عمان جو – سعيد أبو معلا
لا تذكر القضية الفلسطينية إلا وتذكر المملكة الأردنية الهاشمية فورا. أسباب ذلك كثيرة من ضمنها العلاقة التاريخية التي ربطت بين الشعبين والبلدين، وهي علاقة وإن كانت تغرف من التاريخ حيث تأسست على دور أردني في مدينة القدس بشكل خاص حيث تعتبر السيادة الدينية في المسجد الأقصى من نصيب هذا البلد الصغير، كما أنها تأخذ من الجغرافيا كل الدلالات والمؤشرات.
وقبل أيام قليلة صدر تقرير رصدي عن مؤسسة القدس الدولية أشار بوضوح إلى أن التحديات التي يواجهها المسجد الأقصى مستمرة، وأن الاحتلال عازم على اختراق «الوضع القائم» وتثبيت نفسه متحكما بالأقصى بشكل كامل وهو أمر يهدد السيادة الأردنية على المسجد بشكل مباشر.
كما طالب التقرير الأردن بضرورة رفع سقف مواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف دوره في الأقصى وما يتصل بدعم دائرة الأوقاف المشرفة على المسجد وعدم السكوت على الاعتداءات بحق موظفيها ومسؤوليها، وتحصين موقف الأوقاف الإسلامية بالقدس عبر التحامها مع الجماهير المقدسية وعدم ركونها لدورها الوظيفي الإداري. وطالبها بالتعامل مع باب الرحمة بصفته مصلى من مصليات الأقصى وليس مبنى إداريا كما يريد الاحتلال، وهو أمر يتطلب العمل على ترميمه وصيانته.
جاء ذلك في ظل تنامي ممنهج لمحاولات تهويد مدينة القدس، وهي في ذلك تستغل عدم وضوح تفاصيل الدور الأردني في اتفاقية «وادي عربة» الموقعة بين الجانبين عام 1994 حيث لم تتضمن تفاصيل واضحة حول الصلاحيات التي يمتلكها الأردن بهذا الخصوص.
ورغم ذلك نشط الأردن ضمن جهد دبلوماسي ملحوظ في الفترة الماضية حيث استضاف الملك الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أسبوع تقريبا، كما أن هناك جهودا ملحوظة لعقد لقاء ثلاثي بين الأردن والسلطة الفلسطينية ومصر.
وجاء في تصريحات عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، إنه من المتوقع أن تعقد قمة ثلاثية فلسطينية مصرية أردنية قريبا، لتنسيق المواقف قبيل توجه الرئيس محمود عباس إلى الأمم المتحدة، مرجحا أن تكون هذه القمة في القاهرة.
وأشار الأحمد أن المطلوب من الإدارة الأمريكية، أن تمارس ضغطا حقيقيا على إسرائيل، وقال إن لدى السلطة معلومات أن الإدارة الأمريكية أبلغت رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت بأن يأتي إلى أمريكا بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وجاء في تصريحات بينيت قبل أن يعقد لقاءه مع الرئيس الأمريكي بايدن أنه «لا يوافق على إقامة دولة فلسطينية، وإنه سيواصل الاستيطان».
في هكذا ظروف كيف يمكن قراءة الدور الأردني في القضية الفلسطينية؟ وما مدى قدرته على التحرك في ظل معطيات جديدة تتحدث عن حالة تقارب إيجابية بين المملكة والحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديد؟ وما مدى قدرة المملكة على التحرك الدبلوماسي لخدمة القضية الفلسطينية ومشروع حل الدولتين؟
الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي يرى في حديث خاص مع «القدس العربي» أنه صحيح أن الأردن غادر أربع سنوات عجاف كانت مع كل من الرئيس الأمريكي السابق ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بالإضافة إلى بقايا تحالف «صفقة القرن» فخلال السنوات الماضية انتعش حلف سياسي عمل على إقصاء المملكة كليا، وتعامل بخشونة معها، وترتب على ذلك تقليص دور الأردن ومحاصرته ووضعه في عزلة والتآمر عليه، فالعلاقة السابقة كانت متأزمة للغاية رغم أنها مع حلفاء تقليديين.
وتابع مدير مركز القدس للدراسات السياسية والمحلل السياسي في صحيفة «الدستور» اليومية: «دخل الأردن مرحلة الارتياح النسبي مع وجود إدارة أمريكية متفهمة لمصالحه، وتنظر إليه على أنه شريك قوي وصاحب دور لا يمكن تجاهله، وهو أمر نلحظه من خلال طريقة تعامل الحكومة الإسرائيلية اليمينية مع الأردن».
لكن والحديث للرنتاوي، فإن الإشارات الإيجابية المقبلة من إسرائيل تقتصر على قضايا وموضوعات تكتيكية مثل: موضوع المياه، والحديث عن زيادة التبادل التجاري وظهور لغة دبلوماسية ناعمة، أما الحديث عن القضايا الجوهرية في الصراع فلا نلحظ أن هناك تغيرا أبدا.
