عمان جو - بسام البدارين - يلتقط الجنرال الأمني الأردني المتقاعد، زهدي جانبيك، ما هو جوهري في المسألة عندما يتقدم لجميع المواطنين برسالة خاصة بالصوت والصورة ينبه أو يحذر فيها الأردنيين عموماً من مخاطر انعكاس اختلاف وجهات نظرهم فيما يتعلق بتطورات الملف السوري على الوضع الداخلي. ملاحظة جانبيك، بحكم خبرته العميقة في الأمن الوقائي، قد تكون الأهم الآن في المسار الداخلي، ومضمونها لفت نظر الأردنيين إلى إمكانية الاختلاف بالشأن السوري والاحتفاظ بعناصر الاختلاف بعيداً عن الملف الوطني المحلي. جانبيك يمتلك “جملة نقدية” بالعادة تسجل لها جرأة الملاحظة والنصح للمؤسسة الرسمية العميقة. لكن في شريطه المصور الأخير، خاطب الشارع ناصحاً ومنبهاً بعد ظهور بوادر “تباين أفقي” مجدداً مرده تدحرجات الملف السوري وبعنوان يقول “الخلافات ينبغي أن لا تنعكس على الساحة الوطنية” بسبب حساسية المرحلة الإقليمية برمتها، أو بسبب ما وصفه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بحالة السيولة الاستراتيجية التي تمر بها المنطقة وينتج عنها المزيد من الحيرة وتكدس الغموض والاحتمالات. هنا يمكن فهم رسالة جانبيك باعتبارها تحذيراً عميقاً ليس بسبب خبرته السابقة في الأمن الوقائي والداخلي وأحياناً في المفاوضات مع إسرائيل، ولكن بسبب انعكاس تحذيره المباغت على حالة داخلية من النقاش من المرجح أنها تتفاعل بين معسكرين: الأول يرحب بتأييد الثورة السورية ويضغط على دوائر القرار المحلية لتشبيك الأيادي معها ومساعدتها ودعمها، وقد عبر عن ذلك بوضوح رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي المعارضة في مجلس النواب صالح العرموطي. أما الرأي الثاني فيظهر الكثير من الحيطة وهو يربط بين إسرائيل والثورة السورية الجديدة ويحاول “أخونة” هذه الثورة، بمعنى إسقاط حساباتها وتعقيداتها في الجزء السوري على حسابات التخاصم مع الحركة الإسلامية الأردنية وتعبيرها في الإسلام السياسي ممثلاً بجماعة الإخوان المسلمين. ما لم يذكره جانبيك، وصول النقاش بشكله التجاذبي بين الأردنيين في هذا السياق إلى نقاط مقلقة برفقة استذكار حالة الانقسام الحادة التي اجتاحت الوسط الاجتماعي والسياسي في المملكة إبان مرحلة الربيع العربي، وفي الملف السوري تماماً. يفترض بأن تقود الحركة الإسلامية الأردنية ذاتها حالة النقاش العامة باتجاه المصالح الوطنية الأردنية ومن دون ممارسة ضغوط شعبوية أو انفعالية وعاطفية على دوائر صناعة القرار الرسمي، حتى لا تصبح الاستراتيجية الأردنية في التفاعل مع الحدث السوري الضخم والمعقد والذي لم يستقر بعد، أقرب إلى مساحة خسارة استراتيجية وأخطاء بصرية سريعة يمكن الاستغناء عنها. المنطق يقول إن الدولة الأردنية يجب مساعدتها سياسياً حتى من جهة نواب البرلمان الدستوريين على أن تقرأ الحدث السوري الخطير وتتفاعل معه بمعزل عن “أردنة الخلاف”، بمعنى الانشغال بالتعبيرات المحلية للحدث بدلاً من الانغماس في البحث عن مصالح وطنية في قراءة الحدث. عملياً، تقرأ الدولة الأردنية عبر مجساتها الخبيرة تطورات الملف السوري وتتخندق أو تتموقع خلف مساحة “حذرة جداً” من التداعيات. سارعت الحكومة الأردنية للإعلان عن