عمان جو - بسام البدارين - الحوادث مثل تلك التي حصلت في جبل اللويبدة وسط العاصمة الأردنية عمان، تقع بين الحين والآخر، وستبقى كذلك مستقبلاً، لكن المسألة بالنسبة لقطاع واسع من الأردنيين اليوم لم يعد لها علاقة بمجرد حوادث عابرة، فالرأي العام ميال وبغلاظة مرصودة إلى أن العديد من الحوادث الأخيرة وقعت بفعل التقصير الإداري بصورة خاصة، الأمر الذي لا تقدم السلطات نظرية تناقضه.
وبعض تلك الحوادث كان مفجعاً ابتداء من حادثة غرق نحو 20 طفلاً بالقرب من البحر الميت قبل عدة أعوام، مروراً بحادثة نقص الأوكسجين في مستشفى السلط الحكومي، وانتهاء بحادثة صهريج الغاز الذي انفجر في العقبة، وقبله حادثة الصوامع وصولاً إلى حادثة بناية اللويبدة، التي أثر ما حصل معها من حيث نتائجه وكلفته البشرية تحديداً على المشاعر العامة عند الأردنيين، لا بل أثر سياسياً ووطنياً على معنوياتهم عموماً، وأغلب التقدير أيضاً على معنويات الموظفين، صغارهم وكبارهم.
لا يمكن تقييد مثل هذه الحوادث التي تتكرر بين الحين والآخر في ذمة مجهول، فذلك المجهول كان يمكن أن يبرز لو أن الحادث يحصل مرة واحدة ولا يتكرر، لكن التكرار حتى في رأي خبراء ومراقبين، إنما هو جراء تكلس الإدارة العامة وجراء انهيار المنظومة الإدارية العليا والمتوسطة والصغرى، كما يصر مراقب سياسي مثل الدكتور عامر السبايلة.
حزمة تساؤلات
في كل حال، حتى الحكومة ورئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة يقولان بأن الحوادث تحصل بين الحين والآخر، لكن تكرار تلك الحوادث ولأسباب لا تبدو من أثر الطبيعة، هو حجر الزاوية في إطلاق حزمة من التساؤلات وسط الأردنيين، لا بل وسط مؤسسات قرارهم أيضاً، تحت عنوان ما الذي يحصل بصورة محددة في القطاع العام الأردني.
سؤال حرج جداً، لكن الإجابة عليه واضحة الملامح؛ فمن يفرط في التشخيص والتحليل ويتحدث عن انهيار نظام الخدمات العامة يجد نصيراً له حتى من بين كبار السياسيين والمسؤولين يتحدث عن تراجع حاد وملحوظ، وقد كانت مؤسسة تابعة للحكومة عملياً وغرفة صناعة القرار هي المجلس الاقتصادي الاجتماعي وقبل عدة أعوام، أول من علق الجرس في الحديث عن حالة الإدارة العامة والقطاع العام في البلاد، في تقرير شهير برعاية الأكاديمي البارز وعضو مجلس الأعيان الدكتور مصطفى الحمارنة.
وهو تقرير قرع جرس الإنذار مبكراً، وقال لصناع القرار بأن ثمة مشكلة معقدة وكبيرة لها علاقة بتراجع نظام الخدمات في القطاع العام وجميع أجهزة الدولة.
لا أحد عملياً يعرف ما إذا كانت حكومتان على الأقل تعاقبتا بعد صدور ذلك التقرير من مؤسسة بحثية أكاديمية ومهنية تتبع الحكومة وذراع لها قد قرأ تلك النصوص أو علق عليها أو بادر إلى حزمة إجراءات وقائية إدارية، لكن الواضح أن ذلك لم يحصل، والرئيس السابق للمجلس الاقتصادي الاجتماعي الوزير والخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور محمد الحلايقة، قال مبكراً وقبل حادث بناية اللويبدة، أمام «القدس العربي» وخلال وصلة نقاشية، بأن الإجراءات والقرارات لا تتخذ من جهة الوزراء بالرغم من تغذية الحكومة بالأفكار والمقترحات وبالتشخيصات.
