عمان جو - نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لحميد رضا عزيزي، الزميل الزائر بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، والزميل غير المقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، استعرض فيه الطريقة التي خسرت بها إيران في سوريا، وضرورة مشاركتها في مستقبل مستقر لمرحلة ما بعد الأسد.
وقال الكاتب إن سقوط بشار الأسد السريع وبعد 13 عاما من الحرب الأهلية، هز مفهوم الوضع الراهن المستقر مع أنه كان قمعيا. واستمر الأسد خلال معظم العقد الماضي في السلطة بسبب الدعم الذي لم يتزعزع من إيران وروسيا، حيث واصل عملية قمعه للمعارضة. وما بدأ في عام 2011 كانتفاضة سلمية، تطور إلى حرب أهلية مدمرة ثم انتهت إلى حالة من الجمود غير المريح.
وكانت قبضة الأسد آمنة على ما يبدو، إلا أن نظامه انهار بعد عدة أيام من بداية حملة منسقة شنتها المعارضة. وكانت إيران ضحية لسقوط الأسد، ومعه ذهبت سنين من العلاقات التي أنشأتها طهران بصبر. فقد كانت إيران الداعم الثابت للأسد طوال النزاع. واستثمرت مع مرور الوقت، الكثير من المصادر المالية والعسكرية لضمان بقائه في الحكم.
كانت إيران ضحية لسقوط الأسد، ومعه ذهبت سنين من العلاقات التي أنشأتها طهران بصبر. فقد استثمرت الكثير من المصادر المالية والعسكرية لضمان بقائه في الحكم
واللافت أن إيران كانت غائبة عندما بدأت المؤسسة العسكرية السورية بالانهيار. وبعد هروب الأسد، وصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية سقوطه بأنه مؤامرة أجنبية رتبت بعناية. وهو تصوير قُصد منه الحفاظ على صورة إيران كقوة إقليمية مرنة.
ويعتقد الكاتب أن تطور الأحداث السريعة وتراجع القدرات العسكرية والسياسية الإيرانية طوال العام الماضي، وكذا التصعيد العسكري المباشر وغير المباشر مع إسرائيل، ترك القيادة الإيرانية في وضع مرتبك وغير قادرة على تشكيل إستراتيجية متماسكة للرد على الأحداث.
ومن هنا، فالنكسة الإستراتيجية التي تعرضت لها إيران، تمنح الولايات المتحدة فرصة استثنائية، للحد من احتمالات تجدد الصراع والعمل على ترسيخ الاستقرار الدائم في سوريا. ومن خلال الاستمرار في دعم القوات الكردية السورية، وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة السوريين الرئيسيين، وتشجيع ضبط النفس الإسرائيلي في سوريا، يمكن لواشنطن أن تساعد في تشكيل واقع ما بعد الأسد في صورة سلام وأمن طويل الأمد.
إلا أن استقرار المنطقة يتطلب، على الأرجح، مشاركة إيران في المحادثات حول مستقبل سوريا. وإذا فشلت واشنطن وطهران في التعامل مع بعضهما البعض، فإن معاناة سوريا ستتواصل.
وأشار عزيزي إلى تورط إيران الطويل في الحرب الأهلية السورية، حيث أنفقت ما بين 30-50 مليار دولار لدعم بقاء الأسد في السلطة. وقدمت الدعم العسكري والنفط والمقاتلين الأفغان والباكستانيين والميليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله اللبناني إلى جانب عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وبعد المعارك التي خاضتها تلك الجماعات على نطاق واسع، بدأت إيران في عام 2018 بتعزيز إنجازاتها في جنوب وجنوب- شرق سوريا ودمج الميليشيات في القوات السورية، ولم تكن هذه الجهود كافية لمنع انهيار نظام الأسد السريع في كانون الأول/ ديسمبر.
أنفقت إيران ما بين 30-50 مليار دولار لدعم بقاء الأسد في السلطة، وزوّدته بالمقاتلين الأفغان والباكستانيين والميليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله اللبناني
ويبدو أن وهم حكومة قادرة ومستقرة في دمشق، ضلل إيران، مع أنها هي التي ساعدت الأسد في تكريس هذا الفهم. ولم تكن طهران مستعدة لمواجهة الانهيار السريع للجيش السوري، حيث انهارت الخطوط الدفاعية ولم يكن الجنود مستعدين أو راغبين في القتال. وفي أيام قليلة، استولت المعارضة على حلب، ثاني كبرى المدن السورية، ثم تقدم المقاتلون جنوبا، تاركين إيران بدون أي وقت للرد بفعالية.
يضاف إلى هذا، ما حدث لحزب الله من ضعف خلال العام الحالي، بدرجة لم تكن فيها إيران قادرة على نشر مقاتليه كما فعلت في الماضي، دفاعا عن الأسد.
وبعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، تحول الحزب إلى المنسق الرئيسي مع سوريا، إلا أن خسارته قيادته وقدراته العسكرية في مواجهته مع إسرائيل، جعلته غير قادر على تقديم الدعم للأسد. وواجهت إيران مشكلة أخرى في تقديم الدعم للأسد، وهي الغارات الإسرائيلية المكثفة على سوريا والتي استهدفت عرقلة شحنات الأسلحة إلى حزب الله. وتحولت المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله والجماعات الموالية لإيران إلى حظر جوي وبري في نهاية 2023، وقد اعترف خامنئي في كانون الأول/ ديسمبر، بأن إيران لم تكن قادرة على مساعدة الأسد، لأن كل منافذ الدعم كانت مغلقة.
