عمان جو – بسام البدارين
مواطن مغلوب على أمره يعطش الآن، وتفتك بمن يحبه أو به المخدرات. لاحقاً للمعادلة الأولى، واحدة إضافية قوامها عناصر نشطة في مساري سرقة المياه الجوفية أو من يسميهم وزير المياه محمد النجار بـ «لصوص المياه»، تقابلها عناصر أخرى أكثر نشاطاً في مجال التوزيع والترويج للحبوب المخدرة أيضاً محسوبة على قواعد التأييد الاجتماعي للدولة وللنظام بالجهة المقابلة، وفيها حصة لا يستهان بها من أصحاب النفوذ باسم «الولاء» وأحياناً من موظفين حاليين أو سابقين.
في الزاوية الأخيرة من ثلاثية المفارقة الأردنية هذه الأيام، فقر وبطالة يدفعان – حسب منظرين ودعاة تهدئة – للحملات الأمنية الشرسة تحت عنوان المياه والمخدرات اليوم إلى نشاطات «غير قانونية وغير مشروعة»؛ لتعويض الفاقد الاقتصادي وتعزيز «اقتصاد غير شرعي».
ثلاثية مرهقة
تلك ثلاثية ترهق بوضوح مؤسسة القرار الأردنية اليوم. ووزير المياه محمد النجار، في جزئية ملف المياه قال أمام «القدس العربي» مرتين على الأقل، بأن الكميات التي يسطو عليها بعض المواطنين تستخدم وليس فقط تستخرج بصورة غير شرعية؛ بمعنى أن من يسرق المياه الجوفية بعيداً عن أعين القانون يعيد بيعها للمواطنين في المحافظات والأطراف، وخصوصاً أطراف العاصمة عمان وبأسعار كبيرة في عملية غير شرعية ومن الواضح أنها غير أخلاقية.
الوزير النجار وقبل الحملة الأخيرة على سرقة الآبار الجوفية في مزارع لشخصيات نافذة تحيط بشرق العاصمة عمان، كان يشتكي ويتذمر من السيناريو الرسمي البيروقراطي الأمني في بعض تفاصيله، والذي يدعو إلى تخفيف وطأة الاشتباك حرصاً على عدم ضم المزيد من الشرائح الاجتماعية المتضررة من حملات التفتيش في المياه إلى منسوب الغاضبين والمحتقنين وأحياناً المسلحين.
في المقابل، يصر وزير الداخلية مازن الفراية، بعد «عتاب زملاء له»، على أن واجبه ووظيفته حماية الأطقم التابعة لوزارة المياه والتي تذهب في اتجاه التفتيش على الآبار غير المرخصة، خلافاً لأن الوزير الفراية داعم قوي مع مدير الأمن العام الجديد عبيد الله المعايطة، لكل جهود الحملة الأمنية الشرسة ضد من تسميهم الدولة اليوم ويؤثرون في سمعتها في الداخل والخارج بـ «تجار الموت والمخدرات».
العنوان الأبرز في الأردن
لأسباب من الواضح والمرجح أن الحكومة لم تقررها، أصبح التصدي لتجار المخدرات والمياه المسروقة حصراً هو العنوان الأبرز في الأردن لمبدأ استعاده هيبة القانون وسلطته على الجميع، لا بل المسار الاجتماعي الذي يراقبه الرأي العام اليوم لتحديد مقدار مصداقية وجدية الحكومة في التقدم بمبدأ سيادة القانون.
وهنا لم يعد سراً أن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة شخصياً كان قد تحدث أمام «القدس العربي» عن خطورة أي محاولة لخدش مبدأ سيادة القانون بصورة عامة، فيما كان مسؤولون من درجة رفيعة يشيرون إلى النظرية القديمة، وقوامها منذ عام 2011 حيث الربيع العربي وهواجسه في الداخل الأردني هو التفريط بهيبة القانون لصالح تسويات مرحلية بالقطعة على مستوى الأمن الاجتماعي.