إدارة الأزمة
وعن أسباب ذلك يرى الرنتاوي أن إدارة بايدن ليس لديها أي تصور عملي لحل الدولتين، ولا تريد أن يكون لديها هذا التصور، صحيح انها تتحدث عن هذا التصور، لكن على الأرض لا تحرك أي ساكن، ولا تقود أي جهود ملموسة في سبيل ذلك. إنها تدير أزمة ولا تحلها، إنها تقود جهود إخماد الحرائق والأزمات وليس حلها. وبالتالي هي لا تستثمر وقتا ولا جهدا لحل القضية الفلسطينية، «وهو أمر، في الحقيقة، يعتبر خبرا سيئا للأردن الذي يستعجل قيام دولة فلسطينية وإغلاق ملف المفاوضات والوصول لصيغة سلام عادل».
ويشرح الرنتاوي أن ما يرصد في الفعل الإسرائيلي الميداني يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة أكثر سوءا من سابقتها، فالانتهاكات مستمرة ويتم استهداف الوصاية الأردنية على الأوقاف الإسلامية بشكل مباشر، فالأرقام تقول أن هناك زيادة بنسبة 60 في المئة في حجم الاعتداءات والهجمة الاستيطانية منذ تولت الحكومة اليمينية الجديدة، فكل ما له علاقة بالتهويد يتم تكثيفه، والائتلاف الرباعي اليميني الذي يشكل الحكومة الجديدة يقوم على نقطتين محددتين أولهما الاتفاق على الاستمرار بتهويد القدس، والثاني الاستمرار بالتوسع الاستيطاني بما يضمن ذلك الوقوف سدا منيعا في وجه أي محاولة بناء فلسطينية في مناطق ج.
التفكير بالحلول بديلة
أما عن لغة الغزل السياسي أو ظهور لغة دبلوماسية ناعمة على السطح يؤكد الرنتاوي أنه أمر ملاحظ لكنه يقتصر على السطح ولا يغوص في عمق القضايا، فليس هناك أي تقدم في أي ملف جوهري وأساسي، بل ما نراه هو الاستمرار في رفض حل الدولتين (على لسان لبيد) ورفض المفاوضات (على لسان بينيت).
يؤكد الرنتاوي بدوره أن هناك منحى إيجابيا لكنه يصطدم بالواقع وجوهر السياسات الإسرائيلية، والسلطة في رام الله تدرك أن مشروعها الوطني انتهى، وبالتالي المشهد مليء بالعجز وقلة الحيلة والترهل وعدم الاستعداد لمرحلة جديدة فرضت على كل الأطراف العربية.
يخلص الرنتاوي المشهد مؤكدا أن ما يجري هو عمليا «سياسة تقطيع الوقت وإدارة الأزمات اليومية، وهو أمر تماما يخدم المشروع الاستيطاني، وهذا على المدى القصير، أما على المدى الطويل فتتزايد الأصوات داخل إسرائيل وخارجها التي تتحدث عن الدولة البديلة، هذه الأصوات أصبحت أكثر قوة، نسمع في إسرائيل أصوات من شاكلة: لماذا يريدون دولة فلسطينية في الضفة طالما أن للفلسطينيين دولة في الضفة الشرقية؟ وهذا يعني ظهور حلول الدول الثلاث الذي أصبح يعود من جديد، فهناك دولة إسرائيل والأردن التي تذهب الضفة لها، ومصر التي يكون من نصيبها قطاع غزة.
بدوره يقرأ الرنتاوي مسألة التقرب الإسرائيلي من الأردن على أنه محاولة على تشجيعه وتحفيزه على التفكير بالحلول البديلة، وهو يرى أن ما يحدث من تحركات مبشرة، من وجهة نظر البعض، وتعبير عن حالة انفراج إقليمي، «أرى أن هذا لا يعني وجود فرصة لحل الدولتين، ببساطة هناك انفراجة لخلق حل بديل عن حل الدولتين، أو على الأقل تأبيد الوضع الراهن والقبول فيه وهذا يعني مزيدا من الخسارة والتراجع والتمدد الاستيطاني».
نهاية النهاية
يؤكد الرنتاوي أن الأردن لديه رغبة حقيقية يدفع بها من أجل قيام عملية سلام جدية ومثمرة، لكنه بالحقيقة لا يملك ما يضغط به على إسرائيل، ولا أي قوى إقليمية تملك بيدها ما يشكل ضغطا على إسرائيل كي تذهب نحو خيار حل الدولتين، وحدها أمريكا قادرة لكن أولوياتها بعيدة عن المنطقة. الأمثلة على ذلك كثيرة بحسب رنتاوي منها أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية كانت من دون متابعة وجاءت بعد ان اشتعل الميدان كله، أما هادي عمرو، فقال صراحة «لا تتوقعوا منا الكثير».
هذه المعطيات برأي الرنتاوي تأتي في ظل أن مساعي الأردن تنطلق من إحساسه أن بايدن يمثل فرصة أخيرة، لكنها تصطدم بطريق مسدود، يعزز ذلك أن الوضع الداخلي الفلسطيني لا يشجع على إحداث تغيير، فالفلسطينيون منقسمون والسلطة عاجزة عن اقتراح بديل أمام تراجع أو اختفاء حل الدولتين، فالتصور الفلسطيني للحل ما زال أسيرا لعام 1974 وهو تصور انتهى واقعيا من دون أن يكون هناك خيار بديل، فنحن عمليا وصلنا إلى نهاية النهاية وليس إلى بداية النهاية.
