عمان جو-محرر الاخبار البرلمانية
دعا رئيس الوزراء الأسبق الدكتور معروف البخيت لإعادة قراءة التاريخ الأردني وتكثيف الدراسات والأبحاث ومواصلة عملية التوثيق، لما من شأنه إبراز الشخصية الوطنية المنتمية لأمتها وثقافتها، والمتمكنة عبر سلاح الوعي من مجابهة التحديات التي تمر بها المنطقة.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها ضمن احتفالات الجامعة الأردنية بذكرى تعريب قيادة الجيش العربي ومعركة الكرامة، حضرها رئيس الجامعة الدكتور عزمي محافظة وعدد من أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة.
وقال إن شهر آذار ارتبط تاريخيا لدى الأردنيين بأحداث كبيرة وخالدة ومهمة لا بد من إعادة قراءتها وتسليط الضوء عليها ضمن ظروفها التاريخية وبمقتضيات زمانها.
واضاف إن هذا البلد ورث رسالة الثورة العربية الكبرى، ولن يكون إلا في المقدمة دفاعا عن مصالحه وثوابته وعن قضايا أمته العادلة.
وتابع: إن قرار تعريب الجيش تجاوز في حيثياته وسياقه الإعلان السياسي؛ فكان عملية متكاملة، تطلبت إرادة سياسية مبادرة، وقرارا شجاعا وتنفيذا احترافيا، ومثّل حلقة من حلقات استكمال استقلال الأردن التي بدأت عام 1923، والاعتراف بالإدارة المحلية لشؤون البلاد.
ولفت الى ان استقلال الأردن عملية مستمرة ومتصلة، تتأكد بالمواقف والإنجازات، ونحن اليوم نواصلُ مسيرةَ الاستقلال، خلف قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، في واحدة من أصعب المراحل التاريخية التي تشهدها أمتنا، نجابهُ التحديات ونحمي منجزاتنا ونصونُ أمننا الوطني، ونزهو بقواتنا المسلحة الأردنية، بالتفاف الأردنيين الواثق والمطمئن حول القيادة الهاشمية.
وذكر أن قرار تعريب الجيش تطلب أعلى قدر من الشجاعة، ليس فقط فيما يخص العلاقة مع بريطانيا العظمى؛ ولكن أيضاً، بالنظر إلى التهديدات التي كانت تعصف بالأردن في حقبة الخمسينيات، والتي استدعت من بعض السياسيين الوطنيين آنذاك، أن يبدوا تخوّفهم إزاء قرار كهذا من شأنه أن يرفع الحماية العسكرية والسياسية البريطانية عن البلد، وفي ذروة الاستهدافات المحيطة، لولا أن ثقة الحسين القائد، بشعبه وبجيشه، كانت هي الرهان الحقيقي الذي أثبت دقّته.
وزاد البخيت أن قرار تعريب الجيش، جاء في وقت كان الأردنُ أحوجَ ما يكون فيه للمعونة الاقتصادية البريطانية، في ظل غياب بدائل عربية أو دولية، ومع ذلك، اتخذنا قرارَنا الذي أملته علينا مبادئُنا ومصالحُنا العليا، بمعزل عن الاعتبارات المالية، على أهميّتها.
وأشار إلى أن الأوراقُ المفرجُ عنها حديثاً والمراسلاتُ السياسية والدبلوماسيةُ تكشف معلوماتٍ وتفاصيلَ مهمةً، عن قرار تعريب الجيش، وسياقه وظروفه، وكلُها تؤكد أن هذا القرارَ التاريخيَ مثّل مفاجأةً كبيرة، بلغت حدَّ الصدمة، للمسؤولين البريطانيين من دبلوماسيين وعسكريين، حيث اتسمَ بالسريّة التامة.
وقال البخيت: سعت جهاتٌ عديدةٌ للاستدراك، وثني الحسين عن متابعة القرار، والسماح بعودة الجنرال جلوب، وهو ما جابهه الحسين بشجاعة ورفضه، وقد تمسّك بقراره بعد صدوره، ضمن ظروفٍ إقليمية ودولية شائكة ومعقدة، مع تحدياتٍ جسيمةٍ ألقت بظلالها على الأردن.
