عمان جو- بسام البدارين - لا مبرر للاعتقاد سياسياً وسيادياً، بأن الأردن بصدد انقلاب شامل وأفقي على إسرائيل بعد كل المذابح التي ارتكبتها في غزة وتلويحاتها بالتهجير في الضفة الغربية بين الحين والآخر. ولا مبرر في المقابل لأي اعتقاد بعد الآن يشير إلى أن العلاقات الأردنية – الإسرائيلية يمكنها أن تعود إلى عهدها السابق كما كانت بأي حال من الأحوال؛ لأن حجم التغيير والمتغيرات التي فرضتها إيقاعات وتداعيات معركة طوفان الأقصى في عمان حصراً، من الصنف الذي سيشكل إنكاره بعد الآن جريمة كبرى بحق الذات. الانطباع يتكرس وسط النخب الأردنية بأن الشراكة بنمطها القديم مع إسرائيل دفنت أو حتى «فسخت» في اللحظة التي استسلمت فيها أذرع الكيان العميقة في المؤسستين الأمنية والعسكرية لأجندة المتطرفين اليمينيين المنتخبين. والانطباع يتكدس بالتوازي تحت عنوان يقول «إن العودة لما كانت عليه العلاقة أصبح خارج نطاق الحساب الرسمي والمنطق، وإن شروطاً جديدة ينبغي أن تتغير ملامحها حتى يعود السلام البارد أصلاً بين الأردن وإسرائيل إلى ما كان عليه، في مهمة يجزم السياسي مروان الفاعوري أثناء نقاش مع «القدس العربي» بأنها باتت شبه مستحيلة، مما يتطلب ارتقاء حكومياً لمستوى ما يحصل.
مراجعة الاتفاقيات
يوافق الفاعوري وغيره من المشتبكين محلياً مع تدحرج الطوفان على أن حجم المتغير في المعادلة مع إسرائيل قد لا يصل قريباً إلى مرحلة تلغى فيها اتفاقية وادي عربة أو يعلن فيها الأردني الحرب على الإسرائيليين، لأن للتطبيع شروشاً وجذوراً مؤسفة. وقد لمح وزير الخارجية النشط أيمن الصفدي لذلك عندما صرح بأن أحداً لا يطالب بلاده اليوم بإعلان الحرب على إسرائيل عسكرياً، فيما صنف الصفدي وغيره من كبار المسؤولين وعلناً تنفيذ خطوات منهجية نحو التهجير القسري في الضفة الغربية تحديداً باعتباره إعلان حرب على الأردن. بين هذه وتلك، بدت عمان مهووسة خلال الأسبوع الأخير على الأقل ليس فقط بمراجعة الاتفاقيات مع إسرائيل ولا بالبحث عن بدائل عن التعاون معها في مجالي الطاقة والمياه، بل الاهتمام الأشد بمقاربة آن أوانها لإعادة النظر بمجمل كيفية وزوايا وتفصيلات الرهان على سلام دائم مع الإسرائيليين بعدما سقطت الشراكة بكل تفصيلاتها وترنحت تحت وطأة طموحات مشاريع واتجاهات اليمين الإسرائيلي. وقررت عمان استراتيجياً بعد معركة الطوفان الضغط دبلوماسياً ولوجستياً وحتى أمنياً بأقصى طاقة متاحة لها، لتحقيق هدف محدد تناور المؤسسة الأردنية في مساحاته. وهو ليس مغادرة بنيامين نتنياهو وطاقمه المتشدد لمسرح الحكم والإدارة فقط، بل العمل على ضمانات أن يتدخل الأمريكيون وغيرهم بعد الآن لمنع عودة مثل هؤلاء مستقبلاً، وهي بكل حال مهمة صعبة ومعقدة وغير مضمونة. عمان تحت وطأة لحظة تريد فيها أن يختفي نتنياهو وطاقمه الأصولي من المشهد، لكنها تريد في الوقت ذاته توفير أرضية تبدو الآن صعبة المنال لعدم تكرار سيناريو الحكومة المتطرفة في البنية الإسرائيلية. ذلك يتطلب بالضرورة عملية سلام شاملة وعميقة وطويلة الأمد بعد الحرب على غزة، وشريكاً فلسطينياً في السلطة قوياً جداً