عمان جو - تحيي إسرائيل، اليوم، الذكرى السنوية للحدث التاريخي الجلل الذي عصف بها، “طوفان الأقصى”، بطقوس رمزية وصافرات حزن، فيما تصعد من جديد الحرب المتوحشة على غزة، وسط استمرار فقدان الثقة بين أغلبية الإسرائيليين وحكومتهم، في ظلّ عدم تحقيق أهدافها، خاصة بما يتعلق بعودة المخطوفين والنازحين.
تحلّ الذكرى الأولى، اليوم، للحدث الذي يبدو بنظر كثيرين داخل إسرائيل أخطر من السادس من أكتوبر 1973، فيتجدّد تأكيد كتّاب ومحلّلين ومراقبين فيها على عدم أهلية الحكومة، وعلى ضرورة لجنة تحقيق رسمية بمسلسل إخفاقاتها كشرط لـ “التعافي والنهوض” من جهة، ومن جهة أخرى تتواصل، وبحجم أكبر، الإشادة بقوة ومناعة الإسرائيليين، وذلك ضمن محاولة للمشاركة في إصلاح الوعي الإسرائيلي المتشظّي، وترميم الثقة المتصدّعة بالدولة وبالمستقبل، لا بالحكومة فحسب، وهذا جزءٌ من وظيفة الصحافة العبرية المتجندة عادة خلال الحروب، وهي اليوم تُفرِط بالتوقف عند السابع من أكتوبر، مع تجاهل منابعه منذ نكبة 1948، وما سبقها وما تبعها، وتغييب للنكبة الحاصلة في غزة والكوارث الحالة في لبنان الآن، كجزء من بناء سردية الضحية.
تُفرِط الصحافة الإسرائيلية بالتوقف عند السابع من أكتوبر، مع تجاهل منابعه منذ نكبة 1948، ما سبقها وما تبعها
شعب أفضل من حكومته يجمع عدد كبير من المراقبين في إسرائيل اليوم أيضاً على أن المواطنين فيها أفضل من حكومتهم، ويشيدون بصبرهم وتكافلهم وتجندهم لسدّ فراغ وغياب كبيرين للمؤسسة الحاكمة، وخلاصة هذه القراءات لما حصل منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم: الكثير من الانتقادات الموجهة للحكومة.
ومقابل النكبة الحاصلة داخل غزة، تعكس عناوين صحيفة “هآرتس” ملامح الفشل والنزيف المستمر في الجانب الإسرائيلي: “سنة مرت، ولكن إسرائيل بقيت في السابع من أكتوبر.. 101 مخطوف ما زالوا هناك، عدد القتلى ازداد… الحرب تتسع، والنازحون في الشمال في حالة ترحال، والمسؤولون عن الفشل في مقاعدهم، وحتى لجنة تحقيق رسمية لا تبدو في الأفق”.
بين تشرتشل ونتنياهو وبهذه الروح النقدية يشير المعلّق السياسي الأبرز في إسرائيل ناحوم بارنياع للهوة بين الموجود والمفقود، فيستذكر ما قاله تشرتشل (الذي كان نتنياهو يقارن نفسه به)، في ختام الحرب العالمية الثانية، في مديح طياري بريطانيا الذين دافعوا بأجسادهم عنها: “لم يحصل أن كان عددٌ كبير جداً من الناس مديناً ديناً كبيراً جداً لمثل هذا العدد القليل جداً”.. للأسف هذا في بريطانيا وليس عندنا، فنتنياهو لا يشيد إلا بنفسه، أو بالجنود وليس بالقادة العسكريين، بالعكس”.
ويوضح بارنياع، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، أن السنة الأولى من الحرب تنتهي اليوم، سنسمع خطابات وشعارات ووعوداً بالانتصار، لكن من المشكوك به أن يتحقق واحد من هذه الوعود. لم يحدث عندنا أن أعفي عدد قليل جداً من دين كبير لهذا العدد الكبير من الإسرائيليين”.
ويمضي بارنياع في النظرة التشاؤمية حيال القيادة في إسرائيل: “السنة الجديدة ربما تكون سنة بشرى، وربما سنة انكسار، وهذا منوط برئيس الحكومة، وأنا كغيري أصلّي كي ينجح، لكنني لا أثق به وبوزرائه، بنواياهم، وبرجاحة عقلهم”.
في المقابل؛ يؤكد بارنياع، كمراقبين كثر، على قدرات كامنة لدى الإسرائيليين، رغم الصدمة، وربما بسببها أيضاً، فيقول إن “جاهزية الإسرائيليين للقتال لا يفهمها غريب، ونصر الله لم يفهمها”.
حرب غريبة وعلى غرار مراقبين آخرين، يقارن بارنياع “السابع من أكتوبر” مع حروب أخرى، ويصيب في ترسيم ملامح الضرر الناجم عن “طوفان الأقصى”، وهو الضرر الذي نال من وعي الإسرائيليين، وزرع الخوف عميقاً في ذاكرتهم، وحتى المكاسب العسكرية الأخيرة لن تمحو لسنوات طويلة الصدمة المحفورة في الذاكرة، والتي يتلوها تزعزع الثقة بأهم مقدرات الإسرائيليين: الثقة بالنفس، وبالغد. ينعكس ذلك في هجرة عشرات آلاف الإسرائيليين، خلال العام الأخير، وبتفاقم ظاهرة الطلاق، حيث يكشف استطلاعُ الإذاعة الرسمية، اليوم، عن أكثر من 150 ألف حالة طلاق أو انفصال، في العام الأخير، وفي إصابة عشرات آلاف المصابين بـ “الكرب ما بعد الصدمة”، وفي تعبير أغلبية الإسرائيليين عن خوف دفين، وعن عدم ثقة ببقاء الأحفاد للعيش في البلاد.
