عمان جو - لم أر في حياتي الصحفية الممتدة عبر ثلاثة عقود، مثل هذه المرحلة التي تتسم بالتذاكي على الاردنيين، والتلاعب بوعيهم، بطريقة سمجة ومكشوفة، في محاولة لتزييف الواقع واعادة انتاجه. لعلكم تذكرون قبل شهور كيف تم اشغال كل الاردن بسعر كيلو اللحم المستورد من جورجيا، وأنه سيصل الى المشتري باربعة دنانير وعلى مدى اسابيع هبت موجات الترحيب بهذا اللحم، والتنابز بالاتهامات ضد المستوردين الاخرين، حتى باتت قضية اللحم القادم من جورجيا هي الاولى في اولويات الاردنيين، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي بالغت بكل القصة، حتى ظننت اننا سنخرج في مسيرات نحو مدرجات المطار، لاستقبال الخراف الجورجية في بلادنا. الذي يطلق هذه القصص يدرك ان اشغال الناس كل اسبوع بقصة جديدة، امر سهل جدا، اذ يكفي الإعلان عن قضية ما، او بث فيديو ما، او تصميم اشاعة مدروسة وموجهة ، وبحيث ينقلب الجو العام في الاردن، نحو المستجد التافه، لمحو الاخطر من الذاكرة. منذ بداية رمضان، يتم لعب نفس اللعبة، وكل الاردن مشغولة اليوم بسعر كيلو الطماطم، والخيار، والباذنجان، والاتهامات تتوالى، والحكومة تشعل الاجواء اكثر، وتارة تهدد بالعين الحمراء، او الابتسامة الصفراء، بدلا من تطبيق القوانين، وتارة تنصح الحكومة الاردني باستبدال الخيار بالخس، على اعتبار ان لا ذائقة لدى الانسان، ويتواصل اللطم امام واقع اسعار الخضار والفواكه وزيت القلي والدجاج، ثم تخرج علينا الحكومة بسقوف سعرية. الخلاصة ان الانسان ينسى مشاكله الاساسية، ويغرق في الاجندة التي تم فرضها عليه، بحيث تمحو من عقله كل اولوياته الثانية، وتجعله يدور حول نفسه من هذا الواقع، وهو واقع لن يتوقف، بل سيتم انتاج ازمة كل اسبوع، او اسبوعين لارهاق الناس، واشغالهم، وتغييب وعيهم. وسط هذه الدوامات التي يتم انتاجها يدور الانسان حول نفسه، تارة ينسى سعر الكهرباء المقبلة على الطريق، وتارة يصير همه قبض الراتب قبل العيد من اجل الوفاء بالتزامات العيد، وتارة ينسى حتى حقوقه الاساسية من تعليم وعلاج وعمل، وهكذا قصة تلو قصة، فيصير الانسان شارد الذهن، يشعر بالوهن، امام كل هذه الالتزامات من سعر البنزين، الى ايجار المنزل. الخلاصة اننا اصبحنا امام مواطن مشوش مترنح ينسى قضاياه، وحتى بعض قضاياه القومية، امام حالة الضرب على رأسه واشغاله بتفاصيل لم يكن يوما يتوقف عندها، بعد ان اصبحت طاقته الذهنية منصرفة الى فروقات اسعار الطماطم بين محل وآخر، واخرى زاحفة، او معلقة. بهذه الطريقة اي اشغال الانسان بلقمة العيش، فقط، ننتج انسانا ثانيا، يركض وراء رغيف الخبز، منهك، مرهق، لا يفكر في نقد الوضع الداخلي، ولا يفكر في جواره، بل ان نقد الوضع الداخلي يصل في مرات الى ما يمكن وصفه باليأس ، فيستسلم امام كل هذه التعقيدات اليومية.
