عمان جو - تساؤلات عديدة يطرحها طلبة واولياء امور حول ماهية كثير من الموضوعات والنظريات التي تتضمنها المناهج الدراسية، لجهة مدى الاستفادة منها سواء في الصفوف اللاحقة والدراسة الجامعية او في الحياة العملية.
بالتدقيق في تلك التساؤلات، يتضح أنها ليست وليدة تحليل لمدى اهميتها، إنما مرتبطة باساليب تناولها وطرحها في المناهج الدراسية، التي باتت «تقليدية» تمتاز ب»حشو المعلومات» في صفحاتها، وتفرض اسلوب التلقين في تقديمها للطلبة، لتضفي عليها صفة «الملل»، والحفظ دون تمعن وادراك من الطلبة بحسب وصف خبراء في المناهج واساليب التدريس.
ويقود واقع المناهج الدراسية الى إنتشار ظواهر، يصف الخبراء، بأنها «كارثية» تتمثل في الاعتماد على ملخصات الكتب والمناهج «الدوسيهات»، وكذلك الدروس الخصوصية وبالاخص طلبة «التوجيهي»، رغم انها من إعداد معلمين يدرسون في المدارس.
إنتشار ظاهرة «الدوسيهات» وكذلك «الدروس الخصوصية»، تدلل على وجود تشوهات فنية في المناهج، وكذلك في مضمونها، التي تفرض اسلوبا تقليديا في تعلم الطلبة قائما على تلقين المعلومة، بعيدا عن التفكير المعرفي.
وتعكس مشاهدات في صباحات الايام الدراسية، وكذلك اثناء المغادرة، حجم المعاناة التي يتكبدها الطلبة، تحديدا في الصفوف الاساسية الاولى، إذ الكم الهائل من الكتب الذي تحتويه الحقيبة المدرسية، إنما هو في غالب الاحيان عبء ثقيل على ظهور الطلبة، لا ينتج بالضرورة هذا الحمل تغييرا في منهجية التعليم والتفكير وتنمية المعرفة والبحث والابداع والنشىُ، إنما مجرد اوزان ثقيلة يتثاقل منها الطلبة واولياء الامور كما ونوعا.
ويتفق خبراء على أن تطوير المناهج الدراسية بات ضرورة ملحة، إلا انهم يشترطون ان يكون التطوير وفق منهجية مؤسسية تراعي وتواكب متطلبات العصر وتعزز بناء المعارف، لا تلقي المعلومات وتلقينها لغايات حفظها.
ويشخصون واقع المناهج الحالية بأنها تعتمد على الكم وليس النوع، وهنالك فجوة كبيرة بين الاهداف التي تتضمنها مقدمات المناهج من جهة ومضامين ومحتوياتها، ما يؤشر إلى أن «الافكار المرجوة غير مترجمة في المحتوى».
مصادر معرفة متعددة للمناهج
ويؤكد وزير التربية والتعليم الاسبق الدكتور محمد جمعة الوحش ضرورة إعادة النظرة في المناهج في ظل ان مصادر المعرفة متعددة، وان طلبة مرحلة الروضة او التمهيدي وما بعدها لديهم من المعرفة اضعاف اقرانهم قبل عشرين عاما، اذ لا بد من النظر الى التقدم المعرفي على اساس انه مصادر للمعرفة.
ويشير الوحش الى انه ليس هنالك تنسيق في لجان وضع الكتاب، إذ هنالك موضوعات متكررة في المادة نفسها وكذلك تكرار لها في مواد صفوف اخرى.
ويؤكد ضرورة الاعتماد عند وضع المنهاج على الخطوط العريضة المستنبطة من الدستور، موضحا ان زمن «حشو المعلومات انتهى، لافتا الى أن العبء الدراسي في دول اوروبية يصل الى 7 حصص في اليوم، إلا ان الطلبة لا يبذلون جهدا كبيرا بسبب اسلوب التدريس التشاركي والتفاعلي.
التأخير يراكم المشاكل
فيما يقول استاذ المناهج وطرق تدريس العلوم في جامعة ال البيت الدكتور سليمان القادري أن المناهج الدراسية تفتقر الى مهارات القرن الحادي والعشرين، ولا تترجم بناء المعرفة، مبينا ان المهارات التي يتوجب ان تتضمنها المناهج تعزيز التفكير والتفكير الناقد ومهارة اتخاذ القرار وتحديد المشكلة والتفكير الابداعي والمحاججة والتساؤل والبناء المعرفي.
ويرى الدكتور القادري ان المناهج الحالية تمتاز بـ»حشو المعلومات» والاعتماد على الكم وليس النوع، لافتا الى وجود تناقض وفجوة «كبيرة» بين ما تتضمنه مقدمات المناهج والكتب من أهداف من جهة ومحتويات ومضامين المناهج، عدا ان المقدمات تحدد أهدافا غير موجودة بالمحتويات، التي هي (المحتويات)، غير مرتبطة بالحياة العملية ولا تنمي شخصية الطالب ولا تعزز الانتماء.
ويقول « ان ترجمة الافكار في المحتويات غير ناجحة»، لافتا الى ان فكرة المناهج في الولايات المتحدة تقوم على اساس «القليل هو الكثير»، (less I more)، محذرا من عملية التأخير في عملية البدء بالتطوير لان التأخير يراكم المشاكل».
ويرى ان ظاهرة اللجوء إلى «الدوسيهات» والمختصرات بأنها «كارثية» لجهة تكريس اسلوب التلقين وتغييب التفكير، ولا تنمي مهارات العقل في التفكير.
حشو على حساب المعرفة
وتتفق خبيرة المناهج والتدريس الدكتورة روناهي مجدلاوي مع ما ذهب اليه القادري، عند تشخيصها لواقع حال المناهج،، إذ تقر بأن المناهج تمتاز بحشو المعلومات على حساب المعرفة وترى أنها «غير ممتعة ومملة»، لافتة الى تجارب دول عربية كانت ناجحة في تطوير مناهجها، بما يتوافق مع متطلبات العصر، التي تسعى الى تحفيز الطالب لاكتساب المعرفة ومصممة بطريقة مشوقة وتحاكي ميول الطالب ورغباته في الحصول على المعرفة.