3 ملفات جوهرية
الدكتور والباحث جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان يؤكد أن الأردن يتعاطى مع القضية الفلسطينية عبر ملفات ثلاثة، الأول: ملف القدس والموقف الأردني المعلن هو أن على إسرائيل وقف سياسة التهويد التي تمارسها في مدينة القدس المحتلة، وهذا يعني بالضرورة التوقف عن طرد العائلات من الأحياء المقدسية وكذلك التدخل في شؤون الحرم المقدسي الذي يخضع للسيادة الهاشمية.
ويضيف الحمد أن هذا الملف يعتبر إشكالية أردنية مع كل الحكومات الإسرائيلية، والحكومة اليمينية الحالية ليست استثناء، ويؤكد أن هذا الملف سيستمر في كونه مساحة للشد والجذب بين الأردن والحكومة الإسرائيلية.
وحسب الحمد يعتبر المفاوضات الملف الثاني، والأردن مصمم على مسألة التوصل لدولة فلسطينية مستقلة على الأقل في الضفة وقطاع غزة، وهناك تصور أردني تفصيلي في هذا الملف، أما الحكومة الإسرائيلية الحالية فلم تقدم حتى اللحظة تصورا أو حتى إشارات تدلل على قبول هذا الحل.
ويتابع: «الملف الثالث هو ملف اللاجئين الفلسطينيين، وموقف الأردن منه ثابت، حيث يشترط مسألة عودة اللاجئين، والأهم عدم اعتبار الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين».
ويشدد الحمد أن المواقف الاستراتيجية الأردنية السابقة تعتبر مواقف معلنة، ولم يتم التراجع عنها، والأردن يتعاطى بها مع كل الحكومات الإسرائيلية سواء حكومات العمل أو اليمين، وهي تشكل أساسيات الدور الأردني الرسمي.
يقرأ الحمد الغزل الإسرائيلي الأردني من باب أن هناك حالة تقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت للأردن، «إنه يحاول أن يقدم نفسه بصفته رجل سلام قوي، مختلف عن خصمه نتنياهو، وهو يتقرب من المملكة ليس بصفته رجل سلام بل بصفته صورة لرجل سلام يمتلك قدرات وإمكانيات خاصة، وكي يظهر بذلك يريد أن يتصرف بمرونة في بعض الملفات والمساحات من أجل المناورة السياسية وليس أكثر».
وتابع الحمد: «هنا لا يمكن ان نتجاهل الضغوط الأمريكية على إسرائيل من أجل التعامل مع الأردن بجدية، بحيث لا يتم تجاهله كما فعل نتنياهو، وعلى هذا الأساس هناك محاولة لعلاقة إيجابية أو جيدة بين الأردن وإسرائيل، وهو أمر نتاج استجابة بينيت لضغوط الرئيس الأمريكي بايدن».
ويشير إلى أن بينيت يفعل ذلك لأسباب مصلحية، فعملية إبداء المرونة هدفها الحصول على مكاسب من الولايات المتحدة الأمريكية مثل الدعم الأمريكي في ملفات إسرائيلية داخلية، وملفات شراء صفقات أسلحة.
ويرى الحمد أن جل ما يمكن أن تقدمه الحكومة الإسرائيلية للأردن عبارة عن مجموعة من الإجراءات في المسجد الأقصى التي تعكس تساهلا مثل تقديم تسهيلات في موضوع الصلاة، أو تحديد وإدارة ملف تهجير المقدسيين وليس إلغاء الموضوع.
ويختم قائلا: «عمليا ما هو مرشح في الفترة المقبلة هو أن يأخذ موضوع تهويد القدس مدى أطول، فهناك إدارة أزمة على النفس الطويل، والحكومة اليمينية تفعل ذلك كي لا تغضب الأردن وتستفزه، بحيث تضطره للتصعيد الدولي». القدس العربي
عمان جو – سعيد أبو معلا
لا تذكر القضية الفلسطينية إلا وتذكر المملكة الأردنية الهاشمية فورا. أسباب ذلك كثيرة من ضمنها العلاقة التاريخية التي ربطت بين الشعبين والبلدين، وهي علاقة وإن كانت تغرف من التاريخ حيث تأسست على دور أردني في مدينة القدس بشكل خاص حيث تعتبر السيادة الدينية في المسجد الأقصى من نصيب هذا البلد الصغير، كما أنها تأخذ من الجغرافيا كل الدلالات والمؤشرات.
وقبل أيام قليلة صدر تقرير رصدي عن مؤسسة القدس الدولية أشار بوضوح إلى أن التحديات التي يواجهها المسجد الأقصى مستمرة، وأن الاحتلال عازم على اختراق «الوضع القائم» وتثبيت نفسه متحكما بالأقصى بشكل كامل وهو أمر يهدد السيادة الأردنية على المسجد بشكل مباشر.
كما طالب التقرير الأردن بضرورة رفع سقف مواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف دوره في الأقصى وما يتصل بدعم دائرة الأوقاف المشرفة على المسجد وعدم السكوت على الاعتداءات بحق موظفيها ومسؤوليها، وتحصين موقف الأوقاف الإسلامية بالقدس عبر التحامها مع الجماهير المقدسية وعدم ركونها لدورها الوظيفي الإداري. وطالبها بالتعامل مع باب الرحمة بصفته مصلى من مصليات الأقصى وليس مبنى إداريا كما يريد الاحتلال، وهو أمر يتطلب العمل على ترميمه وصيانته.
