عمان جو - بسام البدارين - تسبق الرؤية الأردنية فجأة جميع الأطراف في الإقليم وهي تتحدث بصورة علنية عن عقدة ملء الفراغ الروسي في عمق المعادلة السورية. ذلك لا يحدث صدفة بالنسبة لتقدير خبير في مسارات الأمور مثل التقدير الأردني، خصوصاً أن العاهل الملك عبد الله الثاني قرر لفت النظر لهذه المسألة المهمة وهو يتحدث لمنصة معهد هوفر الأمريكي العسكري، معتبراً أن الفراغ الروسي قد ينتج عنه تحديات أمنية لبلاده والمنطقة في المشهد السوري تحديداً. التقط المراقبون بسرعة ما هو جوهري في تحذير القيادة الأردنية الجديد، الذي برز مباشرة على هامش المشاورات التي أجراها وفد رسمي كبير مع جميع قادة ولجان الولايات المتحدة أردنياً مؤخراً. لا علاقة للمسألة بالالتقاط هنا فقط، فما لاحظ الجميع أن المؤسسة الأردنية قررت التحدث علناً وعبر منصات إعلامية أمريكية فعالة عن تلك المفارقة التي يمكن أن تحصل وتشكل تحدياً أمنياً إذا ما غادر الروس سوريا عسكرياً، حيث امتدح دورهم في المسألة السورية الملك شخصياً، مشيراً إلى أنهم كانوا من عناصر التهدئة في سوريا. ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟ طبعاً، يمكن بناء فرضية لتحصيل إجابة سياسية قوامها أن المؤسسة الأردنية تحاول لفت نظر الأمريكيين وغيرهم إلى ما يمكن أن تصبح عليه صورة المشهد السوري في حال تبني استراتيجية أمريكية تقضي بمغادرة القوات الروسية إلى سوريا، سواء طوعاً لأسباب الانشغال في غزوة أوكرانيا، أو قسراً تحت الضغط الأمريكي ولأي سبب. فوجئت نخب عمان بوضوح بالتأشير الملكي المباشر هنا، في الوقت الذي يقدر فيه الخبراء جميعاً ومنهم المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، بأن مخاوف الأردن واضحة في التحليل؛ لأن سلسلة التفاهمات والمشاورات بخصوص مصالح أمن الحدود بين الأردن وسوريا كانت مرتبطة بالروس، ويشير السبايلة في تفاعله نقاشياً مع «القدس العربي» إلى أن ذلك من المعطيات التي قد تبدل فيها مسألة الفراغ. «اقتضى التنويه» أردنياً.. هذا ما يشعر به ساسة عمان بعدما علق الخطاب الملكي الإعلامي جرس الإنذار مذيلاً باسم حصول فراغ في سوريا ينتج عن غياب أو تغييب الوجود الروسي العسكري، خوفاً من أن يصبح البديل الوحيد الموجود على الأرض هو تلك الميلشيات اللبنانية والعراقية الموالية لإيران إضافة للحرس الثوري.