واكدت ان النظريات الحديثة لا تستند الى تقديم المعلومة، إنما لتعزيز عملية التفكير للوصول الى المعلومات، وبترابطية منطقية، تجعل الطالب والمعلم يتشاركونفي الوصول الى المعرفة، ليتمكن الطالب من الوصول الى المعلومة، بحيث تكون ثابتة في ذهنه ومقتنع بأهميتها ويتعامل معها ويرتبها حسب ادراكه وفمهة وتفكيره.
وتشير مجدلاوي أن محاولات التطوير السابقة كانت شكلية، وليست بالجوهر، ولا تستند الى النظرية البنائية، إذ إن المناهج يجب ان تعزز مهارات التفكير والابداع، ليكون التساؤل كم سجلت لدينا حالات ابداع خلال الفترة الماضية؟ في ظل العدد الكبير من الطلبة وكذلك المعلمين.
وتشير الى أن هذا الواقع يعزز ثقافة واسلوب التلقين، الذي يكرس منهجية التحفيظ والحصول على المعلومة للحصول على العلامة، دون اسهام في انتاج المعرفة، التي تصبح فيما بعد سلعة تتمثل في مشروع او فكرة.
وتتساءل، في ظل هذا الواقع ماذا أعددنا لاكثر من مليون طالب يرتادون المدارس، التي يفترض ان تكون «حواضن للابداع»؟ وأكدت ان عملية تطوير المناهج باتت ضرورة ملحة بدون اي تأخير، إذ ان العيوب في المناهج تراكمية والانتظار والتأجيل يراكم العيوب ويعمقها، (...) وهنالك طلبة اميون في مدارسنا، حتى في المراحل الثانوية».
ودعت الى إحداث ثورة بيضاء في العملية التعلمية، تشمل المناهج وبيئة التعلم والمعلم والادارة التربوية، خصوصا وان هنالك دراسات تتحدث ان (30%) من المجتمع سيكونون من الفئة العمرية بين (5-25) عاما، وهي الفئة التي تشمل مراحل التعليم من التمهيدي الى الجامعة، وعليه ماذا اعددنا لهم خلال السنوات القادمة، وهل مناهجنا قادرة وهل يوجد منصات معرفية تفاعلية لعملية التعلم هل يوجد منصات تواصل اجتماعي لتوظيفها في عملية التعلم والتعليم ؟
وترى ان هذه المكونات تشكل عناصر تكاملية، فالمعلم لم يعد في المنظور الحديث المصدر الوحيد للمعرفة، فبيئة التعلم ايضا غير مقصورة على الغرفة الصفية، التي يجب ان يتم تطويرها بما توفر مساحة وظروف ليكتشفوا المعرفة، وليس لحفظ المعلومات، في حين ان مدارسنا اشبه بالسجون مطوقة بالاسوار الاسمنتية، فيجب ان تكون مدراسنا صديقة للبيئة وهنالك مساحات خضراء ومناطق العاب ومكاتب محفزة وغيرها.
استراتيجية الموارد البشرية
ما ذهب اليه الخبراء يتوافق الى حد بعيد مع ما تضمنته الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، التي تؤكد ان تطوير المناهج التعليمية وتحديثها لا يعني على الإطلاق التخلي عن الثوابت الوطنية والقومية، بل يؤكد عليها ويرسخها ضمن إطار معرفي حديث، يهدف إلى جسر الفجوة ما بين متطلبات الواقع والنتاجات التعلمية، لإعداد جيل يمتلك المعارف والقدرات الأساسية والمهارات اللغوية والتكنولوجيا الحديثة، ويتمتع بشخصية واثقة وقادرة على التفكير والنقد والتحليل والتعايش مع مكونات المجتمع ضمن تنوعها الثقافي والديني والعرقي، وعصي عن الانحراف والتطرف.
وتشخص التحديات بأن عملية تطوير المناهج الدراسية لا تتم بشكل يُلبي المقاربة المعيارية مع الممارسات الفضلى والاحتياجات الوطنية التنموية التي عبرت عنها وثيقة الأردن 2025/رؤية، الى جانب ان ارتباط المناهج وتطويرها بوزارة التربية والتعليم جعلها محصورةً ضمن أطر تفكير محددة و نطاق مقيَّد غير مستقل وغير متفقة مع فلسفة النظام التربوي وأهدافه.
وتعتبر ان المناهج الحالية تفتقر إلى التأكيد على مفاهيم التسامح والتعايش والتعاون واحترام الآخر ونبذ الأفكار المتطرفة(..) وإن المساحة التي تخصصها المناهج الحالية للتركيز على مهارات التفكير النقدي البناء والاستنباط والاستكشاف والإبداع لدى الطالب غير كافية.
وتوضح انه رغم محاولات تطوير المناهج إلا أن السمة العامة لأغلبها ما زال يغلب عليها حشو المعلومات التي تتطلب مجرد الحفظ(..) وعدم مواكبة المناهج الحالية للمستجدات التعليمية والتربوية الحديثة وتفتقر إلى توظيف تكنولوجيا المعلومات في عملية التدريس.
وتشير الى هناك فجوة واضحة ما بين محتوى المناهج وأساليب التدريس الخاصة بالمحتوى نتيجة ضعف خبرات القائمين على تأليف الكتب المدرسية وأدلة المعلمين.
ما هو المطلوب لاحداث التغيير؟
يؤكد الدكتور القادري ضرورة البدء بعملية تطوير المناهج بمنهجية علمية قائمة على اسس ومعايير واضحة، مقترحا تهيئة فرق بإشراك جميع القطاعات لتحديد ما هو المطلوب وماذا نريد خلال العقدين المقبلين، ومن ثم تنظيم لقاء لمتخصصين من الجامعات ووزارة التربية والتعليم وخبراء لوضع الخطوط العريضة، المتمثلة في مهارات ونتاجات التعلم المرغوب بها، وبعدها يصار الى تشكيل فرق تاليف واشراف واخضاعها الى دورات تدريبية على كيفية التأليف على اساس النظرية التربوية الحديثة التي تلبي مهارات القرن الحادي والعشرين، واثناء التأليف يتم مراجعة المناهج من قبل لجان متخصصة وتطبيقها على مجموعة مدارس «دراسة استطلاعية» واخذ التغذية الراجعة لتطويرها بشكل نهائي، ومن ثم بعد التطبيق يتم التطوير في ظل التغذية الراجعة والمتطلبات المستقبلية.