أغلقت صفحة «الربيع العربي»، ونقلت عبقرية مؤسسات العمق في الدولة البلاد في عامي كورونا إلى شط الأمان، وبقي ذلك «التفريط»، ويحتاج إلى مواجهة الآن، باختصار.
تقول السلطات الأردنية العليا اليوم وبوضوح، وفي ضوء أخضر سياسي مرجعي بالضرورة، إن عملية التفريط تلك لأغراض احتواء امتدادات الربيع العربي لم يعد لها مبرر الآن؛ فقاعدة الضحايا المتضررين في أوساط الشعب الأردني نفسه من التراخي بسطوة القانون في مجالي المخدرات والمياه تحديداً تزيد وتنمو وتزحف على أوصال اجتماعية غير مضمونة، أو تواجه أخطاراً حقيقية، الأمر الذي دفع بنقاشات لها علاقة بمربع كيفية تمييز الولاء المنتج أكثر.
الجاني أو من يخالف القانون في مجالَي المياه والمخدرات اليوم، من القواعد الصلبة لبعض الكوادر البيروقراطية والاجتماعية المحسوبة على الولاء عموماً. لكن، في المقابل، لكن الضحايا من الشعب الأردني -وهم الأغلبية الجارفة- هم أيضاً من الموالين… أي الولاءين ستختار الدولة؟
هذا سؤال سمعته «القدس العربي» مباشرة من مسؤول رفيع المستوى وهو يؤكد بأن المقايسة والمقاربة في ميزان الولاءات ينبغي أن ينحصر بعد الآن في مبدأ سيادة القانون، حيث «الصمت والتفريط لم يعودا خياراً». وإذا كانت المصلحة الأمنية ومصلحة أمن واستقرار المجتمع تتطلب الاشتباك مع شبكات نفوذ في مجالي سرقة المياه وترويج المخدرات، فإن الولاء الحقيقي يعني الانحياز للمواطن والإنسان.
والمقصود هنا إنحياز الدولة طبعاً للأغلبية الساحقة من فقراء الأردنيين، خصوصاً في ظل الفقر والبطالة؛ بمعنى أن الفقر والبطالة ينبغي بعد الآن ألا يكونا في قائمة المبررات والمسوغات التي تذكر في بعض الاجتماعات السياسية والفنية والمهنية والسيادية تحت ستار الدعوة لتخفيف الضغط الأمني.
والأساس هنا أن المكافحة الحقيقية للفقر والبطالة تتطلب هذه المرة تكريس مبدأ سيادة القانون، وهو أمر من الواضح أن غرفة القرار العميقة توصلت إلى استنتاجات مباشرة تخصه.
الانحياز لصنفين مفترضين
لذلك، في الانحياز لصنفين مفترضين من الولاء أحدهما سام للمجتمع والدولة وثانيهما عريض وجماهيري، جزء أساسي من عملية إعادة تعريف الدولة. الانحياز ملموس في الشارع في اتجاه محاولة فرض سيادة القانون وبالقوة اللازمة حفاظاً على ما تبقى من الاستقرار الاجتماعي.
ولذلك، يمكن القول إن المعركة الدائرة في الأردن ستتعرض لظلم شديد إذا ما وصفت باعتبارها معركة أمنية فقط ضد مروجي المخدرات أو لصوص مياه، بل هي على الاشتباك ذاته من عمق الدولة الأردنية مع عناصر مؤثرة جداً تهدد أمن الدولة قبل المجتمع؛ لأن سمعة الدولة على المحك، والصحة العامة أيضاً على المحك، ولأن عدد الذين يعطشون فيما تسرق مياههم بالملايين، فيما عدد المستفيدين محدود جداً ولا يمكنهم بعد الآن التغاضي لا بمنطقة ولا بمزاعم نفوذ وولاء، بحكم الأمر الواقع المسكوت عنه من سنوات طويلة. وعليه، يمكن الوصول إلى الخلاصة التي تقول إن المعركة اليوم وطنية ولها علاقة بالحفاظ على الحد الأدنى من مبدأ سيادة القانون، وبالتالي الدولة. وهي مواجهة مهمة جداً وأهم بكثير مما تعتقد الغالبية.