ومتيناً. كما يتطلب أيضاً عملية جراحية عميقة في عمق المجتمع الإسرائيلي سبق أن اقترحها على الأردن عضو الكنيست العربي أيمن عودة، عندما زار عمان. وقال رداً على استفسار لـ «القدس العربي، إن النظام الرسمي العربي المجاور المعتدل المؤمن بالسلام أمامه مهمة معقدة وليس سهلة اليوم، فكرتها المباشرة مضايقة نفوذ تيار المستوطنين الذي زحف بالانتخاب بعد تسهيلات من تعبيرات الكيان العميقة إلى سدة الحكم وأوصال دولة الكيان. ما اقترحه عودة يقتنع به اليوم كبار الساسة واللاعبون في عمان، والأمل متاح بعد حرب غزة بأن تتمكن أطراف عربية من استعادة الثقة بعملية السلام ومن توجيه ضربات عميقة ونهائية سياسياً لكل مفاصل استحكام تيار المستوطن في دوائر القرار الإسرائيلية. تلك طبعاً مهمة صعبة ومعقدة وطويلة الأمد، ولكن دون إنجاز ذلك فلا أمل للأردن تحديداً من استعادة أي شراكة مع الإسرائيليين تدفع الجميع في الإقليم للاستقرار. وسواء رغبت عمان في الأمر أم لم ترغب، فإن العودة إلى سجل ماضي العلاقة مع إسرائيل تتطلب تغييرات بنيوية عميقة عند الإسرائيليين يؤمن بها ويعمل من أجلها بعد الآن الأمريكيون والغربيون الذين تقافزوا مسرعين لإنقاذ مدللتهم الإسرائيلية بعد ما حصل يوم 7 أكتوبر، كما شرح القطب البرلماني خليل عطية.
مجسات الدولة
مجسات الدولة الأردنية تعلم أن الأمل ضعيف هنا، وأن تلك المهمة معقدة وصعبة، وإذا لم تنجز ستفرض تيارات المقاومة الفلسطينية كلمتها على طاولة الجميع، وسيتحقق فوراً ما كان الأردن يحذر منه دوماً باسم الهلال الشيعي تحت عنوان ذلك التناغم الذي فرضه وعززه القصف الإسرائيلي الوحشي بين المقاومة الفلسطينية وأذرع ما يسمى بقوى المقاومة في الإقليم. لذلك كله، يبحث الأردن عن طوق النجاة ليس فقط بمصالحه، لكن بالحد الأدنى من الخسائر. ومعادلة طوق النجاة هنا تتطلب، كما يقترح الباحث الأردني البارز الدكتور وليد عبد الحي، مراجعة أردنية شاملة وعميقة لكثير من الملفات الأساسية. واحد من مظاهر الخلل الاستراتيجي في قراءة العمق الأردني لما بعد الطوفان هي تلك التي حصرت احتمالات التمسك بطوق النجاة بإظهار التشدد في مواجهة الإسرائيليين والمراجعة الشاملة في الاتفاقيات معهم وإعادة بناء حالة تمنع أردنية، إن لم تكن ممانعة أشمل، خصوصاً أن الأمريكي بتقدير المجسات الأردنية العميقة وفي غفلة سياسية انتخابية منه مع أتباعه الأوروبيين، جازف بكل محور النظام العربي المعتدل، وعلى رأسه الأردن عندما استخدم لغة اليمين الإسرائيلي في الحرب على غزة، أو عندما تبني توفير غطاء للقصف الوحشي الذي استهدف الأطفال والنساء وأرعب الدول المعتدلة قبل المتشددة، كما زرع في عقل الشارع العربي والإسلامي مذابح وصوراً سترهق حتماً المؤسسات الرسمية لاحقاً أو مستقبلاً. الأردن في مأزق استراتيجي، وفكرته اليوم الهروب والإفلات من كمين اليمين الإسرائيلي، ولا مجال أمام عمان إلا التشدد والمراجعة؛ لأن المسألة بعد صور قطاع غزة أثناء الحرب بدأت تتعلق بالوجود في جوهره، ولأن الأمريكي جامل بطريقة غامضة لا بل مخيفة، يمين إسرائيل عندما سمح بكل ما حصل.