وحذر الدكتور القادري من تدخل الواسطة والمحسوبيات في عملية تشكيل فرق التأليف والاشراف، وان لا تكون عملية الاختيار مرتبطة بالوزراء والامناء العامين، إنما تعتمد على ثلاثة اركان: الخبرة والرغبة والقدرة.
بالمقابل، توصي الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية بضرورة تشكيل «هيئة عليا شبه مستقلة لتطوير المناهج الدراسية»من مختصين في وزارة التربية والتعليم وخبراء آخرين من ذوي الكفاءات والخبرات التربوية والأكاديمية والعلمية، والمطلعين على تجارب الأمم المتقدمة في هذا المجال، بحيث يكون للهيئة صفة تشريعية واستقلالية تمكنها من وضع سياسات محددة للمناهج ومتابعة تأليفها وتدريسها والتأكد من مطابقتها للسياسات الموضوعة التي تهدف إلى تنقيتها من الأفكار المتطرفة التي تشكل خطراً على المجتمع مع التأكيد على مفاهيم التسامح والتعايش والتعاون واحترام الآخر وترسيخ الانتماء الوطني والقيم الإنسانية والتركيز على المهارات اللغوية ومهارات التفكير النقدي البناء والاستنباط والاستكشاف بدلاً من أسلوب التلقين والحفظ بالإضافة إلى مواكبة المستجدات التعليمية والتربوية الحديثة وتوظيف تكنولوجيا المعلومات في العملية التعليمية.
وتقترح أن يتم تطوير المناهج على مرحلتين، الاولى على المدى القريب، بتشكيل لجان متخصصة من تربويين وأكاديميين وخبراء تقوم بإجراء دراسة تقييمية وتحليلية لجميع عناصر المناهج والكتب المدرسية وتقييمها وتقديم مقترحات لإعادة النظر في بعض النصوص جزئياً أو كلياً خلال الفترة الحالية. اما الثانية تتمثل في إجراءات المدى البعيد، وذلك بتأسيس الهيئة العليا شبه المستقلة لتطوير المناهج الدراسية وفق نظام خاص للهيئة يصدر خلال عامين كحد أقصى لتكتسب الصفة التشريعية والاستقلالية تمكنها من وضع سياسات محددة للمناهج ومتابعة تأليفها وتدريسها والتأكد من مطابقتها للسياسات الموضوعة.
وتحدد مهام ومسؤوليات الهيئة بتحليل المناهج الحالية والتعرف على واقعها وإعادة صياغتها بما يتفق مع فلسفة النظام التربوي الأردني واهدافه والتركيز في محتواها على تنمية منظومة القيم الوطنية والاجتماعية والأخلاقية بدءاً من مرحلة التعليم الأساسي.
الى جانب غرس مقومات المواطنة الصالحة والانتماء الوطني لدى الطالب وتعريفه بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوار الهادئ بعيداً عن العنف(..) وتعزيز القيم الإيمانية التي تؤكد على الوسطية والابتعاد عن التطرّف والإرهاب وتأصيل عقيدة الإيمان بالله وبجميع الرسالات والكتب السماوية مع تأكيد موقف جميع الأديان الرافضةلأنواع التمييز كافة مع التأكيد على مبادئ العدالة والمساواة.
اضافة الى :إدخال مواضيع في مناهج المرحلة الأساسية تعرف الطالب بالمهن المختلفة وأهميتها في حياة الإنسان بهدف بناء ثقافة مهنية لدى الطالب منذ المراحل المبكرة والالتزام بتوزيع النصوص والأمثلة شكلاً ومضموناً بأسلوب جميل ومشوق وبحيث تتناسب مع المرحلة العمرية للطالب وتثير تفكيره وتحفزه للبحث والاستقصاء والإبداع و التركيز على المهارات الأساسية وطرق اكسابها مع مراعاة الفروق الفردية للشرائح الطلابية ومشاركة كليات التربية في الجامعات الأردنية ووزارة التربية والتعليم «وأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين» في عملية تطوير المناهج. الرأي
عمان جو - تساؤلات عديدة يطرحها طلبة واولياء امور حول ماهية كثير من الموضوعات والنظريات التي تتضمنها المناهج الدراسية، لجهة مدى الاستفادة منها سواء في الصفوف اللاحقة والدراسة الجامعية او في الحياة العملية.
بالتدقيق في تلك التساؤلات، يتضح أنها ليست وليدة تحليل لمدى اهميتها، إنما مرتبطة باساليب تناولها وطرحها في المناهج الدراسية، التي باتت «تقليدية» تمتاز ب»حشو المعلومات» في صفحاتها، وتفرض اسلوب التلقين في تقديمها للطلبة، لتضفي عليها صفة «الملل»، والحفظ دون تمعن وادراك من الطلبة بحسب وصف خبراء في المناهج واساليب التدريس.
ويقود واقع المناهج الدراسية الى إنتشار ظواهر، يصف الخبراء، بأنها «كارثية» تتمثل في الاعتماد على ملخصات الكتب والمناهج «الدوسيهات»، وكذلك الدروس الخصوصية وبالاخص طلبة «التوجيهي»، رغم انها من إعداد معلمين يدرسون في المدارس.
إنتشار ظاهرة «الدوسيهات» وكذلك «الدروس الخصوصية»، تدلل على وجود تشوهات فنية في المناهج، وكذلك في مضمونها، التي تفرض اسلوبا تقليديا في تعلم الطلبة قائما على تلقين المعلومة، بعيدا عن التفكير المعرفي.
وتعكس مشاهدات في صباحات الايام الدراسية، وكذلك اثناء المغادرة، حجم المعاناة التي يتكبدها الطلبة، تحديدا في الصفوف الاساسية الاولى، إذ الكم الهائل من الكتب الذي تحتويه الحقيبة المدرسية، إنما هو في غالب الاحيان عبء ثقيل على ظهور الطلبة، لا ينتج بالضرورة هذا الحمل تغييرا في منهجية التعليم والتفكير وتنمية المعرفة والبحث والابداع والنشىُ، إنما مجرد اوزان ثقيلة يتثاقل منها الطلبة واولياء الامور كما ونوعا.