وحول معركة الكرامة، قال: لا بد من استحضار الظرف التاريخي الذي جاءت ضمن سياقه؛ حيث كانت قواتنا المسلحة، قد خرجت للتوّ، من هزيمة لا تستحقها، هي هزيمة الأمة العربية، التي استُدرِجت إلى الحرب، تحت ضغط فلسفة التوريط والخطابات الرنانة، متسلحةً بالإعلام والهتافات والوعيد، بدلاً من العتاد والخطط والجيوش.
ومضى قائلا: كانت هزيمة عام 1967م، بالفعل، جرحاً عميقاً في وجدان الجيش العربي، الذي أبلى البلاء الأفضل، وقدم التضحيات المشهودة، وهو نفس الجيش الذي سبق له أن حقق الانتصارات الميدانية الوحيدة، عام 1948م، محافظاً على القدس وأراضي الضفة الغربية.
وأوضح البخيت أن أداءَ الجيش العربي في معركة الكرامة، ونمطَ القتال غير الكلاسيكي الذي خاضه بنجاح، وبطريقة كبّدت العدو خسائرَ غير متوقعة دفعته للانسحاب؛ قد أسّس، تالياً، لنمط جديد في أداء الجيوش العربية، وفي الاشتباك مع العدو، فبدأت منذ ذلك العام 'حرب الاستنزاف'، والتي اعتمدت النمط القتالي ذاتُه الذي اعتمده جيشُنا في تصديه للعدو..
وقال: في حرب الكرامة، واجه الأردنيون تفوق الدروع الإسرائيلة بمجموعات صغيرة من قانصي الدروع (2-3 افراد) تم تشكيلها من مرتبات المشاة، في محور وادي شعيب، بالانتشار بين المزارع في الشونة الجنوبية، والتمركز والكمون حتى تصل الدبابات لمدى أسلحتهم، فأوقعوا خسائر غير مسبوقة في دروع وآليات الإسرائيليين.
واشار الى ان جيشنا العربي استطاع في الكرامة أن يمنع العدو من تحقيق هدفه العسكري المباشر باجتثاث قواعد الفدائيين والقضاء عليها نهائيّاً، وقدم الفدائيون صوراً من التضحية والإقدام في المواجهة، التي تكرّس بعدها العملُ الفدائي كقوة على الأرض، تحول دون تصفية القضية الفلسطينية، واستغلال موازين القوى الناشئة عن هزيمة حزيران، لتكريس الهزيمة في مستويات أخرى.
من جهة ثانية، قال البخيت إن المنطقة شهدت تغيراتٍ عميقةً خلال السنوات الخمس الأخيرة، ونجم عنها واقعٌ جديدٌ لا بد من قراءته في ضوء هذه التحولات.
وأضاف أن الملفَ الفلسطيني كان الأكثر تأثراً بفعل الارتباط العضوي بين القضية الفلسطينية وسائر قضايا وتطورات الأحداث في المنطقة عموماً، وهو ما نبّه له جلالة الملك عبدالله الثاني مراراً وتكراراً، مشدّداً على أولوية أن تبقى القضيةُ الفلسطينية القضيّةَ المركزية، وأن لا تلفت التطورات المتتالية في اكثر من مكان في الشرق الأوسط النظرَ والاهتمامَ عن القضية الفلسطينية.
وأوضح أن هذه القضيةَ المحوريةَ تواجه اليوم جملةً من التحديات الجسيمة، فاستمرار الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني هو أخطرها وأكثرها ضرراً على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني وعلى المصالح العليا للدولة الأردنية في الوقت ذاته.
وقال إن الانقسامُ الفلسطيني– الفلسطيني ألحق أذى بالغاً بالمشروع الوطني الفلسطيني، وبمسألة التمثيل الفلسطيني، وبجوهر العلاقة بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي والإقليمي.
وكان محافظة قد قدم البخيت في مداخلة عرج فيها على سيرته الأكاديمية والمهنية والعسكرية والسياسية.
