عمان جو - العراقة والخبرة ليست بطبخ المنسف وتقديمه، بل ايضا في تقاليد واصول تناول المنسف. وليس كل من وقف على سدر منسف فانه يعرف في اصول وتقاليد اكله.
طبعا، لا نزاع على ان المنسف من اشهى واطيب الاكلات. ولا نزاع على ان المنسف اكلة عريقة ومأصلة، واكلة لها طقوسها. واهم ما يميز المنسف حتى من يترددوا بالاول عن تناوله، وما ان يتناولوا اول وجبة حتى يتحولوا الى مدمنين ومنسفجية.
واذكر ايام الدراسة في المغرب، كنا طلابا من اقطار عربية منوعة، سورية ولبنان وفلسطين والعراق وليبيا ومصر، والسودان. وكل اسبوع يقع الاختيار على احدنا ليقوم بطهي واعداد طبخة ما. وحرصنا على اختيار وجبات محلية، كل واحد يقدم الوجبة الشعبية الاكثر انتشارا في بلده.
وبعدما جربنا الاكل الليبي والمصري والسوري، وكل بلد لها سر اجتماعي وشعبي في الاكل والطعام. ولربما هذا السر بابعاد اخرى يخفي ايضا خبايا اقتصادية وثقافية وسياسية لأي اكلة في العالم.
وقد تتعرف من بوابة المطبخ على مجتمع وثقافة ما. طبخت لزملاء الدراسة المنسف مرتين او ثلاثة لا اذكر بالضبط. وفي المرة الاولى كانوا مترددين، وبعضهم رفض فكرة طبخ اللبن «الشراب» مع اللحم، واستهجنوا فكرة المنسف من اصلها، ورائحة اللبن وتقديم المنسف على سدر وعرض اللحم والتشريب، ورمي الشراك فوق الرأس على السدر، استدرجتهم تدريجيا، واوقعتهم في فخ الاغواء.
ومن اول «طبخة منسف» وصلنا الى اجماع شبه كلي بين الرفاق والزملاء على ان المنسف اكلة طيبة وشهية. وقاموا على السدر، وجلدوه، برزه وخبزه ولحمه ورأسه، ورجع السدر على المطبخ مغسل ومجلي جاهز دون غسيل.
ومن باب فخامة المنسف، وانا اعتبر ان ثمة «طقوس مقدسة» في تقديم وتناول المنسف. وهناك ايضا احتراف في تناوله، المنسف لا يؤكل بملعقة، ومن المعيب والتقليل من هيبة وقيمة المنسف تناوله في ملعقة، والمنسف لا يؤكل في صحون، وهذه من اكبر الاهانات الى رمزية المنسف، ولا يوضع على منسف بقدونس وكزبرة، ومكسرات، المنسف الاصلي دون اي اضافات تذكر.
كما ان المنسفجية المحترفين يتفنون في تناول المنسف، ودحبرة اللقمة، والدحبرة فعل لا يقوى على القيام به الا محترفو أكيلة المنسف. وتجمع اللقمة في طابة من الرز واللحم، وتفنن في تدويرها، ورميها بطريقة فنية محترفة نحو الفم لابتلاعها.
الكلام عن المنسف يأخذك الى الشعور بالجوع. وعندما تشتهي المنسف لا تقاوم التهيؤ لطبخه وتناوله. في عمان هناك مطاعم كثيرة تقدم المنسف، ووصلنا من عسر ورخاوة وبؤس الحال الى تقديم المنسف في كأسة، وشوهت صورة المنسف الرمزية الوطنية والاجتماعية، وكما لو ان المنسف اكلة مستوردة واجنبية، ووضعه في كاسة في قمة الاهانة والابتذال، وتكلمنا كثيرا في رسائل مثقلة بشعور الغبن والاهانة الى وزارتي السياحة والثقافة، ولكن اذن من طين واذن من عجين.
وفي الاونة الاخيرة، ما يشد قلقي على المنسف، ولربما ان مخاوفي كبرت مع اقترانه في المجال العام بلقاءات واجتماعات فارطة وبلا معنى وقيمة يكون ختامها تناول سدر منسف.
الجوعى وجوعى ومفوجعين، وجوعى بـ dna ومصابون بجوع في الجين، وجوع مزمن ومتوارث، يسيئون الى المنسف، ويسيئون الى هيبة ورمزية المنسف، والمنسف ليس وجبة لملىء البطن وحشو معدة، والمنسف «وجبة مقدسة». ولو اني احمل قرارا لمنعت شريحة من تناوله، وحميت المنسف من لبس المحال والمقام.
على كل الاحوال، ما ان فرغت من كتابة هذا المقال، وحتى توجهت الى أحد المطاعم لتناول منسف بلدي، وانا افضل لحم الجدي، لانه مش مدهن، والجميد الكركي، واهم شي هو الطبخ «العوس»، ومن بين يدي الشيف الفنان «زياد الاردني».