كان الحلايقة يشير إلى حزمة من التقارير في عهد إدارته للمجلس قدمت للحكومة الحالية بعنوان الاستدراك، ولاحظ في الملف الاقتصادي حصراً بأن موافقة الحكومة على التشخيص لم يعقبها عملياً من قبل الطاقم الوزاري على الأقل تفكير بإجراءات محددة للمعالجة والاحتواء وللوقاية.
وأغلب التقدير هنا أن حوادث العقبة وجبل اللويبدة والسلط هي مؤشر حيوي على أن المسالة لا تتعلق فقط بالملف الاقتصادي، بل باتت تهدد استقرار الإدارة العامة في الأردن وسط أمواج وصخب ووسط حالة تكلس وخمول وتقصير أقر بها القضاء قبل غيره من سلطات البلاد على الأقل في حادثة صهريج العقبة، خصوصاً أن المراقب العام للمشهد والتفصيلي لتلك الحوادث حصراً يستدرك وهو يرصد التلبس بأخطاء بشرية صغيرة لها علاقة بالتأهيل والتدريب، والأهم بحلقات السلامة العامة أثناء عمل الموظف العام.
حادثة السلط مثلاً، وهي حادثة مؤلمة جداً، نتجت عن تقصير في قسم الصيانة ومتابعة مدير المستشفى لمسألة نقص الأوكسجين. ووفيات وإصابات انفجار صهريج الغاز في العقبة نتج عن تجاهل سلسلة موظفين لتآكل الحبل الحديدي أو الجنزير الذي يرفع البضائع والحاويات على إحدى البواخر، وأغلب التقدير أن التراخي والكسول والخمول البيروقراطي أيضاً هو سبب حادثة بناية جبل اللويبدة، خصوصاً من جهة لجنة السلامة العامة التابعة لوزارة الداخلية ومن بلدية العاصمة.
قرع جرس الإنذار
لذلك، وفي الخلاصة الإدارية والسياسية الوطنية، يمكن ببساطة استذكار القول إن حادثة عمارة اللويبدة تقرع نفس جرس الإنذار الذي قرع عدة مرات، وتحديداً من بعد تلك اللحظة التي كان فيها رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز يخطب في الدولة والناس قائلاً أن الأولوية المطلقة لحكومته قبل عدة سنوات هي تطوير العمل في إدارة خدمات القطاع العام.
حتى هذا الهدف الصغير قياساً بطموحات المشاريع وقياساً بخبرة البيروقراط الأردني المشهود لهم بالكفاءة والمهنية طوال عقود، واضح تماماً أنه لم يتحقق الآن. وعليه، من المباشر في الخلاصة الإشارة إلى أن حادثة اللويبدة قد لا تكون مثل سابقاتها في التأثير السياسي والوطني؛ ليس بسبب فداحة الخسائر البشرية، ولا بسبب الاندلاع المفاجئ للجدل والنقاش الفني والوطني والبيروقراطي تحت عنوان ملف الأبنية القديمة، لكن حصراً بسبب تراكم حلقات التقصير وتراكم الأحداث التي تبرر للمواطنين الأردنيين فقدانهم للثقة في المؤسسات العامة، وهي مسألة في كل حال يجمع عليها حتى صناع القرار، وبينهم رؤساء السلطات الحاليون بكل تأكيد، وهو ما سمعته «القدس العربي» في غالبية مؤسسات القرار. هذا التراكم للخطأ القاتل إذا ما استمر، فإن الإدارة الأردنية في طريقها لإعلان الفشل.
لكن الاستدراك ممكن، والتحدث عن أخطاء تحصل أحياناً وحوادث بحكم قوى خارقة وعابرة للحكومة يمكن أن تحصل لاحقاً لا يكفي لتبرير التقصير الإداري سياسياً، ولا يكفي للقول عموماً بأنها الطريقة التي تدار فيها الأمور خصوصاً عند اختيار واعتماد نخبة محظوظة من كبار المسؤولين في العمل البيروقراطي المتصل بالخدمات للشعب الأردني.