لا يصدق خبير ومتابع وملتقط للمفارقات مثل نقيب المهندسين الأردنيين أحمد سمارة الزعبي، بأن الاستراتيجية الروسية يمكن أن تجازف مستقبلاً ولو لحظة بترك سواحل اللاذقية، معتبراً أن تلك فرضية قد لا تنتمي للواقع، لكن التحذير الأردني يستوجب التأمل؛ لأن مصالح الأردن هي الأساس بين تلك التقاطعات الفوضوية في الإقليم. قبل ساعات فقط من نشر تحذير المرجعية الأردنية بخصوص مرحلة ما بعد الوجود الروسي في سوريا، كانت محاولة اختراق جديدة قد سجلت وتم التصدي لها عسكرياً عبر الحدود بتوقيع المجموعات والعصابات المختصة بتهريب المخدرات، فيما السيناريو الأمني الأردني يقر همساً بين الحين والآخر بأن مجموعات نافذة موالية لإيران قد تكون هي التي تقف وراء الإصرار على تهريب المخدرات برفقة الأسلحة إلى وعبر الأردن. وتلك متوالية زمنية لا علاقة لها بالمصادفات أيضاً، فالأردن مشتبك منذ أشهر مع عمليات شرسة تحت عنوان تهريب المخدرات، وعمان شعارها العلني منذ عام 2011 حتى أمس أنها لا تريد رؤية الحرس الثوري الايراني ولا مجموعات عراقية أو لبنانية في مسافة لا تقل عن 70 كيلومتراً من نقاط التماس الحدودي جنوبي سوريا. وعمان طوال الوقت تتصدى لمقولة الرئيس بشار الأسد الشهيرة.. «درعا مشكلة أردنية». لكن الانطباع قوي في العاصمة الأردنية بأن الغياب الروسي يعني غياب غرفة التنسيق الأمنية مع موسكو، وخلط الأوراق مجدداً شمالي البلاد بين قوى مسلحة ومنفلتة لا تبدأ بالميليشيات الموالية لإيران فقط، ولا تنتهي عند محاولات تنظيم داعش التموقع والولادة مجدداً في المنطقة، الأمر الذي يعني بالحد الأدنى عودة النزيف للجنوب السوري واحتمالية التسبب بموجات جديدة من النزوح. الأهم هو الانطباع المتكرس بين الأردنيين بأن الفراغ الروسي عندما يحصل لن يعبئه وجود مظاهر سيادية تتبع النظام السوري، مما يعني عودة الأردن لنظرية السهر حدودياً على أمن دولتين وليس على تراب المملكة فقط، كما سيعني الغرق في الفوضى. يجدد القطب البرلماني صالح العرموطي أثناء زيارته مؤخراً لـ»القدس العربي» التأكيد على أن الملف السوري ساخن دوماً، وهو مسرح مقايضات سياسية وأمنية بالجملة، والأردن ينبغي أن يبقى يقظاً بكل الأحوال، حيث لا خلاف على معيار المصالح الوطنية العليا عندما تختلط أوراق الإقليم ويزحف الجيوسياسي في مساحات الفراغ.
لذلك حصرياً، يبدو أن العاهل الأردني قرر التأشير على احتمالات عودة التصعيد على نحو أو آخر إلى شمالي مملكته، بمعنى استنساخ التحدي الأمني مجدداً والاستسلام لسيناريو يقضي بأن الفراغ السوري قد يملأه الإيرانيون ووكلاؤهم في المنطقة، وهو تعبير يستخدم ملكياً لأول مرة تقريباً، مما يظهر حجم الهواجس والمخاوف الأردنية. وبوضوح، تصعد التحذيرات الملكية بعد رحلة الاستكشاف الأخيرة في واشنطن. وفي ظل التوتر الشديد في الأراضي المحتلة وعودة حسابات التنسيق مع مصر والعراق، وأيضاً في ظل غياب التنسيق مع السعودية، والأهم في مساحة تدوير الزوايا إقليمياً وسياسياً مع الخيارات، حيث الانطباع يزيد بأن القوات الأمريكية التي تقيم معسكرات دائمة لها في الأردن بالقرب من مناطق حيوية بجوار العراق وسوريا، هي قوات لها مهام محددة في حال تطور مسار الأحداث. وهي لوجستياً، قوات بحجم وعتاد يستطيع التدخل لحماية أمن الإقليم، لا بل تأمين مناطق جنوب سوريا والحدود العراقية السورية إن لزم الأمر. معنى ذلك أن غريزة الخبرة الأردنية العميقة هي التي تحركت ودفعت باتجاه قرع جرس الإنذار في حسابات معقدة تحاول تذكير جميع الأطراف لما يمكن أن يحصل تحت عنوان سيناريو الفراغ الروسي بالعمق السوري.
