عمان جو - بسام البدارين - سيرغي لافروف وبابا الفاتيكان وريشي سوناك، أسماء بارزة إلى حد ما في عقل المجتمع الدولي كانت عبارة عن محطة تواصل أولى بالنسبة للأردن وهو يتحرك في الفضاء الإقليمي والدولي أملاً في ضرب عصفورين بحجر دبلوماسي واحد. وهما: أولاً، حماية مصالحه الأساسية في ظل عودة بنيامين نتنياهو وبقوة إلى الحكم بعد وصفه طوال سنوات بلقب “الجار الأسوأ”. وثانياً، إعادة تذكير العالم قدر الإمكان وإنعاش ذاكرته بأن القضية الفلسطينية التي ينساها الجميع اليوم ولم تعد ملفاتها على الطاولة هي محور وأساس الصراع والاستقرار بعدما لاحظ الأردنيون، وكما شرح أمام “القدس العربي” سياسي بارز من وزن طاهر المصري، أن الدول العربية تتخلى بالتدريج المنهجي عن الشعب الفلسطيني وقضيته، ومن ثم لا يوجد ما يمنعها من التخلي أيضاً عن الشعب الأردني ومصالحه. هل يبالغ المصري في تصوير ورسم هذا السيناريو؟ يجيب السياسي الأردني مروان الفاعوري عن السؤال بالإشارة إلى أن تلك الموصوفة بالمبالغة قد لا تعكس حقيقة الأمر، حيث إن الحكومة الأردنية حتى اللحظة ورغم الخطر الداهم، تحافظ على أوراق ما يسمى بالسلام مع الإسرائيليين، وتصر على التنسيق والتطبيع مع العدو الواضح، وتسترسل في الغرق بالوهم نفسه، ولا تريد الاستيقاظ من حالة سبات تقول بكل اللغات من هو العدو ومن هو الصديق. يتحفظ السياسي المصري على ما يسمى إعلامياً باتفاقيات السلام الإبراهيمية، ويعتبرها محطة لا بد من قراءتها بتوازن وعمق، لأن تفاعلاتها ونتائجها وتداعياتها تقول بأن الشعبين، الأردني والفلسطيني، يتركان الآن بين براثن الذئب الإسرائيلي. مجدداً، يسأل الجميع في الحالة النخبوية الأردنية وهم يحاولون التقاط ما هو جوهري في الحراك الثلاثي الأخير، ابتداء من لافروف واستقباله في عمان، مروراً بالزيارة الملكية إلى الفاتيكان لتثبيت رسائل السلام العالمي، وانتهاء بالتفاعل مع رئيس وزراء دولة صديقة جداً هي بريطانيا. والسؤال هنا يتكرر: ماذا نحن فاعلون؟
ثلاثة أطراف
أغلب التقدير في المطبخ الدبلوماسي الأردني أن الاشتباك مع الأطراف الثلاثة المشار إليها مفيد ومنتج، والانطباع اليوم في عمان يشير رسمياً وبيروقراطياً إلى أن الحراك الدبلوماسي المكثف الذي سبق ثم أعقب المشاركة في قمة المناخ في شرم الشيخ دليل عافية سياسية، ونجح في تحقيق هدفه الأول والتحضيري، وهو إبلاغ نتنياهو ضمناً بأنه لا يستطيع استفزاز الأردن ومخاصمته أو مضايقته قصداً دون حراك مضاد يرد عليه. تعتقد أوساط القرار -وقد تكون واهمة- أن إظهار القدرة على التحرك في الفضاءات الدولية خطوة يمكن أن تردع نتنياهو ولو إلى حد ما، والاعتقاد يتكدس اليوم على الأقل في الخارجية الأردنية وطاقمه بأن الرسالة وصلت لزعيم إسرائيل اليميني المتطرف الجديد صاحب المقولة الشهيرة بخصوص مستقبل الأردن وطبيعة النظام فيه وفقاً للمعيار الذي استعمله يوماً علناً رئيس وزراء وهو يسأل في إحدى الندوات: تقصدون أنهم يخططون لوطن بديل أم لنظام بديل؟ بكل حال، من قرأ تلك النصوص المحكمة في خطاب العرش الملكي الأردني الأخير الذي خصص نصفه تقريباً للقضية الفلسطينية يفهم بأن عمان توجه رسائل لنتنياهو، وبأن التواصل مع أطراف مثل روسيا والفاتيكان وبريطانيا في حلتها الجديدة ليس أكثر من حراك دبلوماسي بسيط وسريع ومباغت وخاطف يهدف إلى لفت نظر طاقم إسرائيل الجديد إلى رد فعل أردني يفترض ألا يستهان به إذا ما تقرر المس بالثوابت. واحدة من القيم الأساسية النبيلة في زاوية الاشتباك الأردني هي تلك التي تؤكد أن الثوابت بما فيها “اللاءات” الشهيرة، غير قابلة لخصومات أو تسويات ولا تخضع لمساومات سياسية، لا بل تشكل أساساً في جوهر فهم الأردن لمصالحه الأمنية والقومية. وهو أمر أشار مسبقاً وزير الإعلام الأسبق وعضو مجلس الأعيان حالياً الدكتور محمد المومني، إلى أن العمق الإسرائيلي يفهمه جيداً. من هنا حصراً لا يترك عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني فرصة أو مساحة إلا ويؤكد فيها حرص بلاده على الاستمرار في واجب القدس والوصاية على المقدسات. ولا يترك أي مسؤول أردني بعد الملك فرصة إلا ويعبر فيها عن التشبث باستراتيجية تقول دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فالأردن -وفقاً لتعبيرات سمعتها “القدس العربي” مراراً في الماضي من المومني- له مصلحة مباشرة وجوهرية في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
إشكاليات
واحدة من إشكاليات الخطاب الرسمي الأردني تحت عنوان الثوابت الفلسطينية يؤشر على أن الجزء الأساسي من تكرار هذه الثوابت وفي كل الفرص والمساحات مرتبط بإقناع الرأي العام الأردني نفسه وبكل مكوناته الاجتماعية. والمعنى هنا أن مراكز صناعة القرار تعلم وبعمق بأن الوقوف خلف الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني واحد من أهم الاستراتيجيات في بقاء وتثبيت الاستقرار الداخلي في الأردن. لكن يبقى كل ذلك حتى بالنسبة لسياسيين منفتحين ومعتدلين، وبينهم مفاوضون سابقون مثل الدكتور مروان المعشر، كل ذلك اليوم ليس أكثر من مجرد وهم؛ فإسرائيل التي أقيم السلام معها رحلت. وإسرائيل اليوم لا تنقلب على الأردن واتفاقية وادي عربة، بل انقلبت، والإصرار على تثبيت التطبيع في ملفات حساسة واستراتيجية مثل الطاقة والمياه خطأ استراتيجي فادح، لأن إسرائيل باختصار اليوم عدو للأردن حكماً وشعباً. تلك رواية ليس بعض النخب السياسية فقط، لكنها أقرب إلى رواية جامعة تمثل وجدان الشارع الأردني وموقفه، وإن كانت النخبة الرسمية التي تدير الأمور اليوم تصر على ألّا تشتري تلك الرواية، وتعتقد بأن التسلل خلف خطوط نتنياهو وإيصال رسائل دبلوماسية هنا وهناك وتحقيق استجابات عبر مصر والإمارات هي كلها خطوات وقائية تؤدي الغرض في الردع وإظهار الهيبة. لكن كل ذلك لا ينفع؛ لأن اتفاقيات الطاقة والمياه بمثابة سلاح استراتيجي وورقة رابحة بيد الأردن تمنح مجاناً للإسرائيليين اليوم. وعليه، الانطباع يزيد -كما يقدر الفاعوري ومعه الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة الشيخ مراد العضايلة- بأن الفارق كبير ما بين تكتيك “عربي إبراهيمي” تفريطي، أو بناء استراتيجية تعلي من شأن العقيدة التي يعرفها الجميع والقائلة بأن العدو الأول والأساسي هو إسرائيل.