وبشكل متواز، أظهرت الميليشيات العراقية التي لعبت دورا مهما في الحرب الأهلية، عدم رغبة في دخول المعمعة مرة أخرى، نظرا لانشغالاتها المحلية وقلقها من كلفة التصعيد الخارجي. وبدون آلية موثوقة لدعم الأسد، وجدت طهران نفسها مقيدة وغير قادرة على دعمه.
كما أثرت العوامل الداخلية في إيران على قراراتها بعدم التدخل. وكشفت جولتان من الهجمات المتبادلة مع إسرائيل، وخاصة سلسلة من الضربات الإسرائيلية على المواقع العسكرية والدفاعات الجوية الإيرانية في تشرين الأول/ أكتوبر، عن نقاط ضعف الجمهورية الإسلامية.
والاقتصاد الإيراني اليوم أقل قوة بكثير مما كان عليه عندما تدخلت طهران لأول مرة في سوريا عام 2011، مما حد من قدرتها على تحمل كلفة باهظة لمشاركة خارجية أخرى. وفي مواجهة احتمال المزيد من التصعيد، أعطت طهران الأولوية لتعزيز دفاعاتها بدلا من تحويل الموارد ودعم صراعات أجنبية.
ويعتقد عزيزي أن سقوط الأسد، كشف عن ضعف إيران وكذا عن التحديات التي تواجهها، إن على مستوى التأثير الإقليمي أو استقرار النظام. ولعل إعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله، هي واحدة من هذه التحديات، فقد عملت سوريا لفترة طويلة كمركز لوجستي حيوي في “الممر البري” الذي يربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط، ونقلت عبره الدعم العسكري إلى لبنان.
سقوط الأسد كشف عن ضعف إيران وكذا عن التحديات التي تواجهها إن على مستوى التأثير الإقليمي أو استقرار النظام. ولعل إعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله، هي واحدة من هذه التحديات
ومع سقوط الأسد، انقطع خط الإمداد هذا، الأمر الذي أدى إلى عزل حزب الله وتعطيل الاتصال الجغرافي لمحور المقاومة. والآن يواجه حزب الله، الذي أضعفته حرب استمرت 14 شهرا مع إسرائيل، المهمة الشاقة المتمثلة في التعافي بدعم لوجستي أقل بكثير من إيران.
وكشف سقوط الأسد عن الخلافات الأيديولوجية والطائفية داخل محور المقاومة، فقد اعتبرت إيران وحزب الله والجماعات العسكرية في العراق والحوثيون في اليمن سقوط الأسد نكسة، فيما هنأت حماس والجهاد الإسلامي، هيئة تحرير الشام على إنجازها.
وأكثر من هذا، فستواجه إيران شكوكا بشأن مصداقيتها بين أطراف محور المقاومة في العراق واليمن، وبخاصة أنها فشلت في الدفاع عن الأسد. وستؤثر خسارة إيران لحليفها في دمشق على منافستها مع أنقرة. فقد كانت تركيا أقوى داعم لجماعات المعارضة السورية. ففي ظل الأسد، كانت طهران قادرة على مواجهة الطموحات التركية بالمنطقة. ومنذ سقوطه، أصبحت تركيا اللاعب الرئيسي الذي حل محل إيران وروسيا، مما أدى إلى توسيع نطاق نفوذ أنقرة مع الحد من نفوذ طهران.
وهناك مخاوف متزايدة في إيران من أن تركيا، التي شجعها موقف طهران الضعيف، قد تسعى الآن إلى زيادة نفوذها على حساب إيران في العراق ولبنان وجنوب القوقاز. وأخيرا، أدى سقوط الأسد إلى زيادة مشاعر السخط بين الموالين للنظام في طهران، حيث وصف البعض الخسارة بأنها خطأ إستراتيجي وانتقدوا الحكومة علنا على شاشة التلفزيون الحكومي. وبالنسبة لنظام يعتمد بشكل كبير على قاعدة أنصار متحمسين، فإن مثل هذه المعارضة تشكل معضلة خطيرة.
وعلاوة على ذلك، هناك مخاوف من أن استغلال جماعات المعارضة في جنوب إيران، وبخاصة بين البلوش والعرب انتصار المعارضة السورية لإحداث مزيد من المشاكل للنظام.
كل هذا لا يعني أن إيران خسرت بالكامل سوريا، فقد أظهرت قدرة على التكيف للحفاظ على النفوذ هناك من خلال إجراء تعديلات تكتيكية. وقد أبدت إيران اهتمامها بالتعامل مع الجماعات الكردية السورية التي على الرغم من عدم تحديها للأسد بشكل مباشر، إلا أنها كانت من بين الجهات الفاعلة الرئيسية خلال الحرب، وتحتفظ بالسيطرة على أجزاء كبيرة من شمال- شرق سوريا.