إمكانية استئناف تصدير البضائع والمنتجات إلى الداخل السوري الأسبوع المقبل، على الرغم من عدم وجود حكومة أو ممثلين لحكومة سيادية على الطرف الآخر من المعابر مع جنوبي سوريا. وصدرت توجيهات واضحة بالتعاون والتنسيق مع الجسر الجوي القطري الذي سيبدأ قريباً إرسال المساعدات، والسفارة الأردنية في دمشق أول من فتح الأبواب للتعاون مع “طاقم الثورة”. القيادة الأردنية ممثلة بالملك عبد الله الثاني، ومنذ حصل التغيير في ليلة دمشق الغامضة أردنياً، اتجهت نحو معادلة تظهر احترام حقوق الشعب السوري في التعبير عن حريته وإرادته وكرامته، وأعلنت فوراً أن الأردن يقف مع الشعب السوري. وترجمت التوجيهات والثوابت المرجعية الملكية هنا إلى عدة لهجات ولغات إجرائية وبيروقراطية، مع أن الأطراف التي برمجت الثورة السورية أو دعمتها لم تخضع التفصيلات والتحضيرات لأي حالة تشاورية مع الأردن. عملياً، يمكن القول إن الاستجابة وأحياناً الاستدارة الأردنية في التعاطي الإيجابي والتفاعل مع المسألة السورية، حققت هدفاً متقدماً وقطعت بعض الأشواط. ذلك ينبغي أن تنتبه له قوى المعارضة الداخلية التي يحذر من الانقسامات الناتجة عن ملاحظاتها وضغطها الجنرال جانبيك، ضمن معطيات صيغة توفر هامشاً للدولة حتى تتصرف وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة بدون ضغط أو تلاعب سياسي، وبسبب دقة وحساسية الظرف الإقليمي، كما يقدر المصري. بهذا المعنى، لم يعد سراً القول إن جماعة الإخوان المسلمين تحديداً قد تقع عليها مسؤولية تجنب الاسترسال في ضغوط على الدولة وصناعة القرار في هذه المرحلة الحرجة، والعمل على ترك دوائر القرار بعيداً عن الخطابات الشعبوية أو التدافع العاطفي، حتى لا تتخذ قرارات سيئة أو سلبية أو حتى عدمية في مرحلة مغرقة بحساسيتها. جانبيك يقرع جرس الإنذار، وفكرته أن المطلوب من كل الجهات المشتبكة هو ألا يتسلل الخلاف حول الملف السوري إلى الداخل؛ بمعنى أن لا “يتأردن”، سواء من جهة التحذير من نجاح التنظيمات الإسلامية في إسقاط النظام السوري، أو من جهة التأييد المهرجاني والميكرفوني لما حصل قبل مراقبة التطورات. يمكن للإسلاميين وغيرهم إظهار أقصى طاقات الدعم للمتغير المهم الحاصل في دمشق دون حرمان الدولة من “برمجيتها” الخاصة في المتابعة والتدقيق حتى ولو من باب حرمان اليمين الإسرائيلي “الطامع” من استغلال الحدث السوري في الأردن. لا تلام مؤسسات القرار الأردني على متابعتها البطيئة التفحصية لما يجري اليوم في دمشق، والملاحظ عموماً أن الحماسة في إسناد الثورة السورية بكل الأنماط لا تقتصر على الإسلاميين؛ فقد طالب باحثون ووزراء سابقون ونشطاء فوراً بركوب موجة الثورة، لا بل بتغيير الموقف الرسمي بسرعة من “جبهة النصرة” التي يوجد بين قادتها في الواقع عشرات الأردنيين الذين لا تعرف عمان حقيقة نواياهم ومواقفهم تجاه بلادهم بعد. تلك المعادلة تبدو مغامرة إلى حد ملموس. والخلاصة الأهم من تعليق جانبيك الذي “هز الغربال”، تنبه المعارضة الأردنية إلى أهمية ألا يتسلل الخلاف السوري ويصبح “مسألة أردنية”، ليس فقط لأن المرحلة حساسة وحرجة، بل أيضاً لأن أرشيف الخلافات والتجاذبات فيه فائض من الملفات ولا يستع لمزيد.