«القدس العربي»
عمان جو - بسام البدارين - تسبق الرؤية الأردنية فجأة جميع الأطراف في الإقليم وهي تتحدث بصورة علنية عن عقدة ملء الفراغ الروسي في عمق المعادلة السورية. ذلك لا يحدث صدفة بالنسبة لتقدير خبير في مسارات الأمور مثل التقدير الأردني، خصوصاً أن العاهل الملك عبد الله الثاني قرر لفت النظر لهذه المسألة المهمة وهو يتحدث لمنصة معهد هوفر الأمريكي العسكري، معتبراً أن الفراغ الروسي قد ينتج عنه تحديات أمنية لبلاده والمنطقة في المشهد السوري تحديداً. التقط المراقبون بسرعة ما هو جوهري في تحذير القيادة الأردنية الجديد، الذي برز مباشرة على هامش المشاورات التي أجراها وفد رسمي كبير مع جميع قادة ولجان الولايات المتحدة أردنياً مؤخراً. لا علاقة للمسألة بالالتقاط هنا فقط، فما لاحظ الجميع أن المؤسسة الأردنية قررت التحدث علناً وعبر منصات إعلامية أمريكية فعالة عن تلك المفارقة التي يمكن أن تحصل وتشكل تحدياً أمنياً إذا ما غادر الروس سوريا عسكرياً، حيث امتدح دورهم في المسألة السورية الملك شخصياً، مشيراً إلى أنهم كانوا من عناصر التهدئة في سوريا. ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟ طبعاً، يمكن بناء فرضية لتحصيل إجابة سياسية قوامها أن المؤسسة الأردنية تحاول لفت نظر الأمريكيين وغيرهم إلى ما يمكن أن تصبح عليه صورة المشهد السوري في حال تبني استراتيجية أمريكية تقضي بمغادرة القوات الروسية إلى سوريا، سواء طوعاً لأسباب الانشغال في غزوة أوكرانيا، أو قسراً تحت الضغط الأمريكي ولأي سبب. فوجئت نخب عمان بوضوح بالتأشير الملكي المباشر هنا، في الوقت الذي يقدر فيه الخبراء جميعاً ومنهم المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، بأن مخاوف الأردن واضحة في التحليل؛ لأن سلسلة التفاهمات والمشاورات بخصوص مصالح أمن الحدود بين الأردن وسوريا كانت مرتبطة بالروس، ويشير السبايلة في تفاعله نقاشياً مع «القدس العربي» إلى أن ذلك من المعطيات التي قد تبدل فيها مسألة الفراغ. «اقتضى التنويه» أردنياً.. هذا ما يشعر به ساسة عمان بعدما علق الخطاب الملكي الإعلامي جرس الإنذار مذيلاً باسم حصول فراغ في سوريا ينتج عن غياب أو تغييب الوجود الروسي العسكري، خوفاً من أن يصبح البديل الوحيد الموجود على الأرض هو تلك الميلشيات اللبنانية والعراقية الموالية لإيران إضافة للحرس الثوري.