ويتفق خبراء على أن تطوير المناهج الدراسية بات ضرورة ملحة، إلا انهم يشترطون ان يكون التطوير وفق منهجية مؤسسية تراعي وتواكب متطلبات العصر وتعزز بناء المعارف، لا تلقي المعلومات وتلقينها لغايات حفظها.
ويشخصون واقع المناهج الحالية بأنها تعتمد على الكم وليس النوع، وهنالك فجوة كبيرة بين الاهداف التي تتضمنها مقدمات المناهج من جهة ومضامين ومحتوياتها، ما يؤشر إلى أن «الافكار المرجوة غير مترجمة في المحتوى».
مصادر معرفة متعددة للمناهج
ويؤكد وزير التربية والتعليم الاسبق الدكتور محمد جمعة الوحش ضرورة إعادة النظرة في المناهج في ظل ان مصادر المعرفة متعددة، وان طلبة مرحلة الروضة او التمهيدي وما بعدها لديهم من المعرفة اضعاف اقرانهم قبل عشرين عاما، اذ لا بد من النظر الى التقدم المعرفي على اساس انه مصادر للمعرفة.
ويشير الوحش الى انه ليس هنالك تنسيق في لجان وضع الكتاب، إذ هنالك موضوعات متكررة في المادة نفسها وكذلك تكرار لها في مواد صفوف اخرى.
ويؤكد ضرورة الاعتماد عند وضع المنهاج على الخطوط العريضة المستنبطة من الدستور، موضحا ان زمن «حشو المعلومات انتهى، لافتا الى أن العبء الدراسي في دول اوروبية يصل الى 7 حصص في اليوم، إلا ان الطلبة لا يبذلون جهدا كبيرا بسبب اسلوب التدريس التشاركي والتفاعلي.
التأخير يراكم المشاكل
فيما يقول استاذ المناهج وطرق تدريس العلوم في جامعة ال البيت الدكتور سليمان القادري أن المناهج الدراسية تفتقر الى مهارات القرن الحادي والعشرين، ولا تترجم بناء المعرفة، مبينا ان المهارات التي يتوجب ان تتضمنها المناهج تعزيز التفكير والتفكير الناقد ومهارة اتخاذ القرار وتحديد المشكلة والتفكير الابداعي والمحاججة والتساؤل والبناء المعرفي.
ويرى الدكتور القادري ان المناهج الحالية تمتاز بـ»حشو المعلومات» والاعتماد على الكم وليس النوع، لافتا الى وجود تناقض وفجوة «كبيرة» بين ما تتضمنه مقدمات المناهج والكتب من أهداف من جهة ومحتويات ومضامين المناهج، عدا ان المقدمات تحدد أهدافا غير موجودة بالمحتويات، التي هي (المحتويات)، غير مرتبطة بالحياة العملية ولا تنمي شخصية الطالب ولا تعزز الانتماء.
ويقول « ان ترجمة الافكار في المحتويات غير ناجحة»، لافتا الى ان فكرة المناهج في الولايات المتحدة تقوم على اساس «القليل هو الكثير»، (less I more)، محذرا من عملية التأخير في عملية البدء بالتطوير لان التأخير يراكم المشاكل».
ويرى ان ظاهرة اللجوء إلى «الدوسيهات» والمختصرات بأنها «كارثية» لجهة تكريس اسلوب التلقين وتغييب التفكير، ولا تنمي مهارات العقل في التفكير.
حشو على حساب المعرفة
وتتفق خبيرة المناهج والتدريس الدكتورة روناهي مجدلاوي مع ما ذهب اليه القادري، عند تشخيصها لواقع حال المناهج،، إذ تقر بأن المناهج تمتاز بحشو المعلومات على حساب المعرفة وترى أنها «غير ممتعة ومملة»، لافتة الى تجارب دول عربية كانت ناجحة في تطوير مناهجها، بما يتوافق مع متطلبات العصر، التي تسعى الى تحفيز الطالب لاكتساب المعرفة ومصممة بطريقة مشوقة وتحاكي ميول الطالب ورغباته في الحصول على المعرفة.
واكدت ان النظريات الحديثة لا تستند الى تقديم المعلومة، إنما لتعزيز عملية التفكير للوصول الى المعلومات، وبترابطية منطقية، تجعل الطالب والمعلم يتشاركونفي الوصول الى المعرفة، ليتمكن الطالب من الوصول الى المعلومة، بحيث تكون ثابتة في ذهنه ومقتنع بأهميتها ويتعامل معها ويرتبها حسب ادراكه وفمهة وتفكيره.
وتشير مجدلاوي أن محاولات التطوير السابقة كانت شكلية، وليست بالجوهر، ولا تستند الى النظرية البنائية، إذ إن المناهج يجب ان تعزز مهارات التفكير والابداع، ليكون التساؤل كم سجلت لدينا حالات ابداع خلال الفترة الماضية؟ في ظل العدد الكبير من الطلبة وكذلك المعلمين.
وتشير الى أن هذا الواقع يعزز ثقافة واسلوب التلقين، الذي يكرس منهجية التحفيظ والحصول على المعلومة للحصول على العلامة، دون اسهام في انتاج المعرفة، التي تصبح فيما بعد سلعة تتمثل في مشروع او فكرة.
وتتساءل، في ظل هذا الواقع ماذا أعددنا لاكثر من مليون طالب يرتادون المدارس، التي يفترض ان تكون «حواضن للابداع»؟ وأكدت ان عملية تطوير المناهج باتت ضرورة ملحة بدون اي تأخير، إذ ان العيوب في المناهج تراكمية والانتظار والتأجيل يراكم العيوب ويعمقها، (...) وهنالك طلبة اميون في مدارسنا، حتى في المراحل الثانوية».