بلغته يصف بارنياع ذلك باقتضاب، ويقول إن الضرر الأخطر ليس عسكرياً: “الضربة التي أنزلتها حماس على الجبهة الداخلية، وعلى المشروع الصهيوني برمّته، كانت أصعب من أي تحدٍ عسكري، ولا حاجة لتفصيل حجم الضرر هنا، فقد سبق أن توقّفنا عند هذا كثيراً، ولم يحصل أن كان وضعنا في العالم، وفي العالم اليهودي، سيئاً لهذا الحد. في أسبوع واحد تحوّلنا من أمة الحداثة، و”أمّة الستارت أب” لجنوب أفريقيا في عهد الآبرتهايد”.
كذلك، فإن بارنياع، وفي خضم الاستذكار الحسّاس بالنسبة للإسرائيليين، في هذا اليوم المشحون، يشير لسيادة أقلية القوة، بالتلميح فقط: “انتقادات في العالم للحرب، وفي إسرائيل انتقادات للحكومة، ولكن مع إجماع على الحرب بكل الجبهات، بعكس حرب 1982، حينما شهدت البلاد مظاهرات ضد الحرب”.
محلل إسرائيلي: “طوفان الأقصى” نال من وعي الإسرائيليين، وزرع الخوف عميقاً في ذاكرتهم، وحتى المكاسب العسكرية الأخيرة لن تمحو الصدمة المحفورة في الذاكرة لسنوات طويلة
ويسوق بارنياع عوامل كونها “حرباً غريبة” بنظره، فيقول إننا نقاتل تنظيمات لا يوجد لديها مطالب.. فعلى ماذا نفاوض الحوثيين أو “حزب الله” أو إيران؟ ومع البقية الراغبة بإبادتنا حرب غريبة لسيطرة الغيبيين عليها. نحن في حزن لبقاء المخطوفين في الأنفاق، وهم، اليهود الغيبيون، يحتفلون! حرب غريبة لأن الحكومة لم تحدّد مخرجاً إستراتيجياً من الحرب. حرب غريبة لأنها كشفت عن تبعية إسرائيل المقلقة بأمريكا. الدجاجة الإسرائيلية تستطيع أن تطير فقط بارتفاع السياج الذي تحدّده الإدارة الأمريكية”.
ويختتم بارنياع قراءته بقول ما يتحاشاه معظم الإسرائيليين: “لدينا حرب صعبة ومركبة: مفضّل أن نعي محدودية القوة!”.
وفي هذا الاتجاه، يؤكد المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل أنه، رغم المكاسب في غزة وفي لبنان، فإن الإخفاق المرعب في 7 أكتوبر سيواصل مرافقة إسرائيل، وهكذا ستفعل الحرب أيضاً.. ستبقى معنا سنوات.. نار في الشمال.. وجنازات في كل البلاد، ومفاوضات عالقة، وكل ذلك جزء من الحياة اليومية في إسرائيل”.
ويدعو إعلان كبير ومشترك تنشره “هآرتس”، على طول وعرض صفحتها الأولى، عشرات من نواب الكنيست السابقين (معظمهم من أتباع اليسار الصهيوني) لتشكيل لجنة تحقيق رسمية.
وفي هذا المضمار، يدعو رئيس حزب “الديموقراطيين” (“ميرتس” سابقاً) الجنرال في الاحتياط أيال غولان، في حديث للإذاعة العبرية العامة، الإسرائيليين لحساب نفس حقيقي، ويرى المهمة الأكثر إلحاحاً استعادة المخطوفين، وبدونها لن تقوم لنا قيامة هنا”.
بين أكتوبرين في المقابل؛ يقول المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر، اليوم، إن لجنة التحقيق الرسمية وجودها وعدمها سواء، لأن عملها سيطول، وتأتي النتائج بعدما يكون نتنياهو قد غادر السياسة بسبب الشيخوخة، وتتبدّد الفرصة للمحاسبة.
تحت عنوان يتكاتب مع رواية الأديب ليو تولستوي “الحرب والسلام”، يقارن شيفر بين “الحدث الأكبر منذ المحرقة النازية، السابع من أكتوبر، والسادس من أكتوبر عام 1973”.
في نطاق المقارنة، ينتقد واقع اليوم ويشيد بواقع الأمس في إسرائيل: “كلما نظرنا بالحربين يزداد الإحباط. حرب 1973 انتهت بسلام مع مصر، أما الحرب مقابل “حماس” فتبدو مواجهة لا تنتهي أبداً. بعد حرب 1973 تحمّلت القيادة المسؤولية، واستقالت، بمن فيهم غولدا مائير. أما نتنياهو، فلا يتحمّل مسؤولية، وينوي البقاء رئيساً للحكومة للأبد. في 1973، خرج معظم الإسرائيليين وتظاهروا ضد الإخفاقات، والآن لا توجد أغلبية تصرخ: كفى، حتى هنا! نتنياهو وزمرته لا يقترحون أفقاً سياسياً لتسوية مع الشعب الفلسطيني، بالعكس: يعدون بأن نعيش على حد السيف للأبد.
