو تحول إلى مزار لملايين السياح الإيرانيين الذين سيجلبون معهم العملة الصعبة والحركة الاقتصادية، ويبعثون الحياة في مدن قست عليها سنوات التهميش والإهمال.
لكن مراقبين عدة يرون أنه لا توجد أية قاعدة جماهيرية لإيران في الأردن، باستثناء عشرات الأشخاص من اليساريين والبعثيين الداعمين لرئيس النظام السوري بشار الأسد وزعيم حزب الله حسن نصرالله.
البحث عن موطئ قدم
وفي موقف مخالف، يقول السفير الأردني السابق في طهران بسام العموش إن طهران 'تحلم بتصدير الثورة الإيرانية منذ أن جاء الخميني من باريس، وأن الأردن لم يكن بمعزل عن هذا الحلم'.
ويعتقد العموش أن أهم بلدين تطمع إيران في التسلل إليهما، هما الأردن ومصر، ويضيف أن 'مصر ذات عدد سكاني يصعب التأثير فيه بشكل ملحوظ، ولهذا يبقى الأردن هو الصيد الذي تطمع به طهران'.
ويؤكد العموش أن سفيراً إيرانياً سابقاً في الأردن شكل تنظيماً مسلحاً، وحينما علمت السلطات الأردنية طالبته بمغادرة البلاد، واعتبرته غير مرغوب فيه، وأشار إلى محاولات عدة لحزب الله اللبناني، ذراع إيران في المنطقة، لتهريب السلاح عبر الأردن بحجة دعم المقاومة الفلسطينية.
ويصف الأصوات الداعية إلى السياحة الدينية الإيرانية بأنها 'قديمة'، ويضيف، 'وعي الأمن الأردني كان دائماً هو الصخرة التي تتحطم عليها أحلام إيران بإيجاد موطئ قدم لها'.
ويكشف العموش عن عرض تلقاه من الإيرانيين حينما كان سفيراً في طهران، يقضي ببناء مطار في مدينة الكرك جنوب الأردن بهدف استقبال ألف زائر إيراني يومياً، مضيفاً 'اشترطت عليهم توقيع اتفاق أمني فلم أتلق رداً، كما عرضوا تنفيذ مشروع مائي كبير في الأردن، لكنهم اشترطوا أن تكون العمالة إيرانية، ففهمتُ من ذلك أنهم يريدون الاستيطان تحت مسمى عمال'.
وحذر السفير الأردني السابق أصحاب القرار من النيات الحقيقية لإيران، وقال إنهم 'لا يريدون السياحة، وإنما السباحة في أمن الأردن واستقراره'.
بدوره، يؤكد وزير الإعلام السابق سميح المعايطة أن ملف سياحة الإيرانيين إلى مقامات آل البيت في الأردن 'محسوم منذ التسعينيات'، ويضيف، 'على الرغم من أن البعض يرى فيه باباً لزيادة إيرادات السياحة، فإن قناعة الجهات الرسمية أن له أخطاراً أمنية، وبوابة لاختراق الأردن طائفياً وسياسياً'.
عداء إيراني للأردن
وكانت طهران وجهت للمرة الأولى على الإطلاق تهديداً مبطناً للأردن على لسان قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني علي حاجي زادة، الذي قال إن 'على الأردن إخراج القوات الأميركية من أراضيها طوعاً، وإلا فإن القوات الإيرانية ستخرج الأميركيين بالقوة'، وذاك بعد أيام من مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
تصريحات زادة لم تكن الأولى من نوعها ضد الأردن، إذ قال في تصريحات صحافية عام 2017 إن الميليشيات الإيرانية في سوريا ستنتصر على ما سماه 'التحالف التركي - الأردني - الغربي'.
وقبل سنوات، حذّر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعكوب عميدرور، من أن يشكل النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط تهديداً جدياً ومباشراً على الأردن مع تمدد طهران ميدانياً في سوريا.
وبحسب الجنرال الإسرائيلي، فإن عدم استقرار الأردن يعتبر مصلحة استراتيجية لإيران، مستغلة المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد.
وتتهم السلطات الأردنية منذ سنوات الحرس الثوري الإيراني بمحاولة إيجاد موطئ قدم له على الأرض الأردنية، وتشكيل خلايا إرهابية نائمة، استناداً إلى تصريحات نسبت إلى قاسم سليماني قال فيها 'إن إيران أضافت الأردن إلى قائمة الدول التي تتحكم فيها، وأن الأردن تتوافر فيه إمكانية اندلاع ثورة إسلامية تستطيع إيران أن تتحكم فيها'.