ففي الفترة التي سبقت الإطاحة بالأسد، انسحبت القوات المدعومة من إيران من مواقع رئيسية في شرق سوريا، وبخاصة في محافظة دير الزور بالقرب من الحدود العراقية، ونقلت السيطرة إلى قوات سوريا الديمقراطية، التي يتألف أفرادها وهيكل قيادتها في المقام الأول من الأكراد.
وتشير هذه الجهود لموضعة إيران نفسها كشريك محتمل للأكراد السوريين، ولا سيما في ضوء المخاوف الكردية من احتمال تضاؤل الدعم الأمريكي للأكراد بمجرد دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وربما تبحث إيران إمكانية التعامل مع هيئة تحرير الشام، والاستفادة من المشاعر المعادية لإسرائيل والمؤيدة للفلسطينيين داخل صفوف المعارضة السورية.
تعمل إيران على إقامة علاقات جديدة مع الأقليات الشيعية والعلوية في غرب سوريا. ومن خلال ذلك، قد تتمكن من بناء شبكة من القوات الموالية والوكلاء للحفاظ على نفوذها في سوريا
وعلى الرغم من أن قيادة هيئة تحرير الشام أعربت عن عدم رغبتها في بدء صراع مع إسرائيل، فإن الضربات الإسرائيلية المستمرة واحتلال الأراضي السورية، قد تعمل على تغيير هذا الرأي.
وقد تقدم طهران الدعم لهيئة تحرير الشام في مقابل تنازلات إستراتيجية، مثل تجديد الوصول إلى حزب الله في لبنان. ومن ناحية أخرى، قد تعمل إيران على إقامة علاقات جديدة مع الأقليات الشيعية والعلوية في غرب سوريا. ومن خلال التحالف مع هذه المجموعات، قد تتمكن إيران من بناء شبكة من القوات الموالية والوكلاء للحفاظ على نفوذها في سوريا حتى في غياب نظام حاكم مطواع. وربما تعيد إيران تجميع مئات الجنود التابعين لنظام الأسد الذين فروا إلى العراق، وتحوّلهم إلى قوة مضادة للثورة، وهو ما قد يمكنها من استعادة موطئ قدم لها في سوريا.
وبالمحصلة، فسقوط الأسد وتراجع الدور الإيراني يقتضي من أمريكا اتخاذ خطوات مهمة للمشاركة. أولها مواصلة الدعم الأمريكي للأكراد السوريين. فالدعم الأمريكي المستمر، بما في ذلك المساعدة المالية والسياسية والدبلوماسية، من شأنه أن يعزز الأكراد ضد أي تهديدات من تركيا ويردع إيران عن استغلال الفراغ بعد سقوط الأسد. وثانيا، يجب على واشنطن الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها في جنوب- غرب سوريا وخفض تصعيدها.
وثالثا يجب على الولايات المتحدة التعاون مع حلفائها في الشرق الأوسط وأوروبا لتعزيز الحوار السياسي الشامل بين كافة الفصائل السورية. ذلك أن الفراغ في السلطة الذي خلفه رحيل الأسد يهدد بزيادة المنافسة بين مختلف الفصائل وبين الأقليات العرقية والدينية العديدة في البلاد. والواقع أن الولايات المتحدة لابد وأن تعرض على إيران مقعدا على الطاولة أثناء المحادثات الإقليمية بشأن مستقبل سوريا، ومعالجة المخاوف الأمنية لدى طهران في حين تدعو قيادتها إلى خفض التصعيد على جبهات أخرى.
عمان جو - نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لحميد رضا عزيزي، الزميل الزائر بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، والزميل غير المقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، استعرض فيه الطريقة التي خسرت بها إيران في سوريا، وضرورة مشاركتها في مستقبل مستقر لمرحلة ما بعد الأسد.
وقال الكاتب إن سقوط بشار الأسد السريع وبعد 13 عاما من الحرب الأهلية، هز مفهوم الوضع الراهن المستقر مع أنه كان قمعيا. واستمر الأسد خلال معظم العقد الماضي في السلطة بسبب الدعم الذي لم يتزعزع من إيران وروسيا، حيث واصل عملية قمعه للمعارضة. وما بدأ في عام 2011 كانتفاضة سلمية، تطور إلى حرب أهلية مدمرة ثم انتهت إلى حالة من الجمود غير المريح.
وكانت قبضة الأسد آمنة على ما يبدو، إلا أن نظامه انهار بعد عدة أيام من بداية حملة منسقة شنتها المعارضة. وكانت إيران ضحية لسقوط الأسد، ومعه ذهبت سنين من العلاقات التي أنشأتها طهران بصبر. فقد كانت إيران الداعم الثابت للأسد طوال النزاع. واستثمرت مع مرور الوقت، الكثير من المصادر المالية والعسكرية لضمان بقائه في الحكم.
كانت إيران ضحية لسقوط الأسد، ومعه ذهبت سنين من العلاقات التي أنشأتها طهران بصبر. فقد استثمرت الكثير من المصادر المالية والعسكرية لضمان بقائه في الحكم
واللافت أن إيران كانت غائبة عندما بدأت المؤسسة العسكرية السورية بالانهيار. وبعد هروب الأسد، وصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية سقوطه بأنه مؤامرة أجنبية رتبت بعناية. وهو تصوير قُصد منه الحفاظ على صورة إيران كقوة إقليمية مرنة.