«القدس العربي»
عمان جو- بسام البدارين - لا مبرر للاعتقاد سياسياً وسيادياً، بأن الأردن بصدد انقلاب شامل وأفقي على إسرائيل بعد كل المذابح التي ارتكبتها في غزة وتلويحاتها بالتهجير في الضفة الغربية بين الحين والآخر. ولا مبرر في المقابل لأي اعتقاد بعد الآن يشير إلى أن العلاقات الأردنية – الإسرائيلية يمكنها أن تعود إلى عهدها السابق كما كانت بأي حال من الأحوال؛ لأن حجم التغيير والمتغيرات التي فرضتها إيقاعات وتداعيات معركة طوفان الأقصى في عمان حصراً، من الصنف الذي سيشكل إنكاره بعد الآن جريمة كبرى بحق الذات. الانطباع يتكرس وسط النخب الأردنية بأن الشراكة بنمطها القديم مع إسرائيل دفنت أو حتى «فسخت» في اللحظة التي استسلمت فيها أذرع الكيان العميقة في المؤسستين الأمنية والعسكرية لأجندة المتطرفين اليمينيين المنتخبين. والانطباع يتكدس بالتوازي تحت عنوان يقول «إن العودة لما كانت عليه العلاقة أصبح خارج نطاق الحساب الرسمي والمنطق، وإن شروطاً جديدة ينبغي أن تتغير ملامحها حتى يعود السلام البارد أصلاً بين الأردن وإسرائيل إلى ما كان عليه، في مهمة يجزم السياسي مروان الفاعوري أثناء نقاش مع «القدس العربي» بأنها باتت شبه مستحيلة، مما يتطلب ارتقاء حكومياً لمستوى ما يحصل.
مراجعة الاتفاقيات
يوافق الفاعوري وغيره من المشتبكين محلياً مع تدحرج الطوفان على أن حجم المتغير في المعادلة مع إسرائيل قد لا يصل قريباً إلى مرحلة تلغى فيها اتفاقية وادي عربة أو يعلن فيها الأردني الحرب على الإسرائيليين، لأن للتطبيع شروشاً وجذوراً مؤسفة. وقد لمح وزير الخارجية النشط أيمن الصفدي لذلك عندما صرح بأن أحداً لا يطالب بلاده اليوم بإعلان الحرب على إسرائيل عسكرياً، فيما صنف الصفدي وغيره من كبار المسؤولين وعلناً تنفيذ خطوات منهجية نحو التهجير القسري في الضفة الغربية تحديداً باعتباره إعلان حرب على الأردن. بين هذه وتلك، بدت عمان مهووسة خلال الأسبوع الأخير على الأقل ليس فقط بمراجعة الاتفاقيات مع إسرائيل ولا بالبحث عن بدائل عن التعاون معها في مجالي الطاقة والمياه، بل الاهتمام الأشد بمقاربة آن أوانها لإعادة النظر بمجمل كيفية وزوايا وتفصيلات الرهان على سلام دائم مع الإسرائيليين بعدما سقطت الشراكة بكل تفصيلاتها وترنحت تحت وطأة طموحات مشاريع واتجاهات اليمين الإسرائيلي. وقررت عمان استراتيجياً بعد معركة الطوفان الضغط دبلوماسياً ولوجستياً وحتى أمنياً بأقصى طاقة متاحة لها، لتحقيق هدف محدد تناور المؤسسة الأردنية في مساحاته. وهو ليس مغادرة بنيامين نتنياهو وطاقمه المتشدد لمسرح الحكم والإدارة فقط، بل العمل على ضمانات أن يتدخل الأمريكيون وغيرهم بعد الآن لمنع عودة مثل هؤلاء مستقبلاً، وهي بكل حال مهمة صعبة ومعقدة وغير مضمونة. عمان تحت وطأة لحظة تريد فيها أن يختفي نتنياهو وطاقمه الأصولي من المشهد، لكنها تريد في الوقت ذاته توفير أرضية تبدو الآن صعبة المنال لعدم تكرار سيناريو الحكومة المتطرفة في البنية الإسرائيلية. ذلك يتطلب بالضرورة عملية سلام شاملة وعميقة وطويلة الأمد بعد الحرب على غزة، وشريكاً فلسطينياً في السلطة