عمان جو - بسام البدارين - لا أحد على الأقل في الطاقم الوزاري الأردني الحالي ولا في الأطقم المعاونة له قدم حتى الآن وبعد عامين من “التضجر” والتذمر والشكوى ولو قرينة واحدة أو دليلاً على أن مراكز القوي الأساسية في صناعة القرار في الدولة “أعاقت” مشروعاً أو مقترحاً قيد التنفيذ والإنتاجية كانت تستعد له الحكومة. تخرج هذه الحقيقة الواقعية، برأي مراقبين كثر، الجزء المتعلق بالشكوى والتذمر من حلقات الاشتباك في السلطة التنفيذية، حيث لم يعد مقنعاً بعد الآن، لا خلف الستائر ولا أمامها، التحدث عن وجود “قوى سيادية” في الدولة تتحرش بالوزراء والمسؤولين التنفيذيين أو تعيقهم لأي سبب، لأن الأدلة والقرائن مجدداً غير متاحة، ولأن ضعف أداء بعض الوزراء وتراجع الخطط لا يمكنه أن يكون محصلة لتدخل القوى الأخرى الشريكة. بكل حال، السياسي أو البيروقراطي الأردني يميل أحياناً لتفسير تراجع الأداء والضعف في الإدارة على أساس “قوى خفية عابرة للحكومات” تعيقه. لكن القطاعات في الساحة والميدان تشتكي بدورها من تكلس الطاقم الوزاري، ومن أبواب الحكومة المغلقة أحياناً، ومن ضعف الإجراءات والتلكؤ الشديد في اتخاذ القرارات، وهو ما ألمح له بكل حال على هامش زيارته بعد التفويض الجديد لمعهد الإدارة العامة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، أمس الأربعاء. كيف يمكن التقدم إلى الأمام والاسترسال في فتح صفحات جديدة؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يشغل الجميع في أوساط النخبة الأردنية، وأعاد تكراره عضو مجلس الأعيان الناشط خالد البكار على مسامع “القدس العربي” في نقاشات عدة. والمفهوم سياسياً بالأدلة الحسية اليوم وبعد تمكين رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة من تعديل جديد موسع على طاقمه برفقة تفويض ملكي جديد، تحدث عنه الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول للمرحلة المقبلة، بأن على الحكومة أن تقوم بواجبها وتعمل، الأمر الذي يفترض تجاوز عادات قديمة وكلاسيكية عند بعض الوزراء بعناوين التذريع والتحجج، على أساس أن مراكز قوى أخرى في الدولة عابرة للحكومات تتدخل أو تتحرش بالحكومة وتعيقها. تلك في حال الإصرار عليها، تصبح تبريراً للإخفاق والفشل، وأحيانا للضعف البيروقراطي مادام التفويض قد حصل علناً، والطاقم الوزاري الحالي عبر من محطة التعديل الأخير، وتلك تصبح مجرد ذريعة لا تبرر الانتقال بيروقراطياً في الاشتباك إلى مستوى قراءة الواقع الموضوعي بعلمية، والانتقال إلى العمل الفعلي على الأرض بدلاً من الشكوى. ولا يوجد، بكل حال، أدلة من أي صنف على وجود كيمياء وئام تامة بين مركز الثقل الحكومي وبقية مراكز الثقل في القرار. لكن لا توجد في المقابل، أدلة مقنعة على أن الخلاف والصراع مع مؤسسات أخرى من أي صنف نتج عنه فعلاً إعاقة لمشروع إيجابي أو إنتاجي ومفيد للدولة أو للناس أو لمسارات الرؤية المرجعية.