«القدس العربي»
عمان جو - بسام البدارين - يلتقط الجنرال الأمني الأردني المتقاعد، زهدي جانبيك، ما هو جوهري في المسألة عندما يتقدم لجميع المواطنين برسالة خاصة بالصوت والصورة ينبه أو يحذر فيها الأردنيين عموماً من مخاطر انعكاس اختلاف وجهات نظرهم فيما يتعلق بتطورات الملف السوري على الوضع الداخلي. ملاحظة جانبيك، بحكم خبرته العميقة في الأمن الوقائي، قد تكون الأهم الآن في المسار الداخلي، ومضمونها لفت نظر الأردنيين إلى إمكانية الاختلاف بالشأن السوري والاحتفاظ بعناصر الاختلاف بعيداً عن الملف الوطني المحلي. جانبيك يمتلك “جملة نقدية” بالعادة تسجل لها جرأة الملاحظة والنصح للمؤسسة الرسمية العميقة. لكن في شريطه المصور الأخير، خاطب الشارع ناصحاً ومنبهاً بعد ظهور بوادر “تباين أفقي” مجدداً مرده تدحرجات الملف السوري وبعنوان يقول “الخلافات ينبغي أن لا تنعكس على الساحة الوطنية” بسبب حساسية المرحلة الإقليمية برمتها، أو بسبب ما وصفه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بحالة السيولة الاستراتيجية التي تمر بها المنطقة وينتج عنها المزيد من الحيرة وتكدس الغموض والاحتمالات. هنا يمكن فهم رسالة جانبيك باعتبارها تحذيراً عميقاً ليس بسبب خبرته السابقة في الأمن الوقائي والداخلي وأحياناً في المفاوضات مع إسرائيل، ولكن بسبب انعكاس تحذيره المباغت على حالة داخلية من النقاش من المرجح أنها تتفاعل بين معسكرين: الأول يرحب بتأييد الثورة السورية ويضغط على دوائر القرار المحلية لتشبيك الأيادي معها ومساعدتها ودعمها، وقد عبر عن ذلك بوضوح رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي المعارضة في مجلس النواب صالح العرموطي. أما الرأي الثاني فيظهر الكثير من الحيطة وهو يربط بين إسرائيل والثورة السورية الجديدة ويحاول “أخونة” هذه الثورة، بمعنى إسقاط حساباتها وتعقيداتها في الجزء السوري على حسابات التخاصم مع الحركة الإسلامية الأردنية وتعبيرها في الإسلام السياسي ممثلاً بجماعة الإخوان المسلمين. ما لم يذكره جانبيك، وصول النقاش بشكله التجاذبي بين الأردنيين في هذا السياق إلى نقاط مقلقة برفقة استذكار حالة الانقسام الحادة التي اجتاحت الوسط الاجتماعي والسياسي في المملكة إبان مرحلة الربيع العربي، وفي الملف السوري تماماً. يفترض بأن تقود الحركة الإسلامية الأردنية ذاتها حالة النقاش العامة باتجاه المصالح الوطنية الأردنية ومن دون ممارسة ضغوط شعبوية أو انفعالية وعاطفية على دوائر صناعة القرار الرسمي، حتى لا تصبح الاستراتيجية الأردنية في التفاعل مع الحدث السوري الضخم والمعقد والذي لم يستقر بعد، أقرب إلى مساحة خسارة استراتيجية وأخطاء بصرية سريعة يمكن الاستغناء عنها. المنطق يقول إن الدولة الأردنية يجب مساعدتها سياسياً حتى من جهة نواب البرلمان الدستوريين على أن تقرأ الحدث السوري الخطير وتتفاعل معه بمعزل عن “أردنة الخلاف”، بمعنى الانشغال بالتعبيرات المحلية للحدث بدلاً من الانغماس في البحث عن مصالح وطنية في قراءة الحدث. عملياً، تقرأ الدولة الأردنية عبر مجساتها الخبيرة تطورات الملف السوري وتتخندق أو تتموقع خلف مساحة “حذرة جداً” من التداعيات. سارعت الحكومة الأردنية