عمان جو - العراقة والخبرة ليست بطبخ المنسف وتقديمه، بل ايضا في تقاليد واصول تناول المنسف. وليس كل من وقف على سدر منسف فانه يعرف في اصول وتقاليد اكله.
طبعا، لا نزاع على ان المنسف من اشهى واطيب الاكلات. ولا نزاع على ان المنسف اكلة عريقة ومأصلة، واكلة لها طقوسها. واهم ما يميز المنسف حتى من يترددوا بالاول عن تناوله، وما ان يتناولوا اول وجبة حتى يتحولوا الى مدمنين ومنسفجية.
واذكر ايام الدراسة في المغرب، كنا طلابا من اقطار عربية منوعة، سورية ولبنان وفلسطين والعراق وليبيا ومصر، والسودان. وكل اسبوع يقع الاختيار على احدنا ليقوم بطهي واعداد طبخة ما. وحرصنا على اختيار وجبات محلية، كل واحد يقدم الوجبة الشعبية الاكثر انتشارا في بلده.
وبعدما جربنا الاكل الليبي والمصري والسوري، وكل بلد لها سر اجتماعي وشعبي في الاكل والطعام. ولربما هذا السر بابعاد اخرى يخفي ايضا خبايا اقتصادية وثقافية وسياسية لأي اكلة في العالم.
وقد تتعرف من بوابة المطبخ على مجتمع وثقافة ما. طبخت لزملاء الدراسة المنسف مرتين او ثلاثة لا اذكر بالضبط. وفي المرة الاولى كانوا مترددين، وبعضهم رفض فكرة طبخ اللبن «الشراب» مع اللحم، واستهجنوا فكرة المنسف من اصلها، ورائحة اللبن وتقديم المنسف على سدر وعرض اللحم والتشريب، ورمي الشراك فوق الرأس على السدر، استدرجتهم تدريجيا، واوقعتهم في فخ الاغواء.
ومن اول «طبخة منسف» وصلنا الى اجماع شبه كلي بين الرفاق والزملاء على ان المنسف اكلة طيبة وشهية. وقاموا على السدر، وجلدوه، برزه وخبزه ولحمه ورأسه، ورجع السدر على المطبخ مغسل ومجلي جاهز دون غسيل.
ومن باب فخامة المنسف، وانا اعتبر ان ثمة «طقوس مقدسة» في تقديم وتناول المنسف. وهناك ايضا احتراف في تناوله، المنسف لا يؤكل بملعقة، ومن المعيب والتقليل من هيبة وقيمة المنسف تناوله في ملعقة، والمنسف لا يؤكل في صحون، وهذه من اكبر الاهانات الى رمزية المنسف، ولا يوضع على منسف بقدونس وكزبرة، ومكسرات، المنسف الاصلي دون اي اضافات تذكر.
كما ان المنسفجية المحترفين يتفنون في تناول المنسف، ودحبرة اللقمة، والدحبرة فعل لا يقوى على القيام به الا محترفو أكيلة المنسف. وتجمع اللقمة في طابة من الرز واللحم، وتفنن في تدويرها، ورميها بطريقة فنية محترفة نحو الفم لابتلاعها.
الكلام عن المنسف يأخذك الى الشعور بالجوع. وعندما تشتهي المنسف لا تقاوم التهيؤ لطبخه وتناوله. في عمان هناك مطاعم كثيرة تقدم المنسف، ووصلنا من عسر ورخاوة وبؤس الحال الى تقديم المنسف في كأسة، وشوهت صورة المنسف الرمزية الوطنية والاجتماعية، وكما لو ان المنسف اكلة مستوردة واجنبية، ووضعه في كاسة في قمة الاهانة والابتذال، وتكلمنا كثيرا في رسائل مثقلة بشعور الغبن والاهانة الى وزارتي السياحة والثقافة، ولكن اذن من طين واذن من عجين.
وفي الاونة الاخيرة، ما يشد قلقي على المنسف، ولربما ان مخاوفي كبرت مع اقترانه في المجال العام بلقاءات واجتماعات فارطة وبلا معنى وقيمة يكون ختامها تناول سدر منسف.
الجوعى وجوعى ومفوجعين، وجوعى بـ dna ومصابون بجوع في الجين، وجوع مزمن ومتوارث، يسيئون الى المنسف، ويسيئون الى هيبة ورمزية المنسف، والمنسف ليس وجبة لملىء البطن وحشو معدة، والمنسف «وجبة مقدسة». ولو اني احمل قرارا لمنعت شريحة من تناوله، وحميت المنسف من لبس المحال والمقام.
على كل الاحوال، ما ان فرغت من كتابة هذا المقال، وحتى توجهت الى أحد المطاعم لتناول منسف بلدي، وانا افضل لحم الجدي، لانه مش مدهن، والجميد الكركي، واهم شي هو الطبخ «العوس»، ومن بين يدي الشيف الفنان «زياد الاردني».