'القدس العربي'
عمان جو - بسام البدارين - الحوادث مثل تلك التي حصلت في جبل اللويبدة وسط العاصمة الأردنية عمان، تقع بين الحين والآخر، وستبقى كذلك مستقبلاً، لكن المسألة بالنسبة لقطاع واسع من الأردنيين اليوم لم يعد لها علاقة بمجرد حوادث عابرة، فالرأي العام ميال وبغلاظة مرصودة إلى أن العديد من الحوادث الأخيرة وقعت بفعل التقصير الإداري بصورة خاصة، الأمر الذي لا تقدم السلطات نظرية تناقضه.
وبعض تلك الحوادث كان مفجعاً ابتداء من حادثة غرق نحو 20 طفلاً بالقرب من البحر الميت قبل عدة أعوام، مروراً بحادثة نقص الأوكسجين في مستشفى السلط الحكومي، وانتهاء بحادثة صهريج الغاز الذي انفجر في العقبة، وقبله حادثة الصوامع وصولاً إلى حادثة بناية اللويبدة، التي أثر ما حصل معها من حيث نتائجه وكلفته البشرية تحديداً على المشاعر العامة عند الأردنيين، لا بل أثر سياسياً ووطنياً على معنوياتهم عموماً، وأغلب التقدير أيضاً على معنويات الموظفين، صغارهم وكبارهم.
لا يمكن تقييد مثل هذه الحوادث التي تتكرر بين الحين والآخر في ذمة مجهول، فذلك المجهول كان يمكن أن يبرز لو أن الحادث يحصل مرة واحدة ولا يتكرر، لكن التكرار حتى في رأي خبراء ومراقبين، إنما هو جراء تكلس الإدارة العامة وجراء انهيار المنظومة الإدارية العليا والمتوسطة والصغرى، كما يصر مراقب سياسي مثل الدكتور عامر السبايلة.
حزمة تساؤلات
في كل حال، حتى الحكومة ورئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة يقولان بأن الحوادث تحصل بين الحين والآخر، لكن تكرار تلك الحوادث ولأسباب لا تبدو من أثر الطبيعة، هو حجر الزاوية في إطلاق حزمة من التساؤلات وسط الأردنيين، لا بل وسط مؤسسات قرارهم أيضاً، تحت عنوان ما الذي يحصل بصورة محددة في القطاع العام الأردني.
سؤال حرج جداً، لكن الإجابة عليه واضحة الملامح؛ فمن يفرط في التشخيص والتحليل ويتحدث عن انهيار نظام الخدمات العامة يجد نصيراً له حتى من بين كبار السياسيين والمسؤولين يتحدث عن تراجع حاد وملحوظ، وقد كانت مؤسسة تابعة للحكومة عملياً وغرفة صناعة القرار هي المجلس الاقتصادي الاجتماعي وقبل عدة أعوام، أول من علق الجرس في الحديث عن حالة الإدارة العامة والقطاع العام في البلاد، في تقرير شهير برعاية الأكاديمي البارز وعضو مجلس الأعيان الدكتور مصطفى الحمارنة.
وهو تقرير قرع جرس الإنذار مبكراً، وقال لصناع القرار بأن ثمة مشكلة معقدة وكبيرة لها علاقة بتراجع نظام الخدمات في القطاع العام وجميع أجهزة الدولة.
لا أحد عملياً يعرف ما إذا كانت حكومتان على الأقل تعاقبتا بعد صدور ذلك التقرير من مؤسسة بحثية أكاديمية ومهنية تتبع الحكومة وذراع لها قد قرأ تلك النصوص أو علق عليها أو بادر إلى حزمة إجراءات وقائية إدارية، لكن الواضح أن ذلك لم يحصل، والرئيس السابق للمجلس الاقتصادي الاجتماعي الوزير والخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور محمد الحلايقة، قال مبكراً وقبل حادث بناية اللويبدة، أمام «القدس العربي» وخلال وصلة نقاشية، بأن الإجراءات والقرارات لا تتخذ من جهة الوزراء بالرغم من تغذية الحكومة بالأفكار والمقترحات وبالتشخيصات.