لا تبرير للتراجع
بمعنى آخر، قصة التحرش في الحكومة والرغبة في إعاقتها سواء من منظومات بيروقراطية سيادية أو من الجهاز الاستشاري النافذ هنا أو هناك، لم تعد مسألة تصلح لتبرير التراجع أو للبقاء في الموقع الحالي من الإنجاز والإنتاجية، فالمؤسسات العميقة تعترض وتتحفظ، وأحياناً تحب وتكره، لكنها لا تقبل بتسجيل إعاقة بمشروع حيوي يخدم الدولة والناس، بصرف النظر عن اعتبارات الاستقطاب والتجاذب. الحريصون على تجربة ومشروع رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة لديهم مهمة نبيلة مرحلياً في ظرف حساس، فكرتها الانصراف إلى العمل الميداني واتخاذ القرارات والإجراءات وفي الوقت المناسب، بالتوازي مع مغادرة منطقة التردد والشكوى والتضجر، وأحياناً منطقة الادعاء بوجود قوى عابرة للحكومة تزرع الكمائن في طريقها. يعلم الطاقم المخلص بالقرب من رئاسة الوزراء ذلك جيداً، ويعلم أيضاً بأنه آن أوان العمل في الفترة المتبقية في عمر الحكومة الحالية، وسقفها الزمني الكبير على الأرجح بداية الصيف المقبل ما لم تحصل مفاجآت دراماتيكية. وأغلب التقدير أن رئيس الوزراء نفسه وبعد تحصيل التفويض والتعديل وفي ظل وجود ثلاث وثائق مرجعية تعزز وصف حكومته بأنها محظوظة وأحياناً مدللة- يقرأ الوقائع كما هي بدون أوهام، بدلالة أنه قرر الأربعاء الاجتماع بهيكل الإدارة البيروقراطية من مسؤولي الدرجة الثانية في الوزارات والمؤسسات وفي معهد الإدارة العامة، على أمل تحريك بعض مياه البيروقراط والتكنوقراط الباقية، والتصرف باتجاه مواجهة مظاهر القصور حيثما وجدت. وبدلالة أن رئيس الوزراء في الاجتماع المشار إليه، أطلق عبارة عميقة وهو يقول عن الإدارة الأردنية “ينبغي أن تعود مضرباً للمثل في قطاعي التعليم والنقل”، وأقر الخصاونة في الأثناء بأن تطوير القطاع العام في الدولة أصابه الوهن، وبأن لدى حكومته اليوم برنامج تحديث شامل تمأسس على سقف زمني لـ 10 سنوات. يعني ذلك ضمنياً بأن الخصاونة يعلم مسبقاً بهدف وسقف التفويض والتعديل الجديدين، الأمر الذي يزيد من مسؤولياته في مراقبة أداء الطاقم الوزاري والحرص على تعبئة الفراغات التي يتم تسمينها وتغذيتها بالشكوى والتذمر من قوى شد عكسي لا علاقة لها بضعف اتخاذ القرارات وبطء مسيرة الحكومة.
خياران
خياران بالمحصلة لا ثالث لهما بعد التعديل والتفويض أمام مطبخ الحكومة: الأول، الاستعاضة عن الإنتاجية والعمل المكثف بالبقاء في منسوب الفوضى الناتج عن التذمر من قوى أخرى في الدولة. والثاني، ترك التضجر جانباً والنزول إلى الميدان وزارياً، ونفض الغبار عن مصداقية الأداء، حيث لا يخدم الاستمرار في الادعاء بوجود قوى تعيق الحكومة ولأسباب متنوعة أحداً في الدولة. الاستدراك ممكن، ورئيس الوزراء لديه تجربة عميقة ومجسات اشتمام والتماس حذرة، والانطباع اليوم بأن سقف الحكومة الحالية الزمني واضح ومحدد سلفاً، وأمامها سلسلة قرارات غير شعبية إطلاقاً على الأرجح في مساحتين فيهما قدر معقول من الحساسية. تعاون الوزراء مع بقية المؤسسات وتسكين الأزمات ووقف التوترات والتفاهم مع الشركاء الذين لا يمكن تجاهلهم، خطوات أساسية في إكمال المهمة ولو بالحد الأدنى من النجاح، لأن الحكومة ببساطة عندما تعمل على الأرض لن يجرؤ أحد على إعاقتها. ورغم الوقت القصير زمنياً، يمكن القول بأن التحدي الأساسي أمام الخصاونة اليوم هو إثبات حصول فارق بعد أشهر قليلة بعد حصوله على مساحة التعديل والتفويض، كما يرغب في مواجهة مزاعم التنمر البيروقراطي. في الخلاصة، العمل في الميدان هو بديل التذمر الوزاري.