جاء ذلك في ظل تنامي ممنهج لمحاولات تهويد مدينة القدس، وهي في ذلك تستغل عدم وضوح تفاصيل الدور الأردني في اتفاقية «وادي عربة» الموقعة بين الجانبين عام 1994 حيث لم تتضمن تفاصيل واضحة حول الصلاحيات التي يمتلكها الأردن بهذا الخصوص.
ورغم ذلك نشط الأردن ضمن جهد دبلوماسي ملحوظ في الفترة الماضية حيث استضاف الملك الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أسبوع تقريبا، كما أن هناك جهودا ملحوظة لعقد لقاء ثلاثي بين الأردن والسلطة الفلسطينية ومصر.
وجاء في تصريحات عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، إنه من المتوقع أن تعقد قمة ثلاثية فلسطينية مصرية أردنية قريبا، لتنسيق المواقف قبيل توجه الرئيس محمود عباس إلى الأمم المتحدة، مرجحا أن تكون هذه القمة في القاهرة.
وأشار الأحمد أن المطلوب من الإدارة الأمريكية، أن تمارس ضغطا حقيقيا على إسرائيل، وقال إن لدى السلطة معلومات أن الإدارة الأمريكية أبلغت رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت بأن يأتي إلى أمريكا بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وجاء في تصريحات بينيت قبل أن يعقد لقاءه مع الرئيس الأمريكي بايدن أنه «لا يوافق على إقامة دولة فلسطينية، وإنه سيواصل الاستيطان».
في هكذا ظروف كيف يمكن قراءة الدور الأردني في القضية الفلسطينية؟ وما مدى قدرته على التحرك في ظل معطيات جديدة تتحدث عن حالة تقارب إيجابية بين المملكة والحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديد؟ وما مدى قدرة المملكة على التحرك الدبلوماسي لخدمة القضية الفلسطينية ومشروع حل الدولتين؟
الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي يرى في حديث خاص مع «القدس العربي» أنه صحيح أن الأردن غادر أربع سنوات عجاف كانت مع كل من الرئيس الأمريكي السابق ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بالإضافة إلى بقايا تحالف «صفقة القرن» فخلال السنوات الماضية انتعش حلف سياسي عمل على إقصاء المملكة كليا، وتعامل بخشونة معها، وترتب على ذلك تقليص دور الأردن ومحاصرته ووضعه في عزلة والتآمر عليه، فالعلاقة السابقة كانت متأزمة للغاية رغم أنها مع حلفاء تقليديين.
وتابع مدير مركز القدس للدراسات السياسية والمحلل السياسي في صحيفة «الدستور» اليومية: «دخل الأردن مرحلة الارتياح النسبي مع وجود إدارة أمريكية متفهمة لمصالحه، وتنظر إليه على أنه شريك قوي وصاحب دور لا يمكن تجاهله، وهو أمر نلحظه من خلال طريقة تعامل الحكومة الإسرائيلية اليمينية مع الأردن».
لكن والحديث للرنتاوي، فإن الإشارات الإيجابية المقبلة من إسرائيل تقتصر على قضايا وموضوعات تكتيكية مثل: موضوع المياه، والحديث عن زيادة التبادل التجاري وظهور لغة دبلوماسية ناعمة، أما الحديث عن القضايا الجوهرية في الصراع فلا نلحظ أن هناك تغيرا أبدا.
إدارة الأزمة
وعن أسباب ذلك يرى الرنتاوي أن إدارة بايدن ليس لديها أي تصور عملي لحل الدولتين، ولا تريد أن يكون لديها هذا التصور، صحيح انها تتحدث عن هذا التصور، لكن على الأرض لا تحرك أي ساكن، ولا تقود أي جهود ملموسة في سبيل ذلك. إنها تدير أزمة ولا تحلها، إنها تقود جهود إخماد الحرائق والأزمات وليس حلها. وبالتالي هي لا تستثمر وقتا ولا جهدا لحل القضية الفلسطينية، «وهو أمر، في الحقيقة، يعتبر خبرا سيئا للأردن الذي يستعجل قيام دولة فلسطينية وإغلاق ملف المفاوضات والوصول لصيغة سلام عادل».
ويشرح الرنتاوي أن ما يرصد في الفعل الإسرائيلي الميداني يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة أكثر سوءا من سابقتها، فالانتهاكات مستمرة ويتم استهداف الوصاية الأردنية على الأوقاف الإسلامية بشكل مباشر، فالأرقام تقول أن هناك زيادة بنسبة 60 في المئة في حجم الاعتداءات والهجمة الاستيطانية منذ تولت الحكومة اليمينية الجديدة، فكل ما له علاقة بالتهويد يتم تكثيفه، والائتلاف الرباعي اليميني الذي يشكل الحكومة الجديدة يقوم على نقطتين محددتين أولهما الاتفاق على الاستمرار بتهويد القدس، والثاني الاستمرار بالتوسع الاستيطاني بما يضمن ذلك الوقوف سدا منيعا في وجه أي محاولة بناء فلسطينية في مناطق ج.
التفكير بالحلول بديلة
أما عن لغة الغزل السياسي أو ظهور لغة دبلوماسية ناعمة على السطح يؤكد الرنتاوي أنه أمر ملاحظ لكنه يقتصر على السطح ولا يغوص في عمق القضايا، فليس هناك أي تقدم في أي ملف جوهري وأساسي، بل ما نراه هو الاستمرار في رفض حل الدولتين (على لسان لبيد) ورفض المفاوضات (على لسان بينيت).