كان الحلايقة يشير إلى حزمة من التقارير في عهد إدارته للمجلس قدمت للحكومة الحالية بعنوان الاستدراك، ولاحظ في الملف الاقتصادي حصراً بأن موافقة الحكومة على التشخيص لم يعقبها عملياً من قبل الطاقم الوزاري على الأقل تفكير بإجراءات محددة للمعالجة والاحتواء وللوقاية.
وأغلب التقدير هنا أن حوادث العقبة وجبل اللويبدة والسلط هي مؤشر حيوي على أن المسالة لا تتعلق فقط بالملف الاقتصادي، بل باتت تهدد استقرار الإدارة العامة في الأردن وسط أمواج وصخب ووسط حالة تكلس وخمول وتقصير أقر بها القضاء قبل غيره من سلطات البلاد على الأقل في حادثة صهريج العقبة، خصوصاً أن المراقب العام للمشهد والتفصيلي لتلك الحوادث حصراً يستدرك وهو يرصد التلبس بأخطاء بشرية صغيرة لها علاقة بالتأهيل والتدريب، والأهم بحلقات السلامة العامة أثناء عمل الموظف العام.
حادثة السلط مثلاً، وهي حادثة مؤلمة جداً، نتجت عن تقصير في قسم الصيانة ومتابعة مدير المستشفى لمسألة نقص الأوكسجين. ووفيات وإصابات انفجار صهريج الغاز في العقبة نتج عن تجاهل سلسلة موظفين لتآكل الحبل الحديدي أو الجنزير الذي يرفع البضائع والحاويات على إحدى البواخر، وأغلب التقدير أن التراخي والكسول والخمول البيروقراطي أيضاً هو سبب حادثة بناية جبل اللويبدة، خصوصاً من جهة لجنة السلامة العامة التابعة لوزارة الداخلية ومن بلدية العاصمة.
قرع جرس الإنذار
لذلك، وفي الخلاصة الإدارية والسياسية الوطنية، يمكن ببساطة استذكار القول إن حادثة عمارة اللويبدة تقرع نفس جرس الإنذار الذي قرع عدة مرات، وتحديداً من بعد تلك اللحظة التي كان فيها رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز يخطب في الدولة والناس قائلاً أن الأولوية المطلقة لحكومته قبل عدة سنوات هي تطوير العمل في إدارة خدمات القطاع العام.
حتى هذا الهدف الصغير قياساً بطموحات المشاريع وقياساً بخبرة البيروقراط الأردني المشهود لهم بالكفاءة والمهنية طوال عقود، واضح تماماً أنه لم يتحقق الآن. وعليه، من المباشر في الخلاصة الإشارة إلى أن حادثة اللويبدة قد لا تكون مثل سابقاتها في التأثير السياسي والوطني؛ ليس بسبب فداحة الخسائر البشرية، ولا بسبب الاندلاع المفاجئ للجدل والنقاش الفني والوطني والبيروقراطي تحت عنوان ملف الأبنية القديمة، لكن حصراً بسبب تراكم حلقات التقصير وتراكم الأحداث التي تبرر للمواطنين الأردنيين فقدانهم للثقة في المؤسسات العامة، وهي مسألة في كل حال يجمع عليها حتى صناع القرار، وبينهم رؤساء السلطات الحاليون بكل تأكيد، وهو ما سمعته «القدس العربي» في غالبية مؤسسات القرار. هذا التراكم للخطأ القاتل إذا ما استمر، فإن الإدارة الأردنية في طريقها لإعلان الفشل.
لكن الاستدراك ممكن، والتحدث عن أخطاء تحصل أحياناً وحوادث بحكم قوى خارقة وعابرة للحكومة يمكن أن تحصل لاحقاً لا يكفي لتبرير التقصير الإداري سياسياً، ولا يكفي للقول عموماً بأنها الطريقة التي تدار فيها الأمور خصوصاً عند اختيار واعتماد نخبة محظوظة من كبار المسؤولين في العمل البيروقراطي المتصل بالخدمات للشعب الأردني.