قوياً جداً ومتيناً. كما يتطلب أيضاً عملية جراحية عميقة في عمق المجتمع الإسرائيلي سبق أن اقترحها على الأردن عضو الكنيست العربي أيمن عودة، عندما زار عمان. وقال رداً على استفسار لـ «القدس العربي، إن النظام الرسمي العربي المجاور المعتدل المؤمن بالسلام أمامه مهمة معقدة وليس سهلة اليوم، فكرتها المباشرة مضايقة نفوذ تيار المستوطنين الذي زحف بالانتخاب بعد تسهيلات من تعبيرات الكيان العميقة إلى سدة الحكم وأوصال دولة الكيان. ما اقترحه عودة يقتنع به اليوم كبار الساسة واللاعبون في عمان، والأمل متاح بعد حرب غزة بأن تتمكن أطراف عربية من استعادة الثقة بعملية السلام ومن توجيه ضربات عميقة ونهائية سياسياً لكل مفاصل استحكام تيار المستوطن في دوائر القرار الإسرائيلية. تلك طبعاً مهمة صعبة ومعقدة وطويلة الأمد، ولكن دون إنجاز ذلك فلا أمل للأردن تحديداً من استعادة أي شراكة مع الإسرائيليين تدفع الجميع في الإقليم للاستقرار. وسواء رغبت عمان في الأمر أم لم ترغب، فإن العودة إلى سجل ماضي العلاقة مع إسرائيل تتطلب تغييرات بنيوية عميقة عند الإسرائيليين يؤمن بها ويعمل من أجلها بعد الآن الأمريكيون والغربيون الذين تقافزوا مسرعين لإنقاذ مدللتهم الإسرائيلية بعد ما حصل يوم 7 أكتوبر، كما شرح القطب البرلماني خليل عطية.
مجسات الدولة
مجسات الدولة الأردنية تعلم أن الأمل ضعيف هنا، وأن تلك المهمة معقدة وصعبة، وإذا لم تنجز ستفرض تيارات المقاومة الفلسطينية كلمتها على طاولة الجميع، وسيتحقق فوراً ما كان الأردن يحذر منه دوماً باسم الهلال الشيعي تحت عنوان ذلك التناغم الذي فرضه وعززه القصف الإسرائيلي الوحشي بين المقاومة الفلسطينية وأذرع ما يسمى بقوى المقاومة في الإقليم. لذلك كله، يبحث الأردن عن طوق النجاة ليس فقط بمصالحه، لكن بالحد الأدنى من الخسائر. ومعادلة طوق النجاة هنا تتطلب، كما يقترح الباحث الأردني البارز الدكتور وليد عبد الحي، مراجعة أردنية شاملة وعميقة لكثير من الملفات الأساسية. واحد من مظاهر الخلل الاستراتيجي في قراءة العمق الأردني لما بعد الطوفان هي تلك التي حصرت احتمالات التمسك بطوق النجاة بإظهار التشدد في مواجهة الإسرائيليين والمراجعة الشاملة في الاتفاقيات معهم وإعادة بناء حالة تمنع أردنية، إن لم تكن ممانعة أشمل، خصوصاً أن الأمريكي بتقدير المجسات الأردنية العميقة وفي غفلة سياسية انتخابية منه مع أتباعه الأوروبيين، جازف بكل محور النظام العربي المعتدل، وعلى رأسه الأردن عندما استخدم لغة اليمين الإسرائيلي في الحرب على غزة، أو عندما تبني توفير غطاء للقصف الوحشي الذي استهدف الأطفال والنساء وأرعب الدول المعتدلة قبل المتشددة، كما زرع في عقل الشارع العربي والإسلامي مذابح وصوراً سترهق حتماً المؤسسات الرسمية لاحقاً أو مستقبلاً. الأردن في مأزق استراتيجي، وفكرته اليوم الهروب والإفلات من كمين اليمين الإسرائيلي، ولا مجال أمام عمان إلا التشدد والمراجعة؛ لأن المسألة بعد صور قطاع غزة أثناء الحرب بدأت تتعلق بالوجود في جوهره، ولأن الأمريكي جامل بطريقة غامضة لا بل مخيفة، يمين إسرائيل عندما سمح بكل ما حصل.