للإعلان عن إمكانية استئناف تصدير البضائع والمنتجات إلى الداخل السوري الأسبوع المقبل، على الرغم من عدم وجود حكومة أو ممثلين لحكومة سيادية على الطرف الآخر من المعابر مع جنوبي سوريا. وصدرت توجيهات واضحة بالتعاون والتنسيق مع الجسر الجوي القطري الذي سيبدأ قريباً إرسال المساعدات، والسفارة الأردنية في دمشق أول من فتح الأبواب للتعاون مع “طاقم الثورة”. القيادة الأردنية ممثلة بالملك عبد الله الثاني، ومنذ حصل التغيير في ليلة دمشق الغامضة أردنياً، اتجهت نحو معادلة تظهر احترام حقوق الشعب السوري في التعبير عن حريته وإرادته وكرامته، وأعلنت فوراً أن الأردن يقف مع الشعب السوري. وترجمت التوجيهات والثوابت المرجعية الملكية هنا إلى عدة لهجات ولغات إجرائية وبيروقراطية، مع أن الأطراف التي برمجت الثورة السورية أو دعمتها لم تخضع التفصيلات والتحضيرات لأي حالة تشاورية مع الأردن. عملياً، يمكن القول إن الاستجابة وأحياناً الاستدارة الأردنية في التعاطي الإيجابي والتفاعل مع المسألة السورية، حققت هدفاً متقدماً وقطعت بعض الأشواط. ذلك ينبغي أن تنتبه له قوى المعارضة الداخلية التي يحذر من الانقسامات الناتجة عن ملاحظاتها وضغطها الجنرال جانبيك، ضمن معطيات صيغة توفر هامشاً للدولة حتى تتصرف وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة بدون ضغط أو تلاعب سياسي، وبسبب دقة وحساسية الظرف الإقليمي، كما يقدر المصري. بهذا المعنى، لم يعد سراً القول إن جماعة الإخوان المسلمين تحديداً قد تقع عليها مسؤولية تجنب الاسترسال في ضغوط على الدولة وصناعة القرار في هذه المرحلة الحرجة، والعمل على ترك دوائر القرار بعيداً عن الخطابات الشعبوية أو التدافع العاطفي، حتى لا تتخذ قرارات سيئة أو سلبية أو حتى عدمية في مرحلة مغرقة بحساسيتها. جانبيك يقرع جرس الإنذار، وفكرته أن المطلوب من كل الجهات المشتبكة هو ألا يتسلل الخلاف حول الملف السوري إلى الداخل؛ بمعنى أن لا “يتأردن”، سواء من جهة التحذير من نجاح التنظيمات الإسلامية في إسقاط النظام السوري، أو من جهة التأييد المهرجاني والميكرفوني لما حصل قبل مراقبة التطورات. يمكن للإسلاميين وغيرهم إظهار أقصى طاقات الدعم للمتغير المهم الحاصل في دمشق دون حرمان الدولة من “برمجيتها” الخاصة في المتابعة والتدقيق حتى ولو من باب حرمان اليمين الإسرائيلي “الطامع” من استغلال الحدث السوري في الأردن. لا تلام مؤسسات القرار الأردني على متابعتها البطيئة التفحصية لما يجري اليوم في دمشق، والملاحظ عموماً أن الحماسة في إسناد الثورة السورية بكل الأنماط لا تقتصر على الإسلاميين؛ فقد طالب باحثون ووزراء سابقون ونشطاء فوراً بركوب موجة الثورة، لا بل بتغيير الموقف الرسمي بسرعة من “جبهة النصرة” التي يوجد بين قادتها في الواقع عشرات الأردنيين الذين لا تعرف عمان حقيقة نواياهم ومواقفهم تجاه بلادهم بعد. تلك المعادلة تبدو مغامرة إلى حد ملموس. والخلاصة الأهم من تعليق جانبيك الذي “هز الغربال”، تنبه المعارضة الأردنية إلى أهمية ألا يتسلل الخلاف السوري ويصبح “مسألة أردنية”، ليس فقط لأن المرحلة حساسة وحرجة، بل أيضاً لأن أرشيف الخلافات والتجاذبات فيه فائض من الملفات ولا يستع لمزيد.