لقد اثبتت المختبرات المعتمة قدرتها المهنية على تحويل الوعي، واعادة انتاجه، وحرفه نحو اي قضية، اتكاء على اي موضوع مثار، يمكن تكبيره او تصغيره، عبر التركيز عليه، او خفض الاضاءة عليه، وحين ترى ان ملف فساد واحدا تم الاعلان عنه قبل يومين، تتجاوز قيمته المليار دينار اردني، ولا يحظى الا باقل القليل من ردود الفعل، فيما سعر الطماطم هو الاولوية الاولى، تدرك حجم اتلاف الوعي الذي حصل في حياتنا، فهذه بلاد مهددة بالضياع على مرأى من عيون اهلها، في الوقت الذي لا يراد لاحد التنبه للقضايا الاساسية، بل يتم اشغالهم وتزييف وعيهم يوميا. لقد آن الاوان ان يتنبه الناس انفسهم الى ما يجري، لان الطلب من صناع الوعي الجدد، ان يتوقفوا عن هذه المهمة الملوثة، امر لن يجدي نفعاً، وكل ما نراه من سلبيات في حياتنا يتم اشغالنا بها، هو نتاج اساس لقضايا اكبر يراد اغفال عيوننا عنها، مثل الفساد، وهدر الموارد، وسوء الادارة، وسوء التخطيط، وغير ذلك من كبائر سياسية واقتصادية واجتماعية في حياتنا. ايها القوم، كل ما نحن فيه من توافه يأتي حتى ننسى ما هو اهم واكبر واخطر، وهذا الاهم والاكبر والاخطر، هو الذي ادى اساسا الى ما نحن فيه من ظروف صعبة وخشنة جدا.
عمان جو - لم أر في حياتي الصحفية الممتدة عبر ثلاثة عقود، مثل هذه المرحلة التي تتسم بالتذاكي على الاردنيين، والتلاعب بوعيهم، بطريقة سمجة ومكشوفة، في محاولة لتزييف الواقع واعادة انتاجه. لعلكم تذكرون قبل شهور كيف تم اشغال كل الاردن بسعر كيلو اللحم المستورد من جورجيا، وأنه سيصل الى المشتري باربعة دنانير وعلى مدى اسابيع هبت موجات الترحيب بهذا اللحم، والتنابز بالاتهامات ضد المستوردين الاخرين، حتى باتت قضية اللحم القادم من جورجيا هي الاولى في اولويات الاردنيين، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي بالغت بكل القصة، حتى ظننت اننا سنخرج في مسيرات نحو مدرجات المطار، لاستقبال الخراف الجورجية في بلادنا. الذي يطلق هذه القصص يدرك ان اشغال الناس كل اسبوع بقصة جديدة، امر سهل جدا، اذ يكفي الإعلان عن قضية ما، او بث فيديو ما، او تصميم اشاعة مدروسة وموجهة ، وبحيث ينقلب الجو العام في الاردن، نحو المستجد التافه، لمحو الاخطر من الذاكرة. منذ بداية رمضان، يتم لعب نفس اللعبة، وكل الاردن مشغولة اليوم بسعر كيلو الطماطم، والخيار، والباذنجان، والاتهامات تتوالى، والحكومة تشعل الاجواء اكثر، وتارة تهدد بالعين الحمراء، او الابتسامة الصفراء، بدلا من تطبيق القوانين، وتارة تنصح الحكومة الاردني باستبدال الخيار بالخس، على اعتبار ان لا ذائقة لدى الانسان، ويتواصل اللطم امام واقع اسعار الخضار والفواكه وزيت القلي والدجاج، ثم تخرج علينا الحكومة بسقوف سعرية. الخلاصة ان الانسان ينسى مشاكله الاساسية، ويغرق في الاجندة التي تم فرضها عليه، بحيث تمحو من عقله كل اولوياته الثانية، وتجعله يدور حول نفسه من هذا الواقع، وهو واقع لن يتوقف، بل سيتم انتاج ازمة كل اسبوع، او اسبوعين لارهاق الناس، واشغالهم، وتغييب وعيهم. وسط هذه الدوامات التي يتم انتاجها يدور الانسان حول نفسه، تارة ينسى سعر الكهرباء المقبلة على الطريق، وتارة يصير همه قبض الراتب قبل العيد من اجل الوفاء بالتزامات العيد، وتارة ينسى حتى حقوقه الاساسية من تعليم وعلاج وعمل، وهكذا قصة تلو قصة، فيصير الانسان شارد الذهن، يشعر بالوهن، امام كل هذه الالتزامات من سعر البنزين، الى ايجار المنزل. الخلاصة اننا اصبحنا امام مواطن مشوش مترنح ينسى قضاياه، وحتى بعض قضاياه القومية، امام حالة الضرب على رأسه واشغاله بتفاصيل لم يكن يوما يتوقف عندها، بعد ان اصبحت طاقته الذهنية منصرفة الى فروقات اسعار الطماطم بين محل وآخر، واخرى زاحفة، او معلقة. بهذه الطريقة اي اشغال الانسان بلقمة العيش، فقط، ننتج انسانا ثانيا، يركض وراء رغيف الخبز، منهك، مرهق، لا يفكر في نقد الوضع الداخلي، ولا يفكر في جواره، بل ان نقد الوضع الداخلي يصل في مرات الى ما يمكن وصفه باليأس ، فيستسلم امام كل هذه التعقيدات اليومية.