عمان جو - العراقة والخبرة ليست بطبخ المنسف وتقديمه، بل ايضا في تقاليد واصول تناول المنسف. وليس كل من وقف على سدر منسف فانه يعرف في اصول وتقاليد اكله.
طبعا، لا نزاع على ان المنسف من اشهى واطيب الاكلات. ولا نزاع على ان المنسف اكلة عريقة ومأصلة، واكلة لها طقوسها. واهم ما يميز المنسف حتى من يترددوا بالاول عن تناوله، وما ان يتناولوا اول وجبة حتى يتحولوا الى مدمنين ومنسفجية.
واذكر ايام الدراسة في المغرب، كنا طلابا من اقطار عربية منوعة، سورية ولبنان وفلسطين والعراق وليبيا ومصر، والسودان. وكل اسبوع يقع الاختيار على احدنا ليقوم بطهي واعداد طبخة ما. وحرصنا على اختيار وجبات محلية، كل واحد يقدم الوجبة الشعبية الاكثر انتشارا في بلده.
وبعدما جربنا الاكل الليبي والمصري والسوري، وكل بلد لها سر اجتماعي وشعبي في الاكل والطعام. ولربما هذا السر بابعاد اخرى يخفي ايضا خبايا اقتصادية وثقافية وسياسية لأي اكلة في العالم.
وقد تتعرف من بوابة المطبخ على مجتمع وثقافة ما. طبخت لزملاء الدراسة المنسف مرتين او ثلاثة لا اذكر بالضبط. وفي المرة الاولى كانوا مترددين، وبعضهم رفض فكرة طبخ اللبن «الشراب» مع اللحم، واستهجنوا فكرة المنسف من اصلها، ورائحة اللبن وتقديم المنسف على سدر وعرض اللحم والتشريب، ورمي الشراك فوق الرأس على السدر، استدرجتهم تدريجيا، واوقعتهم في فخ الاغواء.
ومن اول «طبخة منسف» وصلنا الى اجماع شبه كلي بين الرفاق والزملاء على ان المنسف اكلة طيبة وشهية. وقاموا على السدر، وجلدوه، برزه وخبزه ولحمه ورأسه، ورجع السدر على المطبخ مغسل ومجلي جاهز دون غسيل.
ومن باب فخامة المنسف، وانا اعتبر ان ثمة «طقوس مقدسة» في تقديم وتناول المنسف. وهناك ايضا احتراف في تناوله، المنسف لا يؤكل بملعقة، ومن المعيب والتقليل من هيبة وقيمة المنسف تناوله في ملعقة، والمنسف لا يؤكل في صحون، وهذه من اكبر الاهانات الى رمزية المنسف، ولا يوضع على منسف بقدونس وكزبرة، ومكسرات، المنسف الاصلي دون اي اضافات تذكر.
كما ان المنسفجية المحترفين يتفنون في تناول المنسف، ودحبرة اللقمة، والدحبرة فعل لا يقوى على القيام به الا محترفو أكيلة المنسف. وتجمع اللقمة في طابة من الرز واللحم، وتفنن في تدويرها، ورميها بطريقة فنية محترفة نحو الفم لابتلاعها.
الكلام عن المنسف يأخذك الى الشعور بالجوع. وعندما تشتهي المنسف لا تقاوم التهيؤ لطبخه وتناوله. في عمان هناك مطاعم كثيرة تقدم المنسف، ووصلنا من عسر ورخاوة وبؤس الحال الى تقديم المنسف في كأسة، وشوهت صورة المنسف الرمزية الوطنية والاجتماعية، وكما لو ان المنسف اكلة مستوردة واجنبية، ووضعه في كاسة في قمة الاهانة والابتذال، وتكلمنا كثيرا في رسائل مثقلة بشعور الغبن والاهانة الى وزارتي السياحة والثقافة، ولكن اذن من طين واذن من عجين.
وفي الاونة الاخيرة، ما يشد قلقي على المنسف، ولربما ان مخاوفي كبرت مع اقترانه في المجال العام بلقاءات واجتماعات فارطة وبلا معنى وقيمة يكون ختامها تناول سدر منسف.
الجوعى وجوعى ومفوجعين، وجوعى بـ dna ومصابون بجوع في الجين، وجوع مزمن ومتوارث، يسيئون الى المنسف، ويسيئون الى هيبة ورمزية المنسف، والمنسف ليس وجبة لملىء البطن وحشو معدة، والمنسف «وجبة مقدسة». ولو اني احمل قرارا لمنعت شريحة من تناوله، وحميت المنسف من لبس المحال والمقام.
على كل الاحوال، ما ان فرغت من كتابة هذا المقال، وحتى توجهت الى أحد المطاعم لتناول منسف بلدي، وانا افضل لحم الجدي، لانه مش مدهن، والجميد الكركي، واهم شي هو الطبخ «العوس»، ومن بين يدي الشيف الفنان «زياد الاردني».
التعليقات