'القدس العربي'
عمان جو - بسام البدارين - الحوادث مثل تلك التي حصلت في جبل اللويبدة وسط العاصمة الأردنية عمان، تقع بين الحين والآخر، وستبقى كذلك مستقبلاً، لكن المسألة بالنسبة لقطاع واسع من الأردنيين اليوم لم يعد لها علاقة بمجرد حوادث عابرة، فالرأي العام ميال وبغلاظة مرصودة إلى أن العديد من الحوادث الأخيرة وقعت بفعل التقصير الإداري بصورة خاصة، الأمر الذي لا تقدم السلطات نظرية تناقضه.
وبعض تلك الحوادث كان مفجعاً ابتداء من حادثة غرق نحو 20 طفلاً بالقرب من البحر الميت قبل عدة أعوام، مروراً بحادثة نقص الأوكسجين في مستشفى السلط الحكومي، وانتهاء بحادثة صهريج الغاز الذي انفجر في العقبة، وقبله حادثة الصوامع وصولاً إلى حادثة بناية اللويبدة، التي أثر ما حصل معها من حيث نتائجه وكلفته البشرية تحديداً على المشاعر العامة عند الأردنيين، لا بل أثر سياسياً ووطنياً على معنوياتهم عموماً، وأغلب التقدير أيضاً على معنويات الموظفين، صغارهم وكبارهم.
لا يمكن تقييد مثل هذه الحوادث التي تتكرر بين الحين والآخر في ذمة مجهول، فذلك المجهول كان يمكن أن يبرز لو أن الحادث يحصل مرة واحدة ولا يتكرر، لكن التكرار حتى في رأي خبراء ومراقبين، إنما هو جراء تكلس الإدارة العامة وجراء انهيار المنظومة الإدارية العليا والمتوسطة والصغرى، كما يصر مراقب سياسي مثل الدكتور عامر السبايلة.
حزمة تساؤلات
في كل حال، حتى الحكومة ورئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة يقولان بأن الحوادث تحصل بين الحين والآخر، لكن تكرار تلك الحوادث ولأسباب لا تبدو من أثر الطبيعة، هو حجر الزاوية في إطلاق حزمة من التساؤلات وسط الأردنيين، لا بل وسط مؤسسات قرارهم أيضاً، تحت عنوان ما الذي يحصل بصورة محددة في القطاع العام الأردني.
سؤال حرج جداً، لكن الإجابة عليه واضحة الملامح؛ فمن يفرط في التشخيص والتحليل ويتحدث عن انهيار نظام الخدمات العامة يجد نصيراً له حتى من بين كبار السياسيين والمسؤولين يتحدث عن تراجع حاد وملحوظ، وقد كانت مؤسسة تابعة للحكومة عملياً وغرفة صناعة القرار هي المجلس الاقتصادي الاجتماعي وقبل عدة أعوام، أول من علق الجرس في الحديث عن حالة الإدارة العامة والقطاع العام في البلاد، في تقرير شهير برعاية الأكاديمي البارز وعضو مجلس الأعيان الدكتور مصطفى الحمارنة.
وهو تقرير قرع جرس الإنذار مبكراً، وقال لصناع القرار بأن ثمة مشكلة معقدة وكبيرة لها علاقة بتراجع نظام الخدمات في القطاع العام وجميع أجهزة الدولة.
لا أحد عملياً يعرف ما إذا كانت حكومتان على الأقل تعاقبتا بعد صدور ذلك التقرير من مؤسسة بحثية أكاديمية ومهنية تتبع الحكومة وذراع لها قد قرأ تلك النصوص أو علق عليها أو بادر إلى حزمة إجراءات وقائية إدارية، لكن الواضح أن ذلك لم يحصل، والرئيس السابق للمجلس الاقتصادي الاجتماعي الوزير والخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور محمد الحلايقة، قال مبكراً وقبل حادث بناية اللويبدة، أمام «القدس العربي» وخلال وصلة نقاشية، بأن الإجراءات والقرارات لا تتخذ من جهة الوزراء بالرغم من تغذية الحكومة بالأفكار والمقترحات وبالتشخيصات.