«القدس العربي»
عمان جو- بسام البدارين - لا مبرر للاعتقاد سياسياً وسيادياً، بأن الأردن بصدد انقلاب شامل وأفقي على إسرائيل بعد كل المذابح التي ارتكبتها في غزة وتلويحاتها بالتهجير في الضفة الغربية بين الحين والآخر. ولا مبرر في المقابل لأي اعتقاد بعد الآن يشير إلى أن العلاقات الأردنية – الإسرائيلية يمكنها أن تعود إلى عهدها السابق كما كانت بأي حال من الأحوال؛ لأن حجم التغيير والمتغيرات التي فرضتها إيقاعات وتداعيات معركة طوفان الأقصى في عمان حصراً، من الصنف الذي سيشكل إنكاره بعد الآن جريمة كبرى بحق الذات. الانطباع يتكرس وسط النخب الأردنية بأن الشراكة بنمطها القديم مع إسرائيل دفنت أو حتى «فسخت» في اللحظة التي استسلمت فيها أذرع الكيان العميقة في المؤسستين الأمنية والعسكرية لأجندة المتطرفين اليمينيين المنتخبين. والانطباع يتكدس بالتوازي تحت عنوان يقول «إن العودة لما كانت عليه العلاقة أصبح خارج نطاق الحساب الرسمي والمنطق، وإن شروطاً جديدة ينبغي أن تتغير ملامحها حتى يعود السلام البارد أصلاً بين الأردن وإسرائيل إلى ما كان عليه، في مهمة يجزم السياسي مروان الفاعوري أثناء نقاش مع «القدس العربي» بأنها باتت شبه مستحيلة، مما يتطلب ارتقاء حكومياً لمستوى ما يحصل.
مراجعة الاتفاقيات
يوافق الفاعوري وغيره من المشتبكين محلياً مع تدحرج الطوفان على أن حجم المتغير في المعادلة مع إسرائيل قد لا يصل قريباً إلى مرحلة تلغى فيها اتفاقية وادي عربة أو يعلن فيها الأردني الحرب على الإسرائيليين، لأن للتطبيع شروشاً وجذوراً مؤسفة. وقد لمح وزير الخارجية النشط أيمن الصفدي لذلك عندما صرح بأن أحداً لا يطالب بلاده اليوم بإعلان الحرب على إسرائيل عسكرياً، فيما صنف الصفدي وغيره من كبار المسؤولين وعلناً تنفيذ خطوات منهجية نحو التهجير القسري في الضفة الغربية تحديداً باعتباره إعلان حرب على الأردن. بين هذه وتلك، بدت عمان مهووسة خلال الأسبوع الأخير على الأقل ليس فقط بمراجعة الاتفاقيات مع إسرائيل ولا بالبحث عن بدائل عن التعاون معها في مجالي الطاقة والمياه، بل الاهتمام الأشد بمقاربة آن أوانها لإعادة النظر بمجمل كيفية وزوايا وتفصيلات الرهان على سلام دائم مع الإسرائيليين بعدما سقطت الشراكة بكل تفصيلاتها وترنحت تحت وطأة طموحات مشاريع واتجاهات اليمين الإسرائيلي. وقررت عمان استراتيجياً بعد معركة الطوفان الضغط دبلوماسياً ولوجستياً وحتى أمنياً بأقصى طاقة متاحة لها، لتحقيق هدف محدد تناور المؤسسة الأردنية في مساحاته. وهو ليس مغادرة بنيامين نتنياهو وطاقمه المتشدد لمسرح الحكم والإدارة فقط، بل العمل على ضمانات أن يتدخل الأمريكيون وغيرهم بعد الآن لمنع عودة مثل هؤلاء مستقبلاً، وهي بكل حال مهمة صعبة ومعقدة وغير مضمونة. عمان تحت وطأة لحظة تريد فيها أن يختفي نتنياهو وطاقمه الأصولي من المشهد، لكنها تريد في الوقت ذاته توفير أرضية تبدو الآن صعبة المنال لعدم تكرار سيناريو الحكومة المتطرفة في البنية الإسرائيلية. ذلك يتطلب بالضرورة عملية سلام شاملة وعميقة وطويلة الأمد بعد الحرب على غزة، وشريكاً فلسطينياً في السلطة قوياً جداً ومتيناً. كما يتطلب أيضاً عملية جراحية عميقة