ودعت الى إحداث ثورة بيضاء في العملية التعلمية، تشمل المناهج وبيئة التعلم والمعلم والادارة التربوية، خصوصا وان هنالك دراسات تتحدث ان (30%) من المجتمع سيكونون من الفئة العمرية بين (5-25) عاما، وهي الفئة التي تشمل مراحل التعليم من التمهيدي الى الجامعة، وعليه ماذا اعددنا لهم خلال السنوات القادمة، وهل مناهجنا قادرة وهل يوجد منصات معرفية تفاعلية لعملية التعلم هل يوجد منصات تواصل اجتماعي لتوظيفها في عملية التعلم والتعليم ؟
وترى ان هذه المكونات تشكل عناصر تكاملية، فالمعلم لم يعد في المنظور الحديث المصدر الوحيد للمعرفة، فبيئة التعلم ايضا غير مقصورة على الغرفة الصفية، التي يجب ان يتم تطويرها بما توفر مساحة وظروف ليكتشفوا المعرفة، وليس لحفظ المعلومات، في حين ان مدارسنا اشبه بالسجون مطوقة بالاسوار الاسمنتية، فيجب ان تكون مدراسنا صديقة للبيئة وهنالك مساحات خضراء ومناطق العاب ومكاتب محفزة وغيرها.
استراتيجية الموارد البشرية
ما ذهب اليه الخبراء يتوافق الى حد بعيد مع ما تضمنته الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، التي تؤكد ان تطوير المناهج التعليمية وتحديثها لا يعني على الإطلاق التخلي عن الثوابت الوطنية والقومية، بل يؤكد عليها ويرسخها ضمن إطار معرفي حديث، يهدف إلى جسر الفجوة ما بين متطلبات الواقع والنتاجات التعلمية، لإعداد جيل يمتلك المعارف والقدرات الأساسية والمهارات اللغوية والتكنولوجيا الحديثة، ويتمتع بشخصية واثقة وقادرة على التفكير والنقد والتحليل والتعايش مع مكونات المجتمع ضمن تنوعها الثقافي والديني والعرقي، وعصي عن الانحراف والتطرف.
وتشخص التحديات بأن عملية تطوير المناهج الدراسية لا تتم بشكل يُلبي المقاربة المعيارية مع الممارسات الفضلى والاحتياجات الوطنية التنموية التي عبرت عنها وثيقة الأردن 2025/رؤية، الى جانب ان ارتباط المناهج وتطويرها بوزارة التربية والتعليم جعلها محصورةً ضمن أطر تفكير محددة و نطاق مقيَّد غير مستقل وغير متفقة مع فلسفة النظام التربوي وأهدافه.
وتعتبر ان المناهج الحالية تفتقر إلى التأكيد على مفاهيم التسامح والتعايش والتعاون واحترام الآخر ونبذ الأفكار المتطرفة(..) وإن المساحة التي تخصصها المناهج الحالية للتركيز على مهارات التفكير النقدي البناء والاستنباط والاستكشاف والإبداع لدى الطالب غير كافية.
وتوضح انه رغم محاولات تطوير المناهج إلا أن السمة العامة لأغلبها ما زال يغلب عليها حشو المعلومات التي تتطلب مجرد الحفظ(..) وعدم مواكبة المناهج الحالية للمستجدات التعليمية والتربوية الحديثة وتفتقر إلى توظيف تكنولوجيا المعلومات في عملية التدريس.
وتشير الى هناك فجوة واضحة ما بين محتوى المناهج وأساليب التدريس الخاصة بالمحتوى نتيجة ضعف خبرات القائمين على تأليف الكتب المدرسية وأدلة المعلمين.
ما هو المطلوب لاحداث التغيير؟
يؤكد الدكتور القادري ضرورة البدء بعملية تطوير المناهج بمنهجية علمية قائمة على اسس ومعايير واضحة، مقترحا تهيئة فرق بإشراك جميع القطاعات لتحديد ما هو المطلوب وماذا نريد خلال العقدين المقبلين، ومن ثم تنظيم لقاء لمتخصصين من الجامعات ووزارة التربية والتعليم وخبراء لوضع الخطوط العريضة، المتمثلة في مهارات ونتاجات التعلم المرغوب بها، وبعدها يصار الى تشكيل فرق تاليف واشراف واخضاعها الى دورات تدريبية على كيفية التأليف على اساس النظرية التربوية الحديثة التي تلبي مهارات القرن الحادي والعشرين، واثناء التأليف يتم مراجعة المناهج من قبل لجان متخصصة وتطبيقها على مجموعة مدارس «دراسة استطلاعية» واخذ التغذية الراجعة لتطويرها بشكل نهائي، ومن ثم بعد التطبيق يتم التطوير في ظل التغذية الراجعة والمتطلبات المستقبلية.
وحذر الدكتور القادري من تدخل الواسطة والمحسوبيات في عملية تشكيل فرق التأليف والاشراف، وان لا تكون عملية الاختيار مرتبطة بالوزراء والامناء العامين، إنما تعتمد على ثلاثة اركان: الخبرة والرغبة والقدرة.
بالمقابل، توصي الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية بضرورة تشكيل «هيئة عليا شبه مستقلة لتطوير المناهج الدراسية»من مختصين في وزارة التربية والتعليم وخبراء آخرين من ذوي الكفاءات والخبرات التربوية والأكاديمية والعلمية، والمطلعين على تجارب الأمم المتقدمة في هذا المجال، بحيث يكون للهيئة صفة تشريعية واستقلالية تمكنها من وضع سياسات محددة للمناهج ومتابعة تأليفها وتدريسها والتأكد من مطابقتها للسياسات الموضوعة التي تهدف إلى تنقيتها من الأفكار المتطرفة التي تشكل خطراً على المجتمع مع التأكيد على مفاهيم التسامح والتعايش والتعاون واحترام الآخر وترسيخ الانتماء الوطني والقيم الإنسانية والتركيز على المهارات اللغوية ومهارات التفكير النقدي البناء والاستنباط والاستكشاف بدلاً من أسلوب التلقين والحفظ بالإضافة إلى مواكبة المستجدات التعليمية والتربوية الحديثة وتوظيف تكنولوجيا المعلومات في العملية التعليمية.
وتقترح أن يتم تطوير المناهج على مرحلتين، الاولى على المدى القريب، بتشكيل لجان متخصصة من تربويين وأكاديميين وخبراء تقوم بإجراء دراسة تقييمية وتحليلية لجميع عناصر المناهج والكتب المدرسية وتقييمها وتقديم مقترحات لإعادة النظر في بعض النصوص جزئياً أو كلياً خلال الفترة الحالية. اما الثانية تتمثل في إجراءات المدى البعيد، وذلك بتأسيس الهيئة العليا شبه المستقلة لتطوير المناهج الدراسية وفق نظام خاص للهيئة يصدر خلال عامين كحد أقصى لتكتسب الصفة التشريعية والاستقلالية تمكنها من وضع سياسات محددة للمناهج ومتابعة تأليفها وتدريسها والتأكد من مطابقتها للسياسات الموضوعة.
