عمان جو - بسام البدارين - يمكن قراءة التطورات اللافتة في مستجد ملف الأحزاب الأردنية بما يشبه تماماً مسألة “غلي الحصاة” لكن مع فارق إضافي بسيط، وهو غلي الحصاة نفسها. فالقناعة راسخة بأن ما أنجز حتى الآن حتى في قيود وضمن مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد – برأي السياسي مروان الفاعوري – يغلفه العبث والتدخل والتغريد خارج سرب حتى المنظومة نفسها. يسأل الناشط النقابي أحمد أبو غنيمة، علناً، رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وأحد أكبر مشجعي الأردنيين على العمل الحزبي الرئيس سمير الرفاعي: لماذا لم تعلن انضمامك لحزب؟ ويراوغ الرفاعي السؤال بذكاء وحنكة، ويمكن اختصار جوابه بالآتي: حرصاً على المنظومة وتجنباً لخدشها. معنى الكلام في الباطن طبعاً، هو أن طبقة رجال الدولة والسياسيين والموظفين حتى اللحظة تحجم عن المشاركة في العملية الحزبية وبصيغة يرى أو يقدر الفاعوري مثل غيره بأنها تؤدي إلى النتيجة نفسها، حيث مغامرون وطامحون وأحياناً راغبون في مواقع الصف الأول وبالتأكيد انتهازيون أحياناً هم الذين يهتمون بالتشكيل الحزبي الجديد. ذلك استنتاج بطبيعة الحال لا يمكن تعميمه؛ فالمسيرة انطلقت، والإيجابية مطلوبة جداً، ومن يلاحظ في رأي رئيس الهيئة المستقلة للإنتخابات موسى المعايطة، على المسار فبإمكانه تشكيل أحزاب سياسية لتصويبه من الداخل وتعديله إن لزم الأمر.
ظاهرة لافتة للنظر
امتناع طبقة رجال الدولة وكبار اللاعبين وزهدهم في الالتحاق بالعمل الحزبي، ظاهرة لافتة للنظر ولا يمكن نكرانها على الرغم من كل التوجيه الذي يقول بأن المستقبل في الأردن للأحزاب السياسية. لكن تلك ليست الظاهرة السلبية الوحيدة في الإتجاه المعاكس لمسار تحديث المنظومة، فآخر رقم استطلاعي قال إن 1 % من الشعب الأردني فقط هم نسبة المهتمين بالعمل الحزبي. تلك مصيبة تنظيمية إلى حد ما، ينبغي ألا تطالها حمى الإنكار، فالمسألة قد لا تتعلق بما قاله يوماً سياسي ولاعب مخضرم مثل الدكتور ممدوح العبادي، بالعامية الدارجة وهو يجيب عن سؤال لفهم ما الذي يبعده عن العمل الحزبي الآن. قال العبادي علناً: “لو بدها تشتي غيّمت”. والفارق أنها أمطرت في الواقع لجنة ملكية عريضة لتحديث المنظومة السياسية، وقانونين جديدين للأحزاب، وتعديلاً دستورياً وخطابات مع ضمانات ملكية ومرجعية مباشرة عدة مرات، خلافاً لتعديل دستوري ضامن، ومجلس للأمن القومي يوفر الضمانات للدولة العميقة ويلبي احتياجاتها حتى تمضي مسيرة الأحزاب السياسية بصيغة تسيطر فيها خلال عشر سنوات على جميع مقاعد السلطة التشريعية، ثم تبدأ بعدها عملية تسليم السلطة التنفيذية وتشكيل حكومة تنفيذية للأحزاب. من لا يصدقون اليوم ليس الناس فقط، بل النخب وطبقة رجال الدولة؛ لأن المطر هطل بدون غيوم اجتماعية وشعبية، وفق الفاعوري. تلك واحدة من أعقد مشكلات مسار تحديث المنظومة، والسؤال الذي يؤسس مفارقته لاعب خبير بالعمل الحزبي والعام مثل الدكتور العبادي: أي مطر مطلوب بعد كل هذا الانهمار والهطول؟ ثمة سرديتان، الأولى يصفها المنشغلون بمساري التحديث والتمكين بأنها عبثية وعدمية. والأخرى يعتبرها المتشككون المترددون حتى من رجال الدولة أقرب إلى مطر وهمي ناتج عن أزمة مصداقية الخطاب الرسمية خلافاً لثقافة رسمية مضادة للأحزاب طوال 70 عاماً وأكثر. الإسلاميون هم الأذكى في إدارة اللعبة؛ فقد شاركوا في اللجنة التي صاغت منظومة التحديث ثم امتدحوا جزئيات من التوصيات والتعديلات، وتحفظوا على أخرى، وتركوا التشكيك والتردد لطبقة رجال الدولة. الإسلاميون بالاستنتاج هم الأذكى؛ فقد تجنبوا تصديق الرواية أو التشكيك فيها وقرروا استراتيجياً وبلغة رزينة التموقع الذي يناسبهم بعد الإطار التحديثي عندما انشغلوا بمضمون ومحتوى ومنطق حكومة الظل لحكومة حزبية مستقبلاً. لكن في المقابل، أجواء النقاش المشحونة اليوم لا تجيب عن سؤال أبو غنيمة ولا عن تمنيات العبادي وتشكيك الفاعوري، فالحاجة باتت رسمياً ونظامياً ملحة للإجابة عن سؤال القصور والخلل أيضاً، الأمر الذي يعتقد أن جهة استشارية سيادية ما اضطرت، من باب التزامها مع مركز القرار، للبحث والتعمق والتفحص لتقديم إجابة. لماذا لا يصدق كبار الساسة مطر التحديث الحزبي فيما 1% فقط من البسطاء في الشعب يهتم بالأحزاب؟
الإشكالات ستبقى
سؤال في غاية الأهمية، والمطلوب إجابة واضحة عليه في دوائر القرار وليس وسط الناس، لأن الحقائق الرقمية تقول ضمناً بأن هذا الواقع الموضوعي انتهى بما يرصده ويلاحظه الجميع، وهو أن المنشغلين بمقاعد البرلمان والانتخابات وأصحاب الألقاب ومن لديهم طموح وظيفي هم فقط من يتحركون في فضاء أحزاب المنظومة اليوم. وهؤلاء مع التقدير لجهودهم، لا يمكنهم حتى في أقصى حالات التشكيك بالمشككين اعتبار أنفسهم تجسيداً للمطلوب لا مرجعياً ولا شعبياً في ملف التحديث ومنظومته. لذا، الإشكالات ستبقى، والتيار الإسلامي الجالس وحيداً على القمة الحزبية سيستفيد، والمراجعة التي قادت لتحديث المنظومة هي الخاسر الأكبر. والسبب المرجح أن أجهزة تنفيذية تدخلت أكثر مما ينبغي فيما يبدو في تشكيلة السياق الحزبي الجديد حتى أخرجت الأهداف المرجوة عن سكتها، وحتى بات ما يجري فعلاً أقرب إلى إشعال النار تماماً تحت نفس الإناء وبصورة قد تعيد إلى برلمان الأحزاب أو الأحزاب البرلمانية نفس الوجوه القديمة بلا تعبيرات رمزية مستحدثة ولا برامج منهجية مقنعة. حقاً، تسخين طبق الطعام الذي بات من أمس في اليوم التالي، لا يمكنه أن يصنف كوجبة جديدة. وحصول ذلك والإقرار بحصوله يعني أن مسار تحديث المنظومة رغم ألقه ونبله وأهدافه العميقة، أخرج عن سياقه جراء مرة حياد الحكومات المبالغ فيه وحساباتها البائسة، ومرات بسبب طغيان لغة الرغبة في الهندسة حتى عندما تصبح هندسة تزويقية مؤقتة وعشوائية. لا أحد يفهم كيف توقعت دوائر صناعة القرار نتائج أفضل في ظلها.