في عمق المجتمع الإسرائيلي سبق أن اقترحها على الأردن عضو الكنيست العربي أيمن عودة، عندما زار عمان. وقال رداً على استفسار لـ «القدس العربي، إن النظام الرسمي العربي المجاور المعتدل المؤمن بالسلام أمامه مهمة معقدة وليس سهلة اليوم، فكرتها المباشرة مضايقة نفوذ تيار المستوطنين الذي زحف بالانتخاب بعد تسهيلات من تعبيرات الكيان العميقة إلى سدة الحكم وأوصال دولة الكيان. ما اقترحه عودة يقتنع به اليوم كبار الساسة واللاعبون في عمان، والأمل متاح بعد حرب غزة بأن تتمكن أطراف عربية من استعادة الثقة بعملية السلام ومن توجيه ضربات عميقة ونهائية سياسياً لكل مفاصل استحكام تيار المستوطن في دوائر القرار الإسرائيلية. تلك طبعاً مهمة صعبة ومعقدة وطويلة الأمد، ولكن دون إنجاز ذلك فلا أمل للأردن تحديداً من استعادة أي شراكة مع الإسرائيليين تدفع الجميع في الإقليم للاستقرار. وسواء رغبت عمان في الأمر أم لم ترغب، فإن العودة إلى سجل ماضي العلاقة مع إسرائيل تتطلب تغييرات بنيوية عميقة عند الإسرائيليين يؤمن بها ويعمل من أجلها بعد الآن الأمريكيون والغربيون الذين تقافزوا مسرعين لإنقاذ مدللتهم الإسرائيلية بعد ما حصل يوم 7 أكتوبر، كما شرح القطب البرلماني خليل عطية.
مجسات الدولة
مجسات الدولة الأردنية تعلم أن الأمل ضعيف هنا، وأن تلك المهمة معقدة وصعبة، وإذا لم تنجز ستفرض تيارات المقاومة الفلسطينية كلمتها على طاولة الجميع، وسيتحقق فوراً ما كان الأردن يحذر منه دوماً باسم الهلال الشيعي تحت عنوان ذلك التناغم الذي فرضه وعززه القصف الإسرائيلي الوحشي بين المقاومة الفلسطينية وأذرع ما يسمى بقوى المقاومة في الإقليم. لذلك كله، يبحث الأردن عن طوق النجاة ليس فقط بمصالحه، لكن بالحد الأدنى من الخسائر. ومعادلة طوق النجاة هنا تتطلب، كما يقترح الباحث الأردني البارز الدكتور وليد عبد الحي، مراجعة أردنية شاملة وعميقة لكثير من الملفات الأساسية. واحد من مظاهر الخلل الاستراتيجي في قراءة العمق الأردني لما بعد الطوفان هي تلك التي حصرت احتمالات التمسك بطوق النجاة بإظهار التشدد في مواجهة الإسرائيليين والمراجعة الشاملة في الاتفاقيات معهم وإعادة بناء حالة تمنع أردنية، إن لم تكن ممانعة أشمل، خصوصاً أن الأمريكي بتقدير المجسات الأردنية العميقة وفي غفلة سياسية انتخابية منه مع أتباعه الأوروبيين، جازف بكل محور النظام العربي المعتدل، وعلى رأسه الأردن عندما استخدم لغة اليمين الإسرائيلي في الحرب على غزة، أو عندما تبني توفير غطاء للقصف الوحشي الذي استهدف الأطفال والنساء وأرعب الدول المعتدلة قبل المتشددة، كما زرع في عقل الشارع العربي والإسلامي مذابح وصوراً سترهق حتماً المؤسسات الرسمية لاحقاً أو مستقبلاً. الأردن في مأزق استراتيجي، وفكرته اليوم الهروب والإفلات من كمين اليمين الإسرائيلي، ولا مجال أمام عمان إلا التشدد والمراجعة؛ لأن المسألة بعد صور قطاع غزة أثناء الحرب بدأت تتعلق بالوجود في جوهره، ولأن الأمريكي جامل بطريقة غامضة لا بل مخيفة، يمين إسرائيل عندما سمح بكل ما حصل.
«القدس العربي»
التعليقات
الأردن ـ إسرائيل: متغيرات الطوفان «فسّخت الشراكة» وعلاقات الحاضر «تترنح»
التعليقات