وتحدد مهام ومسؤوليات الهيئة بتحليل المناهج الحالية والتعرف على واقعها وإعادة صياغتها بما يتفق مع فلسفة النظام التربوي الأردني واهدافه والتركيز في محتواها على تنمية منظومة القيم الوطنية والاجتماعية والأخلاقية بدءاً من مرحلة التعليم الأساسي.
الى جانب غرس مقومات المواطنة الصالحة والانتماء الوطني لدى الطالب وتعريفه بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوار الهادئ بعيداً عن العنف(..) وتعزيز القيم الإيمانية التي تؤكد على الوسطية والابتعاد عن التطرّف والإرهاب وتأصيل عقيدة الإيمان بالله وبجميع الرسالات والكتب السماوية مع تأكيد موقف جميع الأديان الرافضةلأنواع التمييز كافة مع التأكيد على مبادئ العدالة والمساواة.
اضافة الى :إدخال مواضيع في مناهج المرحلة الأساسية تعرف الطالب بالمهن المختلفة وأهميتها في حياة الإنسان بهدف بناء ثقافة مهنية لدى الطالب منذ المراحل المبكرة والالتزام بتوزيع النصوص والأمثلة شكلاً ومضموناً بأسلوب جميل ومشوق وبحيث تتناسب مع المرحلة العمرية للطالب وتثير تفكيره وتحفزه للبحث والاستقصاء والإبداع و التركيز على المهارات الأساسية وطرق اكسابها مع مراعاة الفروق الفردية للشرائح الطلابية ومشاركة كليات التربية في الجامعات الأردنية ووزارة التربية والتعليم «وأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين» في عملية تطوير المناهج. الرأي
عمان جو - تساؤلات عديدة يطرحها طلبة واولياء امور حول ماهية كثير من الموضوعات والنظريات التي تتضمنها المناهج الدراسية، لجهة مدى الاستفادة منها سواء في الصفوف اللاحقة والدراسة الجامعية او في الحياة العملية.
بالتدقيق في تلك التساؤلات، يتضح أنها ليست وليدة تحليل لمدى اهميتها، إنما مرتبطة باساليب تناولها وطرحها في المناهج الدراسية، التي باتت «تقليدية» تمتاز ب»حشو المعلومات» في صفحاتها، وتفرض اسلوب التلقين في تقديمها للطلبة، لتضفي عليها صفة «الملل»، والحفظ دون تمعن وادراك من الطلبة بحسب وصف خبراء في المناهج واساليب التدريس.
ويقود واقع المناهج الدراسية الى إنتشار ظواهر، يصف الخبراء، بأنها «كارثية» تتمثل في الاعتماد على ملخصات الكتب والمناهج «الدوسيهات»، وكذلك الدروس الخصوصية وبالاخص طلبة «التوجيهي»، رغم انها من إعداد معلمين يدرسون في المدارس.
إنتشار ظاهرة «الدوسيهات» وكذلك «الدروس الخصوصية»، تدلل على وجود تشوهات فنية في المناهج، وكذلك في مضمونها، التي تفرض اسلوبا تقليديا في تعلم الطلبة قائما على تلقين المعلومة، بعيدا عن التفكير المعرفي.
وتعكس مشاهدات في صباحات الايام الدراسية، وكذلك اثناء المغادرة، حجم المعاناة التي يتكبدها الطلبة، تحديدا في الصفوف الاساسية الاولى، إذ الكم الهائل من الكتب الذي تحتويه الحقيبة المدرسية، إنما هو في غالب الاحيان عبء ثقيل على ظهور الطلبة، لا ينتج بالضرورة هذا الحمل تغييرا في منهجية التعليم والتفكير وتنمية المعرفة والبحث والابداع والنشىُ، إنما مجرد اوزان ثقيلة يتثاقل منها الطلبة واولياء الامور كما ونوعا.
ويتفق خبراء على أن تطوير المناهج الدراسية بات ضرورة ملحة، إلا انهم يشترطون ان يكون التطوير وفق منهجية مؤسسية تراعي وتواكب متطلبات العصر وتعزز بناء المعارف، لا تلقي المعلومات وتلقينها لغايات حفظها.
ويشخصون واقع المناهج الحالية بأنها تعتمد على الكم وليس النوع، وهنالك فجوة كبيرة بين الاهداف التي تتضمنها مقدمات المناهج من جهة ومضامين ومحتوياتها، ما يؤشر إلى أن «الافكار المرجوة غير مترجمة في المحتوى».
مصادر معرفة متعددة للمناهج
ويؤكد وزير التربية والتعليم الاسبق الدكتور محمد جمعة الوحش ضرورة إعادة النظرة في المناهج في ظل ان مصادر المعرفة متعددة، وان طلبة مرحلة الروضة او التمهيدي وما بعدها لديهم من المعرفة اضعاف اقرانهم قبل عشرين عاما، اذ لا بد من النظر الى التقدم المعرفي على اساس انه مصادر للمعرفة.
ويشير الوحش الى انه ليس هنالك تنسيق في لجان وضع الكتاب، إذ هنالك موضوعات متكررة في المادة نفسها وكذلك تكرار لها في مواد صفوف اخرى.
ويؤكد ضرورة الاعتماد عند وضع المنهاج على الخطوط العريضة المستنبطة من الدستور، موضحا ان زمن «حشو المعلومات انتهى، لافتا الى أن العبء الدراسي في دول اوروبية يصل الى 7 حصص في اليوم، إلا ان الطلبة لا يبذلون جهدا كبيرا بسبب اسلوب التدريس التشاركي والتفاعلي.
التأخير يراكم المشاكل
فيما يقول استاذ المناهج وطرق تدريس العلوم في جامعة ال البيت الدكتور سليمان القادري أن المناهج الدراسية تفتقر الى مهارات القرن الحادي والعشرين، ولا تترجم بناء المعرفة، مبينا ان المهارات التي يتوجب ان تتضمنها المناهج تعزيز التفكير والتفكير الناقد ومهارة اتخاذ القرار وتحديد المشكلة والتفكير الابداعي والمحاججة والتساؤل والبناء المعرفي.