«القدس العربي»
عمان جو - بسام البدارين - يمكن قراءة التطورات اللافتة في مستجد ملف الأحزاب الأردنية بما يشبه تماماً مسألة “غلي الحصاة” لكن مع فارق إضافي بسيط، وهو غلي الحصاة نفسها. فالقناعة راسخة بأن ما أنجز حتى الآن حتى في قيود وضمن مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد – برأي السياسي مروان الفاعوري – يغلفه العبث والتدخل والتغريد خارج سرب حتى المنظومة نفسها. يسأل الناشط النقابي أحمد أبو غنيمة، علناً، رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وأحد أكبر مشجعي الأردنيين على العمل الحزبي الرئيس سمير الرفاعي: لماذا لم تعلن انضمامك لحزب؟ ويراوغ الرفاعي السؤال بذكاء وحنكة، ويمكن اختصار جوابه بالآتي: حرصاً على المنظومة وتجنباً لخدشها. معنى الكلام في الباطن طبعاً، هو أن طبقة رجال الدولة والسياسيين والموظفين حتى اللحظة تحجم عن المشاركة في العملية الحزبية وبصيغة يرى أو يقدر الفاعوري مثل غيره بأنها تؤدي إلى النتيجة نفسها، حيث مغامرون وطامحون وأحياناً راغبون في مواقع الصف الأول وبالتأكيد انتهازيون أحياناً هم الذين يهتمون بالتشكيل الحزبي الجديد. ذلك استنتاج بطبيعة الحال لا يمكن تعميمه؛ فالمسيرة انطلقت، والإيجابية مطلوبة جداً، ومن يلاحظ في رأي رئيس الهيئة المستقلة للإنتخابات موسى المعايطة، على المسار فبإمكانه تشكيل أحزاب سياسية لتصويبه من الداخل وتعديله إن لزم الأمر.
ظاهرة لافتة للنظر
امتناع طبقة رجال الدولة وكبار اللاعبين وزهدهم في الالتحاق بالعمل الحزبي، ظاهرة لافتة للنظر ولا يمكن نكرانها على الرغم من كل التوجيه الذي يقول بأن المستقبل في الأردن للأحزاب السياسية. لكن تلك ليست الظاهرة السلبية الوحيدة في الإتجاه المعاكس لمسار تحديث المنظومة، فآخر رقم استطلاعي قال إن 1 % من الشعب الأردني فقط هم نسبة المهتمين بالعمل الحزبي. تلك مصيبة تنظيمية إلى حد ما، ينبغي ألا تطالها حمى الإنكار، فالمسألة قد لا تتعلق بما قاله يوماً سياسي ولاعب مخضرم مثل الدكتور ممدوح العبادي، بالعامية الدارجة وهو يجيب عن سؤال لفهم ما الذي يبعده عن العمل الحزبي الآن. قال العبادي علناً: “لو بدها تشتي غيّمت”. والفارق أنها أمطرت في الواقع لجنة ملكية عريضة لتحديث المنظومة السياسية، وقانونين جديدين للأحزاب، وتعديلاً دستورياً وخطابات مع ضمانات ملكية ومرجعية مباشرة عدة مرات، خلافاً لتعديل دستوري ضامن، ومجلس للأمن القومي يوفر الضمانات للدولة العميقة ويلبي احتياجاتها حتى تمضي مسيرة الأحزاب السياسية بصيغة تسيطر فيها خلال عشر سنوات على جميع مقاعد السلطة التشريعية، ثم تبدأ بعدها عملية تسليم السلطة التنفيذية وتشكيل حكومة تنفيذية للأحزاب. من لا يصدقون اليوم ليس الناس فقط، بل النخب وطبقة رجال الدولة؛ لأن المطر هطل بدون غيوم اجتماعية وشعبية، وفق الفاعوري. تلك واحدة من أعقد مشكلات مسار تحديث المنظومة، والسؤال الذي يؤسس مفارقته لاعب خبير بالعمل الحزبي والعام مثل الدكتور العبادي: أي مطر مطلوب بعد كل هذا الانهمار والهطول؟ ثمة سرديتان، الأولى يصفها المنشغلون بمساري التحديث والتمكين بأنها عبثية وعدمية. والأخرى يعتبرها المتشككون المترددون حتى من رجال الدولة أقرب إلى مطر وهمي ناتج عن أزمة مصداقية الخطاب الرسمية خلافاً لثقافة رسمية مضادة للأحزاب طوال 70 عاماً وأكثر. الإسلاميون هم الأذكى في إدارة اللعبة؛ فقد شاركوا في اللجنة التي صاغت منظومة التحديث ثم امتدحوا جزئيات من التوصيات والتعديلات، وتحفظوا على أخرى، وتركوا التشكيك والتردد لطبقة رجال الدولة. الإسلاميون بالاستنتاج هم الأذكى؛ فقد تجنبوا تصديق الرواية أو التشكيك فيها وقرروا استراتيجياً وبلغة رزينة التموقع الذي يناسبهم بعد الإطار التحديثي عندما انشغلوا بمضمون ومحتوى ومنطق حكومة الظل لحكومة حزبية مستقبلاً. لكن في المقابل، أجواء النقاش المشحونة اليوم لا تجيب عن سؤال أبو غنيمة ولا عن تمنيات العبادي وتشكيك الفاعوري، فالحاجة باتت رسمياً ونظامياً ملحة للإجابة عن سؤال القصور والخلل أيضاً، الأمر الذي يعتقد أن جهة استشارية سيادية ما اضطرت، من باب التزامها مع مركز القرار، للبحث والتعمق والتفحص لتقديم إجابة. لماذا لا يصدق كبار الساسة مطر التحديث الحزبي فيما 1% فقط من البسطاء في الشعب يهتم بالأحزاب؟
الإشكالات ستبقى
سؤال في غاية الأهمية، والمطلوب إجابة واضحة عليه في دوائر القرار وليس وسط الناس، لأن الحقائق الرقمية تقول ضمناً بأن هذا الواقع الموضوعي انتهى بما يرصده ويلاحظه الجميع، وهو أن المنشغلين بمقاعد البرلمان والانتخابات وأصحاب الألقاب ومن لديهم طموح وظيفي هم فقط من يتحركون في فضاء أحزاب المنظومة اليوم. وهؤلاء مع التقدير لجهودهم، لا يمكنهم حتى في أقصى حالات التشكيك بالمشككين اعتبار أنفسهم تجسيداً للمطلوب لا مرجعياً ولا شعبياً في ملف التحديث ومنظومته. لذا، الإشكالات ستبقى، والتيار الإسلامي الجالس وحيداً على القمة الحزبية سيستفيد، والمراجعة التي قادت لتحديث المنظومة هي الخاسر الأكبر. والسبب المرجح أن أجهزة تنفيذية تدخلت أكثر مما ينبغي فيما يبدو في تشكيلة السياق الحزبي الجديد حتى أخرجت الأهداف المرجوة عن سكتها، وحتى بات ما يجري فعلاً أقرب إلى إشعال النار تماماً تحت نفس الإناء وبصورة قد تعيد إلى برلمان الأحزاب أو الأحزاب البرلمانية نفس الوجوه القديمة بلا تعبيرات رمزية مستحدثة ولا برامج منهجية مقنعة. حقاً، تسخين طبق الطعام الذي بات من أمس في اليوم التالي، لا يمكنه أن يصنف كوجبة جديدة. وحصول ذلك والإقرار بحصوله يعني أن مسار تحديث المنظومة رغم ألقه ونبله وأهدافه العميقة، أخرج عن سياقه جراء مرة حياد الحكومات المبالغ فيه وحساباتها البائسة، ومرات بسبب طغيان لغة الرغبة في الهندسة حتى عندما تصبح هندسة تزويقية مؤقتة وعشوائية. لا أحد يفهم كيف توقعت دوائر صناعة القرار نتائج أفضل في ظلها.