لا يصدق خبير ومتابع وملتقط للمفارقات مثل نقيب المهندسين الأردنيين أحمد سمارة الزعبي، بأن الاستراتيجية الروسية يمكن أن تجازف مستقبلاً ولو لحظة بترك سواحل اللاذقية، معتبراً أن تلك فرضية قد لا تنتمي للواقع، لكن التحذير الأردني يستوجب التأمل؛ لأن مصالح الأردن هي الأساس بين تلك التقاطعات الفوضوية في الإقليم. قبل ساعات فقط من نشر تحذير المرجعية الأردنية بخصوص مرحلة ما بعد الوجود الروسي في سوريا، كانت محاولة اختراق جديدة قد سجلت وتم التصدي لها عسكرياً عبر الحدود بتوقيع المجموعات والعصابات المختصة بتهريب المخدرات، فيما السيناريو الأمني الأردني يقر همساً بين الحين والآخر بأن مجموعات نافذة موالية لإيران قد تكون هي التي تقف وراء الإصرار على تهريب المخدرات برفقة الأسلحة إلى وعبر الأردن. وتلك متوالية زمنية لا علاقة لها بالمصادفات أيضاً، فالأردن مشتبك منذ أشهر مع عمليات شرسة تحت عنوان تهريب المخدرات، وعمان شعارها العلني منذ عام 2011 حتى أمس أنها لا تريد رؤية الحرس الثوري الايراني ولا مجموعات عراقية أو لبنانية في مسافة لا تقل عن 70 كيلومتراً من نقاط التماس الحدودي جنوبي سوريا. وعمان طوال الوقت تتصدى لمقولة الرئيس بشار الأسد الشهيرة.. «درعا مشكلة أردنية». لكن الانطباع قوي في العاصمة الأردنية بأن الغياب الروسي يعني غياب غرفة التنسيق الأمنية مع موسكو، وخلط الأوراق مجدداً شمالي البلاد بين قوى مسلحة ومنفلتة لا تبدأ بالميليشيات الموالية لإيران فقط، ولا تنتهي عند محاولات تنظيم داعش التموقع والولادة مجدداً في المنطقة، الأمر الذي يعني بالحد الأدنى عودة النزيف للجنوب السوري واحتمالية التسبب بموجات جديدة من النزوح. الأهم هو الانطباع المتكرس بين الأردنيين بأن الفراغ الروسي عندما يحصل لن يعبئه وجود مظاهر سيادية تتبع النظام السوري، مما يعني عودة الأردن لنظرية السهر حدودياً على أمن دولتين وليس على تراب المملكة فقط، كما سيعني الغرق في الفوضى. يجدد القطب البرلماني صالح العرموطي أثناء زيارته مؤخراً لـ»القدس العربي» التأكيد على أن الملف السوري ساخن دوماً، وهو مسرح مقايضات سياسية وأمنية بالجملة، والأردن ينبغي أن يبقى يقظاً بكل الأحوال، حيث لا خلاف على معيار المصالح الوطنية العليا عندما تختلط أوراق الإقليم ويزحف الجيوسياسي في مساحات الفراغ.
لذلك حصرياً، يبدو أن العاهل الأردني قرر التأشير على احتمالات عودة التصعيد على نحو أو آخر إلى شمالي مملكته، بمعنى استنساخ التحدي الأمني مجدداً والاستسلام لسيناريو يقضي بأن الفراغ السوري قد يملأه الإيرانيون ووكلاؤهم في المنطقة، وهو تعبير يستخدم ملكياً لأول مرة تقريباً، مما يظهر حجم الهواجس والمخاوف الأردنية. وبوضوح، تصعد التحذيرات الملكية بعد رحلة الاستكشاف الأخيرة في واشنطن. وفي ظل التوتر الشديد في الأراضي المحتلة وعودة حسابات التنسيق مع مصر والعراق، وأيضاً في ظل غياب التنسيق مع السعودية، والأهم في مساحة تدوير الزوايا إقليمياً وسياسياً مع الخيارات، حيث الانطباع يزيد بأن القوات الأمريكية التي تقيم معسكرات دائمة لها في الأردن بالقرب من مناطق حيوية بجوار العراق وسوريا، هي قوات لها مهام محددة في حال تطور مسار الأحداث. وهي لوجستياً، قوات بحجم وعتاد يستطيع التدخل لحماية أمن الإقليم، لا بل تأمين مناطق جنوب سوريا والحدود العراقية السورية إن لزم الأمر. معنى ذلك أن غريزة الخبرة الأردنية العميقة هي التي تحركت ودفعت باتجاه قرع جرس الإنذار في حسابات معقدة تحاول تذكير جميع الأطراف لما يمكن أن يحصل تحت عنوان سيناريو الفراغ الروسي بالعمق السوري.