وفي عام 2015 ألقت السلطات الأمنية الأردنية القبض على جاسوس يعمل لمصلحة إيران، كان مكلفاً بإنشاء خلايا نائمة هدفها الإخلال بالأمن وتنفيذ تفجيرات ضخمة.
وبحسب التحقيقات، جنّد الحرس الثوري الإيراني المواطن العراقي خالد كاظم جاسم الربيعي، الذي يحمل الجنسية النرويجية أيضاً، لتنفيذ مخطط تفجير كبير على الأرض الأردنية بنحو 45 كيلوغراماً من المتفجرات، كانت مخبأة في منطقة ثغرة عصفور شمال المملكة، إضافة لتكليفه بتشكيل خلايا نائمة.
التسلل الناعم
وبينما حذر الملك قبل نحو 14 عاماً من 'الهلال الشيعي'، تمر العلاقات الأردنية - الإيرانية بفتور دبلوماسي واضح وتمنّع أردني، مقابل محاولات طهران اليائسة للتسلل إلى عمّان، لكن ذلك كله يواجه بتمنع أردني شكا منه السفير الإيراني السابق لدى الأردن محبتي فردوسي، الذي يردد مفردة 'الارتياب' في إشارة إلى طبيعة العلاقة بين البلدين، حيث تمتنع عمّان حتى اللحظة عن تسمية سفير لها في طهران، منذ سحبه رسمياً رداً على الاعتداء على سفارة السعودية في العاصمة الإيرانية.
وظلت العلاقات الأردنية - الإيرانية منذ اندلاع الثورة بقيادة الخميني عام 1979 تتأرجح بين العداء والدبلوماسية الحذرة، واليوم يبدو الخلاف في الموقف السياسي واضحاً بين البلدين، لا سيما في ملفات فلسطين وسوريا والعراق.
ولم تغفر طهران للأردن مواقفها العروبية بعد مساندة العراق في حرب الثمانية أعوام مع إيران عام 1980، وأزمة الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
وعادت العلاقات إلى التوتر مجدداً عام 2000 بعدما اتهم الأردن إيران بتهريب الأسلحة من أراضيها إلى الأراضي الفلسطينية، وتجنيد عناصر لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل انطلاقاً من أراضيها.
وعلى الرغم من الزيارة اليتيمة التي قام بها الملك عبد الله الثاني إلى طهران عام 2003، فإن العلاقات ظلت هشة، إذ طالب البرلمان الأردني الحكومة بقطع العلاقات مع إيران، وخرجت تظاهرات شعبية تهاجم سياسات طهران في المنطقة.
وقدمت طهران خلال السنوات الماضية عروضاً عدة تقوم بموجبها بتزويد الأردن بالنفط بأسعار تفضيلية لمدة 30 عاماً، في مقابل مطالب بينها فتح الباب واسعاً أمام السياحة الدينية للإيرانيين، وتحديداً في جنوب المملكة، حيث مراقد وأضرحة عدد من الصحابة، ومنهم جعفر بن أبي طالب.
ورفضت عمّان هذ المطلب، وتجاهلت طلباً آخر ببناء 'حسينية' في منطقة مؤتة بمدينة الكرك الجنوبية بحجة وجود طائفة شيعية لا يزيد تعدادها في كل أنحاء المملكة على 300 شخص. وعام 2016، رفض الأردن طلباً إيرانياً جديداً للسماح بزيارة نصف مليون سائح البلاد.
واتصلت 'اندبندنت عربية' بالسفارة الإيرانية في عمان للتعليق على الاتهامات الواردة في التقرير لكنها لم تتلق ردا منها.
اندبندنت عربية
عمان جو - طارق ديلواني
أثارت زيارة مفاجئة قام بها جلالة الملك عبد الله الثاني إلى مقامات وأضرحة آل البيت والصحابة جنوب البلاد، وقبل يومين من القمة الثلاثية العراقية - المصرية - الأردنية في بغداد، التكهنات حول سماح السلطات الأردنية بفتح الأبواب أمام السياحة الدينية.
لكن مراقبين رأوا أن الزيارة لم تكن أكثر من رسالة سياسية إلى أهل العراق، خصوصاً أن العاهل الأردني كان من أوائل من حذروا من 'الهلال الإيراني'، وطالب العالم بمواجهته، كما أشار مراراً إلى تهديدات إيرانية طالت الأردن، وتزايدت في 2019 على نحو غير مسبوق عبر أدوات طهران في المنطقة ووكلائها.
نفط السياحة الدينية
الفكرة ليست جديدة أردنياً، وهي مطروحة منذ سنوات، غير أن عضو اللجنة الملكية للإصلاح زيد النابلسي أعادها إلى الواجهة مجدداً عبر مقالة وصف فيها تدفق الحجاج الإيرانيين على الجنوب الأردني بأنه 'يوازي اكتشاف النفط'.