«القدس العربي»
عمان جو - بسام البدارين - يلتقط الجنرال الأمني الأردني المتقاعد، زهدي جانبيك، ما هو جوهري في المسألة عندما يتقدم لجميع المواطنين برسالة خاصة بالصوت والصورة ينبه أو يحذر فيها الأردنيين عموماً من مخاطر انعكاس اختلاف وجهات نظرهم فيما يتعلق بتطورات الملف السوري على الوضع الداخلي. ملاحظة جانبيك، بحكم خبرته العميقة في الأمن الوقائي، قد تكون الأهم الآن في المسار الداخلي، ومضمونها لفت نظر الأردنيين إلى إمكانية الاختلاف بالشأن السوري والاحتفاظ بعناصر الاختلاف بعيداً عن الملف الوطني المحلي. جانبيك يمتلك “جملة نقدية” بالعادة تسجل لها جرأة الملاحظة والنصح للمؤسسة الرسمية العميقة. لكن في شريطه المصور الأخير، خاطب الشارع ناصحاً ومنبهاً بعد ظهور بوادر “تباين أفقي” مجدداً مرده تدحرجات الملف السوري وبعنوان يقول “الخلافات ينبغي أن لا تنعكس على الساحة الوطنية” بسبب حساسية المرحلة الإقليمية برمتها، أو بسبب ما وصفه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بحالة السيولة الاستراتيجية التي تمر بها المنطقة وينتج عنها المزيد من الحيرة وتكدس الغموض والاحتمالات. هنا يمكن فهم رسالة جانبيك باعتبارها تحذيراً عميقاً ليس بسبب خبرته السابقة في الأمن الوقائي والداخلي وأحياناً في المفاوضات مع إسرائيل، ولكن بسبب انعكاس تحذيره المباغت على حالة داخلية من النقاش من المرجح أنها تتفاعل بين معسكرين: الأول يرحب بتأييد الثورة السورية ويضغط على دوائر القرار المحلية لتشبيك الأيادي معها ومساعدتها ودعمها، وقد عبر عن ذلك بوضوح رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي المعارضة في مجلس النواب صالح العرموطي. أما الرأي الثاني فيظهر الكثير من الحيطة وهو يربط بين إسرائيل والثورة السورية الجديدة ويحاول “أخونة” هذه الثورة، بمعنى إسقاط حساباتها وتعقيداتها في الجزء السوري على حسابات التخاصم مع الحركة الإسلامية الأردنية وتعبيرها في الإسلام السياسي ممثلاً بجماعة الإخوان المسلمين. ما لم يذكره جانبيك، وصول النقاش بشكله التجاذبي بين الأردنيين في هذا السياق إلى نقاط مقلقة برفقة استذكار حالة الانقسام الحادة التي اجتاحت الوسط الاجتماعي والسياسي في المملكة إبان مرحلة الربيع العربي، وفي الملف السوري تماماً. يفترض بأن تقود الحركة الإسلامية الأردنية ذاتها حالة النقاش العامة باتجاه المصالح الوطنية الأردنية ومن دون ممارسة ضغوط شعبوية أو انفعالية وعاطفية على دوائر صناعة القرار الرسمي، حتى لا تصبح الاستراتيجية الأردنية في التفاعل مع الحدث السوري الضخم والمعقد والذي لم يستقر بعد، أقرب إلى مساحة خسارة استراتيجية وأخطاء بصرية سريعة يمكن الاستغناء عنها. المنطق يقول إن الدولة الأردنية يجب مساعدتها سياسياً حتى من جهة نواب البرلمان الدستوريين على أن تقرأ الحدث السوري الخطير وتتفاعل معه بمعزل عن “أردنة الخلاف”، بمعنى الانشغال بالتعبيرات المحلية للحدث بدلاً من الانغماس في البحث عن مصالح وطنية في قراءة الحدث. عملياً، تقرأ الدولة الأردنية عبر مجساتها الخبيرة تطورات الملف السوري وتتخندق أو تتموقع خلف مساحة “حذرة جداً” من التداعيات. سارعت الحكومة الأردنية للإعلان عن إمكانية استئناف تصدير البضائع والمنتجات إلى الداخل