عمان جو – بسام البدارين
مواطن مغلوب على أمره يعطش الآن، وتفتك بمن يحبه أو به المخدرات. لاحقاً للمعادلة الأولى، واحدة إضافية قوامها عناصر نشطة في مساري سرقة المياه الجوفية أو من يسميهم وزير المياه محمد النجار بـ «لصوص المياه»، تقابلها عناصر أخرى أكثر نشاطاً في مجال التوزيع والترويج للحبوب المخدرة أيضاً محسوبة على قواعد التأييد الاجتماعي للدولة وللنظام بالجهة المقابلة، وفيها حصة لا يستهان بها من أصحاب النفوذ باسم «الولاء» وأحياناً من موظفين حاليين أو سابقين.
في الزاوية الأخيرة من ثلاثية المفارقة الأردنية هذه الأيام، فقر وبطالة يدفعان – حسب منظرين ودعاة تهدئة – للحملات الأمنية الشرسة تحت عنوان المياه والمخدرات اليوم إلى نشاطات «غير قانونية وغير مشروعة»؛ لتعويض الفاقد الاقتصادي وتعزيز «اقتصاد غير شرعي».
ثلاثية مرهقة
تلك ثلاثية ترهق بوضوح مؤسسة القرار الأردنية اليوم. ووزير المياه محمد النجار، في جزئية ملف المياه قال أمام «القدس العربي» مرتين على الأقل، بأن الكميات التي يسطو عليها بعض المواطنين تستخدم وليس فقط تستخرج بصورة غير شرعية؛ بمعنى أن من يسرق المياه الجوفية بعيداً عن أعين القانون يعيد بيعها للمواطنين في المحافظات والأطراف، وخصوصاً أطراف العاصمة عمان وبأسعار كبيرة في عملية غير شرعية ومن الواضح أنها غير أخلاقية.
الوزير النجار وقبل الحملة الأخيرة على سرقة الآبار الجوفية في مزارع لشخصيات نافذة تحيط بشرق العاصمة عمان، كان يشتكي ويتذمر من السيناريو الرسمي البيروقراطي الأمني في بعض تفاصيله، والذي يدعو إلى تخفيف وطأة الاشتباك حرصاً على عدم ضم المزيد من الشرائح الاجتماعية المتضررة من حملات التفتيش في المياه إلى منسوب الغاضبين والمحتقنين وأحياناً المسلحين.
في المقابل، يصر وزير الداخلية مازن الفراية، بعد «عتاب زملاء له»، على أن واجبه ووظيفته حماية الأطقم التابعة لوزارة المياه والتي تذهب في اتجاه التفتيش على الآبار غير المرخصة، خلافاً لأن الوزير الفراية داعم قوي مع مدير الأمن العام الجديد عبيد الله المعايطة، لكل جهود الحملة الأمنية الشرسة ضد من تسميهم الدولة اليوم ويؤثرون في سمعتها في الداخل والخارج بـ «تجار الموت والمخدرات».
العنوان الأبرز في الأردن
لأسباب من الواضح والمرجح أن الحكومة لم تقررها، أصبح التصدي لتجار المخدرات والمياه المسروقة حصراً هو العنوان الأبرز في الأردن لمبدأ استعاده هيبة القانون وسلطته على الجميع، لا بل المسار الاجتماعي الذي يراقبه الرأي العام اليوم لتحديد مقدار مصداقية وجدية الحكومة في التقدم بمبدأ سيادة القانون.
وهنا لم يعد سراً أن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة شخصياً كان قد تحدث أمام «القدس العربي» عن خطورة أي محاولة لخدش مبدأ سيادة القانون بصورة عامة، فيما كان مسؤولون من درجة رفيعة يشيرون إلى النظرية القديمة، وقوامها منذ عام 2011 حيث الربيع العربي وهواجسه في الداخل الأردني هو التفريط بهيبة القانون لصالح تسويات مرحلية بالقطعة على مستوى الأمن الاجتماعي.