ويرى الدكتور القادري ان المناهج الحالية تمتاز بـ»حشو المعلومات» والاعتماد على الكم وليس النوع، لافتا الى وجود تناقض وفجوة «كبيرة» بين ما تتضمنه مقدمات المناهج والكتب من أهداف من جهة ومحتويات ومضامين المناهج، عدا ان المقدمات تحدد أهدافا غير موجودة بالمحتويات، التي هي (المحتويات)، غير مرتبطة بالحياة العملية ولا تنمي شخصية الطالب ولا تعزز الانتماء.
ويقول « ان ترجمة الافكار في المحتويات غير ناجحة»، لافتا الى ان فكرة المناهج في الولايات المتحدة تقوم على اساس «القليل هو الكثير»، (less I more)، محذرا من عملية التأخير في عملية البدء بالتطوير لان التأخير يراكم المشاكل».
ويرى ان ظاهرة اللجوء إلى «الدوسيهات» والمختصرات بأنها «كارثية» لجهة تكريس اسلوب التلقين وتغييب التفكير، ولا تنمي مهارات العقل في التفكير.
حشو على حساب المعرفة
وتتفق خبيرة المناهج والتدريس الدكتورة روناهي مجدلاوي مع ما ذهب اليه القادري، عند تشخيصها لواقع حال المناهج،، إذ تقر بأن المناهج تمتاز بحشو المعلومات على حساب المعرفة وترى أنها «غير ممتعة ومملة»، لافتة الى تجارب دول عربية كانت ناجحة في تطوير مناهجها، بما يتوافق مع متطلبات العصر، التي تسعى الى تحفيز الطالب لاكتساب المعرفة ومصممة بطريقة مشوقة وتحاكي ميول الطالب ورغباته في الحصول على المعرفة.
واكدت ان النظريات الحديثة لا تستند الى تقديم المعلومة، إنما لتعزيز عملية التفكير للوصول الى المعلومات، وبترابطية منطقية، تجعل الطالب والمعلم يتشاركونفي الوصول الى المعرفة، ليتمكن الطالب من الوصول الى المعلومة، بحيث تكون ثابتة في ذهنه ومقتنع بأهميتها ويتعامل معها ويرتبها حسب ادراكه وفمهة وتفكيره.
وتشير مجدلاوي أن محاولات التطوير السابقة كانت شكلية، وليست بالجوهر، ولا تستند الى النظرية البنائية، إذ إن المناهج يجب ان تعزز مهارات التفكير والابداع، ليكون التساؤل كم سجلت لدينا حالات ابداع خلال الفترة الماضية؟ في ظل العدد الكبير من الطلبة وكذلك المعلمين.
وتشير الى أن هذا الواقع يعزز ثقافة واسلوب التلقين، الذي يكرس منهجية التحفيظ والحصول على المعلومة للحصول على العلامة، دون اسهام في انتاج المعرفة، التي تصبح فيما بعد سلعة تتمثل في مشروع او فكرة.
وتتساءل، في ظل هذا الواقع ماذا أعددنا لاكثر من مليون طالب يرتادون المدارس، التي يفترض ان تكون «حواضن للابداع»؟ وأكدت ان عملية تطوير المناهج باتت ضرورة ملحة بدون اي تأخير، إذ ان العيوب في المناهج تراكمية والانتظار والتأجيل يراكم العيوب ويعمقها، (...) وهنالك طلبة اميون في مدارسنا، حتى في المراحل الثانوية».
ودعت الى إحداث ثورة بيضاء في العملية التعلمية، تشمل المناهج وبيئة التعلم والمعلم والادارة التربوية، خصوصا وان هنالك دراسات تتحدث ان (30%) من المجتمع سيكونون من الفئة العمرية بين (5-25) عاما، وهي الفئة التي تشمل مراحل التعليم من التمهيدي الى الجامعة، وعليه ماذا اعددنا لهم خلال السنوات القادمة، وهل مناهجنا قادرة وهل يوجد منصات معرفية تفاعلية لعملية التعلم هل يوجد منصات تواصل اجتماعي لتوظيفها في عملية التعلم والتعليم ؟
وترى ان هذه المكونات تشكل عناصر تكاملية، فالمعلم لم يعد في المنظور الحديث المصدر الوحيد للمعرفة، فبيئة التعلم ايضا غير مقصورة على الغرفة الصفية، التي يجب ان يتم تطويرها بما توفر مساحة وظروف ليكتشفوا المعرفة، وليس لحفظ المعلومات، في حين ان مدارسنا اشبه بالسجون مطوقة بالاسوار الاسمنتية، فيجب ان تكون مدراسنا صديقة للبيئة وهنالك مساحات خضراء ومناطق العاب ومكاتب محفزة وغيرها.
استراتيجية الموارد البشرية
ما ذهب اليه الخبراء يتوافق الى حد بعيد مع ما تضمنته الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، التي تؤكد ان تطوير المناهج التعليمية وتحديثها لا يعني على الإطلاق التخلي عن الثوابت الوطنية والقومية، بل يؤكد عليها ويرسخها ضمن إطار معرفي حديث، يهدف إلى جسر الفجوة ما بين متطلبات الواقع والنتاجات التعلمية، لإعداد جيل يمتلك المعارف والقدرات الأساسية والمهارات اللغوية والتكنولوجيا الحديثة، ويتمتع بشخصية واثقة وقادرة على التفكير والنقد والتحليل والتعايش مع مكونات المجتمع ضمن تنوعها الثقافي والديني والعرقي، وعصي عن الانحراف والتطرف.
وتشخص التحديات بأن عملية تطوير المناهج الدراسية لا تتم بشكل يُلبي المقاربة المعيارية مع الممارسات الفضلى والاحتياجات الوطنية التنموية التي عبرت عنها وثيقة الأردن 2025/رؤية، الى جانب ان ارتباط المناهج وتطويرها بوزارة التربية والتعليم جعلها محصورةً ضمن أطر تفكير محددة و نطاق مقيَّد غير مستقل وغير متفقة مع فلسفة النظام التربوي وأهدافه.