ويكمل المعلق السياسي البارز نداف أيال ما أشار له زميله شيمعون شيفر بالتلميح، بقوله، في مقال نادر في صراحته: “سبق أن اعتبر إيهود براك أن إسرائيل عبارة عن فيلا وسط غابة أدغال، وكأن الحرب مع الجيران أبدية. لكن الانتصار الحقيقي هو السلام والأمل بجيرة طيبة، وهذا لن يتحقّق بالتطرّف والكراهية والظلامية السائدة بيننا لدى مجموعات إسرائيلية، ولن يتحقّق مع طائفة الموت الغيبية الراغبة بإبادة ومستعدة للتضحية بأولادها في سبيل الحرب”.
ويختتم بنَفَس متفائل: “مع ذلك، السلام سيحدث، وسيكون انتصارنا المطلق لنا ولجيراننا”.
هكذا ننهض يتكاتب نداف أيال مع ما يراه ناحوم بارنياع وكثير جداً من المراقبين الإسرائيليين في مقالاتهم، اليوم، بأن الإسرائيليين يستحقون قيادة أفضل من حكومتهم، بل يشددون ويبالغون في التشديد على سلامة قدراتهم ومناعتهم، رغم وبعد “طوفان الأقصى”. ويبدو أن هذه محاولة متوقّعة وطبيعية من طرف الكتّاب والمفكّرين الإسرائيليين لاستغلال يوم التلخيص الأولي لهذا الحدث الكبير الخطير، من أجل المشاركة في عملية الترميم والتعزيز والبناء من جديد، على أساس الفهم العميق بأن أخطر نتائج السابع من أكتوبر إصابة الوعي الإسرائيلي بجراح.
بارنياع: إننا نقاتل تنظيمات لا يوجد لديها مطالب.. فعلى ماذا نفاوض الحوثيين أو “حزب الله” أو إيران؟
وتشير المعلقة السياسية البارزة سيما كادمون لهذا النزيف تحت عنوان “اليوم الذي فقدنا به الثقة”: “بين ضحايا السابع من أكتوبر، وبين الذين لم يحدث لهم شيء لكنهم يتجوّلون مثقلين بالأسى، وبين المتظاهرين، وبين الذين يدعون للانتظار مع التحقيقات.. في السنة الأخيرة، هناك ما يجمعنا جميعاً؛ الشعور بأن المفترض بهم حمايتنا أخفقوا. هناك قسم منا يتهم الجيش، وهناك من يتهم أولاً المستوى السياسي، لكن ليس مهماً لأي قسم تنتمي، فإن الثقة والإيمان في منظومات الدولة قد ضاعت للأبد”.
برؤية متفائلة معاكسة، تقول زميلتُها في “يديعوت أحرونوت”، المعلقة السياسية حين آرتس سرور، في مقال بعنوان “الجيل الأول لـ7 أكتوبر”: “فيما نحاول أن نستوعب هاوية الفقدان وحجمه، والإخفاق وتبعاته، نحن الذين علينا بناء نظام إسرائيلي جديد من أجل الأموات والأحياء، نحن ملزمون بإحياء التكافل الصهيوني- طرح توافق نوعي ومتساوٍ لكل اليهود الشركاء في هذه البلاد: توسيع الخدمة العسكرية، وأمامنا مهام قومية بها ننهض؛ استعادة المخطوفين، تحسين الخدمات العامة، والمؤسسة الأمنية، بناء ثقة من جديد، تشجيع ثقافة عامة، علاوة على سردية إسرائيلية مشتركة. أغلبية صهيونية موحّدة تستطيع تأمين مستقبلنا. تجديد العقد الصهيوني”.
عمان جو - تحيي إسرائيل، اليوم، الذكرى السنوية للحدث التاريخي الجلل الذي عصف بها، “طوفان الأقصى”، بطقوس رمزية وصافرات حزن، فيما تصعد من جديد الحرب المتوحشة على غزة، وسط استمرار فقدان الثقة بين أغلبية الإسرائيليين وحكومتهم، في ظلّ عدم تحقيق أهدافها، خاصة بما يتعلق بعودة المخطوفين والنازحين.
تحلّ الذكرى الأولى، اليوم، للحدث الذي يبدو بنظر كثيرين داخل إسرائيل أخطر من السادس من أكتوبر 1973، فيتجدّد تأكيد كتّاب ومحلّلين ومراقبين فيها على عدم أهلية الحكومة، وعلى ضرورة لجنة تحقيق رسمية بمسلسل إخفاقاتها كشرط لـ “التعافي والنهوض” من جهة، ومن جهة أخرى تتواصل، وبحجم أكبر، الإشادة بقوة ومناعة الإسرائيليين، وذلك ضمن محاولة للمشاركة في إصلاح الوعي الإسرائيلي المتشظّي، وترميم الثقة المتصدّعة بالدولة وبالمستقبل، لا بالحكومة فحسب، وهذا جزءٌ من وظيفة الصحافة العبرية المتجندة عادة خلال الحروب، وهي اليوم تُفرِط بالتوقف عند السابع من أكتوبر، مع تجاهل منابعه منذ نكبة 1948، وما سبقها وما تبعها، وتغييب للنكبة الحاصلة في غزة والكوارث الحالة في لبنان الآن، كجزء من بناء سردية الضحية.