'القدس العربي'
عمان جو - بسام البدارين - لا أحد على الأقل في الطاقم الوزاري الأردني الحالي ولا في الأطقم المعاونة له قدم حتى الآن وبعد عامين من “التضجر” والتذمر والشكوى ولو قرينة واحدة أو دليلاً على أن مراكز القوي الأساسية في صناعة القرار في الدولة “أعاقت” مشروعاً أو مقترحاً قيد التنفيذ والإنتاجية كانت تستعد له الحكومة. تخرج هذه الحقيقة الواقعية، برأي مراقبين كثر، الجزء المتعلق بالشكوى والتذمر من حلقات الاشتباك في السلطة التنفيذية، حيث لم يعد مقنعاً بعد الآن، لا خلف الستائر ولا أمامها، التحدث عن وجود “قوى سيادية” في الدولة تتحرش بالوزراء والمسؤولين التنفيذيين أو تعيقهم لأي سبب، لأن الأدلة والقرائن مجدداً غير متاحة، ولأن ضعف أداء بعض الوزراء وتراجع الخطط لا يمكنه أن يكون محصلة لتدخل القوى الأخرى الشريكة. بكل حال، السياسي أو البيروقراطي الأردني يميل أحياناً لتفسير تراجع الأداء والضعف في الإدارة على أساس “قوى خفية عابرة للحكومات” تعيقه. لكن القطاعات في الساحة والميدان تشتكي بدورها من تكلس الطاقم الوزاري، ومن أبواب الحكومة المغلقة أحياناً، ومن ضعف الإجراءات والتلكؤ الشديد في اتخاذ القرارات، وهو ما ألمح له بكل حال على هامش زيارته بعد التفويض الجديد لمعهد الإدارة العامة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، أمس الأربعاء. كيف يمكن التقدم إلى الأمام والاسترسال في فتح صفحات جديدة؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يشغل الجميع في أوساط النخبة الأردنية، وأعاد تكراره عضو مجلس الأعيان الناشط خالد البكار على مسامع “القدس العربي” في نقاشات عدة. والمفهوم سياسياً بالأدلة الحسية اليوم وبعد تمكين رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة من تعديل جديد موسع على طاقمه برفقة تفويض ملكي جديد، تحدث عنه الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول للمرحلة المقبلة، بأن على الحكومة أن تقوم بواجبها وتعمل، الأمر الذي يفترض تجاوز عادات قديمة وكلاسيكية عند بعض الوزراء بعناوين التذريع والتحجج، على أساس أن مراكز قوى أخرى في الدولة عابرة للحكومات تتدخل أو تتحرش بالحكومة وتعيقها. تلك في حال الإصرار عليها، تصبح تبريراً للإخفاق والفشل، وأحيانا للضعف البيروقراطي مادام التفويض قد حصل علناً، والطاقم الوزاري الحالي عبر من محطة التعديل الأخير، وتلك تصبح مجرد ذريعة لا تبرر الانتقال بيروقراطياً في الاشتباك إلى مستوى قراءة الواقع الموضوعي بعلمية، والانتقال إلى العمل الفعلي على الأرض بدلاً من الشكوى. ولا يوجد، بكل حال، أدلة من أي صنف على وجود كيمياء وئام تامة بين مركز الثقل الحكومي وبقية مراكز الثقل في القرار. لكن لا توجد في المقابل، أدلة مقنعة على أن الخلاف والصراع مع مؤسسات أخرى من أي صنف نتج عنه فعلاً إعاقة لمشروع إيجابي أو إنتاجي ومفيد للدولة أو للناس أو لمسارات الرؤية المرجعية.