كان الحلايقة يشير إلى حزمة من التقارير في عهد إدارته للمجلس قدمت للحكومة الحالية بعنوان الاستدراك، ولاحظ في الملف الاقتصادي حصراً بأن موافقة الحكومة على التشخيص لم يعقبها عملياً من قبل الطاقم الوزاري على الأقل تفكير بإجراءات محددة للمعالجة والاحتواء وللوقاية.
وأغلب التقدير هنا أن حوادث العقبة وجبل اللويبدة والسلط هي مؤشر حيوي على أن المسالة لا تتعلق فقط بالملف الاقتصادي، بل باتت تهدد استقرار الإدارة العامة في الأردن وسط أمواج وصخب ووسط حالة تكلس وخمول وتقصير أقر بها القضاء قبل غيره من سلطات البلاد على الأقل في حادثة صهريج العقبة، خصوصاً أن المراقب العام للمشهد والتفصيلي لتلك الحوادث حصراً يستدرك وهو يرصد التلبس بأخطاء بشرية صغيرة لها علاقة بالتأهيل والتدريب، والأهم بحلقات السلامة العامة أثناء عمل الموظف العام.
حادثة السلط مثلاً، وهي حادثة مؤلمة جداً، نتجت عن تقصير في قسم الصيانة ومتابعة مدير المستشفى لمسألة نقص الأوكسجين. ووفيات وإصابات انفجار صهريج الغاز في العقبة نتج عن تجاهل سلسلة موظفين لتآكل الحبل الحديدي أو الجنزير الذي يرفع البضائع والحاويات على إحدى البواخر، وأغلب التقدير أن التراخي والكسول والخمول البيروقراطي أيضاً هو سبب حادثة بناية جبل اللويبدة، خصوصاً من جهة لجنة السلامة العامة التابعة لوزارة الداخلية ومن بلدية العاصمة.
قرع جرس الإنذار
لذلك، وفي الخلاصة الإدارية والسياسية الوطنية، يمكن ببساطة استذكار القول إن حادثة عمارة اللويبدة تقرع نفس جرس الإنذار الذي قرع عدة مرات، وتحديداً من بعد تلك اللحظة التي كان فيها رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز يخطب في الدولة والناس قائلاً أن الأولوية المطلقة لحكومته قبل عدة سنوات هي تطوير العمل في إدارة خدمات القطاع العام.
حتى هذا الهدف الصغير قياساً بطموحات المشاريع وقياساً بخبرة البيروقراط الأردني المشهود لهم بالكفاءة والمهنية طوال عقود، واضح تماماً أنه لم يتحقق الآن. وعليه، من المباشر في الخلاصة الإشارة إلى أن حادثة اللويبدة قد لا تكون مثل سابقاتها في التأثير السياسي والوطني؛ ليس بسبب فداحة الخسائر البشرية، ولا بسبب الاندلاع المفاجئ للجدل والنقاش الفني والوطني والبيروقراطي تحت عنوان ملف الأبنية القديمة، لكن حصراً بسبب تراكم حلقات التقصير وتراكم الأحداث التي تبرر للمواطنين الأردنيين فقدانهم للثقة في المؤسسات العامة، وهي مسألة في كل حال يجمع عليها حتى صناع القرار، وبينهم رؤساء السلطات الحاليون بكل تأكيد، وهو ما سمعته «القدس العربي» في غالبية مؤسسات القرار. هذا التراكم للخطأ القاتل إذا ما استمر، فإن الإدارة الأردنية في طريقها لإعلان الفشل.
لكن الاستدراك ممكن، والتحدث عن أخطاء تحصل أحياناً وحوادث بحكم قوى خارقة وعابرة للحكومة يمكن أن تحصل لاحقاً لا يكفي لتبرير التقصير الإداري سياسياً، ولا يكفي للقول عموماً بأنها الطريقة التي تدار فيها الأمور خصوصاً عند اختيار واعتماد نخبة محظوظة من كبار المسؤولين في العمل البيروقراطي المتصل بالخدمات للشعب الأردني.
'القدس العربي'
التعليقات