واستند النابلسي في موقفه إلى تصريحات قديمة منسوبة إلى وزير أوقاف أردني سابق، قال فيها إنه حَرم الاقتصاد الأردني من مليارات العوائد عندما رفض عرضاً لزيارة نصف مليون سائح إيراني سنوياً للأردن.
ويدعو النابلسي إلى استثمار السياحة الدينية بعيداً من الهواجس والمخاوف والوساوس والفوبيا غير المبررة، والنظر إلى الأمر من زاوية اقتصادية بحتة، خصوصاً في ما يخص جنوب البلاد الذي يضم أضرحة وقبوراً لصحابة وتابعين، حيث تعاني مناطق الجنوب عموماً الفقر وانعدام الفرص والبطالة المزمنة.
ويرى عضو اللجنة الملكية للإصلاح أن انتعاشاً اقتصادياً يمكن أن يعيشه جنوب البلاد لو تحول إلى مزار لملايين السياح الإيرانيين الذين سيجلبون معهم العملة الصعبة والحركة الاقتصادية، ويبعثون الحياة في مدن قست عليها سنوات التهميش والإهمال.
لكن مراقبين عدة يرون أنه لا توجد أية قاعدة جماهيرية لإيران في الأردن، باستثناء عشرات الأشخاص من اليساريين والبعثيين الداعمين لرئيس النظام السوري بشار الأسد وزعيم حزب الله حسن نصرالله.
البحث عن موطئ قدم
وفي موقف مخالف، يقول السفير الأردني السابق في طهران بسام العموش إن طهران 'تحلم بتصدير الثورة الإيرانية منذ أن جاء الخميني من باريس، وأن الأردن لم يكن بمعزل عن هذا الحلم'.
ويعتقد العموش أن أهم بلدين تطمع إيران في التسلل إليهما، هما الأردن ومصر، ويضيف أن 'مصر ذات عدد سكاني يصعب التأثير فيه بشكل ملحوظ، ولهذا يبقى الأردن هو الصيد الذي تطمع به طهران'.
ويؤكد العموش أن سفيراً إيرانياً سابقاً في الأردن شكل تنظيماً مسلحاً، وحينما علمت السلطات الأردنية طالبته بمغادرة البلاد، واعتبرته غير مرغوب فيه، وأشار إلى محاولات عدة لحزب الله اللبناني، ذراع إيران في المنطقة، لتهريب السلاح عبر الأردن بحجة دعم المقاومة الفلسطينية.
ويصف الأصوات الداعية إلى السياحة الدينية الإيرانية بأنها 'قديمة'، ويضيف، 'وعي الأمن الأردني كان دائماً هو الصخرة التي تتحطم عليها أحلام إيران بإيجاد موطئ قدم لها'.
ويكشف العموش عن عرض تلقاه من الإيرانيين حينما كان سفيراً في طهران، يقضي ببناء مطار في مدينة الكرك جنوب الأردن بهدف استقبال ألف زائر إيراني يومياً، مضيفاً 'اشترطت عليهم توقيع اتفاق أمني فلم أتلق رداً، كما عرضوا تنفيذ مشروع مائي كبير في الأردن، لكنهم اشترطوا أن تكون العمالة إيرانية، ففهمتُ من ذلك أنهم يريدون الاستيطان تحت مسمى عمال'.
وحذر السفير الأردني السابق أصحاب القرار من النيات الحقيقية لإيران، وقال إنهم 'لا يريدون السياحة، وإنما السباحة في أمن الأردن واستقراره'.
بدوره، يؤكد وزير الإعلام السابق سميح المعايطة أن ملف سياحة الإيرانيين إلى مقامات آل البيت في الأردن 'محسوم منذ التسعينيات'، ويضيف، 'على الرغم من أن البعض يرى فيه باباً لزيادة إيرادات السياحة، فإن قناعة الجهات الرسمية أن له أخطاراً أمنية، وبوابة لاختراق الأردن طائفياً وسياسياً'.
عداء إيراني للأردن
وكانت طهران وجهت للمرة الأولى على الإطلاق تهديداً مبطناً للأردن على لسان قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني علي حاجي زادة، الذي قال إن 'على الأردن إخراج القوات الأميركية من أراضيها طوعاً، وإلا فإن القوات الإيرانية ستخرج الأميركيين بالقوة'، وذاك بعد أيام من مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
تصريحات زادة لم تكن الأولى من نوعها ضد الأردن، إذ قال في تصريحات صحافية عام 2017 إن الميليشيات الإيرانية في سوريا ستنتصر على ما سماه 'التحالف التركي - الأردني - الغربي'.