لا تبرير للتراجع
بمعنى آخر، قصة التحرش في الحكومة والرغبة في إعاقتها سواء من منظومات بيروقراطية سيادية أو من الجهاز الاستشاري النافذ هنا أو هناك، لم تعد مسألة تصلح لتبرير التراجع أو للبقاء في الموقع الحالي من الإنجاز والإنتاجية، فالمؤسسات العميقة تعترض وتتحفظ، وأحياناً تحب وتكره، لكنها لا تقبل بتسجيل إعاقة بمشروع حيوي يخدم الدولة والناس، بصرف النظر عن اعتبارات الاستقطاب والتجاذب. الحريصون على تجربة ومشروع رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة لديهم مهمة نبيلة مرحلياً في ظرف حساس، فكرتها الانصراف إلى العمل الميداني واتخاذ القرارات والإجراءات وفي الوقت المناسب، بالتوازي مع مغادرة منطقة التردد والشكوى والتضجر، وأحياناً منطقة الادعاء بوجود قوى عابرة للحكومة تزرع الكمائن في طريقها. يعلم الطاقم المخلص بالقرب من رئاسة الوزراء ذلك جيداً، ويعلم أيضاً بأنه آن أوان العمل في الفترة المتبقية في عمر الحكومة الحالية، وسقفها الزمني الكبير على الأرجح بداية الصيف المقبل ما لم تحصل مفاجآت دراماتيكية. وأغلب التقدير أن رئيس الوزراء نفسه وبعد تحصيل التفويض والتعديل وفي ظل وجود ثلاث وثائق مرجعية تعزز وصف حكومته بأنها محظوظة وأحياناً مدللة- يقرأ الوقائع كما هي بدون أوهام، بدلالة أنه قرر الأربعاء الاجتماع بهيكل الإدارة البيروقراطية من مسؤولي الدرجة الثانية في الوزارات والمؤسسات وفي معهد الإدارة العامة، على أمل تحريك بعض مياه البيروقراط والتكنوقراط الباقية، والتصرف باتجاه مواجهة مظاهر القصور حيثما وجدت. وبدلالة أن رئيس الوزراء في الاجتماع المشار إليه، أطلق عبارة عميقة وهو يقول عن الإدارة الأردنية “ينبغي أن تعود مضرباً للمثل في قطاعي التعليم والنقل”، وأقر الخصاونة في الأثناء بأن تطوير القطاع العام في الدولة أصابه الوهن، وبأن لدى حكومته اليوم برنامج تحديث شامل تمأسس على سقف زمني لـ 10 سنوات. يعني ذلك ضمنياً بأن الخصاونة يعلم مسبقاً بهدف وسقف التفويض والتعديل الجديدين، الأمر الذي يزيد من مسؤولياته في مراقبة أداء الطاقم الوزاري والحرص على تعبئة الفراغات التي يتم تسمينها وتغذيتها بالشكوى والتذمر من قوى شد عكسي لا علاقة لها بضعف اتخاذ القرارات وبطء مسيرة الحكومة.
خياران
خياران بالمحصلة لا ثالث لهما بعد التعديل والتفويض أمام مطبخ الحكومة: الأول، الاستعاضة عن الإنتاجية والعمل المكثف بالبقاء في منسوب الفوضى الناتج عن التذمر من قوى أخرى في الدولة. والثاني، ترك التضجر جانباً والنزول إلى الميدان وزارياً، ونفض الغبار عن مصداقية الأداء، حيث لا يخدم الاستمرار في الادعاء بوجود قوى تعيق الحكومة ولأسباب متنوعة أحداً في الدولة. الاستدراك ممكن، ورئيس الوزراء لديه تجربة عميقة ومجسات اشتمام والتماس حذرة، والانطباع اليوم بأن سقف الحكومة الحالية الزمني واضح ومحدد سلفاً، وأمامها سلسلة قرارات غير شعبية إطلاقاً على الأرجح في مساحتين فيهما قدر معقول من الحساسية. تعاون الوزراء مع بقية المؤسسات وتسكين الأزمات ووقف التوترات والتفاهم مع الشركاء الذين لا يمكن تجاهلهم، خطوات أساسية في إكمال المهمة ولو بالحد الأدنى من النجاح، لأن الحكومة ببساطة عندما تعمل على الأرض لن يجرؤ أحد على إعاقتها. ورغم الوقت القصير زمنياً، يمكن القول بأن التحدي الأساسي أمام الخصاونة اليوم هو إثبات حصول فارق بعد أشهر قليلة بعد حصوله على مساحة التعديل والتفويض، كما يرغب في مواجهة مزاعم التنمر البيروقراطي. في الخلاصة، العمل في الميدان هو بديل التذمر الوزاري.