ويعتقد الكاتب أن تطور الأحداث السريعة وتراجع القدرات العسكرية والسياسية الإيرانية طوال العام الماضي، وكذا التصعيد العسكري المباشر وغير المباشر مع إسرائيل، ترك القيادة الإيرانية في وضع مرتبك وغير قادرة على تشكيل إستراتيجية متماسكة للرد على الأحداث.
ومن هنا، فالنكسة الإستراتيجية التي تعرضت لها إيران، تمنح الولايات المتحدة فرصة استثنائية، للحد من احتمالات تجدد الصراع والعمل على ترسيخ الاستقرار الدائم في سوريا. ومن خلال الاستمرار في دعم القوات الكردية السورية، وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة السوريين الرئيسيين، وتشجيع ضبط النفس الإسرائيلي في سوريا، يمكن لواشنطن أن تساعد في تشكيل واقع ما بعد الأسد في صورة سلام وأمن طويل الأمد.
إلا أن استقرار المنطقة يتطلب، على الأرجح، مشاركة إيران في المحادثات حول مستقبل سوريا. وإذا فشلت واشنطن وطهران في التعامل مع بعضهما البعض، فإن معاناة سوريا ستتواصل.
وأشار عزيزي إلى تورط إيران الطويل في الحرب الأهلية السورية، حيث أنفقت ما بين 30-50 مليار دولار لدعم بقاء الأسد في السلطة. وقدمت الدعم العسكري والنفط والمقاتلين الأفغان والباكستانيين والميليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله اللبناني إلى جانب عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وبعد المعارك التي خاضتها تلك الجماعات على نطاق واسع، بدأت إيران في عام 2018 بتعزيز إنجازاتها في جنوب وجنوب- شرق سوريا ودمج الميليشيات في القوات السورية، ولم تكن هذه الجهود كافية لمنع انهيار نظام الأسد السريع في كانون الأول/ ديسمبر.
أنفقت إيران ما بين 30-50 مليار دولار لدعم بقاء الأسد في السلطة، وزوّدته بالمقاتلين الأفغان والباكستانيين والميليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله اللبناني
ويبدو أن وهم حكومة قادرة ومستقرة في دمشق، ضلل إيران، مع أنها هي التي ساعدت الأسد في تكريس هذا الفهم. ولم تكن طهران مستعدة لمواجهة الانهيار السريع للجيش السوري، حيث انهارت الخطوط الدفاعية ولم يكن الجنود مستعدين أو راغبين في القتال. وفي أيام قليلة، استولت المعارضة على حلب، ثاني كبرى المدن السورية، ثم تقدم المقاتلون جنوبا، تاركين إيران بدون أي وقت للرد بفعالية.
يضاف إلى هذا، ما حدث لحزب الله من ضعف خلال العام الحالي، بدرجة لم تكن فيها إيران قادرة على نشر مقاتليه كما فعلت في الماضي، دفاعا عن الأسد.
وبعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، تحول الحزب إلى المنسق الرئيسي مع سوريا، إلا أن خسارته قيادته وقدراته العسكرية في مواجهته مع إسرائيل، جعلته غير قادر على تقديم الدعم للأسد. وواجهت إيران مشكلة أخرى في تقديم الدعم للأسد، وهي الغارات الإسرائيلية المكثفة على سوريا والتي استهدفت عرقلة شحنات الأسلحة إلى حزب الله. وتحولت المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله والجماعات الموالية لإيران إلى حظر جوي وبري في نهاية 2023، وقد اعترف خامنئي في كانون الأول/ ديسمبر، بأن إيران لم تكن قادرة على مساعدة الأسد، لأن كل منافذ الدعم كانت مغلقة.
وبشكل متواز، أظهرت الميليشيات العراقية التي لعبت دورا مهما في الحرب الأهلية، عدم رغبة في دخول المعمعة مرة أخرى، نظرا لانشغالاتها المحلية وقلقها من كلفة التصعيد الخارجي. وبدون آلية موثوقة لدعم الأسد، وجدت طهران نفسها مقيدة وغير قادرة على دعمه.
كما أثرت العوامل الداخلية في إيران على قراراتها بعدم التدخل. وكشفت جولتان من الهجمات المتبادلة مع إسرائيل، وخاصة سلسلة من الضربات الإسرائيلية على المواقع العسكرية والدفاعات الجوية الإيرانية في تشرين الأول/ أكتوبر، عن نقاط ضعف الجمهورية الإسلامية.
والاقتصاد الإيراني اليوم أقل قوة بكثير مما كان عليه عندما تدخلت طهران لأول مرة في سوريا عام 2011، مما حد من قدرتها على تحمل كلفة باهظة لمشاركة خارجية أخرى. وفي مواجهة احتمال المزيد من التصعيد، أعطت طهران الأولوية لتعزيز دفاعاتها بدلا من تحويل الموارد ودعم صراعات أجنبية.
ويعتقد عزيزي أن سقوط الأسد، كشف عن ضعف إيران وكذا عن التحديات التي تواجهها، إن على مستوى التأثير الإقليمي أو استقرار النظام. ولعل إعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله، هي واحدة من هذه التحديات، فقد عملت سوريا لفترة طويلة كمركز لوجستي حيوي في “الممر البري” الذي يربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط، ونقلت عبره الدعم العسكري إلى لبنان.