أغلقت صفحة «الربيع العربي»، ونقلت عبقرية مؤسسات العمق في الدولة البلاد في عامي كورونا إلى شط الأمان، وبقي ذلك «التفريط»، ويحتاج إلى مواجهة الآن، باختصار.
تقول السلطات الأردنية العليا اليوم وبوضوح، وفي ضوء أخضر سياسي مرجعي بالضرورة، إن عملية التفريط تلك لأغراض احتواء امتدادات الربيع العربي لم يعد لها مبرر الآن؛ فقاعدة الضحايا المتضررين في أوساط الشعب الأردني نفسه من التراخي بسطوة القانون في مجالي المخدرات والمياه تحديداً تزيد وتنمو وتزحف على أوصال اجتماعية غير مضمونة، أو تواجه أخطاراً حقيقية، الأمر الذي دفع بنقاشات لها علاقة بمربع كيفية تمييز الولاء المنتج أكثر.
الجاني أو من يخالف القانون في مجالَي المياه والمخدرات اليوم، من القواعد الصلبة لبعض الكوادر البيروقراطية والاجتماعية المحسوبة على الولاء عموماً. لكن، في المقابل، لكن الضحايا من الشعب الأردني -وهم الأغلبية الجارفة- هم أيضاً من الموالين… أي الولاءين ستختار الدولة؟
هذا سؤال سمعته «القدس العربي» مباشرة من مسؤول رفيع المستوى وهو يؤكد بأن المقايسة والمقاربة في ميزان الولاءات ينبغي أن ينحصر بعد الآن في مبدأ سيادة القانون، حيث «الصمت والتفريط لم يعودا خياراً». وإذا كانت المصلحة الأمنية ومصلحة أمن واستقرار المجتمع تتطلب الاشتباك مع شبكات نفوذ في مجالي سرقة المياه وترويج المخدرات، فإن الولاء الحقيقي يعني الانحياز للمواطن والإنسان.
والمقصود هنا إنحياز الدولة طبعاً للأغلبية الساحقة من فقراء الأردنيين، خصوصاً في ظل الفقر والبطالة؛ بمعنى أن الفقر والبطالة ينبغي بعد الآن ألا يكونا في قائمة المبررات والمسوغات التي تذكر في بعض الاجتماعات السياسية والفنية والمهنية والسيادية تحت ستار الدعوة لتخفيف الضغط الأمني.
والأساس هنا أن المكافحة الحقيقية للفقر والبطالة تتطلب هذه المرة تكريس مبدأ سيادة القانون، وهو أمر من الواضح أن غرفة القرار العميقة توصلت إلى استنتاجات مباشرة تخصه.
الانحياز لصنفين مفترضين
لذلك، في الانحياز لصنفين مفترضين من الولاء أحدهما سام للمجتمع والدولة وثانيهما عريض وجماهيري، جزء أساسي من عملية إعادة تعريف الدولة. الانحياز ملموس في الشارع في اتجاه محاولة فرض سيادة القانون وبالقوة اللازمة حفاظاً على ما تبقى من الاستقرار الاجتماعي.
ولذلك، يمكن القول إن المعركة الدائرة في الأردن ستتعرض لظلم شديد إذا ما وصفت باعتبارها معركة أمنية فقط ضد مروجي المخدرات أو لصوص مياه، بل هي على الاشتباك ذاته من عمق الدولة الأردنية مع عناصر مؤثرة جداً تهدد أمن الدولة قبل المجتمع؛ لأن سمعة الدولة على المحك، والصحة العامة أيضاً على المحك، ولأن عدد الذين يعطشون فيما تسرق مياههم بالملايين، فيما عدد المستفيدين محدود جداً ولا يمكنهم بعد الآن التغاضي لا بمنطقة ولا بمزاعم نفوذ وولاء، بحكم الأمر الواقع المسكوت عنه من سنوات طويلة. وعليه، يمكن الوصول إلى الخلاصة التي تقول إن المعركة اليوم وطنية ولها علاقة بالحفاظ على الحد الأدنى من مبدأ سيادة القانون، وبالتالي الدولة. وهي مواجهة مهمة جداً وأهم بكثير مما تعتقد الغالبية.
عمان جو – بسام البدارين
مواطن مغلوب على أمره يعطش الآن، وتفتك بمن يحبه أو به المخدرات. لاحقاً للمعادلة الأولى، واحدة إضافية قوامها عناصر نشطة في مساري سرقة المياه الجوفية أو من يسميهم وزير المياه محمد النجار بـ «لصوص المياه»، تقابلها عناصر أخرى أكثر نشاطاً في مجال التوزيع والترويج للحبوب المخدرة أيضاً محسوبة على قواعد التأييد الاجتماعي للدولة وللنظام بالجهة المقابلة، وفيها حصة لا يستهان بها من أصحاب النفوذ باسم «الولاء» وأحياناً من موظفين حاليين أو سابقين.
في الزاوية الأخيرة من ثلاثية المفارقة الأردنية هذه الأيام، فقر وبطالة يدفعان – حسب منظرين ودعاة تهدئة – للحملات الأمنية الشرسة تحت عنوان المياه والمخدرات اليوم إلى نشاطات «غير قانونية وغير مشروعة»؛ لتعويض الفاقد الاقتصادي وتعزيز «اقتصاد غير شرعي».
ثلاثية مرهقة
تلك ثلاثية ترهق بوضوح مؤسسة القرار الأردنية اليوم. ووزير المياه محمد النجار، في جزئية ملف المياه قال أمام «القدس العربي» مرتين على الأقل، بأن الكميات التي يسطو عليها بعض المواطنين تستخدم وليس فقط تستخرج بصورة غير شرعية؛ بمعنى أن من يسرق المياه الجوفية بعيداً عن أعين القانون يعيد بيعها للمواطنين في المحافظات والأطراف، وخصوصاً أطراف العاصمة عمان وبأسعار كبيرة في عملية غير شرعية ومن الواضح أنها غير أخلاقية.
الوزير النجار وقبل الحملة الأخيرة على سرقة الآبار الجوفية في مزارع لشخصيات نافذة تحيط بشرق العاصمة عمان، كان يشتكي ويتذمر من السيناريو الرسمي البيروقراطي الأمني في بعض تفاصيله، والذي يدعو إلى تخفيف وطأة الاشتباك حرصاً على عدم ضم المزيد من الشرائح الاجتماعية المتضررة من حملات التفتيش في المياه إلى منسوب الغاضبين والمحتقنين وأحياناً المسلحين.
في المقابل، يصر وزير الداخلية مازن الفراية، بعد «عتاب زملاء له»، على أن واجبه ووظيفته حماية الأطقم التابعة لوزارة المياه والتي تذهب في اتجاه التفتيش على الآبار غير المرخصة، خلافاً لأن الوزير الفراية داعم قوي مع مدير الأمن العام الجديد عبيد الله المعايطة، لكل جهود الحملة الأمنية الشرسة ضد من تسميهم الدولة اليوم ويؤثرون في سمعتها في الداخل والخارج بـ «تجار الموت والمخدرات».
العنوان الأبرز في الأردن
لأسباب من الواضح والمرجح أن الحكومة لم تقررها، أصبح التصدي لتجار المخدرات والمياه المسروقة حصراً هو العنوان الأبرز في الأردن لمبدأ استعاده هيبة القانون وسلطته على الجميع، لا بل المسار الاجتماعي الذي يراقبه الرأي العام اليوم لتحديد مقدار مصداقية وجدية الحكومة في التقدم بمبدأ سيادة القانون.
وهنا لم يعد سراً أن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة شخصياً كان قد تحدث أمام «القدس العربي» عن خطورة أي محاولة لخدش مبدأ سيادة القانون بصورة عامة، فيما كان مسؤولون من درجة رفيعة يشيرون إلى النظرية القديمة، وقوامها منذ عام 2011 حيث الربيع العربي وهواجسه في الداخل الأردني هو التفريط بهيبة القانون لصالح تسويات مرحلية بالقطعة على مستوى الأمن الاجتماعي.