تُفرِط الصحافة الإسرائيلية بالتوقف عند السابع من أكتوبر، مع تجاهل منابعه منذ نكبة 1948، ما سبقها وما تبعها
شعب أفضل من حكومته يجمع عدد كبير من المراقبين في إسرائيل اليوم أيضاً على أن المواطنين فيها أفضل من حكومتهم، ويشيدون بصبرهم وتكافلهم وتجندهم لسدّ فراغ وغياب كبيرين للمؤسسة الحاكمة، وخلاصة هذه القراءات لما حصل منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم: الكثير من الانتقادات الموجهة للحكومة.
ومقابل النكبة الحاصلة داخل غزة، تعكس عناوين صحيفة “هآرتس” ملامح الفشل والنزيف المستمر في الجانب الإسرائيلي: “سنة مرت، ولكن إسرائيل بقيت في السابع من أكتوبر.. 101 مخطوف ما زالوا هناك، عدد القتلى ازداد… الحرب تتسع، والنازحون في الشمال في حالة ترحال، والمسؤولون عن الفشل في مقاعدهم، وحتى لجنة تحقيق رسمية لا تبدو في الأفق”.
بين تشرتشل ونتنياهو وبهذه الروح النقدية يشير المعلّق السياسي الأبرز في إسرائيل ناحوم بارنياع للهوة بين الموجود والمفقود، فيستذكر ما قاله تشرتشل (الذي كان نتنياهو يقارن نفسه به)، في ختام الحرب العالمية الثانية، في مديح طياري بريطانيا الذين دافعوا بأجسادهم عنها: “لم يحصل أن كان عددٌ كبير جداً من الناس مديناً ديناً كبيراً جداً لمثل هذا العدد القليل جداً”.. للأسف هذا في بريطانيا وليس عندنا، فنتنياهو لا يشيد إلا بنفسه، أو بالجنود وليس بالقادة العسكريين، بالعكس”.
ويوضح بارنياع، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، أن السنة الأولى من الحرب تنتهي اليوم، سنسمع خطابات وشعارات ووعوداً بالانتصار، لكن من المشكوك به أن يتحقق واحد من هذه الوعود. لم يحدث عندنا أن أعفي عدد قليل جداً من دين كبير لهذا العدد الكبير من الإسرائيليين”.
ويمضي بارنياع في النظرة التشاؤمية حيال القيادة في إسرائيل: “السنة الجديدة ربما تكون سنة بشرى، وربما سنة انكسار، وهذا منوط برئيس الحكومة، وأنا كغيري أصلّي كي ينجح، لكنني لا أثق به وبوزرائه، بنواياهم، وبرجاحة عقلهم”.
في المقابل؛ يؤكد بارنياع، كمراقبين كثر، على قدرات كامنة لدى الإسرائيليين، رغم الصدمة، وربما بسببها أيضاً، فيقول إن “جاهزية الإسرائيليين للقتال لا يفهمها غريب، ونصر الله لم يفهمها”.
حرب غريبة وعلى غرار مراقبين آخرين، يقارن بارنياع “السابع من أكتوبر” مع حروب أخرى، ويصيب في ترسيم ملامح الضرر الناجم عن “طوفان الأقصى”، وهو الضرر الذي نال من وعي الإسرائيليين، وزرع الخوف عميقاً في ذاكرتهم، وحتى المكاسب العسكرية الأخيرة لن تمحو لسنوات طويلة الصدمة المحفورة في الذاكرة، والتي يتلوها تزعزع الثقة بأهم مقدرات الإسرائيليين: الثقة بالنفس، وبالغد. ينعكس ذلك في هجرة عشرات آلاف الإسرائيليين، خلال العام الأخير، وبتفاقم ظاهرة الطلاق، حيث يكشف استطلاعُ الإذاعة الرسمية، اليوم، عن أكثر من 150 ألف حالة طلاق أو انفصال، في العام الأخير، وفي إصابة عشرات آلاف المصابين بـ “الكرب ما بعد الصدمة”، وفي تعبير أغلبية الإسرائيليين عن خوف دفين، وعن عدم ثقة ببقاء الأحفاد للعيش في البلاد.
بلغته يصف بارنياع ذلك باقتضاب، ويقول إن الضرر الأخطر ليس عسكرياً: “الضربة التي أنزلتها حماس على الجبهة الداخلية، وعلى المشروع الصهيوني برمّته، كانت أصعب من أي تحدٍ عسكري، ولا حاجة لتفصيل حجم الضرر هنا، فقد سبق أن توقّفنا عند هذا كثيراً، ولم يحصل أن كان وضعنا في العالم، وفي العالم اليهودي، سيئاً لهذا الحد. في أسبوع واحد تحوّلنا من أمة الحداثة، و”أمّة الستارت أب” لجنوب أفريقيا في عهد الآبرتهايد”.
كذلك، فإن بارنياع، وفي خضم الاستذكار الحسّاس بالنسبة للإسرائيليين، في هذا اليوم المشحون، يشير لسيادة أقلية القوة، بالتلميح فقط: “انتقادات في العالم للحرب، وفي إسرائيل انتقادات للحكومة، ولكن مع إجماع على الحرب بكل الجبهات، بعكس حرب 1982، حينما شهدت البلاد مظاهرات ضد الحرب”.