يؤكد الرنتاوي بدوره أن هناك منحى إيجابيا لكنه يصطدم بالواقع وجوهر السياسات الإسرائيلية، والسلطة في رام الله تدرك أن مشروعها الوطني انتهى، وبالتالي المشهد مليء بالعجز وقلة الحيلة والترهل وعدم الاستعداد لمرحلة جديدة فرضت على كل الأطراف العربية.
يخلص الرنتاوي المشهد مؤكدا أن ما يجري هو عمليا «سياسة تقطيع الوقت وإدارة الأزمات اليومية، وهو أمر تماما يخدم المشروع الاستيطاني، وهذا على المدى القصير، أما على المدى الطويل فتتزايد الأصوات داخل إسرائيل وخارجها التي تتحدث عن الدولة البديلة، هذه الأصوات أصبحت أكثر قوة، نسمع في إسرائيل أصوات من شاكلة: لماذا يريدون دولة فلسطينية في الضفة طالما أن للفلسطينيين دولة في الضفة الشرقية؟ وهذا يعني ظهور حلول الدول الثلاث الذي أصبح يعود من جديد، فهناك دولة إسرائيل والأردن التي تذهب الضفة لها، ومصر التي يكون من نصيبها قطاع غزة.
بدوره يقرأ الرنتاوي مسألة التقرب الإسرائيلي من الأردن على أنه محاولة على تشجيعه وتحفيزه على التفكير بالحلول البديلة، وهو يرى أن ما يحدث من تحركات مبشرة، من وجهة نظر البعض، وتعبير عن حالة انفراج إقليمي، «أرى أن هذا لا يعني وجود فرصة لحل الدولتين، ببساطة هناك انفراجة لخلق حل بديل عن حل الدولتين، أو على الأقل تأبيد الوضع الراهن والقبول فيه وهذا يعني مزيدا من الخسارة والتراجع والتمدد الاستيطاني».
نهاية النهاية
يؤكد الرنتاوي أن الأردن لديه رغبة حقيقية يدفع بها من أجل قيام عملية سلام جدية ومثمرة، لكنه بالحقيقة لا يملك ما يضغط به على إسرائيل، ولا أي قوى إقليمية تملك بيدها ما يشكل ضغطا على إسرائيل كي تذهب نحو خيار حل الدولتين، وحدها أمريكا قادرة لكن أولوياتها بعيدة عن المنطقة. الأمثلة على ذلك كثيرة بحسب رنتاوي منها أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية كانت من دون متابعة وجاءت بعد ان اشتعل الميدان كله، أما هادي عمرو، فقال صراحة «لا تتوقعوا منا الكثير».
هذه المعطيات برأي الرنتاوي تأتي في ظل أن مساعي الأردن تنطلق من إحساسه أن بايدن يمثل فرصة أخيرة، لكنها تصطدم بطريق مسدود، يعزز ذلك أن الوضع الداخلي الفلسطيني لا يشجع على إحداث تغيير، فالفلسطينيون منقسمون والسلطة عاجزة عن اقتراح بديل أمام تراجع أو اختفاء حل الدولتين، فالتصور الفلسطيني للحل ما زال أسيرا لعام 1974 وهو تصور انتهى واقعيا من دون أن يكون هناك خيار بديل، فنحن عمليا وصلنا إلى نهاية النهاية وليس إلى بداية النهاية.
3 ملفات جوهرية
الدكتور والباحث جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان يؤكد أن الأردن يتعاطى مع القضية الفلسطينية عبر ملفات ثلاثة، الأول: ملف القدس والموقف الأردني المعلن هو أن على إسرائيل وقف سياسة التهويد التي تمارسها في مدينة القدس المحتلة، وهذا يعني بالضرورة التوقف عن طرد العائلات من الأحياء المقدسية وكذلك التدخل في شؤون الحرم المقدسي الذي يخضع للسيادة الهاشمية.
ويضيف الحمد أن هذا الملف يعتبر إشكالية أردنية مع كل الحكومات الإسرائيلية، والحكومة اليمينية الحالية ليست استثناء، ويؤكد أن هذا الملف سيستمر في كونه مساحة للشد والجذب بين الأردن والحكومة الإسرائيلية.
وحسب الحمد يعتبر المفاوضات الملف الثاني، والأردن مصمم على مسألة التوصل لدولة فلسطينية مستقلة على الأقل في الضفة وقطاع غزة، وهناك تصور أردني تفصيلي في هذا الملف، أما الحكومة الإسرائيلية الحالية فلم تقدم حتى اللحظة تصورا أو حتى إشارات تدلل على قبول هذا الحل.
ويتابع: «الملف الثالث هو ملف اللاجئين الفلسطينيين، وموقف الأردن منه ثابت، حيث يشترط مسألة عودة اللاجئين، والأهم عدم اعتبار الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين».
ويشدد الحمد أن المواقف الاستراتيجية الأردنية السابقة تعتبر مواقف معلنة، ولم يتم التراجع عنها، والأردن يتعاطى بها مع كل الحكومات الإسرائيلية سواء حكومات العمل أو اليمين، وهي تشكل أساسيات الدور الأردني الرسمي.