«القدس العربي»
عمان جو - بسام البدارين - تسبق الرؤية الأردنية فجأة جميع الأطراف في الإقليم وهي تتحدث بصورة علنية عن عقدة ملء الفراغ الروسي في عمق المعادلة السورية. ذلك لا يحدث صدفة بالنسبة لتقدير خبير في مسارات الأمور مثل التقدير الأردني، خصوصاً أن العاهل الملك عبد الله الثاني قرر لفت النظر لهذه المسألة المهمة وهو يتحدث لمنصة معهد هوفر الأمريكي العسكري، معتبراً أن الفراغ الروسي قد ينتج عنه تحديات أمنية لبلاده والمنطقة في المشهد السوري تحديداً. التقط المراقبون بسرعة ما هو جوهري في تحذير القيادة الأردنية الجديد، الذي برز مباشرة على هامش المشاورات التي أجراها وفد رسمي كبير مع جميع قادة ولجان الولايات المتحدة أردنياً مؤخراً. لا علاقة للمسألة بالالتقاط هنا فقط، فما لاحظ الجميع أن المؤسسة الأردنية قررت التحدث علناً وعبر منصات إعلامية أمريكية فعالة عن تلك المفارقة التي يمكن أن تحصل وتشكل تحدياً أمنياً إذا ما غادر الروس سوريا عسكرياً، حيث امتدح دورهم في المسألة السورية الملك شخصياً، مشيراً إلى أنهم كانوا من عناصر التهدئة في سوريا. ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟ طبعاً، يمكن بناء فرضية لتحصيل إجابة سياسية قوامها أن المؤسسة الأردنية تحاول لفت نظر الأمريكيين وغيرهم إلى ما يمكن أن تصبح عليه صورة المشهد السوري في حال تبني استراتيجية أمريكية تقضي بمغادرة القوات الروسية إلى سوريا، سواء طوعاً لأسباب الانشغال في غزوة أوكرانيا، أو قسراً تحت الضغط الأمريكي ولأي سبب. فوجئت نخب عمان بوضوح بالتأشير الملكي المباشر هنا، في الوقت الذي يقدر فيه الخبراء جميعاً ومنهم المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، بأن مخاوف الأردن واضحة في التحليل؛ لأن سلسلة التفاهمات والمشاورات بخصوص مصالح أمن الحدود بين الأردن وسوريا كانت مرتبطة بالروس، ويشير السبايلة في تفاعله نقاشياً مع «القدس العربي» إلى أن ذلك من المعطيات التي قد تبدل فيها مسألة الفراغ. «اقتضى التنويه» أردنياً.. هذا ما يشعر به ساسة عمان بعدما علق الخطاب الملكي الإعلامي جرس الإنذار مذيلاً باسم حصول فراغ في سوريا ينتج عن غياب أو تغييب الوجود الروسي العسكري، خوفاً من أن يصبح البديل الوحيد الموجود على الأرض هو تلك الميلشيات اللبنانية والعراقية الموالية لإيران إضافة للحرس الثوري.