--(بترا)
عمان جو-محرر الاخبار البرلمانية
دعا رئيس الوزراء الأسبق الدكتور معروف البخيت لإعادة قراءة التاريخ الأردني وتكثيف الدراسات والأبحاث ومواصلة عملية التوثيق، لما من شأنه إبراز الشخصية الوطنية المنتمية لأمتها وثقافتها، والمتمكنة عبر سلاح الوعي من مجابهة التحديات التي تمر بها المنطقة.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها ضمن احتفالات الجامعة الأردنية بذكرى تعريب قيادة الجيش العربي ومعركة الكرامة، حضرها رئيس الجامعة الدكتور عزمي محافظة وعدد من أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة.
وقال إن شهر آذار ارتبط تاريخيا لدى الأردنيين بأحداث كبيرة وخالدة ومهمة لا بد من إعادة قراءتها وتسليط الضوء عليها ضمن ظروفها التاريخية وبمقتضيات زمانها.
واضاف إن هذا البلد ورث رسالة الثورة العربية الكبرى، ولن يكون إلا في المقدمة دفاعا عن مصالحه وثوابته وعن قضايا أمته العادلة.
وتابع: إن قرار تعريب الجيش تجاوز في حيثياته وسياقه الإعلان السياسي؛ فكان عملية متكاملة، تطلبت إرادة سياسية مبادرة، وقرارا شجاعا وتنفيذا احترافيا، ومثّل حلقة من حلقات استكمال استقلال الأردن التي بدأت عام 1923، والاعتراف بالإدارة المحلية لشؤون البلاد.
ولفت الى ان استقلال الأردن عملية مستمرة ومتصلة، تتأكد بالمواقف والإنجازات، ونحن اليوم نواصلُ مسيرةَ الاستقلال، خلف قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، في واحدة من أصعب المراحل التاريخية التي تشهدها أمتنا، نجابهُ التحديات ونحمي منجزاتنا ونصونُ أمننا الوطني، ونزهو بقواتنا المسلحة الأردنية، بالتفاف الأردنيين الواثق والمطمئن حول القيادة الهاشمية.
وذكر أن قرار تعريب الجيش تطلب أعلى قدر من الشجاعة، ليس فقط فيما يخص العلاقة مع بريطانيا العظمى؛ ولكن أيضاً، بالنظر إلى التهديدات التي كانت تعصف بالأردن في حقبة الخمسينيات، والتي استدعت من بعض السياسيين الوطنيين آنذاك، أن يبدوا تخوّفهم إزاء قرار كهذا من شأنه أن يرفع الحماية العسكرية والسياسية البريطانية عن البلد، وفي ذروة الاستهدافات المحيطة، لولا أن ثقة الحسين القائد، بشعبه وبجيشه، كانت هي الرهان الحقيقي الذي أثبت دقّته.
وزاد البخيت أن قرار تعريب الجيش، جاء في وقت كان الأردنُ أحوجَ ما يكون فيه للمعونة الاقتصادية البريطانية، في ظل غياب بدائل عربية أو دولية، ومع ذلك، اتخذنا قرارَنا الذي أملته علينا مبادئُنا ومصالحُنا العليا، بمعزل عن الاعتبارات المالية، على أهميّتها.
وأشار إلى أن الأوراقُ المفرجُ عنها حديثاً والمراسلاتُ السياسية والدبلوماسيةُ تكشف معلوماتٍ وتفاصيلَ مهمةً، عن قرار تعريب الجيش، وسياقه وظروفه، وكلُها تؤكد أن هذا القرارَ التاريخيَ مثّل مفاجأةً كبيرة، بلغت حدَّ الصدمة، للمسؤولين البريطانيين من دبلوماسيين وعسكريين، حيث اتسمَ بالسريّة التامة.
وقال البخيت: سعت جهاتٌ عديدةٌ للاستدراك، وثني الحسين عن متابعة القرار، والسماح بعودة الجنرال جلوب، وهو ما جابهه الحسين بشجاعة ورفضه، وقد تمسّك بقراره بعد صدوره، ضمن ظروفٍ إقليمية ودولية شائكة ومعقدة، مع تحدياتٍ جسيمةٍ ألقت بظلالها على الأردن.