سقوط الأسد كشف عن ضعف إيران وكذا عن التحديات التي تواجهها إن على مستوى التأثير الإقليمي أو استقرار النظام. ولعل إعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله، هي واحدة من هذه التحديات
ومع سقوط الأسد، انقطع خط الإمداد هذا، الأمر الذي أدى إلى عزل حزب الله وتعطيل الاتصال الجغرافي لمحور المقاومة. والآن يواجه حزب الله، الذي أضعفته حرب استمرت 14 شهرا مع إسرائيل، المهمة الشاقة المتمثلة في التعافي بدعم لوجستي أقل بكثير من إيران.
وكشف سقوط الأسد عن الخلافات الأيديولوجية والطائفية داخل محور المقاومة، فقد اعتبرت إيران وحزب الله والجماعات العسكرية في العراق والحوثيون في اليمن سقوط الأسد نكسة، فيما هنأت حماس والجهاد الإسلامي، هيئة تحرير الشام على إنجازها.
وأكثر من هذا، فستواجه إيران شكوكا بشأن مصداقيتها بين أطراف محور المقاومة في العراق واليمن، وبخاصة أنها فشلت في الدفاع عن الأسد. وستؤثر خسارة إيران لحليفها في دمشق على منافستها مع أنقرة. فقد كانت تركيا أقوى داعم لجماعات المعارضة السورية. ففي ظل الأسد، كانت طهران قادرة على مواجهة الطموحات التركية بالمنطقة. ومنذ سقوطه، أصبحت تركيا اللاعب الرئيسي الذي حل محل إيران وروسيا، مما أدى إلى توسيع نطاق نفوذ أنقرة مع الحد من نفوذ طهران.
وهناك مخاوف متزايدة في إيران من أن تركيا، التي شجعها موقف طهران الضعيف، قد تسعى الآن إلى زيادة نفوذها على حساب إيران في العراق ولبنان وجنوب القوقاز. وأخيرا، أدى سقوط الأسد إلى زيادة مشاعر السخط بين الموالين للنظام في طهران، حيث وصف البعض الخسارة بأنها خطأ إستراتيجي وانتقدوا الحكومة علنا على شاشة التلفزيون الحكومي. وبالنسبة لنظام يعتمد بشكل كبير على قاعدة أنصار متحمسين، فإن مثل هذه المعارضة تشكل معضلة خطيرة.
وعلاوة على ذلك، هناك مخاوف من أن استغلال جماعات المعارضة في جنوب إيران، وبخاصة بين البلوش والعرب انتصار المعارضة السورية لإحداث مزيد من المشاكل للنظام.
كل هذا لا يعني أن إيران خسرت بالكامل سوريا، فقد أظهرت قدرة على التكيف للحفاظ على النفوذ هناك من خلال إجراء تعديلات تكتيكية. وقد أبدت إيران اهتمامها بالتعامل مع الجماعات الكردية السورية التي على الرغم من عدم تحديها للأسد بشكل مباشر، إلا أنها كانت من بين الجهات الفاعلة الرئيسية خلال الحرب، وتحتفظ بالسيطرة على أجزاء كبيرة من شمال- شرق سوريا.
ففي الفترة التي سبقت الإطاحة بالأسد، انسحبت القوات المدعومة من إيران من مواقع رئيسية في شرق سوريا، وبخاصة في محافظة دير الزور بالقرب من الحدود العراقية، ونقلت السيطرة إلى قوات سوريا الديمقراطية، التي يتألف أفرادها وهيكل قيادتها في المقام الأول من الأكراد.
وتشير هذه الجهود لموضعة إيران نفسها كشريك محتمل للأكراد السوريين، ولا سيما في ضوء المخاوف الكردية من احتمال تضاؤل الدعم الأمريكي للأكراد بمجرد دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وربما تبحث إيران إمكانية التعامل مع هيئة تحرير الشام، والاستفادة من المشاعر المعادية لإسرائيل والمؤيدة للفلسطينيين داخل صفوف المعارضة السورية.
تعمل إيران على إقامة علاقات جديدة مع الأقليات الشيعية والعلوية في غرب سوريا. ومن خلال ذلك، قد تتمكن من بناء شبكة من القوات الموالية والوكلاء للحفاظ على نفوذها في سوريا
وعلى الرغم من أن قيادة هيئة تحرير الشام أعربت عن عدم رغبتها في بدء صراع مع إسرائيل، فإن الضربات الإسرائيلية المستمرة واحتلال الأراضي السورية، قد تعمل على تغيير هذا الرأي.
وقد تقدم طهران الدعم لهيئة تحرير الشام في مقابل تنازلات إستراتيجية، مثل تجديد الوصول إلى حزب الله في لبنان. ومن ناحية أخرى، قد تعمل إيران على إقامة علاقات جديدة مع الأقليات الشيعية والعلوية في غرب سوريا. ومن خلال التحالف مع هذه المجموعات، قد تتمكن إيران من بناء شبكة من القوات الموالية والوكلاء للحفاظ على نفوذها في سوريا حتى في غياب نظام حاكم مطواع. وربما تعيد إيران تجميع مئات الجنود التابعين لنظام الأسد الذين فروا إلى العراق، وتحوّلهم إلى قوة مضادة للثورة، وهو ما قد يمكنها من استعادة موطئ قدم لها في سوريا.