لا يصدق خبير ومتابع وملتقط للمفارقات مثل نقيب المهندسين الأردنيين أحمد سمارة الزعبي، بأن الاستراتيجية الروسية يمكن أن تجازف مستقبلاً ولو لحظة بترك سواحل اللاذقية، معتبراً أن تلك فرضية قد لا تنتمي للواقع، لكن التحذير الأردني يستوجب التأمل؛ لأن مصالح الأردن هي الأساس بين تلك التقاطعات الفوضوية في الإقليم. قبل ساعات فقط من نشر تحذير المرجعية الأردنية بخصوص مرحلة ما بعد الوجود الروسي في سوريا، كانت محاولة اختراق جديدة قد سجلت وتم التصدي لها عسكرياً عبر الحدود بتوقيع المجموعات والعصابات المختصة بتهريب المخدرات، فيما السيناريو الأمني الأردني يقر همساً بين الحين والآخر بأن مجموعات نافذة موالية لإيران قد تكون هي التي تقف وراء الإصرار على تهريب المخدرات برفقة الأسلحة إلى وعبر الأردن. وتلك متوالية زمنية لا علاقة لها بالمصادفات أيضاً، فالأردن مشتبك منذ أشهر مع عمليات شرسة تحت عنوان تهريب المخدرات، وعمان شعارها العلني منذ عام 2011 حتى أمس أنها لا تريد رؤية الحرس الثوري الايراني ولا مجموعات عراقية أو لبنانية في مسافة لا تقل عن 70 كيلومتراً من نقاط التماس الحدودي جنوبي سوريا. وعمان طوال الوقت تتصدى لمقولة الرئيس بشار الأسد الشهيرة.. «درعا مشكلة أردنية». لكن الانطباع قوي في العاصمة الأردنية بأن الغياب الروسي يعني غياب غرفة التنسيق الأمنية مع موسكو، وخلط الأوراق مجدداً شمالي البلاد بين قوى مسلحة ومنفلتة لا تبدأ بالميليشيات الموالية لإيران فقط، ولا تنتهي عند محاولات تنظيم داعش التموقع والولادة مجدداً في المنطقة، الأمر الذي يعني بالحد الأدنى عودة النزيف للجنوب السوري واحتمالية التسبب بموجات جديدة من النزوح. الأهم هو الانطباع المتكرس بين الأردنيين بأن الفراغ الروسي عندما يحصل لن يعبئه وجود مظاهر سيادية تتبع النظام السوري، مما يعني عودة الأردن لنظرية السهر حدودياً على أمن دولتين وليس على تراب المملكة فقط، كما سيعني الغرق في الفوضى. يجدد القطب البرلماني صالح العرموطي أثناء زيارته مؤخراً لـ»القدس العربي» التأكيد على أن الملف السوري ساخن دوماً، وهو مسرح مقايضات سياسية وأمنية بالجملة، والأردن ينبغي أن يبقى يقظاً بكل الأحوال، حيث لا خلاف على معيار المصالح الوطنية العليا عندما تختلط أوراق الإقليم ويزحف الجيوسياسي في مساحات الفراغ.
لذلك حصرياً، يبدو أن العاهل الأردني قرر التأشير على احتمالات عودة التصعيد على نحو أو آخر إلى شمالي مملكته، بمعنى استنساخ التحدي الأمني مجدداً والاستسلام لسيناريو يقضي بأن الفراغ السوري قد يملأه الإيرانيون ووكلاؤهم في المنطقة، وهو تعبير يستخدم ملكياً لأول مرة تقريباً، مما يظهر حجم الهواجس والمخاوف الأردنية. وبوضوح، تصعد التحذيرات الملكية بعد رحلة الاستكشاف الأخيرة في واشنطن. وفي ظل التوتر الشديد في الأراضي المحتلة وعودة حسابات التنسيق مع مصر والعراق، وأيضاً في ظل غياب التنسيق مع السعودية، والأهم في مساحة تدوير الزوايا إقليمياً وسياسياً مع الخيارات، حيث الانطباع يزيد بأن القوات الأمريكية التي تقيم معسكرات دائمة لها في الأردن بالقرب من مناطق حيوية بجوار العراق وسوريا، هي قوات لها مهام محددة في حال تطور مسار الأحداث. وهي لوجستياً، قوات بحجم وعتاد يستطيع التدخل لحماية أمن الإقليم، لا بل تأمين مناطق جنوب سوريا والحدود العراقية السورية إن لزم الأمر. معنى ذلك أن غريزة الخبرة الأردنية العميقة هي التي تحركت ودفعت باتجاه قرع جرس الإنذار في حسابات معقدة تحاول تذكير جميع الأطراف لما يمكن أن يحصل تحت عنوان سيناريو الفراغ الروسي بالعمق السوري.
«القدس العربي»
التعليقات
لماذا قالها «الملك»؟… الأردن «غريزياً» يقرع جرس الإنذار السوري: غياب روسيا عسكرياً
التعليقات