لقد اثبتت المختبرات المعتمة قدرتها المهنية على تحويل الوعي، واعادة انتاجه، وحرفه نحو اي قضية، اتكاء على اي موضوع مثار، يمكن تكبيره او تصغيره، عبر التركيز عليه، او خفض الاضاءة عليه، وحين ترى ان ملف فساد واحدا تم الاعلان عنه قبل يومين، تتجاوز قيمته المليار دينار اردني، ولا يحظى الا باقل القليل من ردود الفعل، فيما سعر الطماطم هو الاولوية الاولى، تدرك حجم اتلاف الوعي الذي حصل في حياتنا، فهذه بلاد مهددة بالضياع على مرأى من عيون اهلها، في الوقت الذي لا يراد لاحد التنبه للقضايا الاساسية، بل يتم اشغالهم وتزييف وعيهم يوميا. لقد آن الاوان ان يتنبه الناس انفسهم الى ما يجري، لان الطلب من صناع الوعي الجدد، ان يتوقفوا عن هذه المهمة الملوثة، امر لن يجدي نفعاً، وكل ما نراه من سلبيات في حياتنا يتم اشغالنا بها، هو نتاج اساس لقضايا اكبر يراد اغفال عيوننا عنها، مثل الفساد، وهدر الموارد، وسوء الادارة، وسوء التخطيط، وغير ذلك من كبائر سياسية واقتصادية واجتماعية في حياتنا. ايها القوم، كل ما نحن فيه من توافه يأتي حتى ننسى ما هو اهم واكبر واخطر، وهذا الاهم والاكبر والاخطر، هو الذي ادى اساسا الى ما نحن فيه من ظروف صعبة وخشنة جدا.
عمان جو - لم أر في حياتي الصحفية الممتدة عبر ثلاثة عقود، مثل هذه المرحلة التي تتسم بالتذاكي على الاردنيين، والتلاعب بوعيهم، بطريقة سمجة ومكشوفة، في محاولة لتزييف الواقع واعادة انتاجه. لعلكم تذكرون قبل شهور كيف تم اشغال كل الاردن بسعر كيلو اللحم المستورد من جورجيا، وأنه سيصل الى المشتري باربعة دنانير وعلى مدى اسابيع هبت موجات الترحيب بهذا اللحم، والتنابز بالاتهامات ضد المستوردين الاخرين، حتى باتت قضية اللحم القادم من جورجيا هي الاولى في اولويات الاردنيين، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي بالغت بكل القصة، حتى ظننت اننا سنخرج في مسيرات نحو مدرجات المطار، لاستقبال الخراف الجورجية في بلادنا. الذي يطلق هذه القصص يدرك ان اشغال الناس كل اسبوع بقصة جديدة، امر سهل جدا، اذ يكفي الإعلان عن قضية ما، او بث فيديو ما، او تصميم اشاعة مدروسة وموجهة ، وبحيث ينقلب الجو العام في الاردن، نحو المستجد التافه، لمحو الاخطر من الذاكرة. منذ بداية رمضان، يتم لعب نفس اللعبة، وكل الاردن مشغولة اليوم بسعر كيلو الطماطم، والخيار، والباذنجان، والاتهامات تتوالى، والحكومة تشعل الاجواء اكثر، وتارة تهدد بالعين الحمراء، او الابتسامة الصفراء، بدلا من تطبيق القوانين، وتارة تنصح الحكومة الاردني باستبدال الخيار بالخس، على اعتبار ان لا ذائقة لدى الانسان، ويتواصل اللطم امام