وبالمحصلة، فسقوط الأسد وتراجع الدور الإيراني يقتضي من أمريكا اتخاذ خطوات مهمة للمشاركة. أولها مواصلة الدعم الأمريكي للأكراد السوريين. فالدعم الأمريكي المستمر، بما في ذلك المساعدة المالية والسياسية والدبلوماسية، من شأنه أن يعزز الأكراد ضد أي تهديدات من تركيا ويردع إيران عن استغلال الفراغ بعد سقوط الأسد. وثانيا، يجب على واشنطن الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها في جنوب- غرب سوريا وخفض تصعيدها.
وثالثا يجب على الولايات المتحدة التعاون مع حلفائها في الشرق الأوسط وأوروبا لتعزيز الحوار السياسي الشامل بين كافة الفصائل السورية. ذلك أن الفراغ في السلطة الذي خلفه رحيل الأسد يهدد بزيادة المنافسة بين مختلف الفصائل وبين الأقليات العرقية والدينية العديدة في البلاد. والواقع أن الولايات المتحدة لابد وأن تعرض على إيران مقعدا على الطاولة أثناء المحادثات الإقليمية بشأن مستقبل سوريا، ومعالجة المخاوف الأمنية لدى طهران في حين تدعو قيادتها إلى خفض التصعيد على جبهات أخرى.
عمان جو - نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لحميد رضا عزيزي، الزميل الزائر بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، والزميل غير المقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، استعرض فيه الطريقة التي خسرت بها إيران في سوريا، وضرورة مشاركتها في مستقبل مستقر لمرحلة ما بعد الأسد.
وقال الكاتب إن سقوط بشار الأسد السريع وبعد 13 عاما من الحرب الأهلية، هز مفهوم الوضع الراهن المستقر مع أنه كان قمعيا. واستمر الأسد خلال معظم العقد الماضي في السلطة بسبب الدعم الذي لم يتزعزع من إيران وروسيا، حيث واصل عملية قمعه للمعارضة. وما بدأ في عام 2011 كانتفاضة سلمية، تطور إلى حرب أهلية مدمرة ثم انتهت إلى حالة من الجمود غير المريح.
وكانت قبضة الأسد آمنة على ما يبدو، إلا أن نظامه انهار بعد عدة أيام من بداية حملة منسقة شنتها المعارضة. وكانت إيران ضحية لسقوط الأسد، ومعه ذهبت سنين من العلاقات التي أنشأتها طهران بصبر. فقد كانت إيران الداعم الثابت للأسد طوال النزاع. واستثمرت مع مرور الوقت، الكثير من المصادر المالية والعسكرية لضمان بقائه في الحكم.
كانت إيران ضحية لسقوط الأسد، ومعه ذهبت سنين من العلاقات التي أنشأتها طهران بصبر. فقد استثمرت الكثير من المصادر المالية والعسكرية لضمان بقائه في الحكم
واللافت أن إيران كانت غائبة عندما بدأت المؤسسة العسكرية السورية بالانهيار. وبعد هروب الأسد، وصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية سقوطه بأنه مؤامرة أجنبية رتبت بعناية. وهو تصوير قُصد منه الحفاظ على صورة إيران كقوة إقليمية مرنة.
ويعتقد الكاتب أن تطور الأحداث السريعة وتراجع القدرات العسكرية والسياسية الإيرانية طوال العام الماضي، وكذا التصعيد العسكري المباشر وغير المباشر مع إسرائيل، ترك القيادة الإيرانية في وضع مرتبك وغير قادرة على تشكيل إستراتيجية متماسكة للرد على الأحداث.
ومن هنا، فالنكسة الإستراتيجية التي تعرضت لها إيران، تمنح الولايات المتحدة فرصة استثنائية، للحد من احتمالات تجدد الصراع والعمل على ترسيخ الاستقرار الدائم في سوريا. ومن خلال الاستمرار في دعم القوات الكردية السورية، وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة السوريين الرئيسيين، وتشجيع ضبط النفس الإسرائيلي في سوريا، يمكن لواشنطن أن تساعد في تشكيل واقع ما بعد الأسد في صورة سلام وأمن طويل الأمد.
إلا أن استقرار المنطقة يتطلب، على الأرجح، مشاركة إيران في المحادثات حول مستقبل سوريا. وإذا فشلت واشنطن وطهران في التعامل مع بعضهما البعض، فإن معاناة سوريا ستتواصل.
وأشار عزيزي إلى تورط إيران الطويل في الحرب الأهلية السورية، حيث أنفقت ما بين 30-50 مليار دولار لدعم بقاء الأسد في السلطة. وقدمت الدعم العسكري والنفط والمقاتلين الأفغان والباكستانيين والميليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله اللبناني إلى جانب عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وبعد المعارك التي خاضتها تلك الجماعات على نطاق واسع، بدأت إيران في عام 2018 بتعزيز إنجازاتها في جنوب وجنوب- شرق سوريا ودمج الميليشيات في القوات السورية، ولم تكن هذه الجهود كافية لمنع انهيار نظام الأسد السريع في كانون الأول/ ديسمبر.