وحول معركة الكرامة، قال: لا بد من استحضار الظرف التاريخي الذي جاءت ضمن سياقه؛ حيث كانت قواتنا المسلحة، قد خرجت للتوّ، من هزيمة لا تستحقها، هي هزيمة الأمة العربية، التي استُدرِجت إلى الحرب، تحت ضغط فلسفة التوريط والخطابات الرنانة، متسلحةً بالإعلام والهتافات والوعيد، بدلاً من العتاد والخطط والجيوش.
ومضى قائلا: كانت هزيمة عام 1967م، بالفعل، جرحاً عميقاً في وجدان الجيش العربي، الذي أبلى البلاء الأفضل، وقدم التضحيات المشهودة، وهو نفس الجيش الذي سبق له أن حقق الانتصارات الميدانية الوحيدة، عام 1948م، محافظاً على القدس وأراضي الضفة الغربية.
وأوضح البخيت أن أداءَ الجيش العربي في معركة الكرامة، ونمطَ القتال غير الكلاسيكي الذي خاضه بنجاح، وبطريقة كبّدت العدو خسائرَ غير متوقعة دفعته للانسحاب؛ قد أسّس، تالياً، لنمط جديد في أداء الجيوش العربية، وفي الاشتباك مع العدو، فبدأت منذ ذلك العام 'حرب الاستنزاف'، والتي اعتمدت النمط القتالي ذاتُه الذي اعتمده جيشُنا في تصديه للعدو..
وقال: في حرب الكرامة، واجه الأردنيون تفوق الدروع الإسرائيلة بمجموعات صغيرة من قانصي الدروع (2-3 افراد) تم تشكيلها من مرتبات المشاة، في محور وادي شعيب، بالانتشار بين المزارع في الشونة الجنوبية، والتمركز والكمون حتى تصل الدبابات لمدى أسلحتهم، فأوقعوا خسائر غير مسبوقة في دروع وآليات الإسرائيليين.
واشار الى ان جيشنا العربي استطاع في الكرامة أن يمنع العدو من تحقيق هدفه العسكري المباشر باجتثاث قواعد الفدائيين والقضاء عليها نهائيّاً، وقدم الفدائيون صوراً من التضحية والإقدام في المواجهة، التي تكرّس بعدها العملُ الفدائي كقوة على الأرض، تحول دون تصفية القضية الفلسطينية، واستغلال موازين القوى الناشئة عن هزيمة حزيران، لتكريس الهزيمة في مستويات أخرى.
من جهة ثانية، قال البخيت إن المنطقة شهدت تغيراتٍ عميقةً خلال السنوات الخمس الأخيرة، ونجم عنها واقعٌ جديدٌ لا بد من قراءته في ضوء هذه التحولات.
وأضاف أن الملفَ الفلسطيني كان الأكثر تأثراً بفعل الارتباط العضوي بين القضية الفلسطينية وسائر قضايا وتطورات الأحداث في المنطقة عموماً، وهو ما نبّه له جلالة الملك عبدالله الثاني مراراً وتكراراً، مشدّداً على أولوية أن تبقى القضيةُ الفلسطينية القضيّةَ المركزية، وأن لا تلفت التطورات المتتالية في اكثر من مكان في الشرق الأوسط النظرَ والاهتمامَ عن القضية الفلسطينية.
وأوضح أن هذه القضيةَ المحوريةَ تواجه اليوم جملةً من التحديات الجسيمة، فاستمرار الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني هو أخطرها وأكثرها ضرراً على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني وعلى المصالح العليا للدولة الأردنية في الوقت ذاته.
وقال إن الانقسامُ الفلسطيني– الفلسطيني ألحق أذى بالغاً بالمشروع الوطني الفلسطيني، وبمسألة التمثيل الفلسطيني، وبجوهر العلاقة بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي والإقليمي.
وكان محافظة قد قدم البخيت في مداخلة عرج فيها على سيرته الأكاديمية والمهنية والعسكرية والسياسية.