محلل إسرائيلي: “طوفان الأقصى” نال من وعي الإسرائيليين، وزرع الخوف عميقاً في ذاكرتهم، وحتى المكاسب العسكرية الأخيرة لن تمحو الصدمة المحفورة في الذاكرة لسنوات طويلة
ويسوق بارنياع عوامل كونها “حرباً غريبة” بنظره، فيقول إننا نقاتل تنظيمات لا يوجد لديها مطالب.. فعلى ماذا نفاوض الحوثيين أو “حزب الله” أو إيران؟ ومع البقية الراغبة بإبادتنا حرب غريبة لسيطرة الغيبيين عليها. نحن في حزن لبقاء المخطوفين في الأنفاق، وهم، اليهود الغيبيون، يحتفلون! حرب غريبة لأن الحكومة لم تحدّد مخرجاً إستراتيجياً من الحرب. حرب غريبة لأنها كشفت عن تبعية إسرائيل المقلقة بأمريكا. الدجاجة الإسرائيلية تستطيع أن تطير فقط بارتفاع السياج الذي تحدّده الإدارة الأمريكية”.
ويختتم بارنياع قراءته بقول ما يتحاشاه معظم الإسرائيليين: “لدينا حرب صعبة ومركبة: مفضّل أن نعي محدودية القوة!”.
وفي هذا الاتجاه، يؤكد المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل أنه، رغم المكاسب في غزة وفي لبنان، فإن الإخفاق المرعب في 7 أكتوبر سيواصل مرافقة إسرائيل، وهكذا ستفعل الحرب أيضاً.. ستبقى معنا سنوات.. نار في الشمال.. وجنازات في كل البلاد، ومفاوضات عالقة، وكل ذلك جزء من الحياة اليومية في إسرائيل”.
ويدعو إعلان كبير ومشترك تنشره “هآرتس”، على طول وعرض صفحتها الأولى، عشرات من نواب الكنيست السابقين (معظمهم من أتباع اليسار الصهيوني) لتشكيل لجنة تحقيق رسمية.
وفي هذا المضمار، يدعو رئيس حزب “الديموقراطيين” (“ميرتس” سابقاً) الجنرال في الاحتياط أيال غولان، في حديث للإذاعة العبرية العامة، الإسرائيليين لحساب نفس حقيقي، ويرى المهمة الأكثر إلحاحاً استعادة المخطوفين، وبدونها لن تقوم لنا قيامة هنا”.
بين أكتوبرين في المقابل؛ يقول المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر، اليوم، إن لجنة التحقيق الرسمية وجودها وعدمها سواء، لأن عملها سيطول، وتأتي النتائج بعدما يكون نتنياهو قد غادر السياسة بسبب الشيخوخة، وتتبدّد الفرصة للمحاسبة.
تحت عنوان يتكاتب مع رواية الأديب ليو تولستوي “الحرب والسلام”، يقارن شيفر بين “الحدث الأكبر منذ المحرقة النازية، السابع من أكتوبر، والسادس من أكتوبر عام 1973”.
في نطاق المقارنة، ينتقد واقع اليوم ويشيد بواقع الأمس في إسرائيل: “كلما نظرنا بالحربين يزداد الإحباط. حرب 1973 انتهت بسلام مع مصر، أما الحرب مقابل “حماس” فتبدو مواجهة لا تنتهي أبداً. بعد حرب 1973 تحمّلت القيادة المسؤولية، واستقالت، بمن فيهم غولدا مائير. أما نتنياهو، فلا يتحمّل مسؤولية، وينوي البقاء رئيساً للحكومة للأبد. في 1973، خرج معظم الإسرائيليين وتظاهروا ضد الإخفاقات، والآن لا توجد أغلبية تصرخ: كفى، حتى هنا! نتنياهو وزمرته لا يقترحون أفقاً سياسياً لتسوية مع الشعب الفلسطيني، بالعكس: يعدون بأن نعيش على حد السيف للأبد.
ويكمل المعلق السياسي البارز نداف أيال ما أشار له زميله شيمعون شيفر بالتلميح، بقوله، في مقال نادر في صراحته: “سبق أن اعتبر إيهود براك أن إسرائيل عبارة عن فيلا وسط غابة أدغال، وكأن الحرب مع الجيران أبدية. لكن الانتصار الحقيقي هو السلام والأمل بجيرة طيبة، وهذا لن يتحقّق بالتطرّف والكراهية والظلامية السائدة بيننا لدى مجموعات إسرائيلية، ولن يتحقّق مع طائفة الموت الغيبية الراغبة بإبادة ومستعدة للتضحية بأولادها في سبيل الحرب”.
ويختتم بنَفَس متفائل: “مع ذلك، السلام سيحدث، وسيكون انتصارنا المطلق لنا ولجيراننا”.
هكذا ننهض يتكاتب نداف أيال مع ما يراه ناحوم بارنياع وكثير جداً من المراقبين الإسرائيليين في مقالاتهم، اليوم، بأن الإسرائيليين يستحقون قيادة أفضل من حكومتهم، بل يشددون ويبالغون في التشديد على سلامة قدراتهم ومناعتهم، رغم وبعد “طوفان الأقصى”. ويبدو أن هذه محاولة متوقّعة وطبيعية من طرف الكتّاب والمفكّرين الإسرائيليين لاستغلال يوم التلخيص الأولي لهذا الحدث الكبير الخطير، من أجل المشاركة في عملية الترميم والتعزيز والبناء من جديد، على أساس الفهم العميق بأن أخطر نتائج السابع من أكتوبر إصابة الوعي الإسرائيلي بجراح.