السوري الأسبوع المقبل، على الرغم من عدم وجود حكومة أو ممثلين لحكومة سيادية على الطرف الآخر من المعابر مع جنوبي سوريا. وصدرت توجيهات واضحة بالتعاون والتنسيق مع الجسر الجوي القطري الذي سيبدأ قريباً إرسال المساعدات، والسفارة الأردنية في دمشق أول من فتح الأبواب للتعاون مع “طاقم الثورة”. القيادة الأردنية ممثلة بالملك عبد الله الثاني، ومنذ حصل التغيير في ليلة دمشق الغامضة أردنياً، اتجهت نحو معادلة تظهر احترام حقوق الشعب السوري في التعبير عن حريته وإرادته وكرامته، وأعلنت فوراً أن الأردن يقف مع الشعب السوري. وترجمت التوجيهات والثوابت المرجعية الملكية هنا إلى عدة لهجات ولغات إجرائية وبيروقراطية، مع أن الأطراف التي برمجت الثورة السورية أو دعمتها لم تخضع التفصيلات والتحضيرات لأي حالة تشاورية مع الأردن. عملياً، يمكن القول إن الاستجابة وأحياناً الاستدارة الأردنية في التعاطي الإيجابي والتفاعل مع المسألة السورية، حققت هدفاً متقدماً وقطعت بعض الأشواط. ذلك ينبغي أن تنتبه له قوى المعارضة الداخلية التي يحذر من الانقسامات الناتجة عن ملاحظاتها وضغطها الجنرال جانبيك، ضمن معطيات صيغة توفر هامشاً للدولة حتى تتصرف وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة بدون ضغط أو تلاعب سياسي، وبسبب دقة وحساسية الظرف الإقليمي، كما يقدر المصري. بهذا المعنى، لم يعد سراً القول إن جماعة الإخوان المسلمين تحديداً قد تقع عليها مسؤولية تجنب الاسترسال في ضغوط على الدولة وصناعة القرار في هذه المرحلة الحرجة، والعمل على ترك دوائر القرار بعيداً عن الخطابات الشعبوية أو التدافع العاطفي، حتى لا تتخذ قرارات سيئة أو سلبية أو حتى عدمية في مرحلة مغرقة بحساسيتها. جانبيك يقرع جرس الإنذار، وفكرته أن المطلوب من كل الجهات المشتبكة هو ألا يتسلل الخلاف حول الملف السوري إلى الداخل؛ بمعنى أن لا “يتأردن”، سواء من جهة التحذير من نجاح التنظيمات الإسلامية في إسقاط النظام السوري، أو من جهة التأييد المهرجاني والميكرفوني لما حصل قبل مراقبة التطورات. يمكن للإسلاميين وغيرهم إظهار أقصى طاقات الدعم للمتغير المهم الحاصل في دمشق دون حرمان الدولة من “برمجيتها” الخاصة في المتابعة والتدقيق حتى ولو من باب حرمان اليمين الإسرائيلي “الطامع” من استغلال الحدث السوري في الأردن. لا تلام مؤسسات القرار الأردني على متابعتها البطيئة التفحصية لما يجري اليوم في دمشق، والملاحظ عموماً أن الحماسة في إسناد الثورة السورية بكل الأنماط لا تقتصر على الإسلاميين؛ فقد طالب باحثون ووزراء سابقون ونشطاء فوراً بركوب موجة الثورة، لا بل بتغيير الموقف الرسمي بسرعة من “جبهة النصرة” التي يوجد بين قادتها في الواقع عشرات الأردنيين الذين لا تعرف عمان حقيقة نواياهم ومواقفهم تجاه بلادهم بعد. تلك المعادلة تبدو مغامرة إلى حد ملموس. والخلاصة الأهم من تعليق جانبيك الذي “هز الغربال”، تنبه المعارضة الأردنية إلى أهمية ألا يتسلل الخلاف السوري ويصبح “مسألة أردنية”، ليس فقط لأن المرحلة حساسة وحرجة، بل أيضاً لأن أرشيف الخلافات والتجاذبات فيه فائض من الملفات ولا يستع لمزيد.
«القدس العربي»
التعليقات
عندما «حذّر» الجنرال جانبيك: «أخونة» الثورة السورية مقابل «أردنة» الخلافات حولها
التعليقات