وتعتبر ان المناهج الحالية تفتقر إلى التأكيد على مفاهيم التسامح والتعايش والتعاون واحترام الآخر ونبذ الأفكار المتطرفة(..) وإن المساحة التي تخصصها المناهج الحالية للتركيز على مهارات التفكير النقدي البناء والاستنباط والاستكشاف والإبداع لدى الطالب غير كافية.
وتوضح انه رغم محاولات تطوير المناهج إلا أن السمة العامة لأغلبها ما زال يغلب عليها حشو المعلومات التي تتطلب مجرد الحفظ(..) وعدم مواكبة المناهج الحالية للمستجدات التعليمية والتربوية الحديثة وتفتقر إلى توظيف تكنولوجيا المعلومات في عملية التدريس.
وتشير الى هناك فجوة واضحة ما بين محتوى المناهج وأساليب التدريس الخاصة بالمحتوى نتيجة ضعف خبرات القائمين على تأليف الكتب المدرسية وأدلة المعلمين.
ما هو المطلوب لاحداث التغيير؟
يؤكد الدكتور القادري ضرورة البدء بعملية تطوير المناهج بمنهجية علمية قائمة على اسس ومعايير واضحة، مقترحا تهيئة فرق بإشراك جميع القطاعات لتحديد ما هو المطلوب وماذا نريد خلال العقدين المقبلين، ومن ثم تنظيم لقاء لمتخصصين من الجامعات ووزارة التربية والتعليم وخبراء لوضع الخطوط العريضة، المتمثلة في مهارات ونتاجات التعلم المرغوب بها، وبعدها يصار الى تشكيل فرق تاليف واشراف واخضاعها الى دورات تدريبية على كيفية التأليف على اساس النظرية التربوية الحديثة التي تلبي مهارات القرن الحادي والعشرين، واثناء التأليف يتم مراجعة المناهج من قبل لجان متخصصة وتطبيقها على مجموعة مدارس «دراسة استطلاعية» واخذ التغذية الراجعة لتطويرها بشكل نهائي، ومن ثم بعد التطبيق يتم التطوير في ظل التغذية الراجعة والمتطلبات المستقبلية.
وحذر الدكتور القادري من تدخل الواسطة والمحسوبيات في عملية تشكيل فرق التأليف والاشراف، وان لا تكون عملية الاختيار مرتبطة بالوزراء والامناء العامين، إنما تعتمد على ثلاثة اركان: الخبرة والرغبة والقدرة.
بالمقابل، توصي الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية بضرورة تشكيل «هيئة عليا شبه مستقلة لتطوير المناهج الدراسية»من مختصين في وزارة التربية والتعليم وخبراء آخرين من ذوي الكفاءات والخبرات التربوية والأكاديمية والعلمية، والمطلعين على تجارب الأمم المتقدمة في هذا المجال، بحيث يكون للهيئة صفة تشريعية واستقلالية تمكنها من وضع سياسات محددة للمناهج ومتابعة تأليفها وتدريسها والتأكد من مطابقتها للسياسات الموضوعة التي تهدف إلى تنقيتها من الأفكار المتطرفة التي تشكل خطراً على المجتمع مع التأكيد على مفاهيم التسامح والتعايش والتعاون واحترام الآخر وترسيخ الانتماء الوطني والقيم الإنسانية والتركيز على المهارات اللغوية ومهارات التفكير النقدي البناء والاستنباط والاستكشاف بدلاً من أسلوب التلقين والحفظ بالإضافة إلى مواكبة المستجدات التعليمية والتربوية الحديثة وتوظيف تكنولوجيا المعلومات في العملية التعليمية.
وتقترح أن يتم تطوير المناهج على مرحلتين، الاولى على المدى القريب، بتشكيل لجان متخصصة من تربويين وأكاديميين وخبراء تقوم بإجراء دراسة تقييمية وتحليلية لجميع عناصر المناهج والكتب المدرسية وتقييمها وتقديم مقترحات لإعادة النظر في بعض النصوص جزئياً أو كلياً خلال الفترة الحالية. اما الثانية تتمثل في إجراءات المدى البعيد، وذلك بتأسيس الهيئة العليا شبه المستقلة لتطوير المناهج الدراسية وفق نظام خاص للهيئة يصدر خلال عامين كحد أقصى لتكتسب الصفة التشريعية والاستقلالية تمكنها من وضع سياسات محددة للمناهج ومتابعة تأليفها وتدريسها والتأكد من مطابقتها للسياسات الموضوعة.
وتحدد مهام ومسؤوليات الهيئة بتحليل المناهج الحالية والتعرف على واقعها وإعادة صياغتها بما يتفق مع فلسفة النظام التربوي الأردني واهدافه والتركيز في محتواها على تنمية منظومة القيم الوطنية والاجتماعية والأخلاقية بدءاً من مرحلة التعليم الأساسي.
الى جانب غرس مقومات المواطنة الصالحة والانتماء الوطني لدى الطالب وتعريفه بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوار الهادئ بعيداً عن العنف(..) وتعزيز القيم الإيمانية التي تؤكد على الوسطية والابتعاد عن التطرّف والإرهاب وتأصيل عقيدة الإيمان بالله وبجميع الرسالات والكتب السماوية مع تأكيد موقف جميع الأديان الرافضةلأنواع التمييز كافة مع التأكيد على مبادئ العدالة والمساواة.
اضافة الى :إدخال مواضيع في مناهج المرحلة الأساسية تعرف الطالب بالمهن المختلفة وأهميتها في حياة الإنسان بهدف بناء ثقافة مهنية لدى الطالب منذ المراحل المبكرة والالتزام بتوزيع النصوص والأمثلة شكلاً ومضموناً بأسلوب جميل ومشوق وبحيث تتناسب مع المرحلة العمرية للطالب وتثير تفكيره وتحفزه للبحث والاستقصاء والإبداع و التركيز على المهارات الأساسية وطرق اكسابها مع مراعاة الفروق الفردية للشرائح الطلابية ومشاركة كليات التربية في الجامعات الأردنية ووزارة التربية والتعليم «وأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين» في عملية تطوير المناهج. الرأي
التعليقات
(المناهج) .. بانتظار التطوير نحو الحداثة والمعرفة بعيداً عن الحشو والتلقين والتأجيل يؤخر التقدم
التعليقات