بارنياع: إننا نقاتل تنظيمات لا يوجد لديها مطالب.. فعلى ماذا نفاوض الحوثيين أو “حزب الله” أو إيران؟
وتشير المعلقة السياسية البارزة سيما كادمون لهذا النزيف تحت عنوان “اليوم الذي فقدنا به الثقة”: “بين ضحايا السابع من أكتوبر، وبين الذين لم يحدث لهم شيء لكنهم يتجوّلون مثقلين بالأسى، وبين المتظاهرين، وبين الذين يدعون للانتظار مع التحقيقات.. في السنة الأخيرة، هناك ما يجمعنا جميعاً؛ الشعور بأن المفترض بهم حمايتنا أخفقوا. هناك قسم منا يتهم الجيش، وهناك من يتهم أولاً المستوى السياسي، لكن ليس مهماً لأي قسم تنتمي، فإن الثقة والإيمان في منظومات الدولة قد ضاعت للأبد”.
برؤية متفائلة معاكسة، تقول زميلتُها في “يديعوت أحرونوت”، المعلقة السياسية حين آرتس سرور، في مقال بعنوان “الجيل الأول لـ7 أكتوبر”: “فيما نحاول أن نستوعب هاوية الفقدان وحجمه، والإخفاق وتبعاته، نحن الذين علينا بناء نظام إسرائيلي جديد من أجل الأموات والأحياء، نحن ملزمون بإحياء التكافل الصهيوني- طرح توافق نوعي ومتساوٍ لكل اليهود الشركاء في هذه البلاد: توسيع الخدمة العسكرية، وأمامنا مهام قومية بها ننهض؛ استعادة المخطوفين، تحسين الخدمات العامة، والمؤسسة الأمنية، بناء ثقة من جديد، تشجيع ثقافة عامة، علاوة على سردية إسرائيلية مشتركة. أغلبية صهيونية موحّدة تستطيع تأمين مستقبلنا. تجديد العقد الصهيوني”.
عمان جو - تحيي إسرائيل، اليوم، الذكرى السنوية للحدث التاريخي الجلل الذي عصف بها، “طوفان الأقصى”، بطقوس رمزية وصافرات حزن، فيما تصعد من جديد الحرب المتوحشة على غزة، وسط استمرار فقدان الثقة بين أغلبية الإسرائيليين وحكومتهم، في ظلّ عدم تحقيق أهدافها، خاصة بما يتعلق بعودة المخطوفين والنازحين.
تحلّ الذكرى الأولى، اليوم، للحدث الذي يبدو بنظر كثيرين داخل إسرائيل أخطر من السادس من أكتوبر 1973، فيتجدّد تأكيد كتّاب ومحلّلين ومراقبين فيها على عدم أهلية الحكومة، وعلى ضرورة لجنة تحقيق رسمية بمسلسل إخفاقاتها كشرط لـ “التعافي والنهوض” من جهة، ومن جهة أخرى تتواصل، وبحجم أكبر، الإشادة بقوة ومناعة الإسرائيليين، وذلك ضمن محاولة للمشاركة في إصلاح الوعي الإسرائيلي المتشظّي، وترميم الثقة المتصدّعة بالدولة وبالمستقبل، لا بالحكومة فحسب، وهذا جزءٌ من وظيفة الصحافة العبرية المتجندة عادة خلال الحروب، وهي اليوم تُفرِط بالتوقف عند السابع من أكتوبر، مع تجاهل منابعه منذ نكبة 1948، وما سبقها وما تبعها، وتغييب للنكبة الحاصلة في غزة والكوارث الحالة في لبنان الآن، كجزء من بناء سردية الضحية.
تُفرِط الصحافة الإسرائيلية بالتوقف عند السابع من أكتوبر، مع تجاهل منابعه منذ نكبة 1948، ما سبقها وما تبعها
شعب أفضل من حكومته يجمع عدد كبير من المراقبين في إسرائيل اليوم أيضاً على أن المواطنين فيها أفضل من حكومتهم، ويشيدون بصبرهم وتكافلهم وتجندهم لسدّ فراغ وغياب كبيرين للمؤسسة الحاكمة، وخلاصة هذه القراءات لما حصل منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم: الكثير من الانتقادات الموجهة للحكومة.
ومقابل النكبة الحاصلة داخل غزة، تعكس عناوين صحيفة “هآرتس” ملامح الفشل والنزيف المستمر في الجانب الإسرائيلي: “سنة مرت، ولكن إسرائيل بقيت في السابع من أكتوبر.. 101 مخطوف ما زالوا هناك، عدد القتلى ازداد… الحرب تتسع، والنازحون في الشمال في حالة ترحال، والمسؤولون عن الفشل في مقاعدهم، وحتى لجنة تحقيق رسمية لا تبدو في الأفق”.
بين تشرتشل ونتنياهو وبهذه الروح النقدية يشير المعلّق السياسي الأبرز في إسرائيل ناحوم بارنياع للهوة بين الموجود والمفقود، فيستذكر ما قاله تشرتشل (الذي كان نتنياهو يقارن نفسه به)، في ختام الحرب العالمية الثانية، في مديح طياري بريطانيا الذين دافعوا بأجسادهم عنها: “لم يحصل أن كان عددٌ كبير جداً من الناس مديناً ديناً كبيراً جداً لمثل هذا العدد القليل جداً”.. للأسف هذا في بريطانيا وليس عندنا، فنتنياهو لا يشيد إلا بنفسه، أو بالجنود وليس بالقادة العسكريين، بالعكس”.
ويوضح بارنياع، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، أن السنة الأولى من الحرب تنتهي اليوم، سنسمع خطابات وشعارات ووعوداً بالانتصار، لكن من المشكوك به أن يتحقق واحد من هذه الوعود. لم يحدث عندنا أن أعفي عدد قليل جداً من دين كبير لهذا العدد الكبير من الإسرائيليين”.