--(بترا)
عمان جو-محرر الاخبار البرلمانية
دعا رئيس الوزراء الأسبق الدكتور معروف البخيت لإعادة قراءة التاريخ الأردني وتكثيف الدراسات والأبحاث ومواصلة عملية التوثيق، لما من شأنه إبراز الشخصية الوطنية المنتمية لأمتها وثقافتها، والمتمكنة عبر سلاح الوعي من مجابهة التحديات التي تمر بها المنطقة.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها ضمن احتفالات الجامعة الأردنية بذكرى تعريب قيادة الجيش العربي ومعركة الكرامة، حضرها رئيس الجامعة الدكتور عزمي محافظة وعدد من أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة.
وقال إن شهر آذار ارتبط تاريخيا لدى الأردنيين بأحداث كبيرة وخالدة ومهمة لا بد من إعادة قراءتها وتسليط الضوء عليها ضمن ظروفها التاريخية وبمقتضيات زمانها.
واضاف إن هذا البلد ورث رسالة الثورة العربية الكبرى، ولن يكون إلا في المقدمة دفاعا عن مصالحه وثوابته وعن قضايا أمته العادلة.
وتابع: إن قرار تعريب الجيش تجاوز في حيثياته وسياقه الإعلان السياسي؛ فكان عملية متكاملة، تطلبت إرادة سياسية مبادرة، وقرارا شجاعا وتنفيذا احترافيا، ومثّل حلقة من حلقات استكمال استقلال الأردن التي بدأت عام 1923، والاعتراف بالإدارة المحلية لشؤون البلاد.
ولفت الى ان استقلال الأردن عملية مستمرة ومتصلة، تتأكد بالمواقف والإنجازات، ونحن اليوم نواصلُ مسيرةَ الاستقلال، خلف قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، في واحدة من أصعب المراحل التاريخية التي تشهدها أمتنا، نجابهُ التحديات ونحمي منجزاتنا ونصونُ أمننا الوطني، ونزهو بقواتنا المسلحة الأردنية، بالتفاف الأردنيين الواثق والمطمئن حول القيادة الهاشمية.
وذكر أن قرار تعريب الجيش تطلب أعلى قدر من الشجاعة، ليس فقط فيما يخص العلاقة مع بريطانيا العظمى؛ ولكن أيضاً، بالنظر إلى التهديدات التي كانت تعصف بالأردن في حقبة الخمسينيات، والتي استدعت من بعض السياسيين الوطنيين آنذاك، أن يبدوا تخوّفهم إزاء قرار كهذا من شأنه أن يرفع الحماية العسكرية والسياسية البريطانية عن البلد، وفي ذروة الاستهدافات المحيطة، لولا أن ثقة الحسين القائد، بشعبه وبجيشه، كانت هي الرهان الحقيقي الذي أثبت دقّته.
وزاد البخيت أن قرار تعريب الجيش، جاء في وقت كان الأردنُ أحوجَ ما يكون فيه للمعونة الاقتصادية البريطانية، في ظل غياب بدائل عربية أو دولية، ومع ذلك، اتخذنا قرارَنا الذي أملته علينا مبادئُنا ومصالحُنا العليا، بمعزل عن الاعتبارات المالية، على أهميّتها.
وأشار إلى أن الأوراقُ المفرجُ عنها حديثاً والمراسلاتُ السياسية والدبلوماسيةُ تكشف معلوماتٍ وتفاصيلَ مهمةً، عن قرار تعريب الجيش، وسياقه وظروفه، وكلُها تؤكد أن هذا القرارَ التاريخيَ مثّل مفاجأةً كبيرة، بلغت حدَّ الصدمة، للمسؤولين البريطانيين من دبلوماسيين وعسكريين، حيث اتسمَ بالسريّة التامة.
وقال البخيت: سعت جهاتٌ عديدةٌ للاستدراك، وثني الحسين عن متابعة القرار، والسماح بعودة الجنرال جلوب، وهو ما جابهه الحسين بشجاعة ورفضه، وقد تمسّك بقراره بعد صدوره، ضمن ظروفٍ إقليمية ودولية شائكة ومعقدة، مع تحدياتٍ جسيمةٍ ألقت بظلالها على الأردن.