واقع اسعار الخضار والفواكه وزيت القلي والدجاج، ثم تخرج علينا الحكومة بسقوف سعرية. الخلاصة ان الانسان ينسى مشاكله الاساسية، ويغرق في الاجندة التي تم فرضها عليه، بحيث تمحو من عقله كل اولوياته الثانية، وتجعله يدور حول نفسه من هذا الواقع، وهو واقع لن يتوقف، بل سيتم انتاج ازمة كل اسبوع، او اسبوعين لارهاق الناس، واشغالهم، وتغييب وعيهم. وسط هذه الدوامات التي يتم انتاجها يدور الانسان حول نفسه، تارة ينسى سعر الكهرباء المقبلة على الطريق، وتارة يصير همه قبض الراتب قبل العيد من اجل الوفاء بالتزامات العيد، وتارة ينسى حتى حقوقه الاساسية من تعليم وعلاج وعمل، وهكذا قصة تلو قصة، فيصير الانسان شارد الذهن، يشعر بالوهن، امام كل هذه الالتزامات من سعر البنزين، الى ايجار المنزل. الخلاصة اننا اصبحنا امام مواطن مشوش مترنح ينسى قضاياه، وحتى بعض قضاياه القومية، امام حالة الضرب على رأسه واشغاله بتفاصيل لم يكن يوما يتوقف عندها، بعد ان اصبحت طاقته الذهنية منصرفة الى فروقات اسعار الطماطم بين محل وآخر، واخرى زاحفة، او معلقة. بهذه الطريقة اي اشغال الانسان بلقمة العيش، فقط، ننتج انسانا ثانيا، يركض وراء رغيف الخبز، منهك، مرهق، لا يفكر في نقد الوضع الداخلي، ولا يفكر في جواره، بل ان نقد الوضع الداخلي يصل في مرات الى ما يمكن وصفه باليأس ، فيستسلم امام كل هذه التعقيدات اليومية.
لقد اثبتت المختبرات المعتمة قدرتها المهنية على تحويل الوعي، واعادة انتاجه، وحرفه نحو اي قضية، اتكاء على اي موضوع مثار، يمكن تكبيره او تصغيره، عبر التركيز عليه، او خفض الاضاءة عليه، وحين ترى ان ملف فساد واحدا تم الاعلان عنه قبل يومين، تتجاوز قيمته المليار دينار اردني، ولا يحظى الا باقل القليل من ردود الفعل، فيما سعر الطماطم هو الاولوية الاولى، تدرك حجم اتلاف الوعي الذي حصل في حياتنا، فهذه بلاد مهددة بالضياع على مرأى من عيون اهلها، في الوقت الذي لا يراد لاحد التنبه للقضايا الاساسية، بل يتم اشغالهم وتزييف وعيهم يوميا. لقد آن الاوان ان يتنبه الناس انفسهم الى ما يجري، لان الطلب من صناع الوعي الجدد، ان يتوقفوا عن هذه المهمة الملوثة، امر لن يجدي نفعاً، وكل ما نراه من سلبيات في حياتنا يتم اشغالنا بها، هو نتاج اساس لقضايا اكبر يراد اغفال عيوننا عنها، مثل الفساد، وهدر الموارد، وسوء الادارة، وسوء التخطيط، وغير ذلك من كبائر سياسية واقتصادية واجتماعية في حياتنا. ايها القوم، كل ما نحن فيه من توافه يأتي حتى ننسى ما هو اهم واكبر واخطر، وهذا الاهم والاكبر والاخطر، هو الذي ادى اساسا الى ما نحن فيه من ظروف صعبة وخشنة جدا.
التعليقات