ويمضي بارنياع في النظرة التشاؤمية حيال القيادة في إسرائيل: “السنة الجديدة ربما تكون سنة بشرى، وربما سنة انكسار، وهذا منوط برئيس الحكومة، وأنا كغيري أصلّي كي ينجح، لكنني لا أثق به وبوزرائه، بنواياهم، وبرجاحة عقلهم”.
في المقابل؛ يؤكد بارنياع، كمراقبين كثر، على قدرات كامنة لدى الإسرائيليين، رغم الصدمة، وربما بسببها أيضاً، فيقول إن “جاهزية الإسرائيليين للقتال لا يفهمها غريب، ونصر الله لم يفهمها”.
حرب غريبة وعلى غرار مراقبين آخرين، يقارن بارنياع “السابع من أكتوبر” مع حروب أخرى، ويصيب في ترسيم ملامح الضرر الناجم عن “طوفان الأقصى”، وهو الضرر الذي نال من وعي الإسرائيليين، وزرع الخوف عميقاً في ذاكرتهم، وحتى المكاسب العسكرية الأخيرة لن تمحو لسنوات طويلة الصدمة المحفورة في الذاكرة، والتي يتلوها تزعزع الثقة بأهم مقدرات الإسرائيليين: الثقة بالنفس، وبالغد. ينعكس ذلك في هجرة عشرات آلاف الإسرائيليين، خلال العام الأخير، وبتفاقم ظاهرة الطلاق، حيث يكشف استطلاعُ الإذاعة الرسمية، اليوم، عن أكثر من 150 ألف حالة طلاق أو انفصال، في العام الأخير، وفي إصابة عشرات آلاف المصابين بـ “الكرب ما بعد الصدمة”، وفي تعبير أغلبية الإسرائيليين عن خوف دفين، وعن عدم ثقة ببقاء الأحفاد للعيش في البلاد.
بلغته يصف بارنياع ذلك باقتضاب، ويقول إن الضرر الأخطر ليس عسكرياً: “الضربة التي أنزلتها حماس على الجبهة الداخلية، وعلى المشروع الصهيوني برمّته، كانت أصعب من أي تحدٍ عسكري، ولا حاجة لتفصيل حجم الضرر هنا، فقد سبق أن توقّفنا عند هذا كثيراً، ولم يحصل أن كان وضعنا في العالم، وفي العالم اليهودي، سيئاً لهذا الحد. في أسبوع واحد تحوّلنا من أمة الحداثة، و”أمّة الستارت أب” لجنوب أفريقيا في عهد الآبرتهايد”.
كذلك، فإن بارنياع، وفي خضم الاستذكار الحسّاس بالنسبة للإسرائيليين، في هذا اليوم المشحون، يشير لسيادة أقلية القوة، بالتلميح فقط: “انتقادات في العالم للحرب، وفي إسرائيل انتقادات للحكومة، ولكن مع إجماع على الحرب بكل الجبهات، بعكس حرب 1982، حينما شهدت البلاد مظاهرات ضد الحرب”.
محلل إسرائيلي: “طوفان الأقصى” نال من وعي الإسرائيليين، وزرع الخوف عميقاً في ذاكرتهم، وحتى المكاسب العسكرية الأخيرة لن تمحو الصدمة المحفورة في الذاكرة لسنوات طويلة
ويسوق بارنياع عوامل كونها “حرباً غريبة” بنظره، فيقول إننا نقاتل تنظيمات لا يوجد لديها مطالب.. فعلى ماذا نفاوض الحوثيين أو “حزب الله” أو إيران؟ ومع البقية الراغبة بإبادتنا حرب غريبة لسيطرة الغيبيين عليها. نحن في حزن لبقاء المخطوفين في الأنفاق، وهم، اليهود الغيبيون، يحتفلون! حرب غريبة لأن الحكومة لم تحدّد مخرجاً إستراتيجياً من الحرب. حرب غريبة لأنها كشفت عن تبعية إسرائيل المقلقة بأمريكا. الدجاجة الإسرائيلية تستطيع أن تطير فقط بارتفاع السياج الذي تحدّده الإدارة الأمريكية”.
ويختتم بارنياع قراءته بقول ما يتحاشاه معظم الإسرائيليين: “لدينا حرب صعبة ومركبة: مفضّل أن نعي محدودية القوة!”.
وفي هذا الاتجاه، يؤكد المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل أنه، رغم المكاسب في غزة وفي لبنان، فإن الإخفاق المرعب في 7 أكتوبر سيواصل مرافقة إسرائيل، وهكذا ستفعل الحرب أيضاً.. ستبقى معنا سنوات.. نار في الشمال.. وجنازات في كل البلاد، ومفاوضات عالقة، وكل ذلك جزء من الحياة اليومية في إسرائيل”.
ويدعو إعلان كبير ومشترك تنشره “هآرتس”، على طول وعرض صفحتها الأولى، عشرات من نواب الكنيست السابقين (معظمهم من أتباع اليسار الصهيوني) لتشكيل لجنة تحقيق رسمية.
وفي هذا المضمار، يدعو رئيس حزب “الديموقراطيين” (“ميرتس” سابقاً) الجنرال في الاحتياط أيال غولان، في حديث للإذاعة العبرية العامة، الإسرائيليين لحساب نفس حقيقي، ويرى المهمة الأكثر إلحاحاً استعادة المخطوفين، وبدونها لن تقوم لنا قيامة هنا”.