يقرأ الحمد الغزل الإسرائيلي الأردني من باب أن هناك حالة تقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت للأردن، «إنه يحاول أن يقدم نفسه بصفته رجل سلام قوي، مختلف عن خصمه نتنياهو، وهو يتقرب من المملكة ليس بصفته رجل سلام بل بصفته صورة لرجل سلام يمتلك قدرات وإمكانيات خاصة، وكي يظهر بذلك يريد أن يتصرف بمرونة في بعض الملفات والمساحات من أجل المناورة السياسية وليس أكثر».
وتابع الحمد: «هنا لا يمكن ان نتجاهل الضغوط الأمريكية على إسرائيل من أجل التعامل مع الأردن بجدية، بحيث لا يتم تجاهله كما فعل نتنياهو، وعلى هذا الأساس هناك محاولة لعلاقة إيجابية أو جيدة بين الأردن وإسرائيل، وهو أمر نتاج استجابة بينيت لضغوط الرئيس الأمريكي بايدن».
ويشير إلى أن بينيت يفعل ذلك لأسباب مصلحية، فعملية إبداء المرونة هدفها الحصول على مكاسب من الولايات المتحدة الأمريكية مثل الدعم الأمريكي في ملفات إسرائيلية داخلية، وملفات شراء صفقات أسلحة.
ويرى الحمد أن جل ما يمكن أن تقدمه الحكومة الإسرائيلية للأردن عبارة عن مجموعة من الإجراءات في المسجد الأقصى التي تعكس تساهلا مثل تقديم تسهيلات في موضوع الصلاة، أو تحديد وإدارة ملف تهجير المقدسيين وليس إلغاء الموضوع.
ويختم قائلا: «عمليا ما هو مرشح في الفترة المقبلة هو أن يأخذ موضوع تهويد القدس مدى أطول، فهناك إدارة أزمة على النفس الطويل، والحكومة اليمينية تفعل ذلك كي لا تغضب الأردن وتستفزه، بحيث تضطره للتصعيد الدولي». القدس العربي
عمان جو – سعيد أبو معلا
لا تذكر القضية الفلسطينية إلا وتذكر المملكة الأردنية الهاشمية فورا. أسباب ذلك كثيرة من ضمنها العلاقة التاريخية التي ربطت بين الشعبين والبلدين، وهي علاقة وإن كانت تغرف من التاريخ حيث تأسست على دور أردني في مدينة القدس بشكل خاص حيث تعتبر السيادة الدينية في المسجد الأقصى من نصيب هذا البلد الصغير، كما أنها تأخذ من الجغرافيا كل الدلالات والمؤشرات.
وقبل أيام قليلة صدر تقرير رصدي عن مؤسسة القدس الدولية أشار بوضوح إلى أن التحديات التي يواجهها المسجد الأقصى مستمرة، وأن الاحتلال عازم على اختراق «الوضع القائم» وتثبيت نفسه متحكما بالأقصى بشكل كامل وهو أمر يهدد السيادة الأردنية على المسجد بشكل مباشر.
كما طالب التقرير الأردن بضرورة رفع سقف مواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف دوره في الأقصى وما يتصل بدعم دائرة الأوقاف المشرفة على المسجد وعدم السكوت على الاعتداءات بحق موظفيها ومسؤوليها، وتحصين موقف الأوقاف الإسلامية بالقدس عبر التحامها مع الجماهير المقدسية وعدم ركونها لدورها الوظيفي الإداري. وطالبها بالتعامل مع باب الرحمة بصفته مصلى من مصليات الأقصى وليس مبنى إداريا كما يريد الاحتلال، وهو أمر يتطلب العمل على ترميمه وصيانته.
جاء ذلك في ظل تنامي ممنهج لمحاولات تهويد مدينة القدس، وهي في ذلك تستغل عدم وضوح تفاصيل الدور الأردني في اتفاقية «وادي عربة» الموقعة بين الجانبين عام 1994 حيث لم تتضمن تفاصيل واضحة حول الصلاحيات التي يمتلكها الأردن بهذا الخصوص.
ورغم ذلك نشط الأردن ضمن جهد دبلوماسي ملحوظ في الفترة الماضية حيث استضاف الملك الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أسبوع تقريبا، كما أن هناك جهودا ملحوظة لعقد لقاء ثلاثي بين الأردن والسلطة الفلسطينية ومصر.
وجاء في تصريحات عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، إنه من المتوقع أن تعقد قمة ثلاثية فلسطينية مصرية أردنية قريبا، لتنسيق المواقف قبيل توجه الرئيس محمود عباس إلى الأمم المتحدة، مرجحا أن تكون هذه القمة في القاهرة.
وأشار الأحمد أن المطلوب من الإدارة الأمريكية، أن تمارس ضغطا حقيقيا على إسرائيل، وقال إن لدى السلطة معلومات أن الإدارة الأمريكية أبلغت رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت بأن يأتي إلى أمريكا بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وجاء في تصريحات بينيت قبل أن يعقد لقاءه مع الرئيس الأمريكي بايدن أنه «لا يوافق على إقامة دولة فلسطينية، وإنه سيواصل الاستيطان».