وقبل سنوات، حذّر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعكوب عميدرور، من أن يشكل النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط تهديداً جدياً ومباشراً على الأردن مع تمدد طهران ميدانياً في سوريا.
وبحسب الجنرال الإسرائيلي، فإن عدم استقرار الأردن يعتبر مصلحة استراتيجية لإيران، مستغلة المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد.
وتتهم السلطات الأردنية منذ سنوات الحرس الثوري الإيراني بمحاولة إيجاد موطئ قدم له على الأرض الأردنية، وتشكيل خلايا إرهابية نائمة، استناداً إلى تصريحات نسبت إلى قاسم سليماني قال فيها 'إن إيران أضافت الأردن إلى قائمة الدول التي تتحكم فيها، وأن الأردن تتوافر فيه إمكانية اندلاع ثورة إسلامية تستطيع إيران أن تتحكم فيها'.
وفي عام 2015 ألقت السلطات الأمنية الأردنية القبض على جاسوس يعمل لمصلحة إيران، كان مكلفاً بإنشاء خلايا نائمة هدفها الإخلال بالأمن وتنفيذ تفجيرات ضخمة.
وبحسب التحقيقات، جنّد الحرس الثوري الإيراني المواطن العراقي خالد كاظم جاسم الربيعي، الذي يحمل الجنسية النرويجية أيضاً، لتنفيذ مخطط تفجير كبير على الأرض الأردنية بنحو 45 كيلوغراماً من المتفجرات، كانت مخبأة في منطقة ثغرة عصفور شمال المملكة، إضافة لتكليفه بتشكيل خلايا نائمة.
التسلل الناعم
وبينما حذر الملك قبل نحو 14 عاماً من 'الهلال الشيعي'، تمر العلاقات الأردنية - الإيرانية بفتور دبلوماسي واضح وتمنّع أردني، مقابل محاولات طهران اليائسة للتسلل إلى عمّان، لكن ذلك كله يواجه بتمنع أردني شكا منه السفير الإيراني السابق لدى الأردن محبتي فردوسي، الذي يردد مفردة 'الارتياب' في إشارة إلى طبيعة العلاقة بين البلدين، حيث تمتنع عمّان حتى اللحظة عن تسمية سفير لها في طهران، منذ سحبه رسمياً رداً على الاعتداء على سفارة السعودية في العاصمة الإيرانية.
وظلت العلاقات الأردنية - الإيرانية منذ اندلاع الثورة بقيادة الخميني عام 1979 تتأرجح بين العداء والدبلوماسية الحذرة، واليوم يبدو الخلاف في الموقف السياسي واضحاً بين البلدين، لا سيما في ملفات فلسطين وسوريا والعراق.
ولم تغفر طهران للأردن مواقفها العروبية بعد مساندة العراق في حرب الثمانية أعوام مع إيران عام 1980، وأزمة الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
وعادت العلاقات إلى التوتر مجدداً عام 2000 بعدما اتهم الأردن إيران بتهريب الأسلحة من أراضيها إلى الأراضي الفلسطينية، وتجنيد عناصر لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل انطلاقاً من أراضيها.
وعلى الرغم من الزيارة اليتيمة التي قام بها الملك عبد الله الثاني إلى طهران عام 2003، فإن العلاقات ظلت هشة، إذ طالب البرلمان الأردني الحكومة بقطع العلاقات مع إيران، وخرجت تظاهرات شعبية تهاجم سياسات طهران في المنطقة.
وقدمت طهران خلال السنوات الماضية عروضاً عدة تقوم بموجبها بتزويد الأردن بالنفط بأسعار تفضيلية لمدة 30 عاماً، في مقابل مطالب بينها فتح الباب واسعاً أمام السياحة الدينية للإيرانيين، وتحديداً في جنوب المملكة، حيث مراقد وأضرحة عدد من الصحابة، ومنهم جعفر بن أبي طالب.
ورفضت عمّان هذ المطلب، وتجاهلت طلباً آخر ببناء 'حسينية' في منطقة مؤتة بمدينة الكرك الجنوبية بحجة وجود طائفة شيعية لا يزيد تعدادها في كل أنحاء المملكة على 300 شخص. وعام 2016، رفض الأردن طلباً إيرانياً جديداً للسماح بزيارة نصف مليون سائح البلاد.
واتصلت 'اندبندنت عربية' بالسفارة الإيرانية في عمان للتعليق على الاتهامات الواردة في التقرير لكنها لم تتلق ردا منها.
اندبندنت عربية
التعليقات