'القدس العربي'
عمان جو - بسام البدارين - سيرغي لافروف وبابا الفاتيكان وريشي سوناك، أسماء بارزة إلى حد ما في عقل المجتمع الدولي كانت عبارة عن محطة تواصل أولى بالنسبة للأردن وهو يتحرك في الفضاء الإقليمي والدولي أملاً في ضرب عصفورين بحجر دبلوماسي واحد. وهما: أولاً، حماية مصالحه الأساسية في ظل عودة بنيامين نتنياهو وبقوة إلى الحكم بعد وصفه طوال سنوات بلقب “الجار الأسوأ”. وثانياً، إعادة تذكير العالم قدر الإمكان وإنعاش ذاكرته بأن القضية الفلسطينية التي ينساها الجميع اليوم ولم تعد ملفاتها على الطاولة هي محور وأساس الصراع والاستقرار بعدما لاحظ الأردنيون، وكما شرح أمام “القدس العربي” سياسي بارز من وزن طاهر المصري، أن الدول العربية تتخلى بالتدريج المنهجي عن الشعب الفلسطيني وقضيته، ومن ثم لا يوجد ما يمنعها من التخلي أيضاً عن الشعب الأردني ومصالحه. هل يبالغ المصري في تصوير ورسم هذا السيناريو؟ يجيب السياسي الأردني مروان الفاعوري عن السؤال بالإشارة إلى أن تلك الموصوفة بالمبالغة قد لا تعكس حقيقة الأمر، حيث إن الحكومة الأردنية حتى اللحظة ورغم الخطر الداهم، تحافظ على أوراق ما يسمى بالسلام مع الإسرائيليين، وتصر على التنسيق والتطبيع مع العدو الواضح، وتسترسل في الغرق بالوهم نفسه، ولا تريد الاستيقاظ من حالة سبات تقول بكل اللغات من هو العدو ومن هو الصديق. يتحفظ السياسي المصري على ما يسمى إعلامياً باتفاقيات السلام الإبراهيمية، ويعتبرها محطة لا بد من قراءتها بتوازن وعمق، لأن تفاعلاتها ونتائجها وتداعياتها تقول بأن الشعبين، الأردني والفلسطيني، يتركان الآن بين براثن الذئب الإسرائيلي. مجدداً، يسأل الجميع في الحالة النخبوية الأردنية وهم يحاولون التقاط ما هو جوهري في الحراك الثلاثي الأخير، ابتداء من لافروف واستقباله في عمان، مروراً بالزيارة الملكية إلى الفاتيكان لتثبيت رسائل السلام العالمي، وانتهاء بالتفاعل مع رئيس وزراء دولة صديقة جداً هي بريطانيا. والسؤال هنا يتكرر: ماذا نحن فاعلون؟
ثلاثة أطراف
أغلب التقدير في المطبخ الدبلوماسي الأردني أن الاشتباك مع الأطراف الثلاثة المشار إليها مفيد ومنتج، والانطباع اليوم في عمان يشير رسمياً وبيروقراطياً إلى أن الحراك الدبلوماسي المكثف الذي سبق ثم أعقب المشاركة في قمة المناخ في شرم الشيخ دليل عافية سياسية، ونجح في تحقيق هدفه الأول والتحضيري، وهو إبلاغ نتنياهو ضمناً بأنه لا يستطيع استفزاز الأردن ومخاصمته أو مضايقته قصداً دون حراك مضاد يرد عليه. تعتقد أوساط القرار -وقد تكون واهمة- أن إظهار القدرة على التحرك في الفضاءات الدولية خطوة يمكن أن تردع نتنياهو ولو إلى حد ما، والاعتقاد يتكدس اليوم على الأقل في الخارجية الأردنية وطاقمه بأن الرسالة وصلت لزعيم إسرائيل اليميني المتطرف الجديد صاحب المقولة الشهيرة بخصوص مستقبل الأردن وطبيعة النظام فيه وفقاً للمعيار الذي استعمله يوماً علناً رئيس وزراء وهو يسأل في إحدى الندوات: تقصدون أنهم يخططون لوطن بديل أم لنظام بديل؟ بكل حال، من قرأ تلك النصوص المحكمة في خطاب العرش الملكي الأردني الأخير الذي خصص نصفه تقريباً للقضية الفلسطينية يفهم بأن عمان توجه رسائل لنتنياهو، وبأن التواصل مع أطراف مثل روسيا والفاتيكان وبريطانيا في حلتها الجديدة ليس أكثر من حراك دبلوماسي بسيط وسريع ومباغت وخاطف يهدف إلى لفت نظر طاقم إسرائيل الجديد إلى رد فعل أردني يفترض ألا يستهان به إذا ما تقرر المس بالثوابت. واحدة من القيم الأساسية النبيلة في زاوية الاشتباك الأردني هي تلك التي تؤكد أن الثوابت بما فيها “اللاءات” الشهيرة، غير قابلة لخصومات أو تسويات ولا تخضع لمساومات سياسية، لا بل تشكل أساساً في جوهر فهم الأردن لمصالحه الأمنية والقومية. وهو أمر أشار مسبقاً وزير الإعلام الأسبق وعضو مجلس الأعيان حالياً الدكتور محمد المومني، إلى أن العمق الإسرائيلي يفهمه جيداً. من هنا حصراً لا يترك عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني فرصة أو مساحة إلا ويؤكد فيها حرص بلاده على الاستمرار في واجب القدس والوصاية على المقدسات. ولا يترك أي مسؤول أردني بعد الملك فرصة إلا ويعبر فيها عن التشبث باستراتيجية تقول دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فالأردن -وفقاً لتعبيرات سمعتها “القدس العربي” مراراً في الماضي من المومني- له مصلحة مباشرة وجوهرية في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
إشكاليات
واحدة من إشكاليات الخطاب الرسمي الأردني تحت عنوان الثوابت الفلسطينية يؤشر على أن الجزء الأساسي من تكرار هذه الثوابت وفي كل الفرص والمساحات مرتبط بإقناع الرأي العام الأردني نفسه وبكل مكوناته الاجتماعية. والمعنى هنا أن مراكز صناعة القرار تعلم وبعمق بأن الوقوف خلف الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني واحد من أهم الاستراتيجيات في بقاء وتثبيت الاستقرار الداخلي في الأردن. لكن يبقى كل ذلك حتى بالنسبة لسياسيين منفتحين ومعتدلين، وبينهم مفاوضون سابقون مثل الدكتور مروان المعشر، كل ذلك اليوم ليس أكثر من مجرد وهم؛ فإسرائيل التي أقيم السلام معها رحلت. وإسرائيل اليوم لا تنقلب على الأردن واتفاقية وادي عربة، بل انقلبت، والإصرار على تثبيت التطبيع في ملفات حساسة واستراتيجية مثل الطاقة والمياه خطأ استراتيجي فادح، لأن إسرائيل باختصار اليوم عدو للأردن حكماً وشعباً. تلك رواية ليس بعض النخب السياسية فقط، لكنها أقرب إلى رواية جامعة تمثل وجدان الشارع الأردني وموقفه، وإن كانت النخبة الرسمية التي تدير الأمور اليوم تصر على ألّا تشتري تلك الرواية، وتعتقد بأن التسلل خلف خطوط نتنياهو وإيصال رسائل دبلوماسية هنا وهناك وتحقيق استجابات عبر مصر والإمارات هي كلها خطوات وقائية تؤدي الغرض في الردع وإظهار الهيبة. لكن كل ذلك لا ينفع؛ لأن اتفاقيات الطاقة والمياه بمثابة سلاح استراتيجي وورقة رابحة بيد الأردن تمنح مجاناً للإسرائيليين اليوم. وعليه، الانطباع يزيد -كما يقدر الفاعوري ومعه الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة الشيخ مراد العضايلة- بأن الفارق كبير ما بين تكتيك “عربي إبراهيمي” تفريطي، أو بناء استراتيجية تعلي من شأن العقيدة التي يعرفها الجميع والقائلة بأن العدو الأول والأساسي هو إسرائيل.