'القدس العربي'
عمان جو - بسام البدارين - لا أحد على الأقل في الطاقم الوزاري الأردني الحالي ولا في الأطقم المعاونة له قدم حتى الآن وبعد عامين من “التضجر” والتذمر والشكوى ولو قرينة واحدة أو دليلاً على أن مراكز القوي الأساسية في صناعة القرار في الدولة “أعاقت” مشروعاً أو مقترحاً قيد التنفيذ والإنتاجية كانت تستعد له الحكومة. تخرج هذه الحقيقة الواقعية، برأي مراقبين كثر، الجزء المتعلق بالشكوى والتذمر من حلقات الاشتباك في السلطة التنفيذية، حيث لم يعد مقنعاً بعد الآن، لا خلف الستائر ولا أمامها، التحدث عن وجود “قوى سيادية” في الدولة تتحرش بالوزراء والمسؤولين التنفيذيين أو تعيقهم لأي سبب، لأن الأدلة والقرائن مجدداً غير متاحة، ولأن ضعف أداء بعض الوزراء وتراجع الخطط لا يمكنه أن يكون محصلة لتدخل القوى الأخرى الشريكة. بكل حال، السياسي أو البيروقراطي الأردني يميل أحياناً لتفسير تراجع الأداء والضعف في الإدارة على أساس “قوى خفية عابرة للحكومات” تعيقه. لكن القطاعات في الساحة والميدان تشتكي بدورها من تكلس الطاقم الوزاري، ومن أبواب الحكومة المغلقة أحياناً، ومن ضعف الإجراءات والتلكؤ الشديد في اتخاذ القرارات، وهو ما ألمح له بكل حال على هامش زيارته بعد التفويض الجديد لمعهد الإدارة العامة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، أمس الأربعاء. كيف يمكن التقدم إلى الأمام والاسترسال في فتح صفحات جديدة؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يشغل الجميع في أوساط النخبة الأردنية، وأعاد تكراره عضو مجلس الأعيان الناشط خالد البكار على مسامع “القدس العربي” في نقاشات عدة. والمفهوم سياسياً بالأدلة الحسية اليوم وبعد تمكين رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة من تعديل جديد موسع على طاقمه برفقة تفويض ملكي جديد، تحدث عنه الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول للمرحلة المقبلة، بأن على الحكومة أن تقوم بواجبها وتعمل، الأمر الذي يفترض تجاوز عادات قديمة وكلاسيكية عند بعض الوزراء بعناوين التذريع والتحجج، على أساس أن مراكز قوى أخرى في الدولة عابرة للحكومات تتدخل أو تتحرش بالحكومة وتعيقها. تلك في حال الإصرار عليها، تصبح تبريراً للإخفاق والفشل، وأحيانا للضعف البيروقراطي مادام التفويض قد حصل علناً، والطاقم الوزاري الحالي عبر من محطة التعديل الأخير، وتلك تصبح مجرد ذريعة لا تبرر الانتقال بيروقراطياً في الاشتباك إلى مستوى قراءة الواقع الموضوعي بعلمية، والانتقال إلى العمل الفعلي على الأرض بدلاً من الشكوى. ولا يوجد، بكل حال، أدلة من أي صنف على وجود كيمياء وئام تامة بين مركز الثقل الحكومي وبقية مراكز الثقل في القرار. لكن لا توجد في المقابل، أدلة مقنعة على أن الخلاف والصراع مع مؤسسات أخرى من أي صنف نتج عنه فعلاً إعاقة لمشروع إيجابي أو إنتاجي ومفيد للدولة أو للناس أو لمسارات الرؤية المرجعية.