بين أكتوبرين في المقابل؛ يقول المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر، اليوم، إن لجنة التحقيق الرسمية وجودها وعدمها سواء، لأن عملها سيطول، وتأتي النتائج بعدما يكون نتنياهو قد غادر السياسة بسبب الشيخوخة، وتتبدّد الفرصة للمحاسبة.
تحت عنوان يتكاتب مع رواية الأديب ليو تولستوي “الحرب والسلام”، يقارن شيفر بين “الحدث الأكبر منذ المحرقة النازية، السابع من أكتوبر، والسادس من أكتوبر عام 1973”.
في نطاق المقارنة، ينتقد واقع اليوم ويشيد بواقع الأمس في إسرائيل: “كلما نظرنا بالحربين يزداد الإحباط. حرب 1973 انتهت بسلام مع مصر، أما الحرب مقابل “حماس” فتبدو مواجهة لا تنتهي أبداً. بعد حرب 1973 تحمّلت القيادة المسؤولية، واستقالت، بمن فيهم غولدا مائير. أما نتنياهو، فلا يتحمّل مسؤولية، وينوي البقاء رئيساً للحكومة للأبد. في 1973، خرج معظم الإسرائيليين وتظاهروا ضد الإخفاقات، والآن لا توجد أغلبية تصرخ: كفى، حتى هنا! نتنياهو وزمرته لا يقترحون أفقاً سياسياً لتسوية مع الشعب الفلسطيني، بالعكس: يعدون بأن نعيش على حد السيف للأبد.
ويكمل المعلق السياسي البارز نداف أيال ما أشار له زميله شيمعون شيفر بالتلميح، بقوله، في مقال نادر في صراحته: “سبق أن اعتبر إيهود براك أن إسرائيل عبارة عن فيلا وسط غابة أدغال، وكأن الحرب مع الجيران أبدية. لكن الانتصار الحقيقي هو السلام والأمل بجيرة طيبة، وهذا لن يتحقّق بالتطرّف والكراهية والظلامية السائدة بيننا لدى مجموعات إسرائيلية، ولن يتحقّق مع طائفة الموت الغيبية الراغبة بإبادة ومستعدة للتضحية بأولادها في سبيل الحرب”.
ويختتم بنَفَس متفائل: “مع ذلك، السلام سيحدث، وسيكون انتصارنا المطلق لنا ولجيراننا”.
هكذا ننهض يتكاتب نداف أيال مع ما يراه ناحوم بارنياع وكثير جداً من المراقبين الإسرائيليين في مقالاتهم، اليوم، بأن الإسرائيليين يستحقون قيادة أفضل من حكومتهم، بل يشددون ويبالغون في التشديد على سلامة قدراتهم ومناعتهم، رغم وبعد “طوفان الأقصى”. ويبدو أن هذه محاولة متوقّعة وطبيعية من طرف الكتّاب والمفكّرين الإسرائيليين لاستغلال يوم التلخيص الأولي لهذا الحدث الكبير الخطير، من أجل المشاركة في عملية الترميم والتعزيز والبناء من جديد، على أساس الفهم العميق بأن أخطر نتائج السابع من أكتوبر إصابة الوعي الإسرائيلي بجراح.
بارنياع: إننا نقاتل تنظيمات لا يوجد لديها مطالب.. فعلى ماذا نفاوض الحوثيين أو “حزب الله” أو إيران؟
وتشير المعلقة السياسية البارزة سيما كادمون لهذا النزيف تحت عنوان “اليوم الذي فقدنا به الثقة”: “بين ضحايا السابع من أكتوبر، وبين الذين لم يحدث لهم شيء لكنهم يتجوّلون مثقلين بالأسى، وبين المتظاهرين، وبين الذين يدعون للانتظار مع التحقيقات.. في السنة الأخيرة، هناك ما يجمعنا جميعاً؛ الشعور بأن المفترض بهم حمايتنا أخفقوا. هناك قسم منا يتهم الجيش، وهناك من يتهم أولاً المستوى السياسي، لكن ليس مهماً لأي قسم تنتمي، فإن الثقة والإيمان في منظومات الدولة قد ضاعت للأبد”.
برؤية متفائلة معاكسة، تقول زميلتُها في “يديعوت أحرونوت”، المعلقة السياسية حين آرتس سرور، في مقال بعنوان “الجيل الأول لـ7 أكتوبر”: “فيما نحاول أن نستوعب هاوية الفقدان وحجمه، والإخفاق وتبعاته، نحن الذين علينا بناء نظام إسرائيلي جديد من أجل الأموات والأحياء، نحن ملزمون بإحياء التكافل الصهيوني- طرح توافق نوعي ومتساوٍ لكل اليهود الشركاء في هذه البلاد: توسيع الخدمة العسكرية، وأمامنا مهام قومية بها ننهض؛ استعادة المخطوفين، تحسين الخدمات العامة، والمؤسسة الأمنية، بناء ثقة من جديد، تشجيع ثقافة عامة، علاوة على سردية إسرائيلية مشتركة. أغلبية صهيونية موحّدة تستطيع تأمين مستقبلنا. تجديد العقد الصهيوني”.
التعليقات
تل أبيب تحيي الذكرى وسط مقارنات مع 1973 .. أخطر نتائج “طوفان الأقصى” نكبةٌ في غزة ونزيفٌ في وعي الإسرائيليين
التعليقات