«القدس العربي»
عمان جو - بسام البدارين - يمكن قراءة التطورات اللافتة في مستجد ملف الأحزاب الأردنية بما يشبه تماماً مسألة “غلي الحصاة” لكن مع فارق إضافي بسيط، وهو غلي الحصاة نفسها. فالقناعة راسخة بأن ما أنجز حتى الآن حتى في قيود وضمن مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد – برأي السياسي مروان الفاعوري – يغلفه العبث والتدخل والتغريد خارج سرب حتى المنظومة نفسها. يسأل الناشط النقابي أحمد أبو غنيمة، علناً، رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وأحد أكبر مشجعي الأردنيين على العمل الحزبي الرئيس سمير الرفاعي: لماذا لم تعلن انضمامك لحزب؟ ويراوغ الرفاعي السؤال بذكاء وحنكة، ويمكن اختصار جوابه بالآتي: حرصاً على المنظومة وتجنباً لخدشها. معنى الكلام في الباطن طبعاً، هو أن طبقة رجال الدولة والسياسيين والموظفين حتى اللحظة تحجم عن المشاركة في العملية الحزبية وبصيغة يرى أو يقدر الفاعوري مثل غيره بأنها تؤدي إلى النتيجة نفسها، حيث مغامرون وطامحون وأحياناً راغبون في مواقع الصف الأول وبالتأكيد انتهازيون أحياناً هم الذين يهتمون بالتشكيل الحزبي الجديد. ذلك استنتاج بطبيعة الحال لا يمكن تعميمه؛ فالمسيرة انطلقت، والإيجابية مطلوبة جداً، ومن يلاحظ في رأي رئيس الهيئة المستقلة للإنتخابات موسى المعايطة، على المسار فبإمكانه تشكيل أحزاب سياسية لتصويبه من الداخل وتعديله إن لزم الأمر.
ظاهرة لافتة للنظر
امتناع طبقة رجال الدولة وكبار اللاعبين وزهدهم في الالتحاق بالعمل الحزبي، ظاهرة لافتة للنظر ولا يمكن نكرانها على الرغم من كل التوجيه الذي يقول بأن المستقبل في الأردن للأحزاب السياسية. لكن تلك ليست الظاهرة السلبية الوحيدة في الإتجاه المعاكس لمسار تحديث المنظومة، فآخر رقم استطلاعي قال إن 1 % من الشعب الأردني فقط هم نسبة المهتمين بالعمل الحزبي. تلك مصيبة تنظيمية إلى حد ما، ينبغي ألا تطالها حمى الإنكار، فالمسألة قد لا تتعلق بما قاله يوماً سياسي ولاعب مخضرم مثل الدكتور ممدوح العبادي، بالعامية الدارجة وهو يجيب عن سؤال لفهم ما الذي يبعده عن العمل الحزبي الآن. قال العبادي علناً: “لو بدها تشتي غيّمت”. والفارق أنها أمطرت في الواقع لجنة ملكية عريضة لتحديث المنظومة السياسية، وقانونين جديدين للأحزاب، وتعديلاً دستورياً وخطابات مع ضمانات ملكية ومرجعية مباشرة عدة مرات، خلافاً لتعديل دستوري ضامن، ومجلس للأمن القومي يوفر الضمانات للدولة العميقة ويلبي احتياجاتها حتى تمضي مسيرة الأحزاب السياسية بصيغة تسيطر فيها خلال عشر سنوات على جميع مقاعد السلطة التشريعية، ثم تبدأ بعدها عملية تسليم السلطة التنفيذية وتشكيل حكومة تنفيذية للأحزاب. من لا يصدقون اليوم ليس الناس فقط، بل النخب وطبقة رجال الدولة؛ لأن المطر هطل بدون غيوم اجتماعية وشعبية، وفق الفاعوري. تلك واحدة من أعقد مشكلات مسار تحديث المنظومة، والسؤال الذي يؤسس مفارقته لاعب خبير بالعمل الحزبي والعام مثل الدكتور العبادي: أي مطر مطلوب بعد كل هذا الانهمار والهطول؟ ثمة سرديتان، الأولى يصفها المنشغلون بمساري التحديث والتمكين بأنها عبثية وعدمية. والأخرى يعتبرها المتشككون المترددون حتى من رجال الدولة أقرب إلى مطر وهمي ناتج عن أزمة مصداقية الخطاب الرسمية خلافاً لثقافة رسمية مضادة للأحزاب طوال 70 عاماً وأكثر. الإسلاميون هم الأذكى في إدارة اللعبة؛ فقد شاركوا في اللجنة التي صاغت منظومة التحديث ثم امتدحوا جزئيات من التوصيات والتعديلات، وتحفظوا على أخرى، وتركوا التشكيك والتردد لطبقة رجال الدولة. الإسلاميون بالاستنتاج هم الأذكى؛ فقد تجنبوا تصديق الرواية أو التشكيك فيها وقرروا استراتيجياً وبلغة رزينة التموقع الذي يناسبهم بعد الإطار التحديثي عندما انشغلوا بمضمون ومحتوى ومنطق حكومة الظل لحكومة حزبية مستقبلاً. لكن في المقابل، أجواء النقاش المشحونة اليوم لا تجيب عن سؤال أبو غنيمة ولا عن تمنيات العبادي وتشكيك الفاعوري، فالحاجة باتت رسمياً ونظامياً ملحة للإجابة عن سؤال القصور والخلل أيضاً، الأمر الذي يعتقد أن جهة استشارية سيادية ما اضطرت، من باب التزامها مع مركز القرار، للبحث والتعمق والتفحص لتقديم إجابة. لماذا لا يصدق كبار الساسة مطر التحديث الحزبي فيما 1% فقط من البسطاء في الشعب يهتم بالأحزاب؟
الإشكالات ستبقى
سؤال في غاية الأهمية، والمطلوب إجابة واضحة عليه في دوائر القرار وليس وسط الناس، لأن الحقائق الرقمية تقول ضمناً بأن هذا الواقع الموضوعي انتهى بما يرصده ويلاحظه الجميع، وهو أن المنشغلين بمقاعد البرلمان والانتخابات وأصحاب الألقاب ومن لديهم طموح وظيفي هم فقط من يتحركون في فضاء أحزاب المنظومة اليوم. وهؤلاء مع التقدير لجهودهم، لا يمكنهم حتى في أقصى حالات التشكيك بالمشككين اعتبار أنفسهم تجسيداً للمطلوب لا مرجعياً ولا شعبياً في ملف التحديث ومنظومته. لذا، الإشكالات ستبقى، والتيار الإسلامي الجالس وحيداً على القمة الحزبية سيستفيد، والمراجعة التي قادت لتحديث المنظومة هي الخاسر الأكبر. والسبب المرجح أن أجهزة تنفيذية تدخلت أكثر مما ينبغي فيما يبدو في تشكيلة السياق الحزبي الجديد حتى أخرجت الأهداف المرجوة عن سكتها، وحتى بات ما يجري فعلاً أقرب إلى إشعال النار تماماً تحت نفس الإناء وبصورة قد تعيد إلى برلمان الأحزاب أو الأحزاب البرلمانية نفس الوجوه القديمة بلا تعبيرات رمزية مستحدثة ولا برامج منهجية مقنعة. حقاً، تسخين طبق الطعام الذي بات من أمس في اليوم التالي، لا يمكنه أن يصنف كوجبة جديدة. وحصول ذلك والإقرار بحصوله يعني أن مسار تحديث المنظومة رغم ألقه ونبله وأهدافه العميقة، أخرج عن سياقه جراء مرة حياد الحكومات المبالغ فيه وحساباتها البائسة، ومرات بسبب طغيان لغة الرغبة في الهندسة حتى عندما تصبح هندسة تزويقية مؤقتة وعشوائية. لا أحد يفهم كيف توقعت دوائر صناعة القرار نتائج أفضل في ظلها.
«القدس العربي»
التعليقات
مستجد ملف الأحزاب والتحديث في الأردن: «طبخة بحص» وطبق الأمس على مائدة اليوم
التعليقات