أنفقت إيران ما بين 30-50 مليار دولار لدعم بقاء الأسد في السلطة، وزوّدته بالمقاتلين الأفغان والباكستانيين والميليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله اللبناني
ويبدو أن وهم حكومة قادرة ومستقرة في دمشق، ضلل إيران، مع أنها هي التي ساعدت الأسد في تكريس هذا الفهم. ولم تكن طهران مستعدة لمواجهة الانهيار السريع للجيش السوري، حيث انهارت الخطوط الدفاعية ولم يكن الجنود مستعدين أو راغبين في القتال. وفي أيام قليلة، استولت المعارضة على حلب، ثاني كبرى المدن السورية، ثم تقدم المقاتلون جنوبا، تاركين إيران بدون أي وقت للرد بفعالية.
يضاف إلى هذا، ما حدث لحزب الله من ضعف خلال العام الحالي، بدرجة لم تكن فيها إيران قادرة على نشر مقاتليه كما فعلت في الماضي، دفاعا عن الأسد.
وبعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، تحول الحزب إلى المنسق الرئيسي مع سوريا، إلا أن خسارته قيادته وقدراته العسكرية في مواجهته مع إسرائيل، جعلته غير قادر على تقديم الدعم للأسد. وواجهت إيران مشكلة أخرى في تقديم الدعم للأسد، وهي الغارات الإسرائيلية المكثفة على سوريا والتي استهدفت عرقلة شحنات الأسلحة إلى حزب الله. وتحولت المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله والجماعات الموالية لإيران إلى حظر جوي وبري في نهاية 2023، وقد اعترف خامنئي في كانون الأول/ ديسمبر، بأن إيران لم تكن قادرة على مساعدة الأسد، لأن كل منافذ الدعم كانت مغلقة.
وبشكل متواز، أظهرت الميليشيات العراقية التي لعبت دورا مهما في الحرب الأهلية، عدم رغبة في دخول المعمعة مرة أخرى، نظرا لانشغالاتها المحلية وقلقها من كلفة التصعيد الخارجي. وبدون آلية موثوقة لدعم الأسد، وجدت طهران نفسها مقيدة وغير قادرة على دعمه.
كما أثرت العوامل الداخلية في إيران على قراراتها بعدم التدخل. وكشفت جولتان من الهجمات المتبادلة مع إسرائيل، وخاصة سلسلة من الضربات الإسرائيلية على المواقع العسكرية والدفاعات الجوية الإيرانية في تشرين الأول/ أكتوبر، عن نقاط ضعف الجمهورية الإسلامية.
والاقتصاد الإيراني اليوم أقل قوة بكثير مما كان عليه عندما تدخلت طهران لأول مرة في سوريا عام 2011، مما حد من قدرتها على تحمل كلفة باهظة لمشاركة خارجية أخرى. وفي مواجهة احتمال المزيد من التصعيد، أعطت طهران الأولوية لتعزيز دفاعاتها بدلا من تحويل الموارد ودعم صراعات أجنبية.
ويعتقد عزيزي أن سقوط الأسد، كشف عن ضعف إيران وكذا عن التحديات التي تواجهها، إن على مستوى التأثير الإقليمي أو استقرار النظام. ولعل إعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله، هي واحدة من هذه التحديات، فقد عملت سوريا لفترة طويلة كمركز لوجستي حيوي في “الممر البري” الذي يربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط، ونقلت عبره الدعم العسكري إلى لبنان.
سقوط الأسد كشف عن ضعف إيران وكذا عن التحديات التي تواجهها إن على مستوى التأثير الإقليمي أو استقرار النظام. ولعل إعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله، هي واحدة من هذه التحديات
ومع سقوط الأسد، انقطع خط الإمداد هذا، الأمر الذي أدى إلى عزل حزب الله وتعطيل الاتصال الجغرافي لمحور المقاومة. والآن يواجه حزب الله، الذي أضعفته حرب استمرت 14 شهرا مع إسرائيل، المهمة الشاقة المتمثلة في التعافي بدعم لوجستي أقل بكثير من إيران.
وكشف سقوط الأسد عن الخلافات الأيديولوجية والطائفية داخل محور المقاومة، فقد اعتبرت إيران وحزب الله والجماعات العسكرية في العراق والحوثيون في اليمن سقوط الأسد نكسة، فيما هنأت حماس والجهاد الإسلامي، هيئة تحرير الشام على إنجازها.
وأكثر من هذا، فستواجه إيران شكوكا بشأن مصداقيتها بين أطراف محور المقاومة في العراق واليمن، وبخاصة أنها فشلت في الدفاع عن الأسد. وستؤثر خسارة إيران لحليفها في دمشق على منافستها مع أنقرة. فقد كانت تركيا أقوى داعم لجماعات المعارضة السورية. ففي ظل الأسد، كانت طهران قادرة على مواجهة الطموحات التركية بالمنطقة. ومنذ سقوطه، أصبحت تركيا اللاعب الرئيسي الذي حل محل إيران وروسيا، مما أدى إلى توسيع نطاق نفوذ أنقرة مع الحد من نفوذ طهران.