في هكذا ظروف كيف يمكن قراءة الدور الأردني في القضية الفلسطينية؟ وما مدى قدرته على التحرك في ظل معطيات جديدة تتحدث عن حالة تقارب إيجابية بين المملكة والحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديد؟ وما مدى قدرة المملكة على التحرك الدبلوماسي لخدمة القضية الفلسطينية ومشروع حل الدولتين؟
الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي يرى في حديث خاص مع «القدس العربي» أنه صحيح أن الأردن غادر أربع سنوات عجاف كانت مع كل من الرئيس الأمريكي السابق ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بالإضافة إلى بقايا تحالف «صفقة القرن» فخلال السنوات الماضية انتعش حلف سياسي عمل على إقصاء المملكة كليا، وتعامل بخشونة معها، وترتب على ذلك تقليص دور الأردن ومحاصرته ووضعه في عزلة والتآمر عليه، فالعلاقة السابقة كانت متأزمة للغاية رغم أنها مع حلفاء تقليديين.
وتابع مدير مركز القدس للدراسات السياسية والمحلل السياسي في صحيفة «الدستور» اليومية: «دخل الأردن مرحلة الارتياح النسبي مع وجود إدارة أمريكية متفهمة لمصالحه، وتنظر إليه على أنه شريك قوي وصاحب دور لا يمكن تجاهله، وهو أمر نلحظه من خلال طريقة تعامل الحكومة الإسرائيلية اليمينية مع الأردن».
لكن والحديث للرنتاوي، فإن الإشارات الإيجابية المقبلة من إسرائيل تقتصر على قضايا وموضوعات تكتيكية مثل: موضوع المياه، والحديث عن زيادة التبادل التجاري وظهور لغة دبلوماسية ناعمة، أما الحديث عن القضايا الجوهرية في الصراع فلا نلحظ أن هناك تغيرا أبدا.
إدارة الأزمة
وعن أسباب ذلك يرى الرنتاوي أن إدارة بايدن ليس لديها أي تصور عملي لحل الدولتين، ولا تريد أن يكون لديها هذا التصور، صحيح انها تتحدث عن هذا التصور، لكن على الأرض لا تحرك أي ساكن، ولا تقود أي جهود ملموسة في سبيل ذلك. إنها تدير أزمة ولا تحلها، إنها تقود جهود إخماد الحرائق والأزمات وليس حلها. وبالتالي هي لا تستثمر وقتا ولا جهدا لحل القضية الفلسطينية، «وهو أمر، في الحقيقة، يعتبر خبرا سيئا للأردن الذي يستعجل قيام دولة فلسطينية وإغلاق ملف المفاوضات والوصول لصيغة سلام عادل».
ويشرح الرنتاوي أن ما يرصد في الفعل الإسرائيلي الميداني يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة أكثر سوءا من سابقتها، فالانتهاكات مستمرة ويتم استهداف الوصاية الأردنية على الأوقاف الإسلامية بشكل مباشر، فالأرقام تقول أن هناك زيادة بنسبة 60 في المئة في حجم الاعتداءات والهجمة الاستيطانية منذ تولت الحكومة اليمينية الجديدة، فكل ما له علاقة بالتهويد يتم تكثيفه، والائتلاف الرباعي اليميني الذي يشكل الحكومة الجديدة يقوم على نقطتين محددتين أولهما الاتفاق على الاستمرار بتهويد القدس، والثاني الاستمرار بالتوسع الاستيطاني بما يضمن ذلك الوقوف سدا منيعا في وجه أي محاولة بناء فلسطينية في مناطق ج.
التفكير بالحلول بديلة
أما عن لغة الغزل السياسي أو ظهور لغة دبلوماسية ناعمة على السطح يؤكد الرنتاوي أنه أمر ملاحظ لكنه يقتصر على السطح ولا يغوص في عمق القضايا، فليس هناك أي تقدم في أي ملف جوهري وأساسي، بل ما نراه هو الاستمرار في رفض حل الدولتين (على لسان لبيد) ورفض المفاوضات (على لسان بينيت).
يؤكد الرنتاوي بدوره أن هناك منحى إيجابيا لكنه يصطدم بالواقع وجوهر السياسات الإسرائيلية، والسلطة في رام الله تدرك أن مشروعها الوطني انتهى، وبالتالي المشهد مليء بالعجز وقلة الحيلة والترهل وعدم الاستعداد لمرحلة جديدة فرضت على كل الأطراف العربية.
يخلص الرنتاوي المشهد مؤكدا أن ما يجري هو عمليا «سياسة تقطيع الوقت وإدارة الأزمات اليومية، وهو أمر تماما يخدم المشروع الاستيطاني، وهذا على المدى القصير، أما على المدى الطويل فتتزايد الأصوات داخل إسرائيل وخارجها التي تتحدث عن الدولة البديلة، هذه الأصوات أصبحت أكثر قوة، نسمع في إسرائيل أصوات من شاكلة: لماذا يريدون دولة فلسطينية في الضفة طالما أن للفلسطينيين دولة في الضفة الشرقية؟ وهذا يعني ظهور حلول الدول الثلاث الذي أصبح يعود من جديد، فهناك دولة إسرائيل والأردن التي تذهب الضفة لها، ومصر التي يكون من نصيبها قطاع غزة.
بدوره يقرأ الرنتاوي مسألة التقرب الإسرائيلي من الأردن على أنه محاولة على تشجيعه وتحفيزه على التفكير بالحلول البديلة، وهو يرى أن ما يحدث من تحركات مبشرة، من وجهة نظر البعض، وتعبير عن حالة انفراج إقليمي، «أرى أن هذا لا يعني وجود فرصة لحل الدولتين، ببساطة هناك انفراجة لخلق حل بديل عن حل الدولتين، أو على الأقل تأبيد الوضع الراهن والقبول فيه وهذا يعني مزيدا من الخسارة والتراجع والتمدد الاستيطاني».