وحول معركة الكرامة، قال: لا بد من استحضار الظرف التاريخي الذي جاءت ضمن سياقه؛ حيث كانت قواتنا المسلحة، قد خرجت للتوّ، من هزيمة لا تستحقها، هي هزيمة الأمة العربية، التي استُدرِجت إلى الحرب، تحت ضغط فلسفة التوريط والخطابات الرنانة، متسلحةً بالإعلام والهتافات والوعيد، بدلاً من العتاد والخطط والجيوش.
ومضى قائلا: كانت هزيمة عام 1967م، بالفعل، جرحاً عميقاً في وجدان الجيش العربي، الذي أبلى البلاء الأفضل، وقدم التضحيات المشهودة، وهو نفس الجيش الذي سبق له أن حقق الانتصارات الميدانية الوحيدة، عام 1948م، محافظاً على القدس وأراضي الضفة الغربية.
وأوضح البخيت أن أداءَ الجيش العربي في معركة الكرامة، ونمطَ القتال غير الكلاسيكي الذي خاضه بنجاح، وبطريقة كبّدت العدو خسائرَ غير متوقعة دفعته للانسحاب؛ قد أسّس، تالياً، لنمط جديد في أداء الجيوش العربية، وفي الاشتباك مع العدو، فبدأت منذ ذلك العام 'حرب الاستنزاف'، والتي اعتمدت النمط القتالي ذاتُه الذي اعتمده جيشُنا في تصديه للعدو..
وقال: في حرب الكرامة، واجه الأردنيون تفوق الدروع الإسرائيلة بمجموعات صغيرة من قانصي الدروع (2-3 افراد) تم تشكيلها من مرتبات المشاة، في محور وادي شعيب، بالانتشار بين المزارع في الشونة الجنوبية، والتمركز والكمون حتى تصل الدبابات لمدى أسلحتهم، فأوقعوا خسائر غير مسبوقة في دروع وآليات الإسرائيليين.
واشار الى ان جيشنا العربي استطاع في الكرامة أن يمنع العدو من تحقيق هدفه العسكري المباشر باجتثاث قواعد الفدائيين والقضاء عليها نهائيّاً، وقدم الفدائيون صوراً من التضحية والإقدام في المواجهة، التي تكرّس بعدها العملُ الفدائي كقوة على الأرض، تحول دون تصفية القضية الفلسطينية، واستغلال موازين القوى الناشئة عن هزيمة حزيران، لتكريس الهزيمة في مستويات أخرى.
من جهة ثانية، قال البخيت إن المنطقة شهدت تغيراتٍ عميقةً خلال السنوات الخمس الأخيرة، ونجم عنها واقعٌ جديدٌ لا بد من قراءته في ضوء هذه التحولات.
وأضاف أن الملفَ الفلسطيني كان الأكثر تأثراً بفعل الارتباط العضوي بين القضية الفلسطينية وسائر قضايا وتطورات الأحداث في المنطقة عموماً، وهو ما نبّه له جلالة الملك عبدالله الثاني مراراً وتكراراً، مشدّداً على أولوية أن تبقى القضيةُ الفلسطينية القضيّةَ المركزية، وأن لا تلفت التطورات المتتالية في اكثر من مكان في الشرق الأوسط النظرَ والاهتمامَ عن القضية الفلسطينية.
وأوضح أن هذه القضيةَ المحوريةَ تواجه اليوم جملةً من التحديات الجسيمة، فاستمرار الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني هو أخطرها وأكثرها ضرراً على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني وعلى المصالح العليا للدولة الأردنية في الوقت ذاته.
وقال إن الانقسامُ الفلسطيني– الفلسطيني ألحق أذى بالغاً بالمشروع الوطني الفلسطيني، وبمسألة التمثيل الفلسطيني، وبجوهر العلاقة بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي والإقليمي.
وكان محافظة قد قدم البخيت في مداخلة عرج فيها على سيرته الأكاديمية والمهنية والعسكرية والسياسية.
--(بترا)
التعليقات