وهناك مخاوف متزايدة في إيران من أن تركيا، التي شجعها موقف طهران الضعيف، قد تسعى الآن إلى زيادة نفوذها على حساب إيران في العراق ولبنان وجنوب القوقاز. وأخيرا، أدى سقوط الأسد إلى زيادة مشاعر السخط بين الموالين للنظام في طهران، حيث وصف البعض الخسارة بأنها خطأ إستراتيجي وانتقدوا الحكومة علنا على شاشة التلفزيون الحكومي. وبالنسبة لنظام يعتمد بشكل كبير على قاعدة أنصار متحمسين، فإن مثل هذه المعارضة تشكل معضلة خطيرة.
وعلاوة على ذلك، هناك مخاوف من أن استغلال جماعات المعارضة في جنوب إيران، وبخاصة بين البلوش والعرب انتصار المعارضة السورية لإحداث مزيد من المشاكل للنظام.
كل هذا لا يعني أن إيران خسرت بالكامل سوريا، فقد أظهرت قدرة على التكيف للحفاظ على النفوذ هناك من خلال إجراء تعديلات تكتيكية. وقد أبدت إيران اهتمامها بالتعامل مع الجماعات الكردية السورية التي على الرغم من عدم تحديها للأسد بشكل مباشر، إلا أنها كانت من بين الجهات الفاعلة الرئيسية خلال الحرب، وتحتفظ بالسيطرة على أجزاء كبيرة من شمال- شرق سوريا.
ففي الفترة التي سبقت الإطاحة بالأسد، انسحبت القوات المدعومة من إيران من مواقع رئيسية في شرق سوريا، وبخاصة في محافظة دير الزور بالقرب من الحدود العراقية، ونقلت السيطرة إلى قوات سوريا الديمقراطية، التي يتألف أفرادها وهيكل قيادتها في المقام الأول من الأكراد.
وتشير هذه الجهود لموضعة إيران نفسها كشريك محتمل للأكراد السوريين، ولا سيما في ضوء المخاوف الكردية من احتمال تضاؤل الدعم الأمريكي للأكراد بمجرد دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وربما تبحث إيران إمكانية التعامل مع هيئة تحرير الشام، والاستفادة من المشاعر المعادية لإسرائيل والمؤيدة للفلسطينيين داخل صفوف المعارضة السورية.
تعمل إيران على إقامة علاقات جديدة مع الأقليات الشيعية والعلوية في غرب سوريا. ومن خلال ذلك، قد تتمكن من بناء شبكة من القوات الموالية والوكلاء للحفاظ على نفوذها في سوريا
وعلى الرغم من أن قيادة هيئة تحرير الشام أعربت عن عدم رغبتها في بدء صراع مع إسرائيل، فإن الضربات الإسرائيلية المستمرة واحتلال الأراضي السورية، قد تعمل على تغيير هذا الرأي.
وقد تقدم طهران الدعم لهيئة تحرير الشام في مقابل تنازلات إستراتيجية، مثل تجديد الوصول إلى حزب الله في لبنان. ومن ناحية أخرى، قد تعمل إيران على إقامة علاقات جديدة مع الأقليات الشيعية والعلوية في غرب سوريا. ومن خلال التحالف مع هذه المجموعات، قد تتمكن إيران من بناء شبكة من القوات الموالية والوكلاء للحفاظ على نفوذها في سوريا حتى في غياب نظام حاكم مطواع. وربما تعيد إيران تجميع مئات الجنود التابعين لنظام الأسد الذين فروا إلى العراق، وتحوّلهم إلى قوة مضادة للثورة، وهو ما قد يمكنها من استعادة موطئ قدم لها في سوريا.
وبالمحصلة، فسقوط الأسد وتراجع الدور الإيراني يقتضي من أمريكا اتخاذ خطوات مهمة للمشاركة. أولها مواصلة الدعم الأمريكي للأكراد السوريين. فالدعم الأمريكي المستمر، بما في ذلك المساعدة المالية والسياسية والدبلوماسية، من شأنه أن يعزز الأكراد ضد أي تهديدات من تركيا ويردع إيران عن استغلال الفراغ بعد سقوط الأسد. وثانيا، يجب على واشنطن الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها في جنوب- غرب سوريا وخفض تصعيدها.
وثالثا يجب على الولايات المتحدة التعاون مع حلفائها في الشرق الأوسط وأوروبا لتعزيز الحوار السياسي الشامل بين كافة الفصائل السورية. ذلك أن الفراغ في السلطة الذي خلفه رحيل الأسد يهدد بزيادة المنافسة بين مختلف الفصائل وبين الأقليات العرقية والدينية العديدة في البلاد. والواقع أن الولايات المتحدة لابد وأن تعرض على إيران مقعدا على الطاولة أثناء المحادثات الإقليمية بشأن مستقبل سوريا، ومعالجة المخاوف الأمنية لدى طهران في حين تدعو قيادتها إلى خفض التصعيد على جبهات أخرى.
التعليقات
فورين أفيرز: كيف خسرت إيران سوريا بسرعة .. وما هي فرص الحفاظ على التأثير بعد تغيير النظام؟
التعليقات