نهاية النهاية
يؤكد الرنتاوي أن الأردن لديه رغبة حقيقية يدفع بها من أجل قيام عملية سلام جدية ومثمرة، لكنه بالحقيقة لا يملك ما يضغط به على إسرائيل، ولا أي قوى إقليمية تملك بيدها ما يشكل ضغطا على إسرائيل كي تذهب نحو خيار حل الدولتين، وحدها أمريكا قادرة لكن أولوياتها بعيدة عن المنطقة. الأمثلة على ذلك كثيرة بحسب رنتاوي منها أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية كانت من دون متابعة وجاءت بعد ان اشتعل الميدان كله، أما هادي عمرو، فقال صراحة «لا تتوقعوا منا الكثير».
هذه المعطيات برأي الرنتاوي تأتي في ظل أن مساعي الأردن تنطلق من إحساسه أن بايدن يمثل فرصة أخيرة، لكنها تصطدم بطريق مسدود، يعزز ذلك أن الوضع الداخلي الفلسطيني لا يشجع على إحداث تغيير، فالفلسطينيون منقسمون والسلطة عاجزة عن اقتراح بديل أمام تراجع أو اختفاء حل الدولتين، فالتصور الفلسطيني للحل ما زال أسيرا لعام 1974 وهو تصور انتهى واقعيا من دون أن يكون هناك خيار بديل، فنحن عمليا وصلنا إلى نهاية النهاية وليس إلى بداية النهاية.
3 ملفات جوهرية
الدكتور والباحث جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان يؤكد أن الأردن يتعاطى مع القضية الفلسطينية عبر ملفات ثلاثة، الأول: ملف القدس والموقف الأردني المعلن هو أن على إسرائيل وقف سياسة التهويد التي تمارسها في مدينة القدس المحتلة، وهذا يعني بالضرورة التوقف عن طرد العائلات من الأحياء المقدسية وكذلك التدخل في شؤون الحرم المقدسي الذي يخضع للسيادة الهاشمية.
ويضيف الحمد أن هذا الملف يعتبر إشكالية أردنية مع كل الحكومات الإسرائيلية، والحكومة اليمينية الحالية ليست استثناء، ويؤكد أن هذا الملف سيستمر في كونه مساحة للشد والجذب بين الأردن والحكومة الإسرائيلية.
وحسب الحمد يعتبر المفاوضات الملف الثاني، والأردن مصمم على مسألة التوصل لدولة فلسطينية مستقلة على الأقل في الضفة وقطاع غزة، وهناك تصور أردني تفصيلي في هذا الملف، أما الحكومة الإسرائيلية الحالية فلم تقدم حتى اللحظة تصورا أو حتى إشارات تدلل على قبول هذا الحل.
ويتابع: «الملف الثالث هو ملف اللاجئين الفلسطينيين، وموقف الأردن منه ثابت، حيث يشترط مسألة عودة اللاجئين، والأهم عدم اعتبار الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين».
ويشدد الحمد أن المواقف الاستراتيجية الأردنية السابقة تعتبر مواقف معلنة، ولم يتم التراجع عنها، والأردن يتعاطى بها مع كل الحكومات الإسرائيلية سواء حكومات العمل أو اليمين، وهي تشكل أساسيات الدور الأردني الرسمي.
يقرأ الحمد الغزل الإسرائيلي الأردني من باب أن هناك حالة تقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت للأردن، «إنه يحاول أن يقدم نفسه بصفته رجل سلام قوي، مختلف عن خصمه نتنياهو، وهو يتقرب من المملكة ليس بصفته رجل سلام بل بصفته صورة لرجل سلام يمتلك قدرات وإمكانيات خاصة، وكي يظهر بذلك يريد أن يتصرف بمرونة في بعض الملفات والمساحات من أجل المناورة السياسية وليس أكثر».
وتابع الحمد: «هنا لا يمكن ان نتجاهل الضغوط الأمريكية على إسرائيل من أجل التعامل مع الأردن بجدية، بحيث لا يتم تجاهله كما فعل نتنياهو، وعلى هذا الأساس هناك محاولة لعلاقة إيجابية أو جيدة بين الأردن وإسرائيل، وهو أمر نتاج استجابة بينيت لضغوط الرئيس الأمريكي بايدن».
ويشير إلى أن بينيت يفعل ذلك لأسباب مصلحية، فعملية إبداء المرونة هدفها الحصول على مكاسب من الولايات المتحدة الأمريكية مثل الدعم الأمريكي في ملفات إسرائيلية داخلية، وملفات شراء صفقات أسلحة.
ويرى الحمد أن جل ما يمكن أن تقدمه الحكومة الإسرائيلية للأردن عبارة عن مجموعة من الإجراءات في المسجد الأقصى التي تعكس تساهلا مثل تقديم تسهيلات في موضوع الصلاة، أو تحديد وإدارة ملف تهجير المقدسيين وليس إلغاء الموضوع.
ويختم قائلا: «عمليا ما هو مرشح في الفترة المقبلة هو أن يأخذ موضوع تهويد القدس مدى أطول، فهناك إدارة أزمة على النفس الطويل، والحكومة اليمينية تفعل ذلك كي لا تغضب الأردن وتستفزه، بحيث تضطره للتصعيد الدولي». القدس العربي
التعليقات