'القدس العربي'
عمان جو - بسام البدارين - سيرغي لافروف وبابا الفاتيكان وريشي سوناك، أسماء بارزة إلى حد ما في عقل المجتمع الدولي كانت عبارة عن محطة تواصل أولى بالنسبة للأردن وهو يتحرك في الفضاء الإقليمي والدولي أملاً في ضرب عصفورين بحجر دبلوماسي واحد. وهما: أولاً، حماية مصالحه الأساسية في ظل عودة بنيامين نتنياهو وبقوة إلى الحكم بعد وصفه طوال سنوات بلقب “الجار الأسوأ”. وثانياً، إعادة تذكير العالم قدر الإمكان وإنعاش ذاكرته بأن القضية الفلسطينية التي ينساها الجميع اليوم ولم تعد ملفاتها على الطاولة هي محور وأساس الصراع والاستقرار بعدما لاحظ الأردنيون، وكما شرح أمام “القدس العربي” سياسي بارز من وزن طاهر المصري، أن الدول العربية تتخلى بالتدريج المنهجي عن الشعب الفلسطيني وقضيته، ومن ثم لا يوجد ما يمنعها من التخلي أيضاً عن الشعب الأردني ومصالحه. هل يبالغ المصري في تصوير ورسم هذا السيناريو؟ يجيب السياسي الأردني مروان الفاعوري عن السؤال بالإشارة إلى أن تلك الموصوفة بالمبالغة قد لا تعكس حقيقة الأمر، حيث إن الحكومة الأردنية حتى اللحظة ورغم الخطر الداهم، تحافظ على أوراق ما يسمى بالسلام مع الإسرائيليين، وتصر على التنسيق والتطبيع مع العدو الواضح، وتسترسل في الغرق بالوهم نفسه، ولا تريد الاستيقاظ من حالة سبات تقول بكل اللغات من هو العدو ومن هو الصديق. يتحفظ السياسي المصري على ما يسمى إعلامياً باتفاقيات السلام الإبراهيمية، ويعتبرها محطة لا بد من قراءتها بتوازن وعمق، لأن تفاعلاتها ونتائجها وتداعياتها تقول بأن الشعبين، الأردني والفلسطيني، يتركان الآن بين براثن الذئب الإسرائيلي. مجدداً، يسأل الجميع في الحالة النخبوية الأردنية وهم يحاولون التقاط ما هو جوهري في الحراك الثلاثي الأخير، ابتداء من لافروف واستقباله في عمان، مروراً بالزيارة الملكية إلى الفاتيكان لتثبيت رسائل السلام العالمي، وانتهاء بالتفاعل مع رئيس وزراء دولة صديقة جداً هي بريطانيا. والسؤال هنا يتكرر: ماذا نحن فاعلون؟
ثلاثة أطراف
أغلب التقدير في المطبخ الدبلوماسي الأردني أن الاشتباك مع الأطراف الثلاثة المشار إليها مفيد ومنتج، والانطباع اليوم في عمان يشير رسمياً وبيروقراطياً إلى أن الحراك الدبلوماسي المكثف الذي سبق ثم أعقب المشاركة في قمة المناخ في شرم الشيخ دليل عافية سياسية، ونجح في تحقيق هدفه الأول والتحضيري، وهو إبلاغ نتنياهو ضمناً بأنه لا يستطيع استفزاز الأردن ومخاصمته أو مضايقته قصداً دون حراك مضاد يرد عليه. تعتقد أوساط القرار -وقد تكون واهمة- أن إظهار القدرة على التحرك في الفضاءات الدولية خطوة يمكن أن تردع نتنياهو ولو إلى حد ما، والاعتقاد يتكدس اليوم على الأقل في الخارجية الأردنية وطاقمه بأن الرسالة وصلت لزعيم إسرائيل اليميني المتطرف الجديد صاحب المقولة الشهيرة بخصوص مستقبل الأردن وطبيعة النظام فيه وفقاً للمعيار الذي استعمله يوماً علناً رئيس وزراء وهو يسأل في إحدى الندوات: تقصدون أنهم يخططون لوطن بديل أم لنظام بديل؟ بكل حال، من قرأ تلك النصوص المحكمة في خطاب العرش الملكي الأردني الأخير الذي خصص نصفه تقريباً للقضية الفلسطينية يفهم بأن عمان توجه رسائل لنتنياهو، وبأن التواصل مع أطراف مثل روسيا والفاتيكان وبريطانيا في حلتها الجديدة ليس أكثر من حراك دبلوماسي بسيط وسريع ومباغت وخاطف يهدف إلى لفت نظر طاقم إسرائيل الجديد إلى رد فعل أردني يفترض ألا يستهان به إذا ما تقرر المس بالثوابت. واحدة من القيم الأساسية النبيلة في زاوية الاشتباك الأردني هي تلك التي تؤكد أن الثوابت بما فيها “اللاءات” الشهيرة، غير قابلة لخصومات أو تسويات ولا تخضع لمساومات سياسية، لا بل تشكل أساساً في جوهر فهم الأردن لمصالحه الأمنية والقومية. وهو أمر أشار مسبقاً وزير الإعلام الأسبق وعضو مجلس الأعيان حالياً الدكتور محمد المومني، إلى أن العمق الإسرائيلي يفهمه جيداً. من هنا حصراً لا يترك عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني فرصة أو مساحة إلا ويؤكد فيها حرص بلاده على الاستمرار في واجب القدس والوصاية على المقدسات. ولا يترك أي مسؤول أردني بعد الملك فرصة إلا ويعبر فيها عن التشبث باستراتيجية تقول دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فالأردن -وفقاً لتعبيرات سمعتها “القدس العربي” مراراً في الماضي من المومني- له مصلحة مباشرة وجوهرية في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
إشكاليات
واحدة من إشكاليات الخطاب الرسمي الأردني تحت عنوان الثوابت الفلسطينية يؤشر على أن الجزء الأساسي من تكرار هذه الثوابت وفي كل الفرص والمساحات مرتبط بإقناع الرأي العام الأردني نفسه وبكل مكوناته الاجتماعية. والمعنى هنا أن مراكز صناعة القرار تعلم وبعمق بأن الوقوف خلف الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني واحد من أهم الاستراتيجيات في بقاء وتثبيت الاستقرار الداخلي في الأردن. لكن يبقى كل ذلك حتى بالنسبة لسياسيين منفتحين ومعتدلين، وبينهم مفاوضون سابقون مثل الدكتور مروان المعشر، كل ذلك اليوم ليس أكثر من مجرد وهم؛ فإسرائيل التي أقيم السلام معها رحلت. وإسرائيل اليوم لا تنقلب على الأردن واتفاقية وادي عربة، بل انقلبت، والإصرار على تثبيت التطبيع في ملفات حساسة واستراتيجية مثل الطاقة والمياه خطأ استراتيجي فادح، لأن إسرائيل باختصار اليوم عدو للأردن حكماً وشعباً. تلك رواية ليس بعض النخب السياسية فقط، لكنها أقرب إلى رواية جامعة تمثل وجدان الشارع الأردني وموقفه، وإن كانت النخبة الرسمية التي تدير الأمور اليوم تصر على ألّا تشتري تلك الرواية، وتعتقد بأن التسلل خلف خطوط نتنياهو وإيصال رسائل دبلوماسية هنا وهناك وتحقيق استجابات عبر مصر والإمارات هي كلها خطوات وقائية تؤدي الغرض في الردع وإظهار الهيبة. لكن كل ذلك لا ينفع؛ لأن اتفاقيات الطاقة والمياه بمثابة سلاح استراتيجي وورقة رابحة بيد الأردن تمنح مجاناً للإسرائيليين اليوم. وعليه، الانطباع يزيد -كما يقدر الفاعوري ومعه الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة الشيخ مراد العضايلة- بأن الفارق كبير ما بين تكتيك “عربي إبراهيمي” تفريطي، أو بناء استراتيجية تعلي من شأن العقيدة التي يعرفها الجميع والقائلة بأن العدو الأول والأساسي هو إسرائيل.
'القدس العربي'
التعليقات
البابا… سوناك… لافروف: الأردن في «الحراك» بسبب «الجار الأسوأ» نتنياهو… ما الخطوة التالية؟
التعليقات