لا تبرير للتراجع
بمعنى آخر، قصة التحرش في الحكومة والرغبة في إعاقتها سواء من منظومات بيروقراطية سيادية أو من الجهاز الاستشاري النافذ هنا أو هناك، لم تعد مسألة تصلح لتبرير التراجع أو للبقاء في الموقع الحالي من الإنجاز والإنتاجية، فالمؤسسات العميقة تعترض وتتحفظ، وأحياناً تحب وتكره، لكنها لا تقبل بتسجيل إعاقة بمشروع حيوي يخدم الدولة والناس، بصرف النظر عن اعتبارات الاستقطاب والتجاذب. الحريصون على تجربة ومشروع رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة لديهم مهمة نبيلة مرحلياً في ظرف حساس، فكرتها الانصراف إلى العمل الميداني واتخاذ القرارات والإجراءات وفي الوقت المناسب، بالتوازي مع مغادرة منطقة التردد والشكوى والتضجر، وأحياناً منطقة الادعاء بوجود قوى عابرة للحكومة تزرع الكمائن في طريقها. يعلم الطاقم المخلص بالقرب من رئاسة الوزراء ذلك جيداً، ويعلم أيضاً بأنه آن أوان العمل في الفترة المتبقية في عمر الحكومة الحالية، وسقفها الزمني الكبير على الأرجح بداية الصيف المقبل ما لم تحصل مفاجآت دراماتيكية. وأغلب التقدير أن رئيس الوزراء نفسه وبعد تحصيل التفويض والتعديل وفي ظل وجود ثلاث وثائق مرجعية تعزز وصف حكومته بأنها محظوظة وأحياناً مدللة- يقرأ الوقائع كما هي بدون أوهام، بدلالة أنه قرر الأربعاء الاجتماع بهيكل الإدارة البيروقراطية من مسؤولي الدرجة الثانية في الوزارات والمؤسسات وفي معهد الإدارة العامة، على أمل تحريك بعض مياه البيروقراط والتكنوقراط الباقية، والتصرف باتجاه مواجهة مظاهر القصور حيثما وجدت. وبدلالة أن رئيس الوزراء في الاجتماع المشار إليه، أطلق عبارة عميقة وهو يقول عن الإدارة الأردنية “ينبغي أن تعود مضرباً للمثل في قطاعي التعليم والنقل”، وأقر الخصاونة في الأثناء بأن تطوير القطاع العام في الدولة أصابه الوهن، وبأن لدى حكومته اليوم برنامج تحديث شامل تمأسس على سقف زمني لـ 10 سنوات. يعني ذلك ضمنياً بأن الخصاونة يعلم مسبقاً بهدف وسقف التفويض والتعديل الجديدين، الأمر الذي يزيد من مسؤولياته في مراقبة أداء الطاقم الوزاري والحرص على تعبئة الفراغات التي يتم تسمينها وتغذيتها بالشكوى والتذمر من قوى شد عكسي لا علاقة لها بضعف اتخاذ القرارات وبطء مسيرة الحكومة.
خياران
خياران بالمحصلة لا ثالث لهما بعد التعديل والتفويض أمام مطبخ الحكومة: الأول، الاستعاضة عن الإنتاجية والعمل المكثف بالبقاء في منسوب الفوضى الناتج عن التذمر من قوى أخرى في الدولة. والثاني، ترك التضجر جانباً والنزول إلى الميدان وزارياً، ونفض الغبار عن مصداقية الأداء، حيث لا يخدم الاستمرار في الادعاء بوجود قوى تعيق الحكومة ولأسباب متنوعة أحداً في الدولة. الاستدراك ممكن، ورئيس الوزراء لديه تجربة عميقة ومجسات اشتمام والتماس حذرة، والانطباع اليوم بأن سقف الحكومة الحالية الزمني واضح ومحدد سلفاً، وأمامها سلسلة قرارات غير شعبية إطلاقاً على الأرجح في مساحتين فيهما قدر معقول من الحساسية. تعاون الوزراء مع بقية المؤسسات وتسكين الأزمات ووقف التوترات والتفاهم مع الشركاء الذين لا يمكن تجاهلهم، خطوات أساسية في إكمال المهمة ولو بالحد الأدنى من النجاح، لأن الحكومة ببساطة عندما تعمل على الأرض لن يجرؤ أحد على إعاقتها. ورغم الوقت القصير زمنياً، يمكن القول بأن التحدي الأساسي أمام الخصاونة اليوم هو إثبات حصول فارق بعد أشهر قليلة بعد حصوله على مساحة التعديل والتفويض، كما يرغب في مواجهة مزاعم التنمر البيروقراطي. في الخلاصة، العمل في الميدان هو بديل التذمر الوزاري.
'القدس العربي'
التعليقات
الأردن بعد «تفويض» وزارة الخصاونة: قوى خفية «تتنمر» أم حكومة «تتذمر»؟
التعليقات