أغلقت صفحة «الربيع العربي»، ونقلت عبقرية مؤسسات العمق في الدولة البلاد في عامي كورونا إلى شط الأمان، وبقي ذلك «التفريط»، ويحتاج إلى مواجهة الآن، باختصار.
تقول السلطات الأردنية العليا اليوم وبوضوح، وفي ضوء أخضر سياسي مرجعي بالضرورة، إن عملية التفريط تلك لأغراض احتواء امتدادات الربيع العربي لم يعد لها مبرر الآن؛ فقاعدة الضحايا المتضررين في أوساط الشعب الأردني نفسه من التراخي بسطوة القانون في مجالي المخدرات والمياه تحديداً تزيد وتنمو وتزحف على أوصال اجتماعية غير مضمونة، أو تواجه أخطاراً حقيقية، الأمر الذي دفع بنقاشات لها علاقة بمربع كيفية تمييز الولاء المنتج أكثر.
الجاني أو من يخالف القانون في مجالَي المياه والمخدرات اليوم، من القواعد الصلبة لبعض الكوادر البيروقراطية والاجتماعية المحسوبة على الولاء عموماً. لكن، في المقابل، لكن الضحايا من الشعب الأردني -وهم الأغلبية الجارفة- هم أيضاً من الموالين… أي الولاءين ستختار الدولة؟
هذا سؤال سمعته «القدس العربي» مباشرة من مسؤول رفيع المستوى وهو يؤكد بأن المقايسة والمقاربة في ميزان الولاءات ينبغي أن ينحصر بعد الآن في مبدأ سيادة القانون، حيث «الصمت والتفريط لم يعودا خياراً». وإذا كانت المصلحة الأمنية ومصلحة أمن واستقرار المجتمع تتطلب الاشتباك مع شبكات نفوذ في مجالي سرقة المياه وترويج المخدرات، فإن الولاء الحقيقي يعني الانحياز للمواطن والإنسان.
والمقصود هنا إنحياز الدولة طبعاً للأغلبية الساحقة من فقراء الأردنيين، خصوصاً في ظل الفقر والبطالة؛ بمعنى أن الفقر والبطالة ينبغي بعد الآن ألا يكونا في قائمة المبررات والمسوغات التي تذكر في بعض الاجتماعات السياسية والفنية والمهنية والسيادية تحت ستار الدعوة لتخفيف الضغط الأمني.
والأساس هنا أن المكافحة الحقيقية للفقر والبطالة تتطلب هذه المرة تكريس مبدأ سيادة القانون، وهو أمر من الواضح أن غرفة القرار العميقة توصلت إلى استنتاجات مباشرة تخصه.
الانحياز لصنفين مفترضين
لذلك، في الانحياز لصنفين مفترضين من الولاء أحدهما سام للمجتمع والدولة وثانيهما عريض وجماهيري، جزء أساسي من عملية إعادة تعريف الدولة. الانحياز ملموس في الشارع في اتجاه محاولة فرض سيادة القانون وبالقوة اللازمة حفاظاً على ما تبقى من الاستقرار الاجتماعي.
ولذلك، يمكن القول إن المعركة الدائرة في الأردن ستتعرض لظلم شديد إذا ما وصفت باعتبارها معركة أمنية فقط ضد مروجي المخدرات أو لصوص مياه، بل هي على الاشتباك ذاته من عمق الدولة الأردنية مع عناصر مؤثرة جداً تهدد أمن الدولة قبل المجتمع؛ لأن سمعة الدولة على المحك، والصحة العامة أيضاً على المحك، ولأن عدد الذين يعطشون فيما تسرق مياههم بالملايين، فيما عدد المستفيدين محدود جداً ولا يمكنهم بعد الآن التغاضي لا بمنطقة ولا بمزاعم نفوذ وولاء، بحكم الأمر الواقع المسكوت عنه من سنوات طويلة. وعليه، يمكن الوصول إلى الخلاصة التي تقول إن المعركة اليوم وطنية ولها علاقة بالحفاظ على الحد الأدنى من مبدأ سيادة القانون، وبالتالي الدولة. وهي مواجهة مهمة جداً وأهم بكثير